سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Patrick McMaster
المعادن الحيوية هي العنصر الأساسي الجديد في الاقتصاد الدولي، وتدرك الحكومات بسرعة أنها تخاطر بالتعرض للضعف الاقتصادي والاستراتيجي بدونها.
الانتقال إلى الطاقة المتجددة، ورقمنة الاقتصاد، والضغط للحفاظ على التقدم في التطورات التكنولوجية المتقدمة، كلها تعتمد على عدد قليل من المعادن “يُفهم عادةً أن الليثيوم والكوبالت والنحاس والجرافيت والنيكل والمعادن النادرة، هي (الكبار الستة). ومع ذلك، يمكن اعتبار معادن أخرى مثل الزنك والمنغنيز أيضًا”. من الضروري تنفيذ استراتيجيات المعادن الحيوية بطريقة تعزز التعاون الدولي مع تقليل التفتت الناتج عن المنافسة الجيوسياسية.
معضلة المعادن
عند وضع استراتيجيات المعادن، يواجه صانعو السياسات معضلة ثلاثية في تحقيق التوازن بين الأولويات المتنافسة:
الأمن: ضمان إمداد موثوق من المعادن الحيوية والاستقلال الاستراتيجي.
التكلفة: القدرة على تحمل تكاليف المعادن والموارد والعدالة في الوصول إليها.
الاستدامة: تعزيز استخراج واستخدام مستدام بيئيًا واجتماعيًا.
تحقيق توازن بين هذه العوامل أمر حيوي. ويجب على الدول ألا تتجاهل الأولويات البيئية تحت مسمَّى “الأمن الوطني”. وبالمثل، يجب أن تضمن ألا تؤدي المعادن الرخيصة إلى ممارسات تعدين وعمل ضارة أو تفاقمها.
ولنتأمل هنا، على سبيل المثال، إنتاج الكهرباء. فالوقود الأحفوري يظل مصدرًا رخيصًا للطاقة، ولكن الانبعاثات الكربونية التي ينتجها لها آثار سلبية على الاستدامة. كما يفرض هذا الوقود تحديات أمنية عندما يعتمد على الموردين المتحاربين. وقد أجبر الصراع في أوكرانيا كثيرًا من الدول الأوروبية على التفكير في العواقب الاستراتيجية المترتبة على اعتمادها على الهيدروكربونات الروسية.
الانتقال إلى الطاقة المتجددة يوفر حلاً لمشاكل كل من الأمن والاستدامة للدول الأوروبية. ومع ذلك، من المرجح أن تظل التكلفة المرتبطة بذلك مرتفعة على المدى القصير. وسلاسل الإمداد للمعادن الحيوية اللازمة لدفع الانتقال إلى الطاقة الخضراء معقدة وأقل نضجًا من تلك الخاصة بالوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن كميات المعادن الحيوية المطلوبة لتحقيق أهداف صافي انبعاثات الكربون الصفرية. وتشير التقديرات الأخيرة من وكالة الطاقة الدولية، استنادًا إلى الأهداف المناخية الوطنية، إلى أن الطلب على المعادن الحيوية سيتضاعف أربع مرات بحلول عام 2040.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكلفة البيئية لاستخراج المعادن الحيوية تثير تساؤلات حول جدوى هذا الانتقال. ويشير فلادو فيفودا، من معهد رابدان الأكاديمي إلى: أنه “لا توجد ببساطة كميات كافية من المعادن الحيوية إذا كنا سننتج وفقًا لأعلى المعايير البيئية والاجتماعية”.
التفتت أم التعاون؟
لزيادة تعقيد الأمور، تتنافس الدول على الوصول إلى المعادن الحيوية. على مدار السنوات الثلاث الماضية، تم سن المئات من السياسات الوطنية التي تعالج مرونة وإنتاج المعادن الحيوية. ومع ذلك، فإن كثيرًا من هذه السياسات ليست متعددة الأطراف، وقد تشجع على التفتت الجيوسياسي.
مع زيادة المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، إلى جانب استراتيجيات مثل “فصل الاقتصاد” و”تقليل المخاطر” و”مشاركة الأصدقاء” و”التحول المحلي”، هناك خطر من أن السباق لتأمين المعادن الحيوية قد يؤدي إلى مأساة المشتركات حيث تستغل الكتل السياسية المتنافسة الموارد النادرة وتتجاهل التكاليف البيئية.
يجب تجنب مثل هذا السيناريو. وبدلاً من ذلك، يجب إعطاء الأولوية للتعاون الدولي لضمان توفر المعادن الحيوية على المدى الطويل. كما يؤكد ستيفن سكاليت من Trends Research & Advisory، فإن القوتين اللتين ستسمحان بذلك هما عقد قمة عالمية حول المعادن الحيوية وزيادة إنتاج المعرفة من مراكز الأبحاث والجامعات والصناعة. وكذلك التعاون لتحديد المعادن الحيوية وسلاسل إمدادها هو خطوة أولى حاسمة في الانخراط في تعاون دولي ذي مغزى.
تركيز على الدول النامية
يجب أن تضع أي استراتيجية دولية حقيقية تعالج المعادن الحيوية مصالح الدول النامية في صميمها. هذا أمر ضروري جزئيًا؛ لأن جزءًا كبيرًا من المعادن الحيوية يوجد في الاقتصادات النامية “مثل أفريقيا جنوب الصحراء التي تمتلك 30% من احتياطيات المعادن في العالم، حيث تمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها 70% من إمدادات الكوبالت”. كما أن مصالح هذه الدول معرضة لأن تُخَفَّض في ظل الأولويات الجيوستراتيجية والاقتصادية للعالم المتقدم.
هذا يثير تساؤلات مهمة حول مدى “حيوية” هذه المعادن. وينبغي الأخذ في الاعتبار أن أكثر من 80% من مشاريع الليثيوم وأكثر من نصف مشاريع النيكل والنحاس تقع ضمن أراضي الشعوب الأصلية. وإن استخراج هذه الموارد قد يؤدي إلى تهجير السكان المحليين وتدمير النظم البيئية الطبيعية. ووفقًا للبروفيسور صوفيا كالانتزاكوس، تواجه بعض الدول المنتجة معضلة كبيرة: “هل مياهها أكثر أهمية من إنتاج الليثيوم للأسواق العالمية؟ لجعل هذا الانتقال عادلًا، لا يمكن أن تصبح الدول النامية موقع استخراج ضخم يخدم مصالح الدول الصناعية. لهذا السبب، فإن تنفيذ معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحماية النظم البيئية الهشة وسبل عيش السكان هناك أمر أساسي”.
بينما يضع صانعو السياسات استراتيجيات وطنية للمعادن الحيوية، هناك نافذة من الفرص لوضع أساس لإطار دولي سيمكننا من بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة وأمانًا. فمن خلال التعاون فقط ستتمكن الدول من تحقيق التوازن بين الأولويات المتنافسة: الأمن، والقدرة على التحمل، والاستدامة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: World Economic Forum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر