الإعلام في مفترق الطرق: هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين والمؤثرين؟ | مركز سمت للدراسات

الإعلام في مفترق الطرق: هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين والمؤثرين؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 24 فبراير 2025

لم يكن التحول الرقمي في الإعلام مجرد تطور تقني، بل تحول إلى ثورة تعيد رسم خريطة صناعة المحتوى بالكامل، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في عمليات الإنتاج الصحفي وصناعة المحتوى الرقمي، ولم يعد دوره يقتصر على تحرير النصوص أو اقتراح العناوين، بل امتد ليشمل توليد مقالات كاملة، تحليل الأخبار، وإنتاج محتوى مرئي ومسموع بجودة تضاهي الإنتاج البشري، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الصحفيين والمؤثرين في عصر الأتمتة، وهل سيظلون في قلب هذه الصناعة أم أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الأدوار بحيث تصبح الآلة هي المحرك الأساسي للمشهد الإعلامي؟

الذكاء الاصطناعي وصياغة المحتوى: من المساعد إلى البديل

لطالما اعتمدت الصحافة والإعلام على التطورات التقنية، بدءًا من الطباعة إلى الإنترنت، لكن ما نشهده اليوم يختلف عن كل المراحل السابقة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج محتوى إخباري وتحليلي متكامل، مستندًا إلى قواعد بيانات ضخمة وخوارزميات تعلم الآلة التي تحاكي أسلوب الكتابة البشري، وهو ما ظهر بوضوح في منصات مثل ChatGPT، Jasper AI، وGoogle Gemini، حيث بات يمكن لهذه التقنيات صياغة مقالات وتقارير إخبارية خلال ثوانٍ، مع مستوى دقة وسرعة يصعب على الصحفيين التقليديين مجاراته.

وقد بدأت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في تبني هذه التقنيات كجزء من عملياتها اليومية، حيث تستخدم وكالة أسوشيتد برس الذكاء الاصطناعي لإنتاج التقارير المالية والرياضية، بينما تعتمد صحيفة واشنطن بوست على خوارزمية “Heliograf” لكتابة المقالات القصيرة والتغطيات السريعة، في حين قامت شركة Buzzfeed باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى ترفيهي مصمم خصيصًا لجمهورها، ما يثير مخاوف حول مدى استمرارية الصحفيين البشريين في سوق يزداد فيه الاعتماد على الأتمتة.

المؤثرون والذكاء الاصطناعي: نهاية حقبة أم بداية تحول؟

على الجانب الآخر، لم تقتصر ثورة الذكاء الاصطناعي على الصحافة فقط، بل امتدت إلى مجال صناعة المحتوى الرقمي، حيث بدأت شخصيات افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تنافس المؤثرين التقليديين على منصات التواصل الاجتماعي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك Lil Miquela، الشخصية الرقمية التي تحظى بملايين المتابعين على إنستغرام، وتقدم محتوى يبدو وكأنه صادر عن إنسان حقيقي، مما جعل العديد من العلامات التجارية الكبرى تعتمد عليها للترويج لمنتجاتها بدلاً من المؤثرين البشر.

وتشير التقديرات إلى أن المؤثرين المدعومين بالذكاء الاصطناعي قد يصبحون الخيار الأول للعلامات التجارية خلال السنوات المقبلة، حيث إنهم يوفرون ميزات لا تتوفر لدى المؤثرين التقليديين، مثل التحكم الكامل في الصورة والرسائل التسويقية، والقدرة على إنتاج محتوى على مدار الساعة دون توقف، وعدم إثارة الجدل أو التورط في مواقف قد تؤثر على العلامة التجارية، مما يجعلهم أكثر جاذبية للشركات الراغبة في تقديم محتوى متسق وخالٍ من المخاطر.

التداعيات الاقتصادية: فرص جديدة أم تهديد للوظائف؟

مع تسارع تبني الذكاء الاصطناعي في الإعلام وصناعة المحتوى، يتصاعد القلق بشأن تأثيره على فرص العمل في هذه المجالات، حيث تشير بعض التقارير إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى فقدان ملايين الوظائف في قطاع الإعلام بحلول عام 2030، خاصة في الأدوار التي تعتمد على الإنتاج الروتيني مثل التحرير الإخباري، تحليل البيانات، وإعداد المحتوى الإعلاني، حيث يمكن للخوارزميات تنفيذ هذه المهام بكفاءة أعلى وبتكلفة أقل، مما يدفع المؤسسات الإعلامية إلى تقليل عدد العاملين لديها والتركيز على الأتمتة كوسيلة لخفض النفقات وزيادة الإنتاجية.

لكن في المقابل، يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي قد يفتح فرصًا جديدة للصحفيين وصناع المحتوى، حيث يمكن استخدامه كأداة لتعزيز الإنتاجية بدلاً من استبدال العنصر البشري بالكامل، فعلى سبيل المثال، يمكن للصحفيين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، أو لتحرير مقاطع الفيديو والصوت بشكل أسرع وأكثر دقة، كما يمكن للمؤثرين الاستفادة من هذه التقنيات في تصميم محتوى أكثر تفاعلية وجاذبية، مما يعني أن مستقبل الإعلام قد لا يكون متعلقًا بإقصاء البشر، بل بإعادة توزيع الأدوار بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية.

الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات الإعلامية: تحديات جديدة في صناعة المحتوى

إلى جانب التأثير الاقتصادي، يطرح انتشار الذكاء الاصطناعي في الإعلام تساؤلات أخلاقية مهمة، حيث إن الاعتماد المتزايد على الخوارزميات في إنتاج الأخبار والمحتوى قد يؤدي إلى مشكلات تتعلق بالتحيز، الدقة، والمصداقية، فبعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تعتمد على بيانات منحازة، مما قد يؤدي إلى نشر أخبار مضللة أو غير متوازنة، كما أن الأتمتة الكاملة لعملية إنتاج الأخبار قد تقلل من العنصر الإنساني في التحقق من الحقائق والتدقيق الصحفي، مما يزيد من مخاطر انتشار المعلومات المغلوطة.

وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن يؤدي استخدام الشخصيات الافتراضية في صناعة المحتوى إلى فقدان الجمهور للقدرة على التمييز بين الشخصيات الحقيقية والمصطنعة، مما قد يؤثر على مصداقية الإعلام ويفتح الباب أمام التلاعب بالرأي العام، خاصة في المجالات الحساسة مثل السياسة والاقتصاد، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء شخصيات زائفة تبث معلومات مضللة بهدف التأثير على الرأي العام.

خيارات المستقبل: كيف سيبدو المشهد الإعلامي في عصر الذكاء الاصطناعي؟

محصلة لما سبق، يبدو أن مستقبل الإعلام وصناعة المحتوى في ظل الذكاء الاصطناعي قد يتراوح بين سيناريوهين رئيسيين، الأول يتمثل في تكامل الذكاء الاصطناعي مع الصحفيين والمؤثرين، بحيث يصبح أداة لتعزيز الإنتاجية وتطوير جودة المحتوى دون استبدال العنصر البشري بالكامل، وهو السيناريو الذي تدعمه بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى التي ترى في الذكاء الاصطناعي فرصة لتحسين كفاءة العمل الصحفي دون المساس بجوهره، أما السيناريو الثاني فيتمثل في هيمنة الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي، بحيث يتم استبدال الصحفيين التقليديين والمؤثرين بشخصيات رقمية وأنظمة إنتاج آلية، مما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة سوق الإعلام بالكامل وإعادة تعريف دور الإنسان في هذه الصناعة.

الخلاصة

ما بين الفرص والتحديات، يبدو أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإعلام لا تزال في طور التشكل، حيث يوفر هذا التحول إمكانيات هائلة لتطوير صناعة المحتوى، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات غير مسبوقة تتعلق بفرص العمل، المصداقية، والأخلاقيات الإعلامية، مما يجعلنا أمام مرحلة جديدة من التكيف مع واقع إعلامي مختلف، فهل سيظل الإنسان هو المحرك الأساسي لصناعة المحتوى، أم أن الذكاء الاصطناعي سيأخذ زمام المبادرة ليصبح الفاعل الرئيسي في الإعلام الرقمي؟

*إعداد وحدة الدراسات الاقتصادية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر