كيف تحوَلت الرموز غير القابلة للاستبدالNFTs إلى ثقافة شعبية؟

رحلة عِقدَيْن من الزمن.. كيف تحوَّلت الرموز غير القابلة للاستبدال”NFTs”  من مقترح علمي إلى ثقافة ذات شعبية؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 18 سبتمبر 2024

في مطلع القرن الحادي والعشرين، كان الحديث عن الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) محصورًا في الأوساط الأكاديمية والعلمية التي ناقشت فكرة الأصول الرقمية الفريدة. ومع مرور عقدين من الزمن، شهدت هذه الرموز تحولًا هائلًا، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية وأساسًا لاقتصاد رقمي جديد. وما كان في البداية مفهومًا نظريًا استكشافيًا في مجال البلوكتشين، قد أصبح الآن رمزًا للتكنولوجيا المستقبلية والفن والتجارة الإلكترونية، يجذب الانتباه من المستثمرين، والفنانين، والمستخدمين العاديين على حد سواء.

رحلة التحول هذه لم تكن مجرد تطور تقني، بل كانت امتدادًا لعالم متشابك بين الابتكار الرقمي والثقافة الإنسانية، مما أتاح مساحة جديدة لإعادة تعريف الملكية، والفن، والتفاعل الاجتماعي في العصر الرقمي. فكيف وصلت الرموز غير القابلة للاستبدال إلى هذه المكانة البارزة؟ وما الذي جعلها تتحول من فكرة متخصصة إلى جزء أساسي من الثقافة الرقمية الحديثة؟

مفهوم “NFTs

الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) هي نوع من الأصول الرقمية الفريدة التي تعتمد على تقنية البلوكتشين لتأكيد الملكية والتحقق من الأصالة. وما يميز هذه الرموز عن الأصول الرقمية الأخرى، هو عدم إمكانية تبادلها بأصول مشابهة بالقيمة نفسها، على عكس العملات المشفرة القابلة للاستبدال مثل البيتكوين، التي يمكن تداولها بنفس القيمة. NFTs تمثل أصولًا رقمية فردية، سواء كانت فنًا، أو موسيقى، أو صورًا، أو عقارات افتراضية، وتُسجَّل الملكية والمعلومات المتعلقة بها على البلوكتشين لضمان عدم تزويرها أو استنساخها.

ما يجعل NFTs فريدة هو قدرتها على تمثيل الملكية الحصرية لمنتجات رقمية أو مادية، مثل قطع فنية رقمية أو تذاكر لأحداث نادرة. هذه الملكية تُثبت بشكل مشفر من خلال تقنية البلوكتشين، ما يمنح المالك شهادة أصالة غير قابلة للتغيير. فبفضل هذه التقنية، أصبح من الممكن تداول وبيع هذه الرموز على منصات مخصصة دون الحاجة إلى وسطاء، مما يفتح أبوابًا جديدة للفنانين والمبدعين للحصول على عائد مباشر من أعمالهم.

فكرة من القرن العشرين

الرموز غير القابلة للاستبدال، لم تكن مجرَّد طفرة وليدة للحظة أو حادث تكوَّن بين عشيَّةٍ وضُحاها، لكن هذا الأمر حقيقةً بات قديمًا، أي ما يزيد على 20 عامًا، ولا نبالغ حين نقول إنَّ فكرته سبقت العملات الرقمية، إذا افترضنا أنَّ بطاقة Avant الذكية، التي أطلقها بنك فنلندا عام 1993، أول شكل إلكتروني من النقود. إذ كانت المقترحات البحثية تتداول الحديث عن الرموز غير القابلة للاستبدال عبر المجلات العلمية ومقالات الصحف المتخصصة، منذ أواخر القرن العشرين. ففي عام 1991، قدّم الباحثان “هابر وسكوت” حلولًا عملية حسابية لتأمين المستندات الرقمية عن طريق وضع ختم رقمي يضمن عدم إمكانية الوصول إليها أو تعديلها من قِبل أي طرف آخر، ثُمَّ جرى دمج تقنية أتاحت تجميع كافة الوثائق داخل كتلة واحدة، فزادت كفاءة النظام. لكن تراجعت الفكرة تدريجيًا وانتهت ببراءة اختراعها في عام 2003، أي قبل أربعة أعوام من ظهور وانتشار عملة “البيتكوين”.

الطريق نحو التنفيذ 

 شهد عام 2004 إنشاء العملة الافتراضية القابلة للاستخدام المتكرر على البلوكتشين، والتي كانت واحدة من خطوات تسهيل التقدم نحو الأصول الرقمية، حتَّى جاء عام 2008، فتم تقديم الورقة البيضاء للبيتكوين على يد ساتوشي ناكاموتو. وكان الهدف منها تحديد العملة اللامركزية التي من شأنها القضاء على الحاجة إلى الوسطاء الماليين وتوفير وسيلة شفافة وآمنة للمعالجة عبر الإنترنت، مما مهد الطريق للاستخدام الواسع لتقنية البلوكتشين. وفي عام 2009، انطلقت أوَّل معاملة للبيتكوين من ناكاموتو “وهو اسمٌ مستعار، يستخدمه الشخص أو الأشخاص الذين طوروا البيتكوين، وألفوا ورقته البيضاء، ” إلى شخص آخر، لتبدأ رحلته نحو الأصول الرقمية الأكثر شعبية.

مرحلة التوسع في الأصول الرقمية

مع وصول قيمة البيتكوين إلى 250 دولارًا أميركيًا في 2012، بدأت العملات المشفرة في الحصول على اهتمام واسع من الأوساط الاقتصادية والدوائر المالية والبنكية؛ لينطلق في عام 2014، مشروع “كولوركوين” الذي يعد أول استخدام واسع للتداول عبر الرموز الرقمية. تبعه في 2015، إصدار لعبة “سبيلس أوف جينيسيس” التي جمعت بين الألعاب والبلوكشين. وفي 2016، ظهرت بطاقات “رير بيب” التي سمحت بالتعامل مع الأصول الرقمية الفريدة.

نقطة تحوُّل 

كان عام 2017 نقطة تحول رئيسية، حيث ظهرت عدة مشاريع قائمة على الـNFTs، مثل “كريبتو كيتيس” و”كريبتو بانكس”، اللذين قدَّما للفنانين والمستخدمين الفرصة لتداول الأصول الرقمية الفريدة. في عام 2018، تم إطلاق لعبة “إكس إنفينيتي” التي تعتمد على الرموز غير القابلة للاستبدال، مما أضاف بُعدًا جديدًا للاستخدامات الاقتصادية واللعب لكسب الرموز.

عام 2020 شهد إطلاق العديد من المنصات المتخصصة بالـNFTs، مثل “آرت بلوكس” التي وفرت للفنانين والمبدعين فضاءً رقميًا لعرض وبيع أعمالهم، ومنصة “NBA Top Shot” التي قدمت تجربة فريدة لعشاق كرة السلة بتجميع لقطات المباراة النادرة. وفي 2021، ظهرت “Bored Ape Yacht Club” كواحدة من أكثر المشاريع شهرةً وحققت قاعدة جماهيرية كبيرة وأرباحًا هائلة.

مستقبل NFTs

بعد العقدين من الزمن، أصبحت NFTs جزءًا أساسًا من الاقتصاد الرقمي والثقافة الشعبية؛ لتتزايد الابتكارات في هذا المجال بسرعة. فبدأت النظرة المستقبلية نحو الرموز غير القابلة للاستبدال، تفتح آفاقًا جديدة للمبدعين والمستثمرين؛ لتتشكل كعنصر رئيس في تهيئة مستقبل الملكية الرقمية وتفاعل المستخدمين مع التكنولوجيا، من ثَمَّ الدخول إلى مراحل متقدمة تنتظر المزيد من الرؤى الانفتاحية.

إعداد وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز سمت للدراسات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر