تهدف باريس إلى تنظيم أكثر الألعاب الأولمبية استدامة حتى الآن

تهدف باريس إلى تنظيم أكثر الألعاب الأولمبية استدامة حتى الآن

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 4 يونيو 2024

John Leicester, Peter Prengaman

من بين جميع القرارات التي اتخذها منظمو أولمبياد باريس بشأن أماكن إقامة كل رياضة، فإن إرسال مسابقات ركوب الأمواج إلى الجانب الآخر من العالم – في مياه تاهيتي في المحيط الهادئ – أثار ردود أفعال قوية. فقد احتج التاهيتيون وغيرهم على بناء برج مشاهدة جديد على شعاب تيهاوبو بسبب المخاوف من أنه قد يؤذي الحياة البحرية.

لكن المنظمين يقولون إن الأمر لم يكن فقط بسبب الأمواج العالمية المستوى التي جذبتهم إلى الأراضي الفرنسية على بعد 16 ألف كيلومتر. فقد وضع مسؤولو أولمبياد باريس هدفًا طموحًا لخفض الانبعاثات الكربونية الكلية إلى النصف مقارنة بدورتي لندن 2012 وريو 2016.

شعاب ركوب الأمواج في تاهيتي بعيدة جداً عن الشاطئ بحيث لا يمكن للجماهير رؤية الأحداث بوضوح من هناك. لذلك، اتخذ المنظمون قرارًا ذكيًا بجعل المتابعة التلفزيونية هي الخيار الأساسي لمتابعة الفعاليات. ويرجع ذلك إلى أن السفر الجوي، هو مصدر رئيسي لانبعاثات الكربون. وقالوا إن عدد أقل من المتفرجين سيتطلب بناء أقل، وهو مصدر رئيسي آخر للانبعاثات.

وقالت “جورجينا جرينون”، مديرة التميز البيئي لألعاب باريس: “لقد قمنا بالفعل بالحسابات. كان هناك تأثير أقل في تاهيتي مقارنة بالمناطق الحضرية الأخرى”.

اختيار تاهيتي يوفر نافذة على نهج منظمي الألعاب لتحقيق هدفهم في تقليل الانبعاثات، التي تُعد المحرك الرئيسي لتغير المناخ. كما يبرز القلق الكامن في السعي لتحقيق الاستدامة؛ إذ هناك مقايضات، وتقليل الانبعاثات لا يعني بالضرورة الحفاظ على البيئة.

يسعى المنظمون للحد من الانبعاثات الكربونية لدورة الألعاب الأولمبية والألعاب البارالمبية القادمة في باريس 2024 إلى 1.58 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. على الرغم من أن هذا الرقم يُعتبر طموحًا، فإنه لا يزال يُمثل كمية كبيرة من التلوث، حيث يعادل انبعاثات 1.3 مليون مسافر اقتصادي يسافرون رحلة اتجاه واحد من نيويورك إلى باريس على متن طائرات بوينج 787، حسب تقديرات شركة “myclimate” للاستشارات المناخية والاستدامة. ومع ذلك، فإنه أقل بكثير من أثر الألعاب السابقة.

يقول المنظمون إنهم يفكرون في مستقبل الألعاب، وليس فقط في كوكب الأرض. فعدد أقل من المدن يتطوع لإنفاق مليارات الدولارات على البنية التحتية التي تهمل أحيانًا. كانت باريس والمضيف التالي، لوس أنجلوس في عام 2028، المدينتين الوحيدتين المتبقيتين في السباق عندما تم اختيارهما في عام 2017. بالنسبة للمنظمين، فإن استضافة ألعاب أقل هدرًا أمر أساسي، إلى جانب تضمين أحداث أكثر شمولية وتوجهًا نحو الشباب مثل التزلج على الألواح.

تتعرض باريس لضغوط إضافية لتكون نموذجًا مستدامًا؛ فقد استضافت المدينة محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة لعام 2015 التي نتج عنها اتفاقية باريس، وهي أهم اتفاقية مناخية دولية حتى الآن. اتفق المندوبون على ضرورة الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض إلى 2 درجة مئوية فوق مستوياتها في خمسينيات القرن التاسع عشر، ويفضل أن يتم تحديدها عند 1.5 درجة مئوية، وهو هدف يبدو أنه غير قابل للتحقق.

يقول الخبراء المستقلون إن باريس تبدو وكأنها تقوم بإزالة الكربون بطرق منهجية كما تفعل الشركات، وذلك بحساب إجمالي انبعاثاتها، ومن ثم تعمل على تقليصها من خلال خطوات متعددة، بما في ذلك خفض الانبعاثات الصغيرة التي تتراكم مع مرور الوقت لتُحدث تأثيرًا كبيرًا. وتركز جهود المنظمين على خفض الانبعاثات عبر ثلاثة مجالات رئيسية: البناء والنقل والعمليات.

وقال “آدم براون” من Clarasight، التي تبني برامج تخطيط الكربون للشركات: “يبدو أنهم يتخذون نهجًا مدروسًا للغاية. إنهم يحاولون فعل شيء يشير إلى كيفية تحميل العديد من المنظمات نفسها المسؤولية”.

أكبر انفصال عن الألعاب السابقة هو في مجال البناء. يقول المنظمون إن 95% من المنشآت موجودة بالفعل أو ستكون مؤقتة. تم اعتبار بناء هيكلين جديدين أمرًا لا مفر منه، وهما: القرية الأولمبية لإيواء الرياضيين، التي ستتحول لاحقًا إلى مساكن ومساحات مكتبية. والمركز المائي في الضواحي الشمالية المحرومة في باريس.

استخدام الخشب والأسمنت منخفض الكربون والمواد المستصلحة ساعد في تقليل الانبعاثات بنسبة 30% مقارنة بالطرق التقليدية، وفقًا لما قالته “جرينون”.

وتشمل جهود خفض الانبعاثات في باريس أيضًا مجال العمليات، بما في ذلك خدمات الطعام. ووفقًا لفيليب ويرز، رئيس خدمات الطعام للألعاب، فإن الوجبة المتوسطة في فرنسا، سواء تم تحضيرها في المطاعم أو في المنازل، تُنتج حوالي 2 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون. تهدف باريس إلى خفض هذا الرقم إلى النصف من خلال اتباع نهجين رئيسيين: الحصول على 80% من المكونات محليًا، مما يقلل من انبعاثات النقل المرتبطة بالطعام، وتقديم 60% من الأطعمة النباتية للجماهير.

قد يستغرق كسب العقول بالإضافة إلى الأذواق بعض العمل. وقالت لاعبة التنس “فيكتوريا أزارينكا”: “الأطعمة المزروعة محليًا ودعم المزارعين المحليين أمور جميلة”. لكنها أضافت عن جهود باريس المناخية بشكل عام: “عندما يقوم الناس بهذه الإيماءات الكبيرة، لست مقتنعة تمامًا بالتأثير”.

مصدر آخر لتوفير الانبعاثات هو الطاقة. قال المنظمون إن الطاقة ستمثل فقط 1% من الانبعاثات. إذ يعتزمون استخدام 100% من الطاقة المتجددة من مزارع الرياح والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الألواح الشمسية في بعض الأماكن.

ستحصل الملاعب والمنشآت المؤقتة على الطاقة من الشبكة بدلاً من المولدات التي تعمل بالديزل، والتي تنتج الكثير من ثاني أكسيد الكربون. وستبقى المقابس الكهربائية العملاقة في أماكنها بعد انتهاء الألعاب، مما يلغي الحاجة إلى المولدات في الأحداث المستقبلية.

يُعد تقليل الانبعاثات المتعلقة بالنقل التحدي الأكبر لباريس على الأرجح. ويتوقع مسؤولو السياحة استقبال 15.3 مليون زائر للأولمبياد والألعاب البارالمبية، بما في ذلك 1.9 مليون من خارج فرنسا، مع ما لا يقل عن 850 ألفًا يسافرون برحلات طويلة.

في باريس، هناك خيارات نقل منخفضة الكربون، مثل: مسارات الدراجات، وقطارات المترو، والحافلات، ووسائل النقل العام الأخرى، إلى جميع الأماكن.

ولكن العجز عن التحكم في كيفية وصول الناس إلى الأولمبياد، أو أي حدث كبير، يثير تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان البشرية تحمل مثل هذه التجمعات على حساب المزيد من الأضرار المناخية.

قال “سيث وارن روز” من معهد Eneref Institute، وهو مجموعة مناصرة وبحثية تركز على التنمية المستدامة: “ربما يجب إعادة النظر في أمور مثل الأولمبياد. إن تجمع ملايين الأشخاص في منطقة واحدة هو أمر مكثف للغاية”.

وأضاف “روز”: “إن جهود المنظمين جديرة بالإشادة، لكن كان يجب عليهم المضي قدمًا أكثر بتقليل الانبعاثات بما يتجاوز النصف وإيجاد المزيد من الطرق لجعل الاستدامة جزءًا أساسيًا من تجربة المشجعين”.

كما أن بعض النقاد قد شككوا في بعض الرعاة. وتعتبر شركة الطيران Air France ومشغل الموانئ مجموعة CMA CGM وعملاق المعادن ArcelorMittal من القادة في الصناعات ذات الكثافة الكربونية العالية. على مواقعهم الإلكترونية، جميعهم يروجون لرعايتهم للأولمبياد وجهودهم في الاستدامة.

قام مشروع “The Upright Project”، وهي شركة فنلندية مختصة بإنشاء وتحليل البيانات لتقييم تأثير الشركات على العالم، بمراجعة رعاة دورة الألعاب الأولمبية والألعاب البارالمبية في باريس 2024 ومنحهم درجات بناءً على تأثيرهم على البيئة والصحة والوظائف ومعايير أخرى. وتتراوح هذه الدرجات من “إيجابي للغاية” إلى “سلبي للغاية”.

فيما يتعلق بالبيئة، كان لانبعاثات الرعاة تأثير سلبي إجمالي بمقدار 10 أضعاف.

قالت “أنو نيمينن” من مشروع Upright في بيان: “أرى أن الخطاب الحالي عن الاستدامة، حيث نحتفل فعليًا بتعديلات طفيفة في الاستدامة وجهود التجميل البيئي للشركات وكأنها تحدث فرقًا في تغير المناخ، ضار للغاية. إذا تم الاحتفاء برعاة باريس 2024 من قبل المنظمين بسبب (استدامتهم)، فإن ذلك يساهم في نفس الخطاب الضار”.

وقال المنظمون في بيان إن الألعاب تمثل “فرصة فريدة لتشجيع الشركات الشريكة على تبني ممارسات أكثر مسؤولية”.

بالنسبة للانبعاثات المتبقية التي لا يمكن تقليصها، تخطط باريس لتعويضها من خلال ممارسة تعرف باسم “التعويض”. وتشمل أمثلة التعويض زراعة الأشجار التي تساهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي الذي تم إطلاقه خلال فترة الألعاب.
ومع ذلك، تواجه أسواق التعويض بعض التحديات، حيث تفتقر إلى التنظيم الجيد. فقد كشفت تحقيقات أجرتها منظمات إخبارية عن وجود مشاريع وهمية ضمن هذه الأسواق، بينما أساءت مشاريع أخرى تقدير كمية الانبعاثات التي تم تعويضها.

يؤكد المنظمون التزامهم بمراجعة وتطوير خطط الاستدامة بشكل مستمر، بما في ذلك تلك المخصصة لدورة الألعاب في تاهيتي. واستجابةً للمخاوف البيئية، تم تقليص حجم برج التحكيم المعدني الذي أُنشئ ليحل محل البرج الخشبي القديم المستخدم سابقًا في تاهيتي لفعاليات ركوب الأمواج. وقد تم الانتهاء من بناء البرج الجديد في وقت سابق من هذا العام، وسيجري تفكيكه بعد انتهاء دورة الألعاب. ومن المخطط إعادة تركيبه واستخدامه مجددًا في تاهوبو عند استضافتها لفعاليات ركوب الأمواج العالمية.

يقول المنظمون إنهم يتوقعون حوالي 1.300 شخص معتمد للأولمبياد على الجزيرة، بما في ذلك 500 شخص سيصلون بالطائرة. هذا العدد، الذي من المحتمل أن يكون أقل بكثير مما لو كانت المنافسة تجري قبالة سواحل فرنسا، يشمل راكبي الأمواج، والحكام، والصحفيين، وعمال الألعاب.

قالت “جرينون”: “إن الاستدامة هي رياضة جماعية. فهل سيكون كل شيء مثاليًا؟ لا، أليس كذلك؟ لا يمكننا قول ذلك. نحن لا نزال نعمل بجدٍ للذهاب إلى أبعد ما نستطيع”.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Associated Press

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر