الاقتصاد الرقمي.. قيمة وأسواق جديدة | مركز سمت للدراسات

الاقتصاد الرقمي.. قيمة وأسواق جديدة

التاريخ والوقت : الأربعاء, 25 يناير 2023

مويا أجالا

ما هو الاقتصاد الرقمي؟

تتمثل عوامل الإنتاج الأربعة في: الأرض، والعمالة، ورأس المال، وريادة الأعمال؛ وتعرف هذه العوامل أيضًا باسم “الموارد الاقتصادية”.

وتمثل المدخلات الأساسية المطلوبة لانتاج كلٍّ من السلع والخدمات. وتتشكل منها الأنشطة الاقتصاد وتحركها، وهو ما يتمثل في نظام أنشطة الإنتاج والاستهلاك المترابطة والمسؤولة عن تحديد تخصيص الموارد داخل بلد أو منطقة أو فترة؛ إنها في مجملها تشمل هيكل الاقتصاد والظروف المحيطة بالأنشطة الاقتصادية.

بجانب ذلك، يوجد حاليًا مصدر خامس للاقتصاد، يتمثل في “البيانات” Data، وذلك منذ ظهور النسخة الثانية من الشبكة Web 2.0  في القرن الحادي والعشرين، إذ لعبت البيانات دورًا ذات أهمية متزايدة كمورد اقتصادي واستراتيجي محليًا وعالميًا، وقد تدعم ذلك بجائحة كوفيد-19 التي أجبرت العالم على إيلاء المزيد من الاهتمام لجمع ونقل وتخزين ومعالجة واستخدام هذه السلعة غير الملموسة وغير الخاضعة للمنافسة، ما عزز تدفقات البيانات بين الحدود وداخلها استجابة العالم للجائحة، فضلاً عن استعدادها للتعامل مع  المستقبل.

فكما يقول “دون تابسكون”، مؤلف كتاب “الاقتصاد الرقمي: الوعد والخطر في عصر الذكاء الشبكي”، فإن كل ما يحتاجه المرء هو جهاز كمبيوتر، واتصال بالشبكة، وشرارة مشرقة من المبادرة والإبداع للانضمام إلى الاقتصاد. فقد شكل ظهور البيانات كمورد اقتصادي أساس الاقتصاد الرقمي، الذي يعمل حاليًا بالتوازي مع الاقتصاد التقليدي، ذلك أنه يقوم على التقنيات الرقمية. إنه نظام من الأنشطة الاقتصادية المترابطة التي تحدد تخصيص الموارد داخل بلد أو منطقة أو فترة، ويتم تمكينها بواسطة البيانات الرقمية من التقنيات الرقمية.

ويهتم الاقتصاد الرقمي بأكثر من مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية عبر سلسلة من البيانات القيمة، بداية من جمع البيانات ونقلها، فيما يعرف بـ”الرقمنة”، إلى تخزينها ومعالجتها، إلى استخدامها (أي التحول الرقمي) في تعزيز الاقتصاد والإنتاجية والنمو. وبجانب سرد الاستهلاك، يهتم الاقتصاد الرقمي الوظيفي بتأثير القنوات الرقمية على السلوكيات المجتمعية والاقتصادية.

ركائز الاقتصاد الرقمي

تقف سلسلة قيمة البيانات (وأنشطتها) على أكتاف الاقتصاد الحالي، إنها لا تحل محلها ولا توجد بدونها. فالبنى التحتية الرقمية (مثل كابلات الألياف الضوئية والإنترنت ومرافق تخزين البيانات وغيرها)، بالإضافة إلى تمكين التقنيات الرقمية (مثل الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وبرامج البيانات الضخمة، وسلسلة الكتل، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، وغيرها)، وأيضًا رأس المال البشري. إن كل ذلك يقوم على البنى التحتية الأساسية، مثل: (الطرق، والمطارات، والموانئ، والكهرباء)، والبيئات التمكينية (السياسية، والتنظيمية، والمالية… إلخ)، وكلها تتأثر بالإجراءات التي يقوم بها العنصر البشري.

القيمة والأسواق الجديدة

في الاقتصاد الرقمي يتم إنشاء القيمة من خلال تحويل البيانات إلى معلومات استخبارية مدرة للدخل وقابلة للتسويق، ويمكن استخدامها للأغراض الاجتماعية، مثل المساعدة في الاستجابة، أو الاستعداد لأزمة صحية أو اقتصادية عالمية. ووفقًا لمفهوم المحيط الأزرقBlue Ocean ، يتم خلق القيمة بالاعتماد على الاقتصاد الرقمي أو الأسواق الرقمية من خلال ثلاث طرق:

  1. تقديم حلول غير تقليدية للمشاكل القائمة في الصناعة أو القطاع أو الاقتصاد ككل.
  2. تحديد وحل مشاكل العلامة التجارية الجديدة أو اغتنام الفرص الجديدة.
  3. إعادة تعريف وحل صناعة أو قطاع أو مشكلة على مستوى الاقتصاد.

لقد أدى إنشاء واعتماد واستثمار التقنيات الرقمية من قِبَل الفاعلين الاقتصاديين (بالقطاعين العام والخاص) إلى خلق فرص عمل جديدة، تضمنت مصير بعض العمالة وإعادة توزيعها، مما أدى إلى حل المشكلات الاقتصادية الحالية والجديدة (ومن ضمنها العمالة) في المهن القائمة والجديدة. ونذكر على سبيل المثال ما يلي: 

  • إنها جعلت إجراءات التنظيم بمساعدة الروبوت أشبه بالإجراءات الجراحية الطفيفة بشكل أفضل وأسرع.
  • إن برنامج العروض التقديمية الافتراضية “مايكروسوفت باور بوينت” Microsoft PowerPoint، قد أسهم في تعطيل إنتاجية العمل التي سيطرت عليها سابقًا السَّبُّورَات وتقارير الأعمال المكتوبة وغيرها من وسائل وأدوات العرض.
  • لقد أسهمت التجارة الإلكترونية في تعزيز التجارة الدولية بشكل كبير في الاقتصادات المتقدمة والنامية؛ إذ ساعد الإنترنت في تعزيز حرية نقل المعلومات عبر الحدود، مما أدى إلى زيادة إنتاجية الأعمال وخفض تكاليف العمالة. وهنا يمكننا أن نتذكر الأيام التي لم يكن فيها كلٌّ من: “علي بابا” Alibaba ، أو “أمازون” Amazon ، أو “إي باي”  .eBay
  • إن التكنولوجيا الحيوية، والروبوتات، والهندسة الوراثية قد حولت الصناعات الزراعية والغذائية من خلال إتاحة زراعة محاصيل مقاومة لمبيدات الآفات وتوسيع نطاق المعدات الزراعية وسرعتها وإنتاجيتها.

يصف عدد كبير من الأدلة المتاحة كيف أن مجالات الاختراق مثل: علوم تحليل البيانات، والتعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات والتسويق الرقمي؛ كلها أسهمت في حل المشكلات والإنتاجية في جميع القطاعات، وبالتالي تعزيز الكفاءة الاقتصادية.

ولا عجب في أن قيمة السوق العالمية للذكاء الاصطناعي بلغت 93 مليار دولار في عام 2021، في حين أن سوق التعلم الآلي العالمي قُدِّرَت قيمته بنحو 21 مليار دولار في عام 2022، ويُقدَّر أن تنمو بنحو 40 في المئة في غضون سبع سنوات. وتعمل الرقمنة على تغيير طريقة شراء المنتجات والخدمات واستهلاكها. في حين أنه الأعمال التجارية والأوساط الأكاديمية، تزيد التقنيات الرقمية من قيمتها لظهور أسواق جديدة، بما في ذلك تصميم وتوسيع نطاق نماذج الأعمال المستقبلية مع خلق قيمة في الأسواق الحالية.

الاقتصادات الرقمية المتطورة والأسواق الناشئة 

يوجد 50% من مراكز البيانات ذات النطاق الفائق في العالم في الولايات المتحدة والصين. ويمثل هذان البلدان أعلى معدل لاعتماد تقنيات الجيل الخامس G5 في العالم، و90% من القيمة السوقية لأكبر منصات البيانات في العالم، وأكثر من 90% من إجمالي الاستثمارات العالمية في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. وكما ذكرنا سابقًا، يشكل نقل البيانات الأساس للمشاركة في اقتصاد الرقمي أو الاستفادة منه. فالوصول إلى تقنيات الاتصال والقدرات يختلف من حيث الاستفادة من الوصول للبيانات في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل تحديًا عالميًا بسبب عدم المساواة الذي يوصف بالفجوة الرقمية.

ويوجد تأثير للفجوة الرقمية في تدفق البيانات عبر الحدود داخل البلدان وفيما بينها. فعلى سبيل المثال، نجد أن معدلات استخدام الهواتف الذكية هي الأعلى في أميركا الشمالية وأوروبا، تليها الصين، بينما تعتبر الأدنى في إفريقيا جنوب الصحراء. وإن معدل انتشار النطاق المتنقل في البلدان المتقدمة يمثل ضعف المعدل في البلدان النامية. ثم إن الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية في الوصول الرقمي تعتبر هي الأخرى أكثر وضوحًا في البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، نجد أنه في إثيوبيا، وهي بلد إفريقي جنوب الصحراء الكبرى، يمتلك 40% من السكان هواتف محمولة، في حين أن 20% فقط متصلون بالإنترنت (أي من يستخدمون الهواتف الذكية)، بينما يستخدم 6% فقط وسائل التواصل الاجتماعي.

أمَّا في بلدان أخرى مثل إستونيا (التي يشار إليها باسم “الجمهورية الرقمية”)، حيث يتم تقديم 99% من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، فيتم إصدار نحو 98% من الوصفات الطبية رقميًا، و99% من السكان لديهم هوية رقمية، وأن جميع المواطنين يمكنهم التصويت عبر الإنترنت منذ عام 2005؛ بينما توجد دول أخرى، مثل بليز وكينيا، لا تزال في طور تنفيذ استراتيجيات الرقمنة الوطنية الخاصة بها. لقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على فجوة الاتصال الرقمي، وهو ما أشرنا إليه بإيجاز فيما سبق. بجانب ذلك، ففي حين أن المزيد من الأشخاص والشركات يجرون تعاملاتهم الاقتصادية عبر الإنترنت ويزداد ارتباطهم بالشبكة، فقد تخلف بعض الأشخاص والشركات عن الركب ويكافحون من أجل التعافي بعد الجائحة. وكما يقول “مورفيوس ماتريكس”، فإن تلك هي الفرصة الأخيرة بالنسبة للبلدان النامية التي يمكنها فيها الحصول على سبل الوقاية. 

ما هي سبل الوقاية بالنسبة للبلدان النامية؟

وتجدر الإشارة إلى أن التحول الرقمي للاقتصاد لا يخلو من العيوب، فعلى سبيل المثال، فإن الاعتماد المتزايد على تقنيات الاتصالات الرقمية يعرض المعلومات العامة والخاصة لمجرمي الإنترنت، فضلاً عن الخسائر الفادحة بسبب تعطل البرامج. لكن مع تزايد التحول الرقمي للاقتصادات العالمية، وتزايد أهمية البيانات للتنمية، فإن الاقتصادات النامية لا تزال في حاجة إلى وضع استراتيجية لكيفية سد الفجوات الضخمة الموجودة في الاتصال، والقدرة على تحمل التكاليف، وتوافر تقنيات الاتصالات الرقمية، وكذلك تحديد الأولويات من أجل زيادة قدراتهم على الاستفادة منها.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Gumiand Company

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر