أسباب بارزة لظاهرة الإرهاب – تحليل سوسيولوجي | مركز سمت للدراسات

أسباب بارزة لظاهرة الإرهاب – تحليل سوسيولوجي

التاريخ والوقت : الإثنين, 27 مارس 2017

إعداد: د. فتح الرحمن يوسف عبدالرحمن

 

توطئة

تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشى في المجتمعات الدولية، فمنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وكلمة (الإرهاب) ومشتقاتها من أمثال (إرهابي) و(الإرهاب المضاد) وغيرها قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية.

    حيث أضحى مصطلح (الإرهاب) من أكثر الاصطلاحات شيوعا في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة ارتفاعا وأشكالها تنوعا؛ وأصبح الإرهاب واقعا مقلقا ومزعجا. فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ، انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في عصرنا. والذي يقرأ أو يستمع إلى وسائل الإعلام المختلفة يعتقد أننا نعيش في حقبة من هوس الإرهاب، وأن الإرهاب وحده هو الخطر الوحيد البادي للعيان.

الإرهاب لغة:

    أتت كلمة الإرهاب من رهب، رهبا ورهبة، ولقد أقر المجمع اللغوي كلمة الإرهاب ككلمة حديثة في اللغة العربية أساسها (رهب) بمعنى خاف، وأرهب فلانا بمعنى خوفه وفزعه، والإرهابيون وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية. ويتفق ما تقدم مع اصطلاح الإرهاب Terreur في اللغات الأجنبية القديمة كاليونانية واللاتينية إذ يعبر عن حركة من الجسد تفزع الغير Manifestation du corps، وانتقل هذا المعنى إلى اللغات الأجنبية الحديثة، وعلى سبيل المثال نجد أنه في اللغة الإنجليزية كلمة إرهاب معناها Terrorism المشتقة من كلمة Terror أي الرعب. وعرف قاموس (إكسفورد) كلمة الإرهاب بأنها “استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية”. وفي اللغة الفرنسية نجد أن قاموس (روبير) عرف الإرهاب بأنه “الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي مثل الاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وبصفة خاصة هو مجموعة من أعمال العنف (اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير) تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن”. كما يعني الإرهاب أيضا محاولة الجماعات والأفراد فرض أفكار أو مواقف أو مذاهب بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر… ومن هنا يأتي أسلوب الفرض والإرغام.

الإرهاب اصطلاحا:

    سنتطرق للتعريف الاصطلاحي للإرهاب، بالبحث في مفهوم الظاهرة من خلال المجهودات التي بذلها الفقه، إذ دخلت فكرة الإرهاب عالم الفكر القانوني لأول مرة في المؤتمر الأول لتوحيد القانون العقابي الذي انعقد في مدينة وارسو في بولندا عام1930، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المحاولات الفقهية لوضع تعريف جامع مانع للإرهاب.

تعريف الارهاب في الاسلام:

    الإرهاب “مصدر أرهبَ، يُرْهِب، إرهاباً، وهي لفظة تعني: التخويف، وهي في ذاتها ليست محمودة، ولا مذمومة، إلا أن يُعلم معناها عند قائلها، وإلا أن ينظر في آثارها ، ومن قال إن الإرهاب في الإسلام هو رديف القتل فهو مخطئ؛ لأن اللفظة لا تساعد على هذا المعنى، فالإرهاب هو التخويف وليس القتل، وقد أمرَنا ربنا تعالى أن نَرْهَبه، أي: نَخافه، كما في قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة/40، كما أمرنا بالاستعداد للعدو الذي يتوقع منه الكيد والحرب، وهذا الاستعداد هو لإرهابه حتى لا نكون لقمة سائغة له، وقد جاء ذلك موضحاً في قوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال/ من الآية 60. وتشريعات الإسلام الربانية فيها ما يحافظ على عرض المسلم، ودمه، وماله، ومن أجل ذلك كان تحريم القتل، والسرقة، والزنا، والقذف، وجعلت الحدود المغلظة على من ارتكب تلك المحرمات، وقد يصل الأمر للقتل – كالزاني المحصن – حفاظاً على أعراض الناس.

    وقد جاءت العقوبة مغلظة لمن أرهب الناس وأخافهم، مثل عصابات قطَّاع الطرق، ومن يفعل مثل فعلهم داخل المدينة، وهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض فساداً، وقد حكم الله عليهم بأشد العقوبات كفّاً لشرهم، وحفظاً لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/ 33 .

    وأبلغ من ذلك: أن الإسلام حرَّم على المسلم إخافة أخيه، ولو مازحاً، فعن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ”.

أسباب بروز ظاهرة الارهاب:

    لم يكن الإنسان الأول يدرك أنه في تاريخ لاحق سيتمكن أبناء جنسه من احتلال كل نقطة من هذا العالم المترامي الأطراف والسيطرة عليه ومن بعدها التواصل بشكل يعجز العقل على استيعابه، ليكشف هذا التواصل فيما بعد الطرف الأخر خالقا بذلك نزاعات حيوانية يميزها نشاط عقلي شديد التعقيد أصبح من أبرز صفات الإنسان اليوم.

    سأحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على ظاهرة أصبحت تعني أكثر المشتغلين في حقل علم الاجتماع بصورة عامة والمشتغلين بقضايا العنف بصورة خاصة، إنها ظاهرة الإرهاب التي سأجتهد من أجل الوقوف على أسبابها العامة.

    أصبح الواقع المعاصر الذي تشهده البشرية يطرح عدة تساؤلات، صار لزاماً علينا كفاعلين ومتفاعلين ضمن هذا الكل المركب أن نحاول فك رموز هذا الأخير من خلال توصيف الوقائع، وتحليل وتشريح بناءات التجمع البشري العالمي بمختلف أبعادها – بقصد الوصول إلى فهم الحقائق لهدف مساعدة الإنسان على مواصلة التواجد خاصة في ظل بروز مصطلح أصبح يرعب الأفراد والجماعات على حد سواء إلا وهو الإرهاب هذه الظاهرة التي تشكلت بفعل جملة من الأسباب يعتقد الاقتصادي أن عاملها الأساسي هو الاختلال في القيم الاقتصادية، ويعتقد الباحث الاجتماعي أن مرد تفشيها هو العامل السوسيوثقافي بالاختلال البنائي الوظيفي للقيم المتماسكة والمترابطة. من هنا أردت من خلال هذا التحليل السوسيولوجي البحث عن أهم الأسباب الفاعلة في تنشيط هذه الظاهرة لأن معرفة الأسباب هو اكتشاف لحركتها، فماهي الأسباب العامة لهذه الظاهرة؟ ظاهرة الإرهاب؟

الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للإرهاب:

    تدل الدراسات السوسيولوجية التي أجريت على أعضاء الجماعات المتطرفة الإرهابية على أن الغالبية العظمي منهم هي من الشباب ومن الطبقات الدنيا والمتوسطة، ومن المناطق الأكثر حرماناً مثل الريف والأحياء الشعبية الفقيرة الذين يعانون من البطالة أو انخفاض الدخل، والعجز عن توفير متطلبات الحياة الضرورية وكذلك عن العجز في إيجاد حلول لمشكلاتهم ورفضهم الانغماس في أنشطة مضادة لقيمهم الدينية كالفساد والرشوة والإدمان، مما يخلق لدى هذه الفئات حالة من الإحباط تقودهم الى الاتجاه نحو العمل الإرهابي لتغيير واقعهم، لهذا من المهم التركيز على حالة الإحباط التي تخلقها الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تعيشها بعض المجتمعات.

    هناك من أرجع انتشار ظاهرة العنف الإرهابي في المجتمع إلى عوامل اجتماعية واقتصادية عديدة، نجد من بينها ازدياد معدل البطالة في المجتمع خاصة أن العمل يعتبر المصدر الذي يضمن به المواطن وسائل عيشه، كما أنه شرط للاستفادة من حقه في أخذ حصته من الدخل الوطني، غير أن أزمة البطالة تجعل عدداً كبيراً من المواطنين لا يحصلون على هذا الحق، فيما تتمتع فئة قليلة فقط برفاهية الحياة نظراً لحصولها على أكبر نسبة من دخل البلاد من الموارد الطبيعية مما يخلق حالة من غياب العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يدفع بعض الأفراد إلى التعبير عن رفضهم لهذا الواقع من خلال الفعل الإرهابي.

    يؤدي التفاوت الصارخ في توزيع الثروة إلى وجود طبقيتين من الأفراد، هما طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء. أما الأولى فتتميز بارتفاع صارخ في مستويات المعيشة، وارتفاع النفقات المخصصة لشراء السلع الكمالية والترفيهية، وارتفاع مستوي الرفاهية، بينما تتميز الثانية بعدم القدرة على مواجهة أدنى الاحتياجات اليومية، سواء من حيث الغذاء الصحي الملائم، أو من حيث نمط الإسكان أو غيرها من المشاكل التي أصبحت تستفز الأفراد المحرومين. فتنعكس آثار الخلل الخطير الناجم عن ازدياد حدة التفاوت الطبقي، خاصة مع ظهور الطبقات الطفيلية التي أثريت ثراء فاحشاً وسريعا دون جهد أو إسهام في الإنتاج الوطني للدولة، على الشباب وتنشأ تربة صالحة للتطرف تزود الجماعات المتطرفة بأعضاء يعانون من الإحباط وافتقاد الشعور بالأمان والأمل في المستقبل فيقعون فريسة الانقياد لأوهام الخلاص. يمثل الفقر إذن والحاجة المادية الملحة وعدم المساواة في توزيع الموارد والثروة وانتشار الوعي بهذه السلبيات وبالفوارق الشاسعة الحاصلة في المجتمع، دافعا قويا نحو ممارسة الإرهاب وتوسيع القائم منه بهدف التخلص من تلك الأوضاع، فالإحباط الذي يشعر به هؤلاء الفقراء الذين أفرزتهما الأزمة الاقتصادية والتي انعكست بدورها على الواقع الاجتماعي للأفراد الفقراء يرى العديد من الباحثين أنه الدافع إلى هذا السلوك الإرهابي، وأن شعور المستضعفين من أفراد المجتمع بالحرمان هو الذي يدفعهم إلى هذا السلوك. ( )

   يقول البعض ليس الفقر هو الذي يقود الفرد إلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية ، أنما ما يقودهم إلى القيام بتلك الأعمال العنيفة هو ذلك الشعور الذي ينتابهم كفقراء هذا الشعور هو حالة الحرمان التي يعيشونها والتي يكون وعيهم بها نتيجة للمقارنة بينهم وبين أفراد المجتمع الميسورين فهنا يشعرون أنهم محرمون من موارد وطنهم ويحسون بانعدام العدالة التي توزع بها هذه الموارد وبالتالي يعيشون حالة من الإحباط تجعلهم مهيئين للانضمام الي أي جماعة بإمكانها أن تسترد لهم حقوقهم ،فيتحدون بهذا فشعارات موحدة تجعل مصيرهم واحد ( )

هناك عوامل اجتماعية واقتصادية أخري تساهم في انتشار ظاهرة الإرهاب في المجتمع من بينها النمو العمراني الحضري الذي يمتاز بالتغير الثقافي السريع وازدياد نسبة المهاجرين من الريف إلى المدن، واختلاف الثقافة الفرعية بل تناقضها مع الثقافة الكلية في وجوه كثيرة، وانتشار العلاقات العابرة غير الوثيقة التي لا تشعر الأفراد بالطمأنينة وراحة البال، كما تتسع علاقات الفرد من علاقته بأفراد أسرته وأهله وأقاربه الي جماعة الأصدقاء تتقاسم معه التفكير، مما قد يغير الكثير من المفاهيم والاعتبارات فيسهل الإغواء والإغراء خصوصا إذا شاع الاحتكاك بالخبرات الانحرافية.

    كما نجد الفرد في المدن الكبيرة يقيم في الأحياء المزدحمة بالسكان والمكتظة بالمساكن التي لا تتوافر فيها الراحة أو الشروط الصحية وفي هذه الأحياء يجد الفرد نفسه على ارتباط بكثير من التمازجات الإجرامية من بينها الارهابين. إذ يمكن أن تكون معاناة الأفراد من أزمة السكن سببا في اتجاهاتهم نحو السلوك العنيف وتتضح أهمية السكن في ما يشير اليه ريشمان (Richman) من أن حالة الفرد العقلية ترتبط إلى حد كبير بنمط المنزل الذي يقيم فيه من حيث موقعه وعدد حجراته وكذلك أثاثه وأن ذلك ينعكس على العلاقات الزوجية، والعلاقات بين الأسرة وأن الانهيار العصبي للأفراد والاكتئاب يكون نتيجة لبعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية.( ).

    وأن ما سبق ذكره يؤكد دور السكن في تحقيق الاستقرار النفسي لدى الشخص وفي ضوء غياب السكن يجد الأشخاص العنيفين أنفسهم عاجزين عن إشباع حاجاتهم .

    كثيرا ما يتعرض الشخص الذي من الممكن انضمامه إلى الجماعات الإرهابية للاستنكار- على نحو ما – من المجتمع، مما يؤدي به الشعور بالوحشية الأمر الذي يخالف الطبيعة البشرية التي من أهم صفاتها الشعور بالانتماء إلى جماعة، ومن ثم فإن الشخص الذي يشعر بالعزلة في المجتمع ويسيطر عليه الشعور بالفشل يكون من السهل انجذابه تلقائياً إلى هذه الجماعات التي لن تكتفي بقبوله فحسب بل ستزوده بالوسائل والسبل التي تساعده على الانتقام من المجتمع الذي نبذه( ).

    في هذا الصدد نقول أن الطبيعة البشرية أو الإنسانية تتحمل كامل المسئولية فيما يتعلق بوجود العنف في الحياة الاجتماعية، حيث أن الإنسان هو فاقد لشخصيته ومنقسم بين طبيعتين، فمن أجل تحقيق أهدافه وآماله يستخدم السلطة تدخلات رجال الأمن والعسكر أحيانا ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية تلجأ بعض الجماعات إلى الانقلابات الدامية، أو إلى الإرهاب الدموي ، وهؤلاء الأفراد لديهم شعور بأنهم فوق القانون وأنهم نصبوا أنفسهم قضاة ويظهر هذا المعتقد في تبرير الجرائم والممارسات العدوانية البشعة استناداً إلى مبدأ القيام بممارسات عدوانية تجاه الآخرين.

    على هذا الأساس نقول بأن الإنسان المعاصر بقدر ما لديه الرغبة في تحقيق العدالة بقدر ما لديه القدرة على الظلم، وبقدر ما لديه الرغبة في الوصول إلى النظام في المجتمع بقدر ما يملك القدرة على التخريب وخلق حالة من اللاستقرار والتوتر في المجتمع.

    في الأخير يمكن القول أن الإرهاب قد يحدث نتيجة حالة الإحباط التي تصيب بعض الأفراد في المجتمع والناتجة عن التفاوت الحاصل بين فئات هذا المجتمع، حيث توجد فئة تسعى إلى إقامة المساواة بين أفراد المجتمع وفئة أخري تسعى إلى الاحتفاظ بالامتيازات والمكاسب التي تتمتع بها، وهنا لا بد أن تصطدم إرادة المساواة بإرادة دعاة التفاوت، فتلجأ الفئات التي تشعر بالحرمان إلى الأسلوب الإرهابي العنيف محاولة منها للحصول على حقوقها التي سلبت منها وهكذا يقوم التضامن بين الفئات التي تجمعها وحدة المصير والهدف وتتحد فيما بينها لمواجهة الفئات المميزة والقوية والتي تراها مجسدة في النظام فسوء استعمال موارد الدولة وخيراتها والتوزيع العادل لأموال الدولة على الفئات الضعيفة كل ذلك يدفع العنف الإرهابي وهذا يقودنا إلى ضرورة إلقاء الضوء على العوامل السياسية المؤدية للإرهاب.

الأسباب السياسية لظاهرة الإرهاب:

    هنالك عدة عوامل سياسية داخلية وخارجية يمكنها إثارة العنف الإرهابي في المجتمعات . ومن أبرز هذه العوامل على المستوى الداخلي غياب الحوار الديمقراطي وعدم المشاركة في التعبير عن الآراء والأفكار بالإضافة إلى ذلك فإن القوى المعارضة للسلطة يمكن أن تستغل عدم حصول نظام الحكم القائم في دولة معينة على التأييد الشعبي له لزعزعته وذلك من خلال الممارسات الإرهابية. كما أن استبداد السلطة الحاكمة كخروجها عن الصلاحيات الدستورية المخولة لها واستخدامها لأسلوب العنف والقوة والتخويف يدفع بعض الفئات إلى اللجوء إلى العنف بوصفه رد فعل لما تتبعه هذه الفئات الحاكمة.

    مما سبق ذكره يمكن اعتبار احتكار الحكم من طرف أقلية مسيطرة تتموقع في أجهزة ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى خنق الحريات الفردية والعامة والتضييق إلى درجة إلغاء حرية التعبير ونفي الاختلاف، وعدم اهتمام الفئات الحاكمة بمصالح شعبها بقدر انشغالها بمصالحها الخاصة الأمر الذي يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الطرفين مما يفقد مؤسسات الدولة مصداقيتها لدى فئة واسعة من المجتمع من بين أبرز العوامل التي تهيئ الظروف لبروز ظاهرة الإرهاب في أي مجتمع.

    أما من بين الأسباب السياسية الخارجية نجد ظاهرة الاستعمار، حيث أدت الأوضاع الاستعمارية التي سادت في العصر الاستعماري إلي وجود هوة واسعة وسحيقة بين دول العالم من حيث المستوى الاقتصادي والذي انعكس بدوره على المستوى الاجتماعي لشعوب العالم، وهكذا انقسم العالم إلى دول غنية ودول فقيرة ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال إشارتي أن الدول الصناعية وهي تمثل أقل من ربع سكان العالم تحصل على أكثر من ثلاث أرباع الثروة العالمية في حين أن الدول النامية ويمثل سكانها أكثر من ثلاث أرباع العالم تحصل على أقل من ربع هذه الثروة ( )

    هكذا تكون الأوضاع الاستعمارية المستبدة قد أحدثت انقساما بين دول العالم إلى غني يتحكم في مصادر الثروة وفقير يرزح تحت نير الاستغلال والعبودية ويعاني قسوة الحياة ويفتقر إلى لقمة العيش، بل ويفتقد إلى أبسط الحقوق وهو الحق في الحياة، لقد أوشكت الدول الفقيرة أن تصبح معسكرات شاسعة للموت ( ) إذن قامت الدول الغنية الاستعمارية بسلب ونهب موارد الدول المستعمرة مما جعل هذه الأخيرة، وحتى بعد نيلها الاستقلال تعجز على إيجاد سياسة تنموية ملائمة من شأنها أن تحقق مطالب شعوبها.

    أفرز مثل ذلك الوضع السالف الذكر أفرادا محبطين لا أمل لهم في تغيير الأوضاع لصالحهم مما دفعهم لمحاولة التغيير بأنفسهم وبأسلوب عنيف كان موجها نحو الأنظمة الداخلية لدولهم لشعورهم بأنها ظالمة ولم تحقق لهم طموحاتهم من جهة ومن جهة أخرى كان موجها نحو رموز النظام العالمي على اعتبار أنه خلق هذا الوضع السيئ الذي تعيشه الدول المستضعفة.

    جاء في تقرير اللجنة المتخصصة في موضوع الإرهاب الدولي والتابع للأمم المتحدة أن أهم العوامل الاقتصادية التي تقف وراء ظاهرة الإرهاب الدولي هو استمرار نظام دولي جائر غير منصف، وما ينجم عنه من ظواهر الاستغلال الأجنبي لموارد البلد الطبيعية، وقيام دولة أجنبية بالتدمير المنظم لاقتصاديات دولة أخرى، وما يؤدي إليه ذلك من جوع وفقر وشقاء وبؤس وخيبة أمل وإحباط الأمر الذي يدفع الشعوب الفقيرة المستضعفة إلى القيام بأعمال عنيفة للتعبير عن مشاعر أليمة ناجمة عن هذا الوضع القاسي الجائر.

    وعلى سبيل المثال أن ما يحدث اليوم يسمى بالربيع العربي، ولكن ما يحدث للشعب العراقي هو تجسيد حقيقي لصورة الشعب المحبط الفاقد للأمل والذي جار عليه نظام العولمة الذي أصبح يمثل النظام الدولي، وإذا كانت الولايات المتحدة قد أوصلت الشعب العراقي إلى مثل هذه الوضعية المزرية بدعوى مكافحة الإرهاب، فإنها تكون قد فتحت على نفسها أبوابا كثيرة حيث واجهت ثم ستواجه حملة شرسة تقودها جماعات ناقمة على سياسة الهيمنة التي تتبعها وسيكون الإرهاب المضاد من طرف هذه الجماعات هو السبيل الوحيد للرد على الإرهاب الأمريكي.

    هكذا تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أسست لسياسة دولية جديدة تحكم العلاقات الدولية ولن تكون سوى سياسة الإرهاب وهذا على اعتبار أن الهيئة المنظمة للعلاقات الدولية قد فقدت شرعيتها بالإضافة إلى غياب القانون الدولي الذي كان يسير المنظومة الدولية، يمكننا القول إذن أن الإرهاب سيرسي قواعده على الإحباط الشديد الذي أصاب ليس الشعب العراقي فحسب وإنما جميع الشعوب المستضعفة التي أصبحت تشعر فعلا بالظلم.

    يمكننا القول في هذا الصدد أن كل المعطيات قد تغيرت مع مطلع هذا القرن، لأن الاستعمار الجديد لم يعد ذلك الاستعمار التقليدي بل هو الذي أعطته العولمة مفهوماً جديداَ وصاغته صياغة حديثة وبعيدة كل البعد عن تلك التي كانت سائدة في القرن الماضي، فالاستعمار الجديد الذي أصبح يهدد الدول المستضعفة في العالم هو ما اصطلحت الولايات المتحدة الأمريكية على تسميته بـ(مكافحة الإرهاب) وستقوم باستعمار غالبية الدول التي لابد أن تخدم مصالحها، أو أيضا تهدد مصالحها لكن بأسلوب استعماري حديث سيسجله التاريخ كأول ابتكار يشهده هذا القرن، على الرغم من الرؤى الاستعمارية التقليدية التي يحملها.

الأسباب السيكولوجية للإرهاب :

    تلعب الجوانب السيكولوجية وما يعتريها من تغييرات دورا هاماً في اتجاه الفرد نحو الإرهاب ولا سيما عندما تتعرض تلك الجوانب لبعض الاضطرابات التي تأخذ صورة أمراض نفسية أو تقلبات نفسية حادة، وهذه الأعراض قد تعود إلى أسباب وراثية أو ضغوط عصبية مفاجئة نتيجة لمواقف اجتماعية معينة يتعرض لها الفرد.

    يصرح عالم الاجتماع الانجليزي ( ولسون) أنه إذا كان البؤس وعدم التساوي الاجتماعي في الماضي الحاضن الرئيسي في المجتمع، فقد تغير الوضع جذرياً حيث يرى العالم الرأسمالي المعاصر أصبح يتسم بالإفراط في الديمقراطية والحرية وبمستوى مرتفع من الرفاهية وكمية كافية من الوقت للتسلية، وهذا يؤدي مع مستوى وعي الأشخاص ومسؤوليتهم الاجتماعية إلى ضياع الاستقرار الداخلي وإلى انفجار العنف والإرهاب.

    ويري فرويد أنه لا يمكن عمل الكثير من أجل إيقاف الدوافع العدوانية من النمو على اعتبار أن العدوان هو خاصية ولادية عن الإنسان والعنف – حسب فرويد دائماً مثل قتل الغير هو الصيغة الطبيعية التي يتخذها السلوك العدواني ما لم يتم إعاقته من قبل القوى الضابطة، التي تنمو خلال تفاعل الطفل وأسرته على هذا الأساس فإن عملية التنشئة الاجتماعية للطفل هادفة إلى تعزيز عوامل الكف والضبط في مقابل العدوان يقيم الأمل في تناقض العنف ويضيف فرويد أن هناك احتمالات بأن الانفعالات المتعلقة بالعدوان، أي المعاداة والغضب قد تؤدي إلى تفريغ طاقة التدمير ومن ثم تعمل على حفظ السلوك الخطر المحتمل قيامه، ويقوم افتراض التفريغ على أساس إتاحة الفرصة للشخص الغاضب لأن يخفف من الضغط القائم داخله، مما يجعله يشعر شعورا أفضل ويخفف من ميله إلى الاشتراك في صور من السلوك الخطير.

    يذهب البعض إلى أن الإرهابي يعمل في نطاق سيكولوجية تمثل في دلائل مختلفة عن العلامات الدالة عن المرض الذهني التي يمكن تشخيصها باتباع الوسائل العلاجية النفسية التقليدية، فالإرهابي يتميز بالذكاء واللياقة، وعادة ما يكون مثقفا من أصحاب الدوافع السامية عندما يتعلق الأمر باشتغاله من أجل القضية، وما يفعله في المرحلة المبكرة من اجتماعات إرهابية هو عرض وجهات نظر مخالفة للمألوف وليس مظاهر انغماس في مسالك نفسية مرضية. ونادرا ما يتجه الشخص للإرهاب من تلقاء نفسه والأغلب أن جذب الفرد إلى الجماعة الإرهابية يتم على مراحل، فقد يبدأ بدور مساعد صغير على الهامش في العمليات الإرهابية بمراسم معينة تلقنه تعليماتها والمطلوب منه أداءها وقد تكون هناك اختيارات لمعرفة مدى استعداده وقدرته على المبادرة والولاء.( )

    لقد أوضح “فرويد” أنه يمكن وضع العدوانية في خدمة الحياة والموت على حد سواء، أما المجتمع هو الذي يساعد الفرد على ضبط هذه القوة المتميزة تحويلا وتصعيداً، ويكون هذا بتوجيه قسم من القوة ضد العالم الخارجي دون التردي في السادية التي يقصد بها “فرويد” اكتساب اللذة من خلال إلحاق الأذى بالغير، والقسم الآخر ضد نفسه مع تجنبه المازوسية والتي يقصد بها اكتساب اللذة من خلال إيقاع الأذى بالذات. وما يخشي حدوثه، هو أن يدرك المجتمع وجود تصريفات للعنف ويضاعفها من ذلك مثلا الرياضة والجن ، على أن يتحاشى بعناية كل ما من شأنه تصعيد العنف، خصوصاً على صعيد المشاركة في السلطة بجميع مراتبها ، وعلى صعيد الاعتراض عليها( )

4.وسائل الإعلام وظاهرة الإرهاب:

    ثبت أن رؤية الطفل لموقف بطولي عنيف في التلفزيون لمدة قصيرة يؤثر على سلوكه العدواني لعدة شهور مما يعزز دور الجهاز الإعلامي في التأثير على السلوك الإنساني وضرورة الرقابة النفسية والتربوية عليه حيث تأكد أن تعلم الفرد للسلوك العنيف وهو طفل وفيما بعد وهو بالغ يتحقق ويتكمل بالملاحظة ( )

    إذا كان تهذيب سلوك الطفل على أيدي أبويه عملا خالصاً، فإن شيئا آخر يحدث يومياً في البيت من الممكن جدا أن يؤثر بشكل كبير وواضح على مستويات العدوان والعنف وهو كما سبق ذكره (الشاشة الصغيرة) فالأطفال يميلون للتجمع أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة البرامج التي تدور حول مشاهد البطولة القوة والاعتداء واختراق الجدران وأسقف المنازل ويركز الأطفال انتباههم على أحداث الشاشة الصغيرة أكثر من تركيزهم على شرح المعلم في المدرسة، كما أن برامج التلفزيون العنيفة لا تقتصر على تلك المخصصة للأطفال فحسب بل تتعداه إلى برامج الشباب التي تتمثل في أفلام الجريمة والعنف والقتل والاحتيال والابتزاز والنصب وتجارة المخدرات.

    في هذا الصدد أعتقد أنه ليست البرامج والأفلام العنيفة هي وحدها التي تجعل الفرد يكتسب السلوك العنيف، بل نجد أيضا أن الفرد قد يتجه نحو السلوك العنيف من خلال تلك البرامج وحتى الأفلام التعبوية التي تقدم أيديولوجيا معينة، فمع الانفتاح الإعلامي الكبير الذي شهده القرن العشرين أصبحت هناك إمكانيات لمرور أشخاص معينين – بأفكارهم المتطرفة عبر القنوات الفضائية ومن خلال ذلك يروجون لأفكار خطيرة ومتطرفة من شأنها أن تجند عددا كبيرا من الأفراد لصالح هؤلاء المتطرفين فكريا، فنقول أن الأجهزة الإعلامية وفي مقدمتها التلفزيون أصبحت من أهم الأساليب المستخدمة لترويج الأفكار المتطرفة والإرهابية.

    إن العصر الراهن قد يفرض علينا إهمال الدور غير العادي الذي أصبح النظام الإعلامي يؤديه في عملية تعلم السلوكيات العنيفة، بما فيها العنف الإرهابي المتفشي بشكل لافت في الآونة الأخيرة، حيث أصبح الأعلام الأمريكي يروج مفاهيم جديدة للإرهاب، إذ أعطي صفة الضحية الإرهابي بينما ألصق صفة الإرهابي بالضحية.

خلاصة:

    لا تولد العوامل التي ذكرناها مجتمعة قدراً من التوتر لدي الفرد يتناسب مع شدتها ،وفي حالة بلوغ هذا التوتر مستوى يفوق طاقة الفرد على الاحتمال فإنه يسعي سعياً حثيثاً لتفريغ الشحنة الانفعالية بصورة ما، ومن هنا يبرز دور العوامل المفجرة للإرهاب، حيث يتحول التوتر في ظلها إلى سلوك عدواني موجه نحو الطرف الآخر إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو نحو أي مضوع بديل.

    إن الفرد يدرك ما يحدث له على أساس تلك العوامل مجتمعة، وتأثيرها يتفاوت من عامل لآخر فالشخص الذي يدرك أنه مظلوم وأفكاره تنحو نحو هذا الاتجاه والإرهابي الذي يعتقد أن المجتمع فاسد ويجب تغييره بشتى الطرق يستلزم منا ذلك معرفة الظروف التي جعلته متطرفاً في تفكيره.

    وما يمكن أن نصل إليه من هذا التحليل هو إمكانية القول أن الارهاب يرتبط إلى حد كبير بأفكار الفرد وعليه فإننا بحاجة إلى كيفية تغييره هذه الأفكار خاصة إذا كانت أفكارا متطرفة من شأنها أن تشكل خطرا على المجتمعات وعلى البشر وعلى الدولة قص وتقليم العوامل المؤدية كأسباب إلى حدوث الظاهرة أو على الاقل الحد من دورها السالب.

المصادر والمراجع
أولا: القران الكريم
ثانيا: الاحاديث النبوية
ثالثا: المراجع
1/أحمد ابو الروس الإرهاب والتطرف في الدول العربية،ط1، المكتب الجامعي الحديث الإسكندرية،2001م ص 18/19.
2/ هشام الحديدي، الإرهاب بذوره وبثوره زمانه ومكانه وشخوصه، ط 1،الدار المصرية اللبنانية القاهرة،2000م ص ص 15/ 16.
3/ حسين عبدالحميد أحمد رشوان، الإرهاب والتطرف من منظور علم الاجتماع، ط1، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 2002م ص 26.
4/ محمد توهيل فايز أبو هنطش، علم الاجتماع السياسي: قضايا العنف والحرب والسلام ،ط1 ،دار المستقبل ،عمان 1998م،ص ص77/ 78.
6/ أحمد ألور الروس، مرجع سابق ص19.
7/ مصطفي مصباح دباره، الإرهاب مفهومه وأهم جرائمه في القانون الدولي الجنائي، ط1، جامعة قار يونس ،بنغازي 1990،ص ص66.67.
8/ ميشيل كارناتو، المجتمع والعنف ،تأليف مجموعة من الاختصاصيين ،ترجمة
:إلياس زحلاوي،ط1.وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق1975،ص81.
9/ مصطفي مصباح دبارة مرجع سابق ص81..
10/ المرجع نفسه.ص66
11/ عزت سيد إسماعيل، سيكولوجيا الإرهاب وجرائم العنف، ط1، دار السلاسل، الكويت، 1988م، ص 49 – 50.

أكاديمي سوداني*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر