قبل بضعة أسابيع، ذهبت لتناول العشاء في مانهاتن مع بعض أصدقائي الذين يعملون في مجال التمويل على السواحل الشرقية والغربية لأميركا. قد تظن أنه لا شيء غريب في ذلك. لكن هذا التجمع كان لا ينسى: خلال تناول العشاء، تبادل رفاقي الحكايات حول الأساليب التي استخدموها هم وزملاؤهم في اليوم السابق لسحب الودائع من البنوك المتعثرة، مثل سيليكون فالي بنك وبنك فيرست ريبابليك.
قام البعض بذلك على أجهزة الحاسوب المحمولة أو الهواتف الذكية الخاصة بهم، أو خلال الجلوس في سيارات الأجرة أو الاجتماعات، أو أثناء حضور مؤتمر ساوث باي ساوث ويست للتكنولوجيا في أوستن في تكساس، أرسل آخرون رسائل بريد إلكتروني إلى مساعديهم بدلا من ذلك. في كلتا الحالتين، بينما تتراكم الحكايات، ظللت ألقي نظرة خلسة على هاتفي لمعرفة آخر المستجدات عن حالة الذعر. فعليا، كنا في مطعم سوشي. لكن في الفضاء الإلكتروني، كان لدينا عرض في الوقت الفعلي لعملية تهافت على بنك في العصر الحديث لسحب الودائع منه، وكأننا في الصف الأول من العرض.
من عدة نواح، بدا الأمر مألوفا بشكل مرهق. لقد شاهدت أزمتين ماليتين تتكشفان من قبل، مرة في 1997 ومرة في 1998 في طوكيو، كمراسلة لـ”فاينانشيال تايمز”، عندما انهارت البنوك اليابانية بعد فقاعة الثمانينيات. ثم في 2007 و2008، عندما كنت محررة أسواق المال في لندن أثناء الأزمة المالية العالمية. وقد ألفت كتبا عن كليهما.
لقد علمني هذان الحدثان حقيقة حول التمويل غالبا ما نتجاهلها. حتى لو بدت الأعمال المصرفية كأنها تتعلق بأرقام معقدة، فإنها تستند إلى المفهوم الغامض والإنساني تماما “للائتمان”، بمعنى المصطلح اللاتيني، الذي يعني “الثقة”، وليس بأي مجال أكثر مما يتعلق بـ”الصيرفة التجزيئية”، وهي احتفاظ البنوك بمقدار ضئيل من الودائع كاحتياطيات وإقراض الباقي، التي ظهرت في إيطاليا في العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة، وتشكل الآن التمويل الحديث.
تفترض فكرة الخدمات المصرفية الجزئية أن البنوك بحاجة إلى الاحتفاظ بنسبة صغيرة فقط من الودائع التي تجمعها من العملاء، نظرا لأن المودعين نادرا ما يحاولون استرداد كل أموالهم في الوقت نفسه. يعمل هذا بشكل جيد في الظروف العادية، إعادة تدوير الأموال في قروض وسندات تعزز النمو. لكن إذا حدث أي شيء يدفع المودعين إلى استرداد أموالهم بشكل جماعي، فإن الخدمات المصرفية الجزئية تنهار. وهو ما حدث في 1997 و2007، وما رأيته يتكشف في مطعم السوشي الشهر الماضي.
مع ذلك، من ناحية أخرى، كان هذا الذعر الأخير مختلفا -وأكثر إذهالا- مما رأيته من قبل، لأسباب مهمة للمستقبل. المشكلة الأساسية هي المعلومات. خلال الاضطرابات اليابانية من 1997 إلى 1998، كنت ألتقي مسؤولين حكوميين لتبادل المعلومات، غالبا خلال تناول كرات أرز أونيجيري. لكنها كانت غير واضحة، لم يكن هناك سوى قليل من المعلومات الواضحة على الإنترنت “الوليد آنذاك” وكان المجتمع الإعلامي في فقاعة منعزلة لدرجة أن نادي الكيشا “أو الصحافة” للصحافيين اليابانيين كانت لديه معلومات مختلفة عن الأجانب. ولتتبع عمليات التهافت على البنوك، كان علي أن أتجول جسديا في أرصفة طوكيو.
بعد عقد من الزمان، خلال الأزمة المالية العالمية، كان هناك مزيد من الشفافية: عندما أفلست بنوك مثل نورثرن روك أو ليمان براذرز، عرضت مشاهد الذعر على شاشات التلفزيون. لكن عدم الوضوح ظل قائما، إذا أردت معرفة سعر مقايضات التخلف عن السداد “منتج مالي يظهر، بشكل حاسم، إذا ما كان المستثمرون يخشون أن يكون البنك على وشك الإفلاس”، كان علي الاتصال بالمصرفيين للحصول على سعر منهم، لم تظهر الأرقام الفردية على الإنترنت.
ليس بعد الآن. تظل بعض جوانب دراما آذار (مارس) غامضة، مثلا، لا توجد بيانات ملائمة عن تدفقات البنوك الفردية الخارجة. لكن أسعار مقايضات التخلف عن السداد تعرض الآن عبر الإنترنت “ما كان مهما للغاية عندما ترنح بنك دويتشه”. يمكننا استخدام منصة يوتيوب على هواتفنا، في أي مكان، لمشاهدة جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو يلقي خطابا “وهو ما قمت به أخيرا أثناء قيادتي السيارة عبر كولورادو” أو تتبع المناقشات المحمومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول البنوك المتعثرة. أصبحت عمليات السحب الكبرى للبنوك مشربة بحس من تلفزيون الواقع.
هذا يشعر غير المصرفيين بالتمكين. لكنه أيضا يغذي مخاطر العدوى. لنأخذ مثلا سيليكون فالي بنك، حدثت إحدى اللحظات المحورية في انهياره الخميس 9 مارس عندما أجرى جريج بيكر الرئيس التنفيذي، مكالمة هاتفية مع كبار مستثمريه ومودعيه. أخبرني أحد كبار المودعين في سيليكون فالي بنك “أخبر جريج الجميع بأنه لا ينبغي أن نشعر بالذعر، لأن البنك لن يفلس إذا ظللنا معا”.
جرت محادثات مشابهة في اليابان 1997، فعليا، في غرف مليئة بالدخان. لكن قلة من العملاء يعرفون ذلك. لم يكن الأمر كذلك في 2023، حيث تسربت تقارير عن كلمات بيكر إلى الإنترنت، ما أدى إلى حدوث حالة تدافع. في غضون ساعات قليلة، تم سحب نحو 42 مليار دولار، أو ربع أموال سيليكون فالي بنك. بالعودة إلى 1984، على سبيل المقارنة، استغرق المودعون أسبوعا كاملا لسحب نصف أموالهم من بنك كونتيننتال إلينوي -شخصيا- عندما أفلس ذلك المقرض العملاق.
طلب مديرو سيليكون فالي بنك من الاحتياطي الفيدرالي المساعدة في تلبية مطالبات المودعين. لكن على عكس الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، فإن مرافق بنك الاحتياطي الفيدرالي مفتوحة لبضع ساعات فقط في اليوم. وبحلول صباح الجمعة، أخبر مايكل بار، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف، الكونجرس لاحقا، “كان من المقرر أن يتم سحب ما مجموعه مائة مليار دولار”. لقد أفلس البنك. أو كما لاحظت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لبنك سيتي جروب “كانت هناك بضع تغريدات، ثم انهار سيليكون فالي بنك أسرع مما رأينا من قبل”.
لم ينته الذعر عند هذا الحد، إذ مع زيادة الشائعات، استهدفت قطعان الإنترنت المجموعات التي كانت تعد ضعيفة، سواء كان ذلك بنك سيجنتشر “الذي كان ينظر إليه على أنه يدير مخاطر أسعار الفائدة بشكل سيئ ولديه انكشافات كبيرة على العقارات”، أو بنك فيرست ريبابليك “الذي، بشكل مشابهه لسيليكون فالي بنك، كانت لديه نسبة عالية من العملاء الأثرياء الذين تجاوزت حساباتهم حد التأمين المصرفي الرسمي البالغ 250 ألف دولار، ما يجعلهم خطرا محتملا يتمثل في الهروب من البنك”، أو بنك كريدي سويس “الذي كان ملوثا بالفضائح وسوء الإدارة لدرجة أن المودعين كانوا يسحبون أموالهم قبل انهياره”.
سبق أن تفجرت مثل هذه العدوى في مجال التمويل، لنتذكر ذعر الحشود في شوارع لندن خلال فقاعة البحر الجنوبي في 1720. لكن كما لاحظ باول بأسى “سرعة عملية التهافت والسحب الكبرى هذه مختلفة تماما عما رأيناه في الماضي”. أو لنستشهد بفريزر مرة أخرى، وسائل التواصل الاجتماعي والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول اليوم “تغير قواعد اللعبة” في مجال التمويل، كما هي الحال في كثير من المجالات الأخرى في حياتنا.
إذن، كيف ينبغي أن يستجيب المستثمرون، والمنظمون والمصرفيون؟ تتمثل إحدى الإجابات الواضحة في العودة إلى العمليات المصرفية المركزية في القرن الـ21، وإبقائها تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في أوقات الأزمات. كما يمكن للهيئات التنظيمية تعزيز احتياطيات رأس المال، وحماية مزيد من الودائع، أو زيادة صعوبة سحب الأموال في مثل هذه الأوقات. لكن في النهاية، ستصبح البنوك والمستثمرون أكثر وعيا بالمخاطر -وينفرون من المخاطر- فقط عبر القيام بما يفعله طيارو شركات الطيران، الاستعداد للصدمات المستقبلية عبر دراسة الحوادث الماضية أو الكوارث الوشيكة. ومن ملاحظاتي على مدى ثلاثة عقود في طوكيو، ولندن ونيويورك، هناك خمسة دروس رئيسة يجب التفكير فيها.
1. لا يوجد بنك مكتف ذاتيا
الدرس الأول هو أنه عندما ينهار بنك ما، يكون هذا دائما تقريبا عرضا -وليس سببا- لشيء منحرف في العالم المالي الأوسع، ما يؤثر في المؤسسات الأخرى. نادرا ما يرغب الممولون في الاعتراف بذلك. عندما ظهرت فريزر من بنك سيتي أخيرا أمام النادي الاقتصادي في واشنطن العاصمة، أصرت بأسلوب مرح، غير منطقي على أن المشكلات في سيليكون فالي بنك وبنك كريدي سويس كانت “متفردة”.
ربما كان الأمر كذلك. يقول لورانس جيه وايت، أستاذ المالية في جامعة نيويورك الذي عمل سابقا في الحكومة أثناء أزمة المدخرات والقروض “يبدو التفرد غباء، وكان سيليكون فالي بنك كذلك”. أو كما لاحظ باول “على المستوى الأساسي، فشلت إدارة سيليكون فالي بنك فشلا سيئا لأنها قامت بتنمية البنك بسرعة كبيرة، لقد عرضت البنك لمخاطر سيولة كبيرة ومخاطر أسعار الفائدة، ولم يتم التحوط من هذه المخاطر”. بلغة بسيطة، كان السبب الأساسي وراء اندلاع حالة الذعر هو أن الميزانية العمومية لسيليكون فالي بنك كانت مليئة بسندات الخزانة طويلة الأجل التي تراجعت قيمتها العام الماضي عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، ما تسبب في حدوث خسائر.
لكن سيليكون فالي بنك لم يكن وحيدا تماما. يقول وايت “تعاني البنوك الأخرى خسائر كبيرة غير معترف بها في الاستثمارات ومستويات عالية من الودائع غير المؤمنة”. ينبع هذا من المشكلة الأكثر أهمية، بعد 15 عاما من السياسة النقدية المتساهلة للغاية، أصبح لدى كثير من المؤسسات المالية استراتيجيات مصممة لعالم بأسعار فائدة منخفضة، وهي غير مهيأة لأسعار الفائدة العالية.
لقد رأيت هذا من قبل. عندما فشلت بنوك مثل بنك لونج تيرم كريدت الياباني في أواخر التسعينيات، صرخ النقاد متحدثين عن “الفضائح” المتفردة، مثل حقيقة أن بعض مديري بنك لونج تيرم كريدت قاموا بحشو السجلات المحرجة لخسائر القروض في فتحات المجاري “نعم، حقا”.
لكن ذلك كان عرضا لمشكلة أكبر، كانت البنوك اليابانية غارقة في السيولة النقدية الإضافية في الثمانينيات لدرجة أنها بعثرت الأموال في صفقات عقارية سارت بشكل خاطئ. وبشكل مشابه، عندما فشل بنك ليمان براذرز في 2008، وذم السياسيون ديك فولد رئيسه السابق، كان هذا جزءا من نمط أكبر، عقد من الهندسة المالية من قبل البنوك شجع على المجازفة الخطيرة. دائما ما ينتج عن المال الرخيص تكاليف.
2. لا تخض الحرب الأخيرة
الدرس الثاني هو أن المستثمرين والمنظمين غالبا ما يفوتون هذه العيوب الهيكلية الأكبر لأنهم -مثل الجنرالات الذين يضرب بهم المثل- يظلون يركزون على الحرب الأخيرة.
خذ مخاطر أسعار الفائدة على سبيل المثال. يقول باتريك هونوهان، محافظ البنك المركزي السابق في أيرلندا “إن هذه المخاطر تخطت رادار نظام الإشراف، لدرجة أن اختبارات الإجهاد المصرفية الأخيرة التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي استخدمت سيناريوهات مع اختلاف بسيط ولم يفحص أي منها أسعار الفائدة الأعلى”، حتى في خضم دورة ارتفاع أسعار الفائدة. لماذا؟ تركت أحداث 2008 المستثمرين قلقين للغاية بشأن مخاطر الائتمان، بسبب انتشار حالات التخلف عن سداد القروض العقارية في تلك الكارثة. لكن تم التقليل من شأن مخاطر أسعار الفائدة، ربما لأنها لم تسبب مشكلات منذ 1994.
كانت الأزمة المالية العالمية مشابهة، عندما سألت المصرفيين في كيانات مثل بنك يو بي إس في أواخر 2008 عن سبب إغفالهم مخاطر التخلف عن سداد الرهون العقارية في الأعوام السابقة، أخبروني بأن مديري المخاطر كانوا مشغولين للغاية في القلق بشأن صناديق التحوط وقروض الشركات بدلا من ذلك. كان ذلك بسبب انهيار صندوق تحوط كبير “لونج تيرم كابيتال مانجمنت” في 1998 وانفجار فقاعة الدوت كوم في 2000، ما أدى إلى خسائر في قروض الشركات. الماضي ليس دائما دليلا جيدا على المخاطر المستقبلية.
3. السلامة هي حالة ذهنية
الدرس الثالث المرتبط، هو أن الأشياء التي تعد “آمنة” يمكن أن تكون خطيرة بشكل خاص، لأنه يبدو من السهل تجاهلها. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي، أخبرني المصرفيون اليابانيون بأنهم قدموا قروضا عقارية لأن هذا بدا “أكثر أمانا” من قروض الشركات، لأن أسعار المنازل كانت ترتفع دائما. وعلى نحو مشابه، أخبرني المصرفيون في يو بي إس وسيتي وميريل لينش في 2008 بأن أحد أسباب تجاهل المخاطر المتعلقة بقروض الرهون العقارية عديمة الملاءة هو أنه كان من المفترض أن يكون لهذه الأدوات تصنيف ائتماني آمن درجته -AAA لذلك لم يول مديرو المخاطر اهتماما كبيرا.
هكذا أيضا كان الأمر مع سيليكون فالي بنك، فقد كان موطن الضعف محفظته من سندات الخزانة طويلة الأجل التي من المفترض أن تكون الأصول الأكثر أمانا على الإطلاق، لدرجة أن المنظمين شجعوا “إن لم يجبروا” البنوك على شرائها. أو كما أشار جيمي ديمون، رئيس بنك جيه بي مورجان، في رسالته السنوية إلى المساهمين “من المثير للسخرية أن البنوك كانت مهيأة لامتلاك أوراق مالية حكومية آمنة للغاية لأنها كانت تعد عالية السيولة من قبل الجهات التنظيمية وتحمل متطلبات رأس مال منخفضة للغاية”. إن قواعد إصلاح الأزمة الأخيرة -وإيجاد “الأمان”- توجد أحيانا مخاطر جديدة.
4. احذر النقاط العمياء
رابعا: ينبغي أن يدرك المصرفيون أهمية الأنماط الثقافية. فغالبا ما يتجاهلون هذا -في أنفسهم وفي الآخرين- لأنهم مدربون على التركيز على البيانات القابلة للقياس. لكن الأنماط الثقافية كانت مهمة للغاية مع سيليكون فالي بنك. إذ تحاكي ثقافته قاعدة عملائه، التي كانت في الأغلب من عالمي التكنولوجيا والشركات الناشئة اللذين يميلان إلى “الانحراف” في مفهومهما للمخاطر، فهم على استعداد لاتخاذ رهانات جريئة، مع العلم أن هناك فرصة ضئيلة لتحقيق مرابح ضخمة “مثلا، لو انتشرت فكرتهم الرائعة على نطاق واسع”، بينما يظنون أنه يمكنهم دائما تغيير أهدافهم وحياتهم بعد مخاطر سلبية “فشل شركتهم مثلا”. وهذا، كما يشير كولين كاميرر الاقتصادي السلوكي، يختلف عن التمويل. “فثقافة إدارة المخاطر، كما تمارس عادة في البنوك، تتناقض مع ثقافة وادي السيليكون”.
إن لدى المصرفيين تقاليدهم الخاصة بهم. وسبب آخر لفشل البنوك في رؤية مخاطر الرهن العقاري التي تلوح في الأفق قبل 2008 هو أنهم غالبا ما كانوا منفصلين عن الواقع “أي ما كان يفعله المقترضون عديمو الملاءة بقروضهم” وكانت الفرق المختلفة داخل البنوك الاستثمارية الكبرى تتقاتل في الأغلب لتحمي مكافآتها ولم تشارك المعلومات.
هناك الآن قضية ثقافية مهمة أخرى من المحتمل أن تكون أكثر أهمية، السلوك الاستهلاكي. إذ يشير تورستن سلوك، الخبير الاقتصادي في منصة أبولو للمعلومات السوقية، إلى أن “نسبة الأسر الأمريكية التي تستخدم الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت زادت من 39 في المائة في 2013 إلى 66 في المائة في 2021”.
حتى الآن، لا يبدو أن النماذج المستخدمة في التمويل قد أخذت في حسبانها حقيقة أن سلوك المستهلك عبر الإنترنت قد يكون مختلفا عنه في عالم الخدمات المصرفية القديم الطراز. لكن إحدى السمات اللافتة للنظر حول البنوك الأمريكية، أنه حتى قبل ذعر مارس، كانت أن المستهلكين كانوا ينقلون أموالهم من حسابات الودائع ذات العائد المنخفض إلى صناديق الأسواق المالية ذات العوائد الأفضل بوتيرة أسرع بكثير مما كانت عليه في أوقات مشابهة في التاريخ.
قد يوحي ذلك بأن زيادة شفافية المعلومات تسرع من رد فعل المستهلكين للأخبار، حتى الأزمات الخارجية، ما يزيد من خطر “ثقافة القطيع”. في كلتا الحالتين، فإننا بحاجة ماسة إلى بعض التحليل السلوكي للتمويل، حيث ستبقى البنوك الأمريكية في صحة جيدة فقط إذا تمسكت بالودائع، وقد تؤدي ثقافة القطيع الرقمية إلى زيادة مخاطر الاضطرابات في الأسواق الأخرى، كسندات الخزانة، إذا ظهرت صدمات هناك أيضا.
5. لا تراهن على عمليات الإنقاذ
الدرس الخامس هو أن البنوك ليست “مجرد” شركات على الإطلاق. ففي أوقات الهدوء، يتأنق المصرفيون بالكلام بلغة السوق الحرة ويتحدثون عن أرباحهم وخطط أعمالهم كما لو كانوا يبيعون الهامبرجر أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو العطلات. لكن شعار السوق الحرة هذا يتلاشى عندما يندلع الذعر بما أن الحكومات تتدخل دائما تقريبا لحماية بعض المودعين أو شراء الأصول السيئة أو حتى تأميم بنوك بأكملها. لقد حدث ذلك في تسعينيات القرن الماضي في اليابان وحول العالم خلال الأزمة المالية العالمية.
كذلك الشهر الماضي أيضا، فعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن يغطي تأمين الودائع أول 250 ألف دولار فقط من حسابات بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر، قامت الحكومة بحمايتها كلها بتكلفة تزيد على 20 مليار دولار. ولم يقتصر دور الجهات التنظيمية السويسرية على حماية المودعين عندما انهار بنك كريدي سويس، بل -وبشكل مثير للجدل- أعطت المساهمين بعض القيمة “القليلة للغاية” أيضا. وعلى جانبي الأطلسي، عرضت البنوك المركزية خطوط سيولة للبنوك “وفي أمريكا، يسمح الفيدرالي للبنوك باستبدال ممتلكاتها من سندات الخزانة بالنقد بالقيمة الاسمية، كما لو أن ارتفاع أسعار الفائدة لم يحدث أبدا”.
إن الحكومات تقوم بذلك جزئيا لأن العمل المصرفي ضروري للاقتصاد الأوسع. لكن أيضا بسبب الخوف من حدوث عدوى. إذ يتمثل الضعف الخطير في الصيرفة التجزيئية في أنه لو لم يكن لدى أي شخص سبب للذعر، فإن البنوك ستكون آمنة، لكن في حالة تهافت الجميع، يمكن للبنك أن ينهار، حتى لو اجتاز سابقا اختبارات حول قضايا مثل كفاية رأس المال، ما لم تتدخل الحكومة. وبينما لم تكن الحكومة معتادة على القلق بشأن انهيار البنوك الصغيرة على الإطلاق، فإنها الآن تخشى من تأثير الدومينو الرقمي.
ربما تستطيع الحكومات أن تحتوي هذه المخاطر. فبعد كل شيء، تلاشى “جنون مارس”، كما يسميه بعض الصحافيين والتجار الآن، وكانت الخسائر صغيرة نسبيا حتى الآن مقارنة بصدمات البنوك السابقة. ويمكنني الذهاب لتناول العشاء دون الشعور باستمرار بالحاجة إلى تفقد هاتفي.
لكن عندما أفكر في الشهر الماضي، يظل درس آخر تعلمته من طوكيو ولندن يتبادر إلى ذهني، إن مسار الأزمات المالية يمكن أن يكون طويلا، مصحوبا بفترات مد وجزر. ففي اليابان في تسعينيات القرن الماضي، جاءت لحظة الذعر “انهيار بنك إل تي سي بي” بعد أشهر من الاضطرابات الأولى المتعلقة بنيبون كريديت بنك. وفي خضم الأزمة المالية العالمية، انهار بنك ليمان براذرز بعد أكثر من عام من أول أحداث درامية للرهون العقارية عديمة الملاءة.
آمل بشدة أن نخالف التاريخ هذه المرة، وأن نضمن أن يتعلم المستثمرون والمنظمون حول العالم بسرعة من كارثة سيليكون فالي بنك وتحسين مهارات إدارة المخاطر. لكنني أخشى أيضا أن العقد الماضي من التيسير الكمي قد شوه التمويل بشدة لدرجة أنه ستكون هناك سلسلة ردود أفعال غير متوقعة، إن لم يكن في البنوك، ففي أركان أخرى من عالم التمويل.