الكتابة ضياء الروح والخيال | مركز سمت للدراسات

الكتابة ضياء الروح والخيال

التاريخ والوقت : الإثنين, 14 أبريل 2025

حمدة خميس

يعتقد الناس عامة أن الكتابة بتعدد أشكالها موهبة يختص بها البعض دون الآخرين، لكن الحقيقة أن في كل إنسان كاتباً تكمن فيه القدرة الإبداعية، سواء كان هذا الإنسان متعلماً أم أميّاً.. فكل إنسان، صغيراً كان أم كبيراً، لديه القدرة على روي الأحداث التي تقع أمامه، وتأويلها، وإضفاء خياله على تفاصيلها، وبقدر ما يكون الخيال خصباً يتداخل الحدث الواحد بالأحداث وشخوصها، وتحبك في روي الحدث التفاصيل كلما أوغل الخيال في الإبداع، ويتخذ مجراه التسلسلي وفقاً لمخيلة المتحدث وغايته.

هذا ما عرفته البشرية، عبر تاريخ وجودها، منذ بدأ الإنسان يتخذ من الروي وسيلة لرصد الواقع وإعادة صياغته بإطلاق طاقة المخيلة، للتأثير في المستمع وإثارة انتباهه، وليس دليل على هذا تلك الحكايات والأساطير التي أصبحت تراث الشعوب وتصوير حضاراتها وحده، بل حتى ما نسمعه في أحاديثنا اليومية ويتناقله الناس فيما بينهم من خبر سمعوه أو حدث شاهدوه، وإذا ما انتبهنا فسنجد أنه ما من شخص روى حدثاً شاهده بشكل مباشر وأعاد رويه كما رأى أو سمع، إلا وكان لكل شخص أسلوبه وخياله اللذان يختلفان عن أسلوب وخيال الآخر، وهذا الاختلاف هو منبع اختلاف الأساليب لدى الكتاب الذين يعرفون بهذه الصفة، وتبعاً لهذه الحقيقة يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يصبح جميع المتعلمين كتاباً، أو رواة؟

في اعتقادي أن الكتابة ليست سوى تجلٍ للجرأة على هذه القدرة وتحويلها إلى إشارات ورموز نسميها الكتابة، فكتب ويكتب تعني قام بعمل لتحويل ما يفكر فيه ويتصوره إلى تلك الرموز التي تعلمناها في المدارس منذ الصغر وأسميناها «الأبجدية»، كي تصل إلى الآخر الذي سيفك شفرة الرموز ويقرؤها، وبالنسبة للذين لم يتعلموا تلك الرموز يظل الروي أو السرد لديهم شفوياً في تجلي تلك القدرة، دون أن يفقد (الروي) قيمته الدلالية.

لذا اعتقد أن كل من تعلم يستطيع أن يكتب قصة أو رواية أو بحثاً، إلا أن بعض المتعلمين يعتقدون أنهم لا يستطيعون الكتابة لأنها موهبة خاصة لا يملكها كل إنسان، والواقع أن الموهبة هي شجاعة قد يملكها كل إنسان، لأن الكتابة تنبعث من ضياء الروح، وتأكيد للحق في الوجود.. أن تكتب يعني أن تنتخب الجمال والحرية، أن تروي الوقائع والأفكار منسوجة بطاقة روحك وخيالك وثقافتك، ولم يختلف عن هذا أولئك الرواة الشفهيون ونساج الحكايا الذين تركوا رواياتهم وأقاصيصهم تعبر العصور لتعظ وتمجد الحياة وسيرورة الإنسان!

المصدر: الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

[mc4wp_form id="5449"]

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر