سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تعد المعلومة أغلى وأثمن ما يملكه المجتمع البشري في هذه الأيام، التي تشهد تدفقًا معلوماتيًا نتيجة مراحل التطور والانفجار المعلوماتي، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. عندما تقرأ خبرًا عبر منصة أو صحيفة، تعتبر تلك “معلومة”. وعندما تصادف كلمة أو عبارة ذات جذر لغوي مختلف أو غريب وتتعرف على معناها، فهي أيضًا “معلومة”. حتى إذا اعتبرت أن المعلومة هي مجموعة من البيانات الجزئية التي أدت إلى هذا الشكل الذي تراه، فلا شك أنها تظل معلومة.
تُعتبر المعلومة ذات أهمية كبيرة وهدفًا أصيلًا، فهي التي تصنع الخبر والجريدة والمقال والكتاب. تُسهم المعلومة في بناء العلم، مما يتيح لنا الوصول إلى آلاف المعلومات والصفحات والمجلدات، التي تعتمد على أساس تراكمي وتُعد الأكثر خبرة ودراية. إن المعلومة تمثل التاريخ والحاضر والمستقبل، لا سيما في مجتمع رقمي يتميز بالحداثة والتطور، حيث يسعى أفراده لوضع حدود له.
الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية
وفي هذه الآونة، تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” بالأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، كما هو معهود منذ عام 2011، والذي يستمر من 24 إلى 31 أكتوبر. يعد هذا الحدث تجمعًا للجهات المعنية حول العالم بهدف زيادة الوعي وتعزيز التبني الوطني لمفاهيم الدراية الإعلامية والمعلوماتية، لا سيما في عصر رقمي تتحرك فيه المعلومات بانسيابية وثراء متفجر.
بدايةً.. ماذا تعني المعلومة؟
تُعرَف المعلومات بأنها مجموعة من البيانات التي خضعت لعملية معالجة وتحليل، مما منحها معنى واضحًا وجعلها مرتبطة بسياق محدد. يُعتبر مفهوم المعلومات شاملاً ومتعدد الأبعاد، حيث يمكن أن يتخذ معاني مختلفة بناءً على السياق الذي يُستخدم فيه. في جوهره، يرتبط هذا المصطلح بمفاهيم حيوية مثل: المعنى، والفهم، والتفسير، مما يعكس دوره المركزي في تشكيل المعرفة وتوجيه اتخاذ القرارات.
وبناء عليه، فأوَّل توصيف للمعلومة أنَّها ذات حدود، لا تخرج عن سياق يؤطِّر لها، ويضع لها توصيف، وينسبها لمجال، فتصير كأرض لها الحدود التي تحمي خصوصيتها التي تنسب إليها، وتبوتق لها بوتقة لا تخرج عنها. يفيدُنا هذا الشكل “المعلومة” بأنَّ له “معنى”. فرقم “12” مثلاً، قد لا يكون له دلالة دون أن يشير إلى رمز، فإذا أضفنا له كلمة “شهرًا”، فإنها تعود لمجموع شهور السنة، أو “وصف” أن أقول “عيد” تظل هذه المعلومة مجرَّد كلمة تشير لماهية المصطلح، حتَّى توصف.
البيانات والمعلومات
تنقسم البيانات إلى نوعين رئيسيين: البيانات الوصفية، التي تُعد بيانات غير رقمية مثل الجنس والعرق ولون البشرة؛ والبيانات الكمية، التي يمكن التعبير عنها بأرقام عددية. كما تصنف البيانات أيضًا من حيث مصدرها إلى بيانات أولية، التي تُجمع مباشرة من الميدان، وبيانات ثانوية، التي تعتمد على المصادر المتاحة سابقًا. وقد أصبح مصطلح “البيانات الضخمة” شائعًا في الأوساط الإعلامية لوصف الكم الهائل من البيانات التي تحتاج إلى معالجة وتحليل لتقديمها بشكل يعكس سياق القصة الصحفية.
أما المعلومات، فتختلف تمامًا عن البيانات، حيث تمثل نتيجة عمليات التحليل التي تُجرى على البيانات. إنها المرحلة التي نصل إليها بعد استعراض البيانات وتنظيمها وتحليلها. وتعتبر البيانات المادة الخام اللازمة لاستخراج المعلومات، بينما تُعد المعلومات نتيجة لعملية معالجة متخصصة للبيانات بمنهجيات مختلفة. وعلى الرغم من هذا الاختلاف الجوهري، فإن العلاقة بينهما قوية؛ فلا يمكن وجود معلومات بدون بيانات، كما أن المعلومات تفتقر إلى المعنى والفاعلية إذا لم تكن مبنية على بيانات موثوقة.
سمات المعلومات
تتميز المعلومات في العصر الرقمي بمرونة عالية تسمح بتشكيلها وإعادة صياغتها بطرق متعددة، مما يزيد من قيمتها واستخداماتها. فهي ليست ثابتة في شكل معين، بل يمكن تمثيلها بعدة أشكال، مثل: النصوص، أو الرسوم البيانية، أو المقاطع الصوتية. هذا التعدد في الأشكال يسهم في وصول المعلومات لجمهور أوسع، حيث يستطيع المستخدمون اختيار الشكل الذي يناسبهم لفهم المعلومات بسهولة. إلى جانب التشكيل، تبرز قابلية النقل كخاصية أساسية في المعلومات الرقمية، حيث يمكن بثها عبر مسارات محددة، سواء بشكل موجه لفئة معينة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنطاق واسع، مما يسهل تبادل المعرفة والوصول إلى المعلومات من أي مكان.
تُعد المعلومات موردًا متجددًا وغير قابل للاستهلاك، فهي على عكس الموارد المادية، تزداد بازدياد استخدامها وانتشارها. هذا الوفرة جعلت المعلومات أكثر تأثيرًا، لكنها أيضًا دفعت منتجيها أحيانًا إلى تقييد تدفقها لخلق ندرة مصطنعة تحفظ قيمتها. ومع ذلك، تتسم المعلومات بمرونة عالية تجعلها تتغير وفق السياق الذي تُعرض فيه، مما يخلق تحديات تتعلق بالدقة والمصداقية في بعض الأحيان، خاصة مع سهولة النسخ وإمكانية الاستنتاج من مصادر غير دقيقة. ولضمان مصداقية المعلومات، تؤدي مصادر المعلومات دورًا جوهريًا، فهي الأوعية التي تحوي المعرفة وتضمن صحتها من خلال جمعها في المكتبات أو مراكز التعلم ودراستها بشكل دقيق قبل وصولها إلى الجمهور.
أنواع المعلومات
وهناك أنواع أخرى من المعلومات التي لا تضر جاهلها، أو لا تضيف للذي يعلمها دورًا حيويًا في تخصصه. وهناك المعلومات الغامضة التي تحتاج إلى استضاح، وغيرها مما كثر من المعلومات التي ازدادت في عصر رقمي.
المعلومة والوعي والدراية الإعلامية
ترتبط المعلومة غالبًا بالوعي والمعرفة، فالأشخاص الذين تنقصهم المعلومات يفتقرون إلى الوعي بجوانب أو تفاصيل معينة تتعلق بالأمر، مما قد يؤدي إلى فقدانهم دورًا تشاركيًا هامًا وقدرتهم على التواصل. يتشكل لدى الشخص الذي يمتلك المعلومة وعي معلوماتي، وهو مجموعة من الكفاءات التي يجب أن يتحلى بها الفرد ليتمكن من المشاركة بذكاء وفعالية في المجتمع.
فالوعي يختلف عن التعلّم أو تحصيل العلم؛ إذ لا يكون الشخص واعيًا دون فهم كامل للمعلومة، ومصادرها، ومنهجية معينة واضحة في الحصول عليها، بالإضافة إلى أهميتها في المجتمع الذي توجد فيه. كما يتطلب الوعي إدراكًا نقديًا لقوة المعلومة وضعفها، ومعرفة متى تكون صحيحة ومتى قد تكون مضللة.
ولذا، فلا بد من التأكُّد من صحة المعلومات الواردة بشأن أيِّ أمر. فالمعلومة عادةً ذات مصدر، ومن ثمَّ، فعلى متلقِّي المعلومة أن يكون ذي وعي انتقائي ودراية بما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، لا سيَّما إنْ كان في مجتمع رقمي على مواقع الشبكة والتواصل الاجتماعي، الذي تنساب فيه المعلومات – إلى حد كبير – دون مسؤولية، ما لم تكُن هناك آلية رقابية تنظيمية ذات أبعاد أخلاقية لضبطها، من جهة ذات صلة ومسؤولية. من ثمَّ، يجب أن يكون الوعي والدراية أساسًا في تلقِّي المعلومات، التي تلقي بظلال أثرها على مناحٍ تمس المتلقي في وعيه الإيديولوجي والثقافي والمجتمعي، وبخاصة إن كان صاحب المعلومة أو مصدرها مجهولاً على غير صلة بالمسؤولية.
وفي مجال الإعلام، حيث تعتمد المنظومة الإخبارية على المعلومة، أصبحت مصادر وسائل الإعلام تشمل الإعلام الاجتماعي أيضًا. وهذا أدى إلى خلط بين المعلومات المسؤولة والمعلومات الصحيحة، مما جعل “الحقيقة” تتباين بتباين الآراء، لصالح من يمتلك القدرة على تقديم المعلومات باحتراف.
المعلومة الرقمية والمُرقمنة
لغويًا، تُعرف المعلومة الرقمية بأنها تلك التي تتكون من أرقام، مثل عدد الأيام والأسابيع والسنوات، والممتلكات والموارد والسكان، حيث يملك كل منها توصيفه الخاص. لكن في العصر الرقمي، اكتسبت المعلومة الرقمية أبعادًا متأثرة من وصف محيطها، مما جعل المعلومة المُرقمنة، وخاصة الإعلامية، تتحول من مجرد شيء ملموس في كتاب أو ورقة إلى أثير إلكتروني فضفاض. أصبحت جزءًا من منظومتنا المعرفية التي تتصل بالوعي الشخصي والمجتمعي والعام، حيث لا تحدها حدود مادية أو جغرافية، بل يمكن أن تنتقل بضغطة مفتاح، تتحرك خلالها من أدنى الأرض إلى أقصاها في أقل من ثانية.
تشمل هذه المعلومة المُرقمَنة الكثير من الخصائص، أولها – كما ذُكر سابقًا – أنها تفتقر إلى الحدود المادية، حيث أصبحت المادة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية تُقاس بوحدات قياس إلكترونية، دون أن تشغل مساحات فيزيائية كبيرة. كما أن موثوقية هذه المعلومة باتت تتطلب مستوى عاليًا من المسؤولية والوعي من قبل صانعها وقارئها وناشرها. خاصةً أن النشر ومشاركة المحتوى أو إعادة التغريد لا يتطلبان جهدًا كبيرًا، مما يتيح تقديمها لجمهور أوسع، في ظل تنافس واسع بين وسائل الإعلام والترويج.
بناءً على ما سبق، صارت المعلومة الرقمية أو المُرقْمنة تتساوى أحيانًا في الجودة مع غيرها، ما لم يتم إيضاح المصدر، فصارت بعض المصادر تفقد قيمتها، إثر هذا الانسياب المعلوماتي السريع، الذي قد يكون ناشرها لا يعنيه سوى حصد كمّ من الإعجابات أو التعليقات. وبذلك، قد تتعرض هذه المعلومة مهما بلغت دقتها إلى نقد غير بنَّاء من أطراق لا يمثِّلون أهلاً للاختصاص، نتاج تداولها غير المسؤول عبر منصَّات، قد لا تحمي سياستُها المعلومة التي يتم تصديرها، أو أنْ تكون هذه السياسة موجَّهة لغير صالحها، سواء بالانتشار والتوسُّع أو الحظر والتقييد.
هنا نكون بصدد الوعي والدراية، اللذين يتحدد بمسؤولية لدى صانع المعلومة – منتجها – ومتلقيها الذي يشاركها دون الاكتفاء بمعرفتها. خاصةً أننا ما زلنا بحاجة إلى تشريعات تدعمها منظومة أخلاقية وتعليمية ومجتمعية صالحة، تحدد الحدود لمعلومة تُصيغ العقائد وتشكّل الرؤى.
إعداد: وحدة الدراسات الاجتماعية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر