سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Lara Williams
غالباً ما نعتمد على معيارين رئيسيين عند تقييم تأثير أزمة المناخ، وهما الوفيات البشرية والخسائر الاقتصادية. فبالرغم من أن هذه البيانات مفيدة للغاية لفهم المخاطر التي نواجهها إذا فشلنا في الحد من الانبعاثات الكربونية، فإنها لا تعكس سوى جزء من المعاناة التي ستسببها الظروف الجوية القاسية وانهيار النظم البيئية.
أظهرت دراسة حديثة حول الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة، أن البرد القارس في أوروبا أشد فتكاً من الحر. بين عامي 1991 و2020، كان عدد الوفيات المرتبطة بالبرد يفوق تلك المرتبطة بالحر بثمانية أضعاف. ويُتوقع تغير هذا التوازن في القارة بأكملها مع استمرار احترار كوكبنا.
إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية (5.4 فهرنهايت)، وهو ما قد يحدث بموجب سياسات المناخ الحالية، فإن أعداد الوفيات في هذه الحالة قد تتضاعف ثلاث مرات بحلول في عام 2100، لتصل إلى حوالي 129 ألف حالة وفاة سنوياً من نحو 44 ألف حالياً. ومع ذلك، فإن الوفيات، التي ستحدث في الغالب بين من تزيد أعمارهم عن 85 عاماً، لا تمثل سوى جزء محدود من الأعباء الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة.
علقت مادلين تومسون، رئيسة قسم تأثيرات المناخ والتكيف في مؤسسة “ويلكوم” (Wellcome) الخيرية العالمية الداعمة للبحوث الصحية، على الدراسة، قائلة إن “الحرارة الشديدة تقتل، لكنها تسبب أيضاً أضراراً صحية خطيرة”. وهذه الأضرار لن تقتصر على كبار السن فحسب، بل ستطال أيضاً الفئات الأصغر سناً وسائر أفراد المجتمع.
النساء يتأثرن بارتفاع الحرارة
تسلط الأبحاث الضوء بشكل متزايد على تأثير الحرارة المفرطة على النساء الحوامل، على سبيل المثال. إذ يُعد إنجاب طفل جديد عملاً شاقاً يعاني خلاله جسم المرأة من عدة تغيرات فيزيولوجية للتكيف مع هذا الوضع، بما فيها زيادة 40% في كمية الدم التي يضخها الجسم. وهذه التغيرات تزيد مخاطر إصابة هؤلاء النساء بالإنهاك الحراري وضربة الشمس.
ليست النساء الحوامل وحدهن أكثر عرضة للخطر في ظل الحرارة الشديدة فحسب، بل ارتبط الأمر أيضاً بنتائج صحية سلبية لكل من الأم والطفل، مثل زيادة حالات الإجهاض ووفيات الأجنة، والولادات المبكرة والعيوب الخلقية، بجانب الإصابة بسكري الحمل، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وتسمم الحمل.
مخاطر الإجهاض
وجدت دراسة في الهند أن خطر الإجهاض يتضاعف لدى النساء اللاتي تعرضن لحرارة شديدة أثناء عملهن. والنساء في البلدان النامية هن الأكثر عرضة لهذا الخطر لأنهن غالباً ما يقمن بأعمال يدوية في الهواء الطلق، ولا تتوفر لهن سوى وصول محدود إلى وسائل التبريد مقارنة بنظيراتهن في الدول المتقدمة. ومع ذلك، لا تقتصر تأثيرات الحرارة على الدول النامية فقط، بل تؤثر على الجميع. فقد أظهرت دراسات في الدول ذات الدخل المرتفع، زيادة بنحو 15% في خطر الولادة المبكرة ووفاة الأجنة خلال موجات الحر.
كما ذكرت جين هيرست، طبيبة النساء والتوليد الأكاديمية في معهد “جورج للصحة العالمية” والتي شاركت في الدراسة في الهند، في تصريح لشبكة “بي بي سي”: “يمكن ملاحظة الآثار السلبية على الحمل في درجات حرارة أقل بكثير، وتحديداً في البيئات ذات المناخ الأكثر اعتدالاً، مثل المملكة المتحدة”.
ربما يكون هناك أيضاً آثار طويلة الأمد على الأطفال. فقد وجدت مراجعة منهجية أُجريت في 2024 حول الأبحاث المحدودة المتاحة بشأن العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية في مراحل لاحقة من العمر، أن التعرض المتزايد للحرارة أثناء الحمل قد يكون مرتبطاً بأداء تعليمي أقل جودة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والربو في مرحلة الطفولة. كذلك، لاحظ الباحثون، الذين يعملون في جامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا، وجود صلات بتدهور الصحة العقلية، بما فيها زيادة خطر اضطرابات الأكل والفصام.
الحرارة تضر بالصحة العقلية
في الوقت نفسه، بدأنا أيضاً نفهم بشكل أفضل كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة سلباً على الصحة العقلية بشكل عام. فقد أشارت زميلتي في عمود الرأي، ليزا غارفيس، إلى أن الحرارة لا تجعلنا جميعاً نشعر بالتعب والانفعال فحسب، بل تزيد أيضاً من تفاقم “اضطرابات المزاج الشائعة مثل القلق والاكتئاب، وكذلك حالات نادرة مثل الفصام وإيذاء النفس”.
من المرجح أن نكتشف مزيداً من الروابط بين الحرارة والصحة مع تفاقم الاحتباس الحراري العالمي. ويُعتقد أن وباء الفشل الكلوي الغامض في سريلانكا ناجم على الأرجح عن التعرض للحرارة الشديدة والجفاف والمياه الجوفية الملوثة بالمبيدات الحشرية.
ففي بعض المناطق الساخنة هناك، يعاني واحد من كل خمسة من السكان من تلف حاد أو فشل كلوي، وغالباً ما تتطور الحالة سريعاً. ولوحظ انتشار وباء مماثل بين العمال المهاجرين العائدين من بعض دول الخليج، حيث غادر الشباب أوطانهم بصحة جيدة وعادوا مصابين بفشل كلوي بعد تعرضهم للحرارة الشديدة أثناء العمل. وبدأ الباحثون في توثيق أمراض الكلى بين العمال اليدويين في بلدان حارة أخرى أيضاً.
فجوات معرفية
أصبحت الآثار الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة منتشرة بيننا بالفعل، وتمتد إلى ما هو أبعد من الوفيات المأساوية التي يمكن الوقاية منها. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات معرفية هائلة تعيق فهمنا الكامل لكل شيء بدءاً من الآليات البيولوجية الكامنة وراء الأضرار المرتبطة بالحرارة، وصولاً إلى الحلول الفعالة.
أوضح العديد من العلماء صعوبة الحصول على التمويل اللازم لمثل هذه الأبحاث، نظراً لطبيعتها متعددة التخصصات. وفي الوقت نفسه، تشير “مؤسسة روكفلر”، وهي منظمة خيرية تدعم الأبحاث الطبية والفنون، إلى أن 2% فقط من تمويل التكيف و0.5% من إجمالي تمويل المناخ، يُخصص لتحسين النتائج الصحية. وهذا الوضع يستدعي التغيير. ففي النهاية، صحتنا هي ثروتنا، وتغير المناخ يستنزفها بالفعل.
المصدر: الشرق Bloomberg
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر