تضع “أبل” الأساس للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة الجديدة، التي ستسمح لمستخدمي “آيفون” باختيار التطبيقات من خارج متجر التطبيقات الخاص بها، حيث يسعى المطورون إلى تجنب الرسوم التي تصل إلى 30 في المائة التي تفرضها عملاقة التكنولوجيا الأميركية.
تأتي هذه الخطوة استجابة لقانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، الذي تم تمريره كقانون الشهر الماضي، وهو جزء من أكبر تعديل شامل للقوانين التي تحكم أكبر شركات التكنولوجيا في العالم منذ أكثر من عقدين.
يمثل قانون الأسواق الرقمية، الذي لن يتم تطبيقه حتى آذار (مارس) 2024، أكبر تهديد لسيطرة شركة أبل على نظام تشغيلها المنغلق في الأعوام الـ15 الماضية.
يعتقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن شركة أبل ستتأثر بشكل غير متناسب بالقواعد الجديدة، فقد قال شخص مشارك بشكل مباشر في صياغة القواعد “إنهم في وضع لن يكون من السهل عليهم الهرب فيه”، مضيفا أنه “من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خسارة مليارات الدولارات من العوائد كل عام”.
تقاتل “أبل” للحفاظ على جميع تنزيلات التطبيقات والمدفوعات داخل متجرها للتطبيقات لأعوام، بحجة أن عمليتها “التنظيمية” كانت بالغة الأهمية لسلامة المستخدمين. واجهت انتقادات مستمرة وتحديات قانونية من مطوري التطبيقات، بمن فيهم “إيبك جيمز” صانعة “فورت نايت” وخدمة الموسيقى “سبوتيفاي”.
شكلت شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة فرقا مكرسة للامتثال لتشريعات بروكسل الجديدة، لكنها تعمل على تحديد التفاصيل، حيث تفسر ما تنطوي عليه القوانين الشاملة، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر. تم التصريح عن هذه الخطوة لأول مرة من قبل “بلومبيرج”. امتنعت “أبل” عن التعليق.
قال نيكولاس ريول، رئيس مؤسسة إنترأكتيف أدفيرتايزنج بيرو يوروب الإعلانية التي تعتقد أن أبل تسيء استخدام سلطتها، “إن هذا أمر كبير وضروري جدا للابتكار”.
تعد أوروبا، التي تضم 450 مليون مستخدم للهواتف الذكية، ثاني أكبر سوق لشركة أبل بعد الأمريكتين قيمتها 95 مليار دولار. حذر الاتحاد الأوروبي من أن الانتهاكات المتكررة لقانون الأسواق الرقمية الخاص به قد تؤدي إلى عقوبات تصل إلى 20 في المائة من إيراداتها العالمية. في حالة شركة أبل، سيكون ذلك 80 مليار دولار.
قال نيكولاس روديلي من شركة سي إف آر إيه للأبحاث “إن الأرباح التشغيلية العالمية لشركة أبل قد تشهد ضربة هائلة بنسبة 15 في المائة بسبب قانون الأسواق الرقمية”، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي جاد في تطبيق القواعد المصممة لتوليد مزيد من المنافسة.
من المتوقع أن تبحث “أبل” عن طرق يمكنها من خلالها أن تحد من التغييرات.
تنص قواعد الاتحاد الأوروبي على أن “حراس البوابات” – المنصات الكبيرة عبر الإنترنت – “يجب أن يسمحوا ويمكنوا فنيا من وضع تطبيقات برامج الأطراف الأخرى أو متاجر تطبيقات برامجها واستخدامها بفاعلية”.
كلمة “أو” في القاعدة يمكن أن تمنح “أبل” مجالا للالتفاف لتقديم ما يسمى بالتحميل الجانبي – حيث يقوم المستخدمون بتثبيت البرامج من خلال متصفح إنترنت – لكن ليس من خلال متاجر التطبيقات المنافسة.
هناك جزء آخر من قانون الأسواق الرقمية من شأنه أن يؤثر في أعمال “أبل” هو مطلب السماح للمطورين بتثبيت أنظمة دفع تابعة لجهات خارجية، بدلا من إجبارهم على استخدام أنظمتها.
إن أحد أكبر الأسئلة هو إذا ما كانت “أبل” ستفرض رسومها المعتادة التي تراوح بين 15 و30 في المائة على التطبيقات المثبتة خارج متجر تطبيقاتها؟
قال روديلي “إنه من المرجح أن تتخذ شركة أبل نهجا بسيطا، تلتزم فيه فقط حيثما يجب ذلك، لكن باستخدام ثغرات أمنية لإبقاء جهاز آيفون منغلقا قدر الإمكان”.
سبق لشركة أبل أن أوضحت أنها ستناضل من أجل ما تعده مدفوعات حقوق ملكية فكرية مشروعة.
قال تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، في محاكمتها المتعلقة بشركة إيبك جيمز العام الماضي، “إن رسوم الشراء داخل التطبيق التي تراوح بين 15 و30 في المائة لم تكن مجرد رسوم معالجة الدفع، بل هي عمولة أكبر للأدوات التي تصنعها أبل وخدمة العملاء”.
وأضاف “لو لم تكن رسوم الشراء داخل التطبيق موجودة، فسيتعين علينا أن نبتكر نظاما آخر لفوترة المطورين، وأعتقد أن الأمر سيكون (…) فوضويا”.
إن حادثة اصطدام “أبل” بسلطة المنافسة الهولندية خلال العام الماضي توفر رؤية حول كيفية انطباق قواعد اللعبة التنظيمية للشركة على قانون الأسواق الرقمية.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلمت الجهات التنظيمية الهولندية شركة أبل بأن منع تطبيقات المواعدة من استخدام أنظمة دفع بديلة “غير معقول”. ومنحت عملاق التكنولوجيا شهرين للسماح للمستهلكين بالدفع خارج متجر التطبيقات.
امتثلت شركة أبل بعد أن دفعت في البداية 50 مليون يورو كغرامات لتخلفها عن الموعد النهائي الذي حددته لها الهيئة الهولندية للمستهلكين والأسواق. مع ذلك، فقد استبدلت عمولتها البالغة نسبتها 30 في المائة برسوم قدرها 27 في المائة، ولم يتبق سوى ما يصل إلى ثلاث نقاط مئوية من الإيرادات الإضافية للمطورين، التي سيتعين أيضا دفع رسوم معالجة الدفع منها.
طلبت “أبل” أيضا رسائل منبثقة تحذر المستخدمين من أنهم “لن يتعاملوا مع أبل بعد الآن”. وتضمنت المسودات الأولى تحذيرا من أن “عمليات الشراء من خلال متجر تطبيقات أبل هو الذي تؤمن عليه أبل فقط”، فيما عده النقاد “محاولة لثني المستخدمين عن مغادرة منصة أبل ولم يتم تغييرها إلا بعد ضغوط من السلطات الهولندية”.
يتوقع كثير في الصناعة أن تحاول “أبل” – التي لها تاريخ من التقاضي الشديد – الطعن في بعض جوانب قانون الأسواق الرقمية من خلال المحاكم.
تشير الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي إليها على أنها الشركة التي لديها بعض المحامين الأكثر عدائية والذين يسعون للخروج عن القواعد أو التخفيف من حدتها. قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي “إن هذا أدى إلى مواجهات بين المفوضية الأوروبية وأبل حول كيفية تنفيذ القواعد الجديدة”.
قال روديلي “إنني أتوقع التقاضي والنزاعات حول تفاصيل التنفيذ. فربما لا تطعن شركة أبل في التشريع نفسه، لكن يمكنها أن تطعن مثلا، فيما يعنيه وجود تدابير أمنية معقولة”.
تتطلب “أبل” إجراءات حماية إضافية على “الآيفون” لأن الجهاز المخترق يمكن أن يمنح الوصول إلى موقع المستخدم على مدار اليوم، إضافة إلى المعلومات الصحية أو المالية الشخصية للغاية.
حتى لو سمحت “أبل” بمتاجر التطبيقات التابعة لجهات خارجية، يتوقع إريك وودرينج، المحلل في بنك مورجان ستانلي، ألا يستخدمها أي شخص.
ووصف أي إصلاح محتمل بأنه “نباح أكثر من كونه لدغة “، مضيفا أن “عملاء أبل يتمتعون بالأمان والمركزية والراحة التي يوفرها متجر التطبيقات، ويقدرون أن تنخفض إيراداتها 1 في المائة فقط في أسوأ السيناريوهات”.
يمكن أن يتمثل خيار آخر في امتثال “أبل” تماما لقواعد بروكسل مع اختيارها فرض رسوم على التطبيقات التي لا تدفع أي شيء حاليا، كالتطبيقات المصرفية أو خدمات نقل الأفراد.
يشير آخرون إلى أن “أبل” قد تختار خفض جميع رسومها إلى 10 أو 15 في المائة إذا كان تطبيق الاتحاد الأوروبي شديد القسوة.
يمكن لهذه الخطوة أن تحبط أي منافسة ناشئة من متاجر التطبيقات البديلة وحتى تجلب مصادر جديدة للإيرادات من أمثال “سبوتيفاي” و”نتفليكس”، وهي التطبيقات الكبيرة، حيث يمكن للمستهلكين الاشتراك فيها والدفع على الويب.
تخلت كلتا مجموعتي البث عن عمليات الشراء داخل التطبيق على “أبل”، لأنهما تعدان الرسوم باهظة، لكن بن باجارين في مجموعة كرييتف ستراتيجيز للأبحاث قال “إن 10 إلى 15 في المائة يمكن أن تكون أكثر احتمالا، إذا نتجت عنها زيادة في عدد الزيارات”.
وأضاف أن “هذا هو المال الذي لم تكن أبل لتمتلكه”، ويمكنك القول “إنهم قد يجنون أموالا أكثر مما يحصلون عليه من تلك التخفيضات.”