مشاركة الجمهور في القرار المفتاح لتنظيم شركات التكنولوجيا | مركز سمت للدراسات

مشاركة الجمهور في القرار المفتاح لتنظيم شركات التكنولوجيا

التاريخ والوقت : الخميس, 9 فبراير 2023

رنا فوروهار

 

غالبا ما يتم استخدام التعقيد للتعتيم. الصناعات مثل التمويل، والمستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا على وجه الخصوص مليئة بأمثلة على هذا.

فتماما كما يمكن للمبرمجين تشفير التعليمات البرمجية أو إزالة البيانات الوصفية لحماية طريقة عمل ملكيتهم الفكرية، كذلك يمكن للمطلعين -من التكنولوجيين إلى الاقتصاديين إلى المحامين- الدفاع عن نماذج أعمالهم باستخدام المصطلحات الصناعية والتفسيرات البيزنطية لمفاهيم بسيطة، من أجل إخفاء الأشياء التي قد لا يريدون أن يفهمها الجمهور.

ولهذا من المهم للغاية أن وزارة العدل الأمريكية، في القضية الثانية الرئيسة لمكافحة الاحتكار المرفوعة ضد شركة جوجل الشهر الماضي، لم تطلب فقط أن تفكك الشركة نشاطها الإعلاني، بل أن تقرر هيئة محلفين من الناس أيضا إذا ما كان يجب عليها فعل ذلك. هذا أمر غير معتاد للغاية بالنسبة إلى قضايا مكافحة الاحتكار التي عادة ما يقررها القاضي.

إنها خطوة محفوفة بالمخاطر، لأنها تعني أن جوناثان كانتر رئيس قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل، سيتعين عليه تفكيك عمل مزاد الإعلانات عبر الإنترنت بإشراك الأشخاص العاديين. لكنها أيضا ذكية للغاية. إذ يميل القضاة الفيدراليون الذين يستمعون لمثل هذه القضايا المعقدة لمكافحة الاحتكار إلى أن يكونوا من كبار السن والمحافظين، الذين من المرجح تاريخيا أن يتوافقوا مع الشركات الكبرى.

وكما أوضح لي أحد الباحثين القانونيين، فإن هؤلاء القضاة يترددون في أن ينظر إليهم على أنهم أشخاص لا يفهمون التعقيد، حتى عندما تكون القضية في عالم بعيد جدا عن عالمهم. وهذا قد يجعلهم أكثر عرضة للاتفاق مع الحجج التي يطرحها الشهود الخبراء -الحائزون جائزة نوبل الذين يبنون نماذج المزادات، مثلا- أكثر من الأشخاص العاديين المستعدين للاعتراف بأنهم ببساطة لا يفهمون ذلك.

هذا ينطبق على تجربتي الخاصة بالتأكيد. لقد اندهشت خلال الـ30 عاما التي أمضيتها صحافية من عدد المرات التي يمكن فيها قول “لم أفهم، اشرح لي هذا مرة أخرى”. عندما لا يتمكن الخبراء من شرح مفهوم معقد بعبارات واضحة، فإما أنهم لا يفهمونه أنفسهم، وإما أنهم يحاولون التلاعب بالصحافي.

يقول سافرون هوانج، مهندس سابق في “ديب مايند” التابعة لشركة جوجل، يدير الآن منظمة مختصة بالسياسة هي “مشروع الذكاء الجماعي” الذي يهدف إلى تثقيف الناس بشأن التكنولوجيا “غالبا ما يستخدم التكنولوجيون كثيرا من اللغة السحرية لشرح المفاهيم الأساسية. لكنها ليست سحرا. إنها علم جبر خطي”.

تفكيك التعقيد أمر جاد جدا بالنسبة إلى وزارة العدل الحالية. قال كانتر في خطاب ألقاه قبل عام حول تحديث إرشادات عمليات الاندماج “فكر فيما يحدث عندما تتحقق من توقعات الطقس أو تشتري قهوتك الصباحية. في ثوان، سواء رأيتها أم لا، فإنك تتفاعل مع عشرات الخدمات المميزة التي تشترك في تفاعلات معقدة وعلاقات تجارية. يقدم كثير منها فرصة لإيجاد القوة السوقية أو استغلالها”.
لم يكن كانتر يضع نموذج الأعمال الخاص برأسمالية المراقبة بعبارات واضحة للجمهور فحسب، بل يريدهم أن يفكروا في كيفية تطوير سياسة مكافحة الاحتكار. قال “آراء المستهلكين، والعاملين، والمبتكرين وغيرهم على أرض الواقع الذين يشعرون بأضرار تركيز السوق تقدم منظورا قيما للغاية لجهودنا. هذه رسالتنا إلى الجمهور الأمريكي بأسره: يرجى مشاركة آرائكم، إننا بحاجة إلى مساهمتكم، ونهتم بما تفكرون فيه”.

هذا نهج مختلف تماما عن النهج الذي اتخذه المنظمون والساسة تجاه التعقيد في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. في ذلك الوقت، كانت هناك محادثات ملتوية لا نهاية لها حول موضوعات مثل مستويات رأس المال من الدرجة الأولى، ونسب المديونية، وإذا ما كانت الصفقات المحددة تشكل تحوطا أو تداولا احتكاريا. هذا لا يعني أن هذه ليست قضايا مهمة. لكن كان هناك نقاش أقل بكثير حول إذا ما كانت البنوك تخدم بالفعل احتياجات المجتمع والأشخاص الحقيقيين.

أتذكر محادثة جرت عام 2013 مع مسؤول سابق في إدارة أوباما كان لاعبا رئيسا خلال الأزمة. أصر على أن الجهود التنظيمية المالية في فترة ما بعد الأزمة لم تقع تحت تأثير بشكل مفرط من قبل جماعات الضغط في وول ستريت. وعندما أشرت إلى بحث أكاديمي يظهر أن 93 في المائة من الاستشارات التنظيمية حول الأجزاء الأكثر إثارة للجدل من قانون دود فرانك كانت مع البنوك نفسها، كان رده الصادم، “من غيرهم كان ينبغي أن نجري الاستشارات معه؟”.

لكن وزارة العدل الحالية، والبيت الأبيض تحت إدارة بايدن بشكل عام، يعملان بجد لتجنب هذا النوع من الاستحواذ المعرفي. إن مدرسة نيو برانديز للنظرية القانونية -التي يعد كانتر، ولينا خان رئيسة مفوضية التجارة الفيدرالية، وتيم وو مستشار البيت الأبيض السابق لمكافحة الاحتكار جزءا منها- مبنية على فكرة أن السلطة موجودة في الاقتصاد السياسي ولا يمكن أن تكون نموذجا خوارزميا. يقول مات ستولر، مدير الأبحاث في مشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية ومؤلف كتاب “جالوت”، تاريخ القوة الاحتكارية في القرن العشرين، “إن قانون مكافحة الاحتكار بالنسبة إليهم شيء يخص الشعب، وليس القضاة أو جمعية قانونية من النخبة”.

هناك، بالطبع، مخاطر على السياسة من قبل الشعبوية. انظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء عام 2016، الذي جعل الدولة أكثر فقرا. لكن هكذا تعمل الديمقراطية. كما أن السماح باتخاذ قرارات مهمة بشأن القضايا الرئيسة مثل سلطة الشركات وقواعد رأسمالية المراقبة من قبل التكنوقراط خلف الأبواب المغلقة يحمل أيضا مخاطر. إن وزارة العدل محقة تماما في أن الناس العاديين ينبغي أن يكونوا قادرين على الاستماع للحجج.

 

المصدر: صحيفة الاقتصادية – خدمة فايننشال تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر