سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد فوزي
شهدت المملكة المغربية، في 8 سبتمبر الجاري (2021)، انطلاق الانتخابات التشريعية والبلدية الثالثة من نوعها في عهد الدستور المغربي الجديد، وهى الانتخابات التي وصفتها العديد من الدوائر السياسية بـ”التاريخية”، وذلك في ضوء التغيرات الكبيرة والمهمة التي عكستها، والتي ستترتب عليها، خصوصاً مع صعود حزب “التجمع الوطني للأحرار” إلى قمة المشهد السياسي في المغرب، والسقوط المدوي لحزب “العدالة والتنمية” الذي يتبنى توجهاً إسلامياً.
قد عكست هذه النتائج جملة من الدلالات المهمة المرتبطة بالتحول في موازين القوى في المشهد السياسي المغربي، وكذلك المرتبطة بالسياق الإقليمي العام وواقع حركات الإسلام السياسي في هذا السياق.
أسفرت الانتخابات البرلمانية المغربية عن نتائج اعتبرتها اتجاهات عديدة “تاريخية”، خصوصاً في ظل الهزيمة المدوية التي مُني بها حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، والذي تصدر المشهد السياسي للبلاد منذ 2011. ووفق النتائج التي أعلنها وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت فقد تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار” (الليبرالي) نتائج الانتخابات وذلك بعد حصوله على 97 مقعداً، فيما حل حزب “الأصالة والمعاصرة” ثانياً بـ82 مقعداً، ثم حزب “الاستقلال” ثالثاً بـ78 مقعداً، و”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” رابعاً بـ36 مقعداً، وحزب “الحركة الشعبية” خامساً بـ26 مقعداً، وحزب “التقدم والاشتراكية” سادساً بـ20 مقعداً، و”الاتحاد الدستوري” سابعاً بـ18 مقعداً، وحزب “العدالة والتنمية” ثامناً بـ12 مقعداً، فيما حصلت الأحزاب الأخرى على 12 مقعداً.
جدير بالذكر أن النظام الدستوري في المغرب يقضي بأن يقوم العاهل المغربي فور انتهاء الانتخابات والإعلان عن نتائجها، بتعيين رئيس الحكومة الجديدة من الحزب المتصدر للانتخابات، ثم يكلف رئيس الحكومة بإعداد لائحة تضم مقترحات بشأن أسماء الوزراء.
خسر حزب “العدالة والتنمية” ما يقرب من 90% من مقاعده في مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى)، حيث حصل الحزب الإسلامي على 12 مقعداً فقط في الانتخابات الأخيرة، بعدما ظفر بـ125 مقعداً في انتخابات 2016، وخسر أيضاً بلديات مدن كبرى. وقد وصل تراجع الحزب إلى حد أن رئيس الحكومة نفسه، وهو الأمين العام المستقيل للحزب سعد الدين العثماني أخفق في نيل مقعد برلماني، بعدما ترشح في دائرة المحيط بالعاصمة الرباط، وهي الدائرة التي تمكن من الظفر بمقعدها أحد المرشحين الشباب، في هذا السياق يوجد جملة من الاعتبارات التي يمكن قراءة هذه الخسارة المدوية لـ”العدالة والتنمية” في ضوءها، وذلك على النحو التالي:
1- تراكم الفشل: ترتبط الهزيمة الساحقة التي تعرض لها حزب “العدالة والتنمية” المغربي، بشكل رئيسي، بحالة السخط الكبيرة في الأوساط المغربية المختلفة من سياسات “العدالة والتنمية” على مدار السنوات العشر الماضية التي قضاها الحزب في رئاسة الحكومة، خصوصاً عندما أقدم الحزب على تبني بعض الإجراءات الاقتصادية – الاجتماعية المرهقة مثل رفع الدعم عن المحروقات، ورفع سن التقاعد، والاعتماد على نظام التعاقد مع المعلمين بدلاً من إدماجهم في “الوظيفية الحكومية”، وهو الأمر الذي كان يضمن الاستقرار لهذه الفئة.
ويبدو أن الأحزاب المنافسة لـ”العدالة والتنمية” قد أدركت حجم الغضب الذي خلّفته هذه السياسات، ولذلك ركزت في برامجها ودعاياتها الانتخابية على القضايا الاجتماعية – الاقتصادية، خصوصاً قضايا تجاوز تداعيات جائحة كورونا، وتوفير فرص عمل، ورفع الأجور والمرتبات، وأدوار قطاعات الصناعة والفلاحة في تحقيق الاستدامة والاستقرار اقتصادياً واجتماعياً، وذلك من أجل تكوين رأس مال اجتماعي جديد لها في الانتخابات، وهي سياسات دفعت المغربيين إلى التصويت عقابياً ضد “العدالة والتنمية” في النهاية.
2- التورط في قضايا فساد: كان الشعار الذي ركز عليه حزب “العدالة والتنمية” في انتخابات 2011 والتي فاز بها، هو “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد”، حيث سعى الحزب في ذلك الوقت إلى تصدر المشهد السياسي المغربي عبر رفع شعارات مكافحة الفساد والاستبداد، وتوظيف التورط الكبير لمنافسيهم في قضايا فساد. وقد خدم السياق الإقليمي في ذلك الوقت هذا التوجه، وذلك في ظل صعود ما عُرف بـ”احتجاجات الربيع العربي”، وتصاعد مطالبات المغربيين بمواجهة الفساد وفتح المجال العام أمام المزيد من الحريات السياسية، لكن وبعد وصول الإسلاميين إلى السلطة، بدأت قضايا الفساد تلاحقهم، وهو ما تجسد في تقلد العديد من الشخصيات المُتهمة في هذا النوع من القضايا لمناصب رفيعة في الدولة مثل صلاح الدين مزاور وزير الخارجية في حكومة عبد الإله بنكيران الثانية.
3- الأزمات البنيوية العميقة لـ”العدالة والتنمية”: يعاني حزب “العدالة والتنمية”، منذ فترة، من أزمات بنيوية عميقة أثرت، بشكل أو بآخر، على نتائج الانتخابات الأخيرة. ومن أبرز هذه الأزمات، التفكك الداخلي، وتصاعد حركة الانشقاقات والانقسامات في الحزب الإسلامي. وقد بدأت هذه الانقسامات تطفو على السطح منذ إعلان المغرب إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في 22 ديسمبر 2020، ومباركة الحزب لهذه الخطوة وتأييده لها، وذلك على الرغم من أن أحد ثوابته المُعلنة هو رفض إقامة أي علاقات دبلوماسية وسياسية مع إسرائيل، وبالتالي فقد نظرت العديد من القطاعات والقواعد التنظيمية، خصوصاً من الشباب، إلى هذه الخطوة باعتبارها تعكس “براجماتية” شديدة تُعلي من اعتبار العلاقات مع مؤسسات أخرى في الدولة، على أي اعتبارات قيمية ومبدئية أخرى يرفعها الحزب على المستوى الشعبوي ويحاول من خلالها الحفاظ على دعم قواعده الانتخابية والتنظيمية. فضلاً عن ذلك، يعاني “العدالة والتنمية” من صراعات داخلية بين اتجاهات عديدة بعضها أيديولوجي والآخر حركي، وهي صراعات عمّقت من حالة الانقسام داخل الحزب، وانعكست بالسلب على موقف الشارع المغربي منه.
وقد أدت هذه الأسباب في مجملها إلى تراجع كبير في شعبية “العدالة والتنمية”، مما جعله يأتي في مرتبة متأخرة في المشهد السياسي المغربي، وهو الأمر الذي دفع أعضاء الأمانة العامة للحزب ورئيسه وأمينه العام سعد الدين العثماني، إلى تقديم استقالة جماعية، وذلك في أولى تداعيات هذه الهزيمة الانتخابية التاريخية.
تعكس الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها الإسلاميون في المغرب، بعض الدلالات المهمة، التي يتمثل أبرزها في:
1- حفاظ “التجمع الوطني” على قوته: تشير نتائج الانتخابات التشريعية المغربية إلى التراجع الكبير في شعبية “العدالة والتنمية” في الفترة من 2016 وحتى 2021، وهو التراجع الذي قابله نجاح الأحزاب المنافسة- لاسيما حزب “التجمع الوطني للأحرار”- في الحفاظ على قوتها الانتخابية بل وتعزيزها، وهو ما تجسد في حصول الأخير على 97 مقعداً في انتخابات 2021، مقابل 37 مقعداً في انتخابات 2016، وهو التقدم الذي ارتبط بالحملات الدعائية الكبيرة التي قام بها الحزب في 100 مدينة مختلفة من مدن المغرب، وتركيزه على القضايا الاجتماعية – الاقتصادية في هذه الحملات، فضلاً عن القدرات الاقتصادية الكبيرة للحزب بقيادة رجل الأعمال ووزير الفلاحة عزيز أخنوش.
2- التراجع الإقليمي لحركات الإسلام السياسي: لا يمكن قراءة الفشل الذريع لحزب “العدالة والتنمية” المغربي، بمعزل عن السياق الإقليمي والظرف الراهن لحركات الإسلام السياسي، سواءً على المستوى المغاربي، أو على المستوى العربي بشكل عام، وهو السياق الذي تشهد هذه التيارات في ظله تراجعاً وفشلاً ذريعاً.
إذ يأتي إخفاق “العدالة والتنمية” بالتزامن مع فشل آخر مشابه لحركة “النهضة” الإسلامية التونسية، وهو الفشل الذي ارتبط بتبني “النهضة” لسياسات أدخلت البلاد في دوامة من الصراعات والتجاذبات السياسية، والأزمات الاقتصادية الخانقة، مما دفع الرئيس قيس سعيّد إلى التحرك وتبني ما عُرف بـ”قرارات 25 يوليو” (2021).
وفي سياق متصل، يعاني الإسلاميون في الجزائر من واقع مأزوم، وذلك بعد خسارتهم للانتخابات التشريعية الأخيرة، ووجود إشارات إلى تبنيهم لأعمال عنف، واتهامهم بالانخراط في أعمال أضرت بالدولة. واتصالاً بالسياق المغاربي، يتسم المشهد العربي بشكل عام بتراجع كبير لتيارات الإسلام السياسي، خصوصاً في الدول التي انخرط فيها الإسلاميون بشكل كبير في المشهد العام منذ ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وهو ما يتجسد في حالات ليبيا، واليمن، وسوريا، وقبلها مصر.
إجمالاً، يمكن القول إن التجربة المغربية لإسقاط الإسلاميين تعكس قسماً من حالة الرفض العربي لهذه التيارات التي تستغل بعض الأزمات البنيوية التي تعاني منها المجتمعات العربية، من أجل توظيفها وتحقيق فكرة “التمكين” أو الوصول إلى الحكم، لكن فور انخراط هذه التيارات في المنظومة السياسية، يتضح عدم امتلاكها لأي مقاربات مفاهيمية أو واقعية للتعاطي مع أزمات المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي يترتب عليه حدوث فشل كبير في آليات إدارتها للمشهد السياسي، بما يعزز من حالة الرفض الشعبي لها، ويدفع في المقابل باتجاه تبني بعض هذه التيارات لخيار “العنف” من أجل الحفاظ على المكتسبات السياسية التي حققتها في سياقات معينة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر