سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ويليام بيزيك
تُعدُّ اليابان واحدة من أكثر الدول تجانسًا في الانفتاح على التجارة الخارجية واستقبال السياح، بل حتى المهاجرين. لكن طوكيو لا تزال بحاجة إلى المزيد من دفع السياسة نحو السطح. ويبدو أن صانعي السياسة اليابانيين في الكثير من الأحيان يعملون وكأنهم “المكافئ الاقتصادي” الذي اعتمد عليه “ونستون تشرشل” مع الأميركيين بعد استنفاد كافة الاحتمالات الأخرى.
لكن الواقع الراهن يشير إلى عدم وجود أي شيءٍ جديدٍ أو مبتكرٍ في الخطة التي يتبناها رئيس الوزراء “شينزو آبي” حاليًا، إذ لا تعدو كونها مجرد قائمة بالإصلاحات التي تعتمدها طوكيا خلال السنوات العشرين الأخيرة. وبدلاً من ذلك، استنفد اليابانيون كل البدائل الممكنة، كما أنه في مرات عديدة لم يعد التأخير خيارًا سهلًا. أمَّا “آبي” – حاليًا – وهو على رأس السلطة في “أمة متجانسة”، فيترك الأمر لوتيرة التقدم المتسارعة، ويعول على ما يفرضه الأمر الواقع. ومن هنا جاء اعتماده على استراتيجيات الهجرة التي تجنبتها الأحزاب الليبرالية خلال العقود السابقة.
وقد علَّق “آبي” توقيعه على اتفاقيات التجارة الحرة في إطار استراتيجية “التجارة الحمائية” التي يتبعها. ناهيك – طبعًا – عن تزايد أعداد السياح الوافدين على نطاق واسع، فضلاً عن استضافة كأس العالم لـ”الرجبي” عام 2019، وبطولة الأولمبياد عام 2020. لكن يبقى السؤال: هل اليابان مستعدة حقًا للانفتاح؟ ذلك أن الأمر معقد حقًا.
اليابان تفتح الأبواب
من الناحية النظرية، لا يوجد لدى “الحزب الليبرالي الديمقراطي” الحاكم باليابان خيار آخر، فاليابان تُعدُّ ثاني أكبر اقتصاد في آسيا من حيث تناقص معدل العمالة، حتى إن معدل البطالة الذي يمثل 2.3% يخفي خلفه حجمًا كبيرًا للمشكلة. وفي عام 2019 يتوقع أن يكون باليابان أقل من 600 ألف عامل، فضلاً عن وجود علامة فارقة أخرى، وهي أن خُمس سكان اليابان البالغ عددهم 126 مليونًا تتجاوز أعمارهم 70 عامًا أو أكثر.
وفي الوقت الذي تمر فيه حركة السياحة العالمية بأزمة، زار اليابان 28.7 مليون شخص عام 2017، بما يمثل قفزة بلغت 250% منذ عام 2012. كما أنفق هؤلاء السياح نحو 42 مليار دولار. ويمثل ذلك مجرد بداية، فكما تستضيف اليابان كأس العالم لـ”الرجبي” العام المقبل، ثم تليها دورة الألعاب الأولمبية 2020، تأمل طوكيو في استقبال 40 مليون زائر سنويًا بحلول ذلك الوقت. لكن السياح يغادرون، وإن طوفان العمالة الخارجي يؤثر – بلا شك – في نظرة المشرعين المحافظين الذين ينتمي إليهم “آبي”.
ولا ينظر هذا التيار إلى أبعد من “حالة الهوس” بمراجعة الدستور “السلمي” لتمكين طوكيو من إعادة تنظيم جيش تقليدي مرة أخرى. في الوقت الذي تشهد فيه اليابان حالة من الغضب بشأن حكم صادر عن المحكمة العليا في كوريا الجنوبية يلزم شركة يابانية بتعويض العمال الذين أُجبروا على المشاركة في الحرب العالمية الثانية.
لكن رغم نزعته المحافظة، فإن “آبي” يتكيف – حاليًا – مع السياسة الاقتصادية الواقعية المتزامنة مع تنامي الهيمنة الصينية؛ وهو ما يعني أن فلسفة “اليابان المنغلقة” لم تعد خيارًا. ولفتح سوق محلي كان متعارف عليه، قام “آبي” بإقناع الحزب الديمقراطي الليبرالي بالانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، ووقع اتفاقية تجارة حرة ضخمة مع الاتحاد الأوروبي. ومرة أخرى، كان ينبغي على طوكيو أن تفعل ذلك منذ عقود، لكن رغم ذلك، فإن انفتاحها الآن أمر جيد.
تقلص حجم العمالة
ومع ذلك، فإنه ومن خلال مخاوف “الحزب الديمقراطي الليبرالي” من قضايا الهجرة، نجد أن حزب “آبي” يستهدف أكثر من 345 ألف عامل أجنبي من ذوي الياقات الزرقاء لدعم هيكل العمالة المتقلص في المجتمع الياباني، في إطار تدفقات متباعدة على مدى خمس سنوات، وذلك من أجل إحياء الإنتاج الوطني تدريجيًا. كما أنه ليس بكافٍ لتعويض النقص المتوقع من العمالة الذي يقدَّر بين 1.3 مليون و1.35 مليون خلال السنوات الخمس القادمة. ومثال على ذلك، قطاع التمريض، الذي يُتوقع أن يشهد أكبر ضخ للمواهب الأجنبية؛ فمع تراجع عدد السكان نجد تراجعًا موازيًا للعمالة في هذا القطاع من 50 ألف إلى 60 ألف موظف على مدى السنوات الخمس القادمة. والحال نفسه بالنسبة لقطاع المطاعم، حيث يتم استيراد ما بين 41 ألفًا و53 ألفًا. كما ستنخفض حصة صناعة الإنشاءات ما بين 30 ألفًا و40 ألفًا عن احتياجات التوظيف الحالية.
وبالطبع، تكمن المشكلة في الرأي العام، إذ ستبقى اليابان من بين أكثر الدول تطورًا في هذا المجال؛ ذلك أن معظم الناخبين يفضلون تلك الطريقة. وقد بينت الكثير من استطلاعات الرأي، اعتقاد الغالبية أن اليابان باتت أقل أمنًا، وكذلك أقل قابلية للتنبؤ، وأقل تماسكًا أيضًا. وخلال أقل من خمس سنوات من الازدهار السياحي، تشهد مدن مثل “كيوتو” ضغوطًا متزايدة، وهو ما دفع مسؤولي البلدية للتوجيه بإجراء سلسلة من الدراسات حول قطاع السياحة.
التوترات الثقافية
يحتاج “شينزو آبي” إلى بناء شعبيته على أساس مزايا الانفتاح. فقد ركزت التقارير الإعلامية حول التقديرات الخاصة بتأشيرات العمال لـ”آبي” بشكل كبير على الجانب المظلم، إذ يترتب على ذلك زيادة محتملة في الجريمة، والسطو على وظائف عاملات المنازل، والتوترات الثقافية، فضلاً عن إساءة استخدام نظام الرعاية الصحية.
وباستخدام سلطاته ينبغي لـ”آبي” أن يدعو للتغيير بشكل ضروري لحماية مستويات المعيشة المرتفعة باليابان؛ ذلك أن الأمر لن يكون سهلاً، وفقًا لـ”هيفومي أوكونوكي”، الرئيس التنفيذي لشركة “توزين يونيون”، الذي وصف ذلك الوضع بأن آبي “يمشي على حبل مشدود”. ومع ذلك، يحتاج حزب “آبي” إلى رفع توقعاته الخاصة من النواحي السياسية.
أمَّا بالنسبة للمبتدئين، فإن الحزب الديمقراطي الليبرالي يخطئ – بالفعل – حينما يضع قيودًا كبيرة على تلك التدفقات؛ ذلك أنها تزيد من احتمالات الوقوع في الخطأ عن طريق إدخال فئتين من التأشيرات المحدودة نوعًا ما: الفئة الأولى للعمال ذوي المهارة الأدنى إلى المتواضعة، حيث تحد من إقامة الشخص لمدة خمس سنوات. كما أنها لا تسمح بمرافقة أفراد عائلته. أمَّا الفئة الثانية، فهي لذوي المهارات المرتفعة، وهي أكثر تساهلاً، وتشمل إقامة أطول، كما يمكن للعائلات أن ينضموا إلى ذويهم. لكنه ينبغي أن يتوافق مع متطلبات اللغة اليابانية، التي من المؤكد أن تجعل هونج كونج، وسنغافورة، أكثر جاذبية للكثير من المغتربين المحتملين.
إلى جانب ذلك، تبرز لدينا التحديات التي لا حصر لها، والتي يواجهها الأجانب أمام تأسيس شركات جديدة في اليابان، والتي ربَّما لن تفعل الكثير من أجل زيادة جاذبية طوكيو كمركز تجاري.
هنا تصبح المهمة الأولى لأي متجر هي إعداد أجنبي في اليابان عن طريق استيعاب المفاهيم الأساسية للمجتمع الياباني؛ وهو ما يسعى إليه السياسيون الذين يتبنون خطابًا براجماتيًا وذات جاذبية. فالمراقبون من أمثال “جيف كينغستون”، مدير الدراسات الآسيوية بجامعة تمبل في طوكيو، يستشعرون آفاق وتأثيرات حملة الهجرة التي يشير إليها الحزب الليبرالي الديمقراطي. فاليابان تشهد سياسة تهدف إلى تجنب وجود جيوب أجنبية كبيرة غير مقيدة، لكن المشكلة أنه من دون هذه العمالة تعاني اليابان من مشكلات اقتصادية كبيرة، كما يقول “كينغستون”.
تبقى مشكلة أخرى وهي الديون؛ إذ يجب على طوكيو أن تركز على أعباء الدين الأكبر في العالم المتقدم مع تضاؤل عدد السكان المتقدمين في السن. وبالتالي، فمن دون زيادة الهجرة، أو وجود زيادة كبيرة في معدلات الولادة، تلجأ طوكيو إلى خفض التصنيف الائتماني في المستقبل. فيقوم بنك اليابان بتأجيل هذه الديناميكية عن طريق شراء ما يزيد على 5 تريليونات دولار من سندات دين الحكومة، فيما يمثل كنزًا أكبر من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد، لكنه ليس حلاً على المدى الطويل.
وتتصادم هذه المخاوف على المدى الطويل مع الرياح المعاكسة والمتنامية على المدى القصير؛ إذ تقلص الاقتصاد بنسبة سنوية تبلغ 1.2% بين يوليو وسبتمبر الماضيين. ورغم أن طوكيو تلقي باللوم على الأعاصير والزلازل وحروب التجارة العالمية، فإن الاقتصاد ضعيف؛ لأن شركة “أبينوميكس” حققت القليل من الانتصارات.
لقد ركز “آبي” بشكل أكبر على أعراض الضيق في اليابان أكثر من الأسباب الكامنة وراءه، منذ ديسمبر 2012، فقد عين رئيسًا جديدًا للبنك المركزي وعمل على تخفيف الحافز المالي، وتعهد بدفع جانب العرض إلى الانكماش الذي أجلته طوكيو لعقود من الزمن.
مع ذلك، وبشكل عام، فقد أبطأ “آبي” التغييرات الهيكلية لجعل اليابان أكثر قدرة على المنافسة والابتكار والجدارة. فخلال الأيام الأخيرة قام “آبي” بتطوير عدة مشاريع ضخمة في مجال الأشغال العامة الضخمة على غرار ما كان خلال التسعينيات لتعزيز النمو. فالأساس المنطقي لذلك، هو أن “الاقتصاد الظاهري والعيني”، هو الأفضل من حيث الاستفادة من أصحاب المصالح الخاصة القوية وتوجيه الوضع القائم.
وأخيرًا، فإن “آبي” يسعى للتكيف مع الواقع المالي والديمغرافي ويرحب بالعمال الأجانب. ومرة أخرى، فإننا نرى طوكيو تسير في الاتجاه الصحيح، بعد استنفاد كافة الاحتمالات الأخرى. لكن على اليابان، حتى تعمل في مجال الهجرة، أن تسعى إلى بذل المزيد من الجهد للترحيب بالعمالة الأجنبية وإبقائها هناك.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر