هل تغزو الشاحنات الخفيفة طرق الولايات المتحدة بعد رسوم ترمب؟

هل تغزو الشاحنات الخفيفة طرق الولايات المتحدة بعد رسوم ترمب؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 2 أبريل 2025

 Chris Bryant

اكتظت الحدائق فائقة التشذيب والعناية في منتجع مارالاغو، الذي يملكه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في وقت سابق من هذا الشهر بسيارات جميلة من علامات تجارية أوروبية فاخرة مثل “لامبورغيني” و”فيراري” و”بوغاتي”.

كان مهرجان ”بالم“ السنوي للسيارات بلا شك فرصة تواصل وتباهٍ بين الأثرياء، لكنه كان أيضاً احتفالاً بالتميز في مجال السيارات وبما تختص به دولة أكثر من أخرى وكذلك بحق المستهلك في الاختيار.

استذكرت كل هذا في أمسية الأربعاء حين أعلن ترمب، الذي اقتنى كثيراً من السيارات الأوروبية الفاخرة على مر السنين،  عن فرض رسوم جمركية قدرها 25% على جميع واردات السيارات الجديدة، وكذلك أجزائها الرئيسية. تذرّع الرئيس بالأمن القومي، لكن هدفه بيّن: إجبار المصنّعين على الإنتاج داخل بلاده لخلق وظائف في قطاع التصنيع الأميركي.

أضرار متنوعة

للأسف، ستؤدي رسومه الجمركية أيضاً إلى رفع أسعار السيارات وإضعاف المنافسة وتقليص خيارات السيارات معقولة الأسعار أمام المستهلك الأميريكي- وكذلك إحاقة ضرر كبير في ربحية صناعة السيارات.

أما إدارة بايدن فقد أوصدت من حيث الأثر باب استيراد السيارات الكهربائية الصينية معقولة الأسعار عبر فرضها رسوماً جمركية قدرها 100% عليها، فحرمت الأميركيين من الوصول إلى ابتكارات رائدة عالمياً. والآن، يتربص ترمب بما تبقى، إذ إن نحو نصف السيارات التي تُباع في الولايات المتحدة سنوياً مستوردة. برغم أنه عادة يصعب التمييز بين سياسات الرئيس وما يتوعد به فإنني أعتقد أنه جاد هذه المرة لأنه لطالما كان شديد الاهتمام بواردات السيارات.

اعترفت إدارة شركة ”بورشه“ حديثاً بأنها تعاني “قلة نوم” جراء احتمال فرض الرسوم الجمركية -إذ إن أكثر من ربع مبيعاتها يأتي من أميركا الشمالية- لكن لا يُرجح أن تسارع شركة صناعة السيارات الرياضية ونظيراتها الأوروبية الفاخرة مثل ”فيراري“ إلى تصنيع المركبات في الولايات المتحدة، لأن جزءاً من جاذبيتها الأساسية مبنية على أن مهندسين ألمان وإيطاليين يصنعون أكثر سياراتها استقطاباً للمشترين.

فلتصنعوا سيارات أفضل

صحيح أن ترتيبات الرسوم الجمركية السابقة وضعت في بعض الحالات شركات تصنيع السيارات الأميركية في وضع غير مواتٍ- إذ تفرض أوروبا ضريبة قدرها 10% على واردات السيارات مقارنةً مع 2.5% تتقاضاها الولايات المتحدة. لكن لطالما اعتقدتُ أن سيغمار غابرييل، النائب السابق للمستشار الألماني، كان مُحقاً في 2017 حين قال إن تصحيح اختلالات تجارة السيارات يتطلب أن “تصنع الولايات المتحدة سيارات أفضل”.

علاوة على ذلك، إن فرض تعريفة جمركية شاملة قدرها 25% سيُفاقم عدم المساواة، لأن ”بورشه“ ومثيلاتها أقدر على تمرير الرسوم الجمركية عبر أسعار أعلى، وترمب وأتباعه الأثرياء قادرون على تحمل تكاليفها (بالإضافة إلى أن مجموعات سياراتهم الحالية ستزداد قيمتها بفضل السيارات الجديدة ذات الأسعار الأعلى).

يبدو الأمر برمته كما لو كان من منطلق “سيارات أجنبية لي، وليس لك”. قد يحاول ترمب تعويض زيادات أسعار السيارات بإعفاء ضريبي على فوائد قروض السيارات، لكن هذه المزايا بدورها ستعود في غالبها بالنفع على الأثرياء.

عزوف أصحاب الدخل الأدنى عن الشراء

في المقابل، فإن عدة من الطرازات القليلة المتبقية بأسعار معقولة في الولايات المتحدة هي مستوردة. بالنسبة للعملاء الأفقر، يمكن أن يكون ارتفاع السعر المعلن سبباً للعزوف عن شراء سيارة جديدة بدل الإقبال على ذلك.

سيارات ”تسلا“ المصنوعة في كاليفورنيا وتكساس في معزل عن تبعات الرسوم الجمركية. لكنني لست متأكداً من مدى أهمية هذه الميزة: فبعد أن بدأ أغنى رجل في العالم يعمد إلى حركات يد غريبة وينهي خدمات موظفي الحكومة، يُتوقع أن تنخفض مبيعات ”تسلا“ في الولايات المتحدة في الربع الأول.

يشير التاريخ إلى أنه بمجرد فرض مثل هذه الرسوم الجمركية قد تكون العواقب وخيمة. لنأخذ على سبيل المثال “ضريبة الدجاج”، أي حين فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية قدرها 25% على واردات الشاحنات الخفيفة في ستينيات القرن الماضي احتجاجاً على رسوم أوروبية على الدواجن الأميركية. ما تزال هذه الضريبة سارية حتى اليوم (ويُستغرب أن ترمب لا يتطرق إليها كثيراً)، لقد لعبت هذه الرسوم دوراً كبيراً في إعادة تشكيل سوق السيارات لصالح انتشار الشاحنات الأكبر حجماً.

مع خنق المنافسة الأجنبية، تحولت شاحنات الحمولات الخفيفة إلى مصدر دخل كبير للمصنعين الأميركيين، ومع تراجع معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود، تحولت السوق تدريجياً من السيارات الصغيرة إلى الشاحنات الكبيرة وسيارات الدفع الرباعي. وكانت السيارتان الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة العام الماضي من شاحنات الحمولات الخفيفة وهما ”فورد F150“ و“شيفروليه سيلفرادو“.

مبيعات السيارات الأكبر أقل تضرراً

قد تُعزز رسوم استيراد بنسبة 25% التحول نحو السيارات الكبيرة باهظة الثمن، لأن مصنعي سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الكبيرة أقدر على تمرير زيادات الأسعار دون تراجع في المبيعات- إذ إن عملاءهم أقدر على الدفع.

في المقابل، يُشير دانيال رويسكا، المحلل في شركة ”بيرنستاين“ للأبحاث، إلى أن مبيعات سيارات الدفع الرباعي المدمجة والسيارات الصغيرة ستتضرر بشدة، لأن هذه المجموعة فيها تنافس شديد وتجمع بين كلفة استيراد عالية وهوامش ربح منخفضة. وسيُجبر بعض مشتري هذه السيارات على التوجه إلى سوق السيارات المستعملة.

بسبب الرسوم الجمركية واللوائح التنظيمية التقنية، تتشظى سوق السيارات العالمية فيما يزيد عجز المصنعين الغربيين عن المنافسة في الصين، وتُصر الولايات المتحدة على أن السيارات المبيعة في الولايات المتحدة يجب أن تُصنع فيها. هذه أخبارٌ قاتمةٌ لشركات صناعة السيارات الأوروبية التي تجد نفسها عالقةً في المنتصف.

لكن حتى لو نجح ترمب في إعادة وظائف التصنيع الأميركية، فإن مستقبل المستهلكين الأميركيين يبدو كئيباً كذلك، إذ سيغلب على المشهد شاحنات وسيارات دفع رباعي أغلى ثمناً تسير على الطرق فيما يتضاءل عدد السيارات المستوردة التي يمكنهم تحمل أسعارها.

المصدر: الشرق Bloomberg

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

[mc4wp_form id="5449"]

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر