ما العلاقة بين التغيُّر المناخي وأمراض المحاصيل الزراعية؟ | مركز سمت للدراسات

ما العلاقة بين التغيُّر المناخي وأمراض المحاصيل الزراعية؟

التاريخ والوقت : الخميس, 25 مايو 2023

أصبح من الضروري الآن محاولة فهم العلاقة الغامضة بين مسببات أمراض المحاصيل الزراعية والتغيُّر المناخي، خصوصًا في ظل ارتفاع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال الـ150 عامًا الماضية، من 280 جزءًا في المليون إلى 410 أجزاء في المليون.

وبينما تعني زيادة ثاني أكسيد الكربون في الهواء توفر المزيد من الوقود لعملية التمثيل الضوئي، وبالتالي تعزيز نمو المحاصيل، يثبت التاريخ أن تلك العلاقة تتغيَّر على نحو دراماتيكي.

وقد تُصاب المحاصيل الزراعية بأمراض مدمرة بشكل مفاجئ وغامض، كما أنها غالبًا ما تصبح وبائية وتنتشر مبتعدة عن مكانها الأصلي؛ ففي أربعينيات القرن التاسع عشر، دمَّرت الفطريات الغامضة محصول البطاطا الأيرلندية في المكسيك لعدة سنوات؛ الأمر الذي تسبب في حدوث مجاعة أودت بحياة مليون شخص. ولن يكون الأمر مفاجئًا إذا أدَّى تغيُّر المناخ إلى ظروف تتسبب في حدوث أوبئة مماثلة.

استرعى الأمر انتباه الدكتورة ساسكيا ويس، وهي عالمة نباتات من جامعة أوتريخت في هولندا، وبمساعدة فريق من الزملاء بدأت تجربة عملية لاختبار كيفية استجابة النباتات لمستويات ثاني أكسيد الكربون المتغيرة، ووضعت شتلات من نبات “الأرابيدوبسيس ثاليانا”، أحد أفراد عائلة الخردل، في غرف متعددة تحتوي على مستويات مختلفة من ثاني أكسيد الكربون.

وبينما احتوت بعض الغرف على تركيز 450 جزءًا من المليون، وهو المستوى الطبيعي، احتوى البعض الآخر على تركيز أقل بكثير بلغ 150 جزءًا، كما احتوى بعضها على تركيز أعلى بكثير وصل إلى 800 جزء من المليون، وهو التركيز الذي يتنبأ العلماء بالوصول إليه بحلول العام 2090، إذا استمر التغيُّر المناخي على نفس المنوال الحالي.

بعد 4 أسابيع من زراعة النباتات والعناية بها، قامت الدكتورة ويس بوضع مزيج من مسببات الأمراض الشائعة في غرف النباتات. اشتملت هذه الأمراض على اثنين من الأمراض الورقية المعروفَين باسمَي “العفن الرمادي” و”العفن البني”، مع اثنين من أمراض الجذور؛ هما: فطر “كودانة سولاني” وفطر “كسيسبورم”. وبعد مرور فترة حضانة كل مرض، راقبت الباحثة شدة الأعراض الناتجة وأثرها على كل نبات، واكتشفت أن مستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة ليس لها أي تأثير على أمراض الجذور، حسب تصريح لها أدلت به إلى المجلة الأوروبية لأمراض النبات.

وقد توقَّع الفريق ذلك؛ لأن مستويات ثاني أكسيد الكربون في التربة لا تتأثر كثيرًا بمستوياتها في الهواء. غير أن العكس حدث مع أمراض الأوراق التي تأثَّرت بشكل كبير بذلك الارتفاع، وتضاعفت شدة العدوى ببكتريا العفن الرمادي، كما ازدادت قوة مرض العفن البني على نحو لافت.

تحولات

ويبدو أن التحولات في الوسائل التي دافعت بها النباتات عن نفسها هي سبب تلك التغييرات؛ حيث تعتمد النباتات في مواجهة الأمراض على مادتَين؛ هما: حمض الساليسيليك وحمض الجاسمونك. وبشكل عام، تزيد النباتات من إنتاج حمض الساليسيليك عند مواجهة الأمراض التي تتغذى على الأنسجة الحية، بينما تزيد من إنتاج حمض الجاسمونك عندما تتصدى للأمراض التي تقتل الأنسجة أولًا قبل أن تتغذى عليها.

وقد تكهنت الدكتورة فان ويس بأن مستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة قد تدفع النباتات لإنتاج حمض الجاسمونك بشكل أكبر؛ لمنع البكتريا من غزو الأنسجة، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل إنتاج حمض الساليسيليك؛ ما يسمح بتفشِّي مرض البقع البنية. وقد أثبت التحليل الكيميائي للنباتات صحة هذه النظرية.

وتعد تجربة الدكتورة ويس أحدث التجارب العشر التي أظهرت أن بيولوجيا النبات تتغيَّر إلى حد كبير بسبب مجموعة من العوامل البيئية المتغيرة؛ الأمر الذي يجعل من الصعب التنبؤ بالتأثير الذي سيُحدثه التغيُّر المناخي على قطاعات معينة من الزراعة. ويعد تركيز ثاني أكسيد الكربون مثالًا على ذلك؛ فهو يعزز من نمو عديد من النباتات، كما يغيِّر من بعض السلوكيات والوسائل الدفاعية للنباتات على حساب البعض الآخر.

ولعل ما يعقد الأمور أكثر هو وجود أدلة متزايدة على أن التغييرات في درجة الحرارة مع توفر المياه يتسببان أيضًا في تغيُّر الاستجابات المناعية للنبات؛ حيث كتب كل من أندريه فيلاسكيز وشينج يانغ، من جامعة ميشيغان، في العام الماضي، مراجعة شاملة حول الحرب بين النباتات والأمراض في علم الأحياء الحديث. وأشار الباحثان إلى أنه على الرغم من أن بعض المحاصيل المهمة؛ مثل البطاطس والأرز، تعاني أمراضًا أقل مع زيادة مستويات الرطوبة؛ فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى باقي النباتات، حيث تتسبب الرطوبة العالية غالبًا في زيادة انتشار الأمراض النباتية. ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة إلى درجة الحرارة.

 ماذا سيحدث بالضبط؟

ومن جانب آخر، هناك صعوبة في تحديد أثر التغيُّر المناخي على سلوك الحشرات؛ حيث ينتقل عديد من الفيروسات والبكتيريا والفطريات المسببة للأمراض من نبات إلى آخر عن طريق حركة الحشرات. ويشك عدد قليل من الباحثين في احتمالية حدوث تغيُّر في سلوكيات أنواع محددة من الحشرات بسبب التغيُّر المناخي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: ماذا سيحدث بالضبط؟ فالاحتمالات مخيفة للغاية، ومع ذلك يظل هناك سبيل لتفاديها، كالتالي:

 أولًا: يجب دراسة استجابة جميع المحاصيل المهمة لمختلف الأمراض في ظل مجموعة من الظروف المناخية المتوقعة.

ثانيًا: يجب تتبع سلوك الجينات التي تمنح مناعة ضد الأمراض التي قد تصبح متفشية في المستقبل؛ فالنباتات لديها مجموعة من الجينات التي تحتاج إليها للنمو والانتشار عند مواجهة التحديات المتوقعة في الظروف الحالية؛ ما يعني أنها عرضة للتغير بشكل غير متوقع طبقًا للتغيرات المناخية المقبلة. وتتمثل الطريقة الوحيدة للمقاومة في العثور على الجينات التي قد تناسب هذا الوضع المتقلب.

وفي هذه الأيام، تحمي معظم الدول تراثها الجيني والنباتي. ويتعين على الدول الغنية الالتزام بالقواعد التي تمكن الدول الفقيرة من المشاركة في جمع النباتات والجينات من دون أن تخسر ماليًّا. وعلى أية حال، فإنه من المرجح أن تلك البلدان الفقيرة ماديًّا والغنية بالنباتات هي الأكثر عرضة إلى أن يتضور مزارعوها جوعًا بسبب الاحتباس الحراري.

المصدر: ترجمة كيو بوست لمقال الإكونوميست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر