سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تمارا ناير
على الرغم من الإنجازات العديدة للمرأة في الساحة العالمية، لا يزال هناك فراغ في الحوكمة العالمية، وهو الأمر الذي يتطلب موضوعات مثل “تحليل النوع الاجتماعي” و”تعميم المنظور الجنساني”. لكن نبدأ بالسؤال: هل هذه الدعوات مبررة، أم أنها مجرد مساعٍ لمصالح خاصة؟
النساء اليوم يقفن في مقدمة المهام العملاقة، فرؤية المرأة وسماع صوتها على المسرح العالمي في جميع مجالات الحكم يعدُّ إنجازًا كبيرًا، بل ويعكس إلى حد بعيد نجاح أكثر من قرن من الاحتجاجات والتضحيات والمفاوضات المكثفة على العديد من المستويات سواء من جانب النساء أو الرجال المتفانين في أعمالهم، والذين لا يتزعزعون عن مطالبهم بالمساواة.
والآن تقود النساء الشركات العابرة للحدود والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أيضًا، فهن يترأسن مجالس إدارة الشركات والحكومات، كما أنهن يعملن في كافة ميادين الابتكار، وأخيرًا انطلقت المرأة إلى الفضاء. إننا نرى هذه التغييرات على الصعيد العالمي فعلاً. فالحوكمة العالمية تتعلق بالجهود المبذولة لدعم التنمية والسلامة للبشرية جمعاء، كما أنها تتناول دور صنع السلام العابر للحدود. ومع ذلك، لا تزال مسألة الشمولية تمثل إشكالية بالغة الأهمية، كما سيتبين من الحالتين اللتين سنوردهما لاحقًا.
في إطار الاستعداد الشامل لوباء فيروس كورونا”Covid-19″ ، الذي شق طريقه حول العالم، تمَّ الكشف عن بعض أوجه القصور الصارخة في عمليات التأهب لمواجهة الوباء على المستوى الوطني والعالمي.
فالأمهات الحوامل في الصين واجهن مناخًا من عدم اليقين، إذ كانت العديد من المستشفيات والمتخصصين في الرعاية الصحية يعطون الأولوية للمرضى المصابين بالفيروس. ويبدو أن نظام الرعاية الصحية المثقل قد تجاهلهن عندما تمَّ نقل الممرضات العاملات في مجال أمراض النساء والأطباء إلى مراكز الأزمات. ومع عدم توفر المستشفيات المجتمعية وعدم وجود وسائل للنقل العام إلى أي مكان، فإن العديد من النساء واجهن أوضاعًا مزرية عند الولادة، وهو ما بدا أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك اللاتي يواجهن حالات حمل متعثرة.
في مقالة نُشِرَت أخيرًا، تمَّ توجيه اللوم والتوبيخ للعاملات الصحيات في الصين لطلبهن منتجات النظافة النسائية، التي تعتبر غير ضرورية. فقد انتقدهن زملاؤهن الذكور “لافتقارهن إلى الاجتهاد وروح الإخلاص”، فمن أجل تقديم مثل هذه الطلبات اضطرت العاملات الصحيات إلى مواجهة أوضاع صعبة، فاضطررن إلى العمل على مدار الساعة لرعاية المرضى.
كما ثبت أن التجارب المتباينة التي تواجهها النساء من الناحية البيولوجية تجعلهن أكثر عرضة للعدوى بالوباء، وهو ما يبدو أمرًا سيئًا جدًا. وأخطر من ذلك هو عندما يكون غالبية العاملين في مجال الرعاية الصحية، وخاصة العاملين في الخطوط الأمامية مثل الممرضات، من الإناث. ومما زاد الأمر خطورة أن الممرضات يتحملن الأعباء التي تكتنفها العادات الثقافية والاجتماعية كمقدمات للرعاية، ليس فقط لرعاية الغرباء، ولكن أيضًا في منازلهن.
وهناك مسألة أخرى مثيرة للقلق تتعلق بعاملات المنازل، فكثير منهن يعملن في البلدان المتضررة من فيروس كورونا المستجد في جنوب شرق آسيا، إذ يعانين من أوضاع مزرية في بلدانهن مما يضطرهن إلى السفر للعمل. ولكن كيف ستؤثر قيود السفر عليهن؟ وما هو تأثير ذلك على تأمين أوضاعهن الاقتصادية على المدى البعيد، وعلى أمن من يتولَين رعايتهم؟
هنا يجب أن تكون إشكالية العلاقة بين الجنسين مثارًا لاهتمام أولئك الذين يتعاملون مع الحوكمة الصحية العالمية نظرًا لتفاعل النساء الفوري مع الأعضاء المسنين والشباب والمرضى في مجتمعاتهن. فالواضح أنه لم يتم دمج المرأة بالكامل في آليات الحوكمة الصحية العالمية، كما لا توجد مساحات سياسية كافية للمرأة في الاستعداد لمواجهة الجائحة الوطنية والعالمية.
المرأة وبناء السلام
في خطاب عن حالة الاتحاد في عام 2002، أشار الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، إلى التقدم في مجال حقوق المرأة باعتباره إحدى النتائج الرئيسية للغزو الأميركي لأفغانستان. وقد استفادت العديد من النساء الأفغانيات من إعلانه هذا، وعلى مدى السنوات الثماني عشرة الماضية عانت النساء الأفغانيات من الحريات المكتسبة مع دخول الأميركيين. فعلى مدار سنوات، قامت الولايات المتحدة بالترويج لفكرة حماية حقوق المرأة الأفغانية كجزء من الأساس المنطقي لمعركتها ضد طالبان.
وكان حكم طالبان، الذي استمر بين عامي 1996 و2001 أثر بشدة في حقوق المرأة في التعليم والأمن الاقتصادي والمشاركة السياسية. فقد سيطرت طالبان على النساء من خلال فرضها عليهن أشكالاً معينة من اللباس، وصولاً إلى كافة تفاصيل حياتهن المعيشية. وقد واجه من خالف هذه القواعد تداعيات رهيبة وصلت إلى حد الجلد في الأماكن العامة.
اتفاق السلام الأخير الموقع بين الرئيس دونالد ترمب وطالبان أصاب النساء ونشطاء حقوق الإنسان بالفزع. إذ يمكن أن ينطوي على مخاطر بالنسبة للتقدم الذي شهدته أوضاع النساء أخيرًا، وخاصة بعد أن حصلت على موطئ قدم في ميدان العمل وفي الحياة السياسية، كما أن هذا “السلام”، مهما كان تعريفه، يمكن أن يكون على عاتق النساء.
ومع عدم مشاركة المرأة في هذه المحادثات، تنتهك الحكومتان الأفغانية والأميركية المبدأ الأساسي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، الذي يقوم على المشاركة الكاملة والمستمرة للمرأة في محادثات وبناء السلام.
كما أن محادثات السلام تجاهلت “خطة العمل الوطنية” الخاصة بأفغانستان بشأن هذا القرار الأممي. فلطالما كانت النساء الأفغانيات يساورهن مخاوف من أنه إذا ضاعت قضيتهن في الحرية على مستوى المجتمع الدولي، فإن حقوقهن المكتسبة حديثًا سوف تظل بالنسبة لهن حقوقًا فقط. لكن يبدو أن المجتمع الدولي ليس لديه رأي واضح في محنتهن حتى الآن.
لا يزال أمامنا طريق طويل، فعام 2020سيشهد الذكرى السنوية لحقوق المرأة العالمية والمساواة. كما يصادف هذا العام الذكرى العاشرة لتأسيس “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”. وفيه أيضًا الذكرى العشرون لقرار مجلس الأمن 1325. كما يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لـ”منهاج عمل بيجين” تجاه أكثر خريطة طريق تقدمية للمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة.
لقد وضع المجتمع الدولي هذين الإعلانين البارزين لحماية المرأة وإشراكهن في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد قامت الدول بتنفيذ هذه الدعوة لتكون النساء أكثر وعيًا وشمولاً، وقد ساعد هذا الالتزام في الغالب على “الكشف” عن حقوق المرأة من “ما يجري خلف الكواليس” إلى “المقدمة” على مستوى الشؤون الدولية. ذلك أن السعي المستمر لوضع نهج شامل يراعي الفوارق بين الجنسين في الحوكمة العالمية ليس مجرد مطالب لمجموعات مصالح معينة.
فمن كافة النواحي، يمكن التحقق من سعي الدولة للسلام والتنمية من خلال مستوى عدم المساواة بين الجنسين الموجود.
لقد تمَّ الاحتفال بـ”اليوم العالمي للمرأة” في 8 مارس 2020، وهو احتفال يعود إلى حوالي 108 سنوات وفيه يتم إحياء إنجازات المرأة في التاريخ بجميع أنحاء العالم. كما أنه يُعرف أيضًا باسم “يوم الأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام الدولي”، وتأتي أهمية هذا التاريخ من تحركات آلاف النساء الروسيات اللواتي قمن بالاحتجاج في الشوارع للمطالبة بالتغيير والمساواة في عام 1917، وكان ذلك في نفس اليوم من شهر مارس.
لكن حقيقة أن الأمر سيستغرق حوالي 100 عام بالنسبة لنا لتحقيق أي شكل من أشكال المساواة بين الجنسين و 202 سنة للوصول إلى التكافؤ الاقتصادي، إنما هي فكرة محبطة. فكما أوضحنا سلفًا، لن نحرز تقدمًا كافيًا، على الرغم من جميع الإنجازات التي حققتها البشرية، إذا لم نتمكن حتى الآن من الاعتراف بعملية شاملة في الشؤون الدولية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مدرسة راجارتنام للدراسات الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر