أجندة التجارة الأفريقية غير المُكتملة | مركز سمت للدراسات

أجندة التجارة الأفريقية غير المُكتملة

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 فبراير 2022

هيبوليت فوفاك 

 

تَعِد اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير من العام الماضي، بتسريع تنويع اقتصادات المنطقة، والحد من تأثير دورات أسعار السلع الأساسية على النمو. وفي حين تهيمن السلع الأولية والموارد الطبيعية على التجارة الخارجية في أفريقيا، كانت أول شحنة بموجب اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية – من غانا إلى جنوب أفريقيا – تشمل سلعاً مصنّعة من النوع الذي يقود التجارة بين البلدان الأفريقية إلى حد كبير.

لذلك، يأمل العديد من المراقبين في أن تعمل مبادرة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية – من خلال إنشاء سوق موحدة تضم 55 دولة يبلغ مجموع سكانها أكثر من 1.3 مليار نسمة وناتج محلي إجمالي مُجمع يبلغ 3.4 تريليونات دولار – على تحفيز التصنيع مع استفادة الشركات من وفورات الحجم لتقاسم مخاطر الاستثمار في الأسواق الأصغر حجماً. وتحقيقاً لهذه الغاية، ستعمل اتفاقية التجارة على إلغاء التعريفات الجمركية المفروضة على 90 % من السلع (الهدف النهائي هو تحرير 97 %).

ومن المرجح أن تعمل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية على تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف أنحاء أفريقيا – تُشير الأدلة التجريبية في بلدان أخرى إلى أن الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة يمكن أن يرفع هذه الاستثمارات بنحو الربع – وتحويل تركيزها من الموارد الطبيعية إلى الصناعات التحويلية كثيفة العمالة. علاوة على ذلك، تنطوي الاتفاقية على إمكانية تحويل الاقتصادات الأفريقية، وزيادة حصة القارة في التجارة العالمية بشكل كبير، وتعزيز قدرتها التفاوضية في مفاوضات التجارة الدولية.

وفي حين وصفت العديد من الدول اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية باعتبارها أداة لتغيير قواعد اللعبة في أفريقيا، فإن تحرير التجارة وحده لن يضمن بالضرورة النجاح الاقتصادي.

من المؤكد أن الاتفاقية حظيت بقدر كبير من الاهتمام في الأوساط الأكاديمية والسياسية. فقد قام البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بتجميع دراسات مُستفيضة حول التأثير المحتمل لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وقد نشرت مجلة التجارة الأفريقية مؤخراً عدداً خاصاً عن «منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والتجارة الأفريقية»، والذي قمت بتحريره بالاشتراك مع أندرو مولد من اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.

تُشير كل هذه التحليلات إلى الأثر الحاسم والإيجابي للاتفاقية على التنمية الاقتصادية. وعلى وجه التحديد، تُعد النتائج التجريبية وفقاً لنماذج التوازن العام القابلة للحساب – والتي تسمح بتأثيرات تحويل وخلق التجارة المترتبة على الصدمات الجمركية وغير الجمركية من خلال استغلال الميزة النسبية للبلدان وتعديلات الأسعار – مُشجعة للغاية. وتُظهر التقديرات الإجمالية للعناوين الرئيسة المُستمدة من هذه النماذج أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ستسهم في زيادة معدل الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بنسبة 0.5 % بعد التنفيذ الكامل لها في عام 2045، مقارنة بسيناريو لا يشمل التكامل التجاري القاري.

سوف يعرف معدل الأجور الحقيقية ارتفاعاً بالنسبة للعمال المهرة وغير المهرة على حد سواء، وخاصة بالنسبة للعمال غير المهرة، مما يشير إلى تحول نحو نمو أكثر شمولاً. يقدر البنك الدولي أن من شأن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أن تنتشل 30 مليون شخص من براثن الفقر المدقع وحوالي 68 مليون شخص من الفقر المعتدل بحلول عام 2035، مع استفادة النساء أكثر من الرجال. ويمكن أن يكون للتكامل التجاري أيضاً تأثير كبير على مستوى الأسر والشركات، حيث من المتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق الاستهلاكي والتجاري إلى 6.7 تريليونات دولار بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تنمو التجارة داخل أفريقيا بقوة في ظل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، مع زيادة الصادرات داخل القارة بنسبة 34 % (أي ما يعادل حوالي 133 مليار دولار سنوياً) مقارنة بسيناريو لا يتضمن أي اتفاقية. علاوة على ذلك، من المرجح أن يتم تحقيق حوالي ثلثي المكاسب التجارية بين البلدان الأفريقية في قطاع الصناعة التحويلية – والذي يعد تاريخياً العامل الأكثر فاعلية للخروج من الفقر. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لعلاقة مُعززة للرفاهية ومُتداعمة بين التجارة والتصنيع داخل المنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى نمو مستدام لوظائف التصنيع ذات الأجر الجيد مع توسيع القواعد الضريبية للبلدان وتحسين حساباتها الخارجية.

ومع ذلك، تؤدي الحواجز غير التعريفية الكبيرة والاختلافات التنظيمية والمعايير الصحية والصحة النباتية، والمعايير الفنية المتباينة إلى زيادة تكاليف التجارة عبر الحدود داخل أفريقيا بنحو 14.3 %، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط التعريفة الجمركية البالغ 6.9 %. من شأن إزالة هذه القيود وتعميق عملية دمج الشركات الأفريقية في سلاسل القيمة العالمية أن يُعزز إلى حد كبير التجارة بين البلدان الأفريقية، ويدفع عجلة النمو. ويقدر البنك الدولي أن التنفيذ الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية قد يرفع معدل الدخل الحقيقي لأفريقيا بنسبة 7 % (حوالي 450 مليار دولار) بحلول عام 2035، مع اتخاذ تدابير لتيسير التجارة للحد من الروتين وتبسيط الإجراءات الجمركية المسؤولة عن 292 مليار دولار من هذه الزيادة.

إن من شأن التغلب على العجز المزمن في الهياكل الأساسية في أفريقيا – المادية والرقمية على حد سواء – أن يعزز قوة خلق التجارة، ويساعد على ضمان التنفيذ الناجح لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. ومن خلال معالجة القيود التي تعاني منها القارة في جانب العرض، يمكن لصُناع السياسات تعزيز كل من الإنتاج والخدمات اللوجستية في منطقة تضم عدداً من البلدان غير الساحلية (16) أكبر من أي منطقة أخرى. وبينما يسعى المستثمرون إلى الاستفادة من الميزات التي تُتيحها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ينبغي أن يكون تحقيق التكامل بين الأسواق وتحسين القدرة على التواصل على رأس الأولويات.

كما يُعد توضيح قواعد المنشأ الخاصة باتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية – التي تحدد ما إذا كانت المنتجات معفاة من الرسوم الجمركية بموجب الاتفاقية – أمراً أساسياً لتسريع عملية التصنيع وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية. وعلى الرغم من التحديات الناجمة عن أزمة فيروس «كوفيد 19»، فقد أحرز المفاوضون تقدماً كبيراً بشأن اتفاقية قواعد المنشأ، والتي من المقرر إبرامها في وقت لاحق من هذا العام. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق أمام مفاوضات المرحلة الثانية بشأن المحركات الرئيسة للنمو في المستقبل، بما في ذلك البروتوكولات الخاصة بالاستثمار وسياسة المنافسة وحقوق الملكية الفكرية.

وكما يُشير الاندفاع إلى إبرام اتفاقيات تجارية ثنائية مع بلدان طرف ثالث، فإن التحدي الأكثر أهمية في مجال التكامل التجاري في أفريقيا قد يكون التحدي الدائم المتمثل في وضع المصلحة الجماعية للمنطقة في المقام الأول. وعلى الرغم من أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لا تمنع الدول الأعضاء من الدخول في هذا النوع من المفاوضات، فإن الصفقات الثنائية مع أطراف ثالثة يمكن أن تؤثر في أنماط التجارة الأفريقية، وتضع سوابق لقواعد التجارة والاستثمار الإقليمية.

ومن الناحية العملية، يمكن أن تؤدي إلى تحويل مسار التجارة، نظراً إلى أن شرط الدولة الأولى بالرعاية في اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية يوسع تلقائياً الامتيازات التعريفية الممنوحة لطرف ثالث إلى أعضاء اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

وكما قال جيفري ساكس: «من دون أدنى شك، إذا أصبحت أفريقيا متكاملة اقتصادياً، فسوف تُصبح رائدة عالمية وأكبر منطقة اقتصادية على مستوى العالم». وحتى وقت كتابة هذا التقرير، صادقت 41 دولة على اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية. ولكن إذا كان لهذه الاتفاقية أن تصبح نقطة انطلاق لاندماج أفريقيا الأعمق في الاقتصاد العالمي، فيتعين على الحكومات استكمال تحرير التجارة بتدابير قوية لتسهيل التجارة، وتعزيز التنسيق الإقليمي من أجل التعامل مع الشركاء الخارجيين ككتلة تجارية مُوحدة.

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر