نحو مدن دائرية.. منهج أصحاب المصلحة المتعددة | مركز سمت للدراسات

نحو مدن دائرية.. منهج أصحاب المصلحة المتعددة

التاريخ والوقت : الإثنين, 9 يناير 2023

أنوشا كيساركار جافانكار

بينما تكافح المدن مع تزايد عدد السكان وتلبية المطالب الأساسية لمواطنيها، يظل توفير طرق آمنة بيئيًا لتطوير المدن يمثل أحد التحديات التي تواجهها. فقد أدى الاستهلاك المتزايد وغير المتناسب للموارد نتيجة للكثافة السكانية العالية في المناطق الحضرية، إلى تفاقم هذه المشاكل في الجنوب العالمي.

ومع تزايد الضغوط الحضرية، فإن المدن تنتج في الوقت الحالي نصف النفايات العالمية، بالإضافة إلى 80% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يساهم في التلوث وتغير المناخ والتدهور البيئي.

ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فقد اعتمدت المدن في جميع أنحاء العالم اقتصادًا دائريًا للحد من الآثار البيئية للنمو الاقتصادي الحضري. ومع ذلك، يثار التساؤل حول مدى كفاءة الأنظمة الحضرية الدائرية التي غالبًا ما تأخذ في الاعتبار الأدوار التي تلعبها الجهات الفاعلة الاجتماعية المتنوعة في بناء مدن ذكية ومرنة.

المدن الدائرية: النظر لأبعد من الاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا

تعد المدن في قلب الاقتصاد الدائري من خلال الممارسات الأساسية للتقليل وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير لتقليل النفايات والتلوث مع الحفاظ على الموارد في “الحلقة”. فباستخدام الطبيعة كنموذج، فإن النظام التجديدي للمدن الدائرية، بداية من التصميم إلى التنفيذ، وبدعم من ابتكارات السياسات، وتطوير البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات وبناء القدرات؛ فإن ذلك يجعلها مختلفة عن النماذج الحضرية الخطية.

إن التخصيص الفعال للموارد، وإدارة النفايات، والحوكمة الإلكترونية، والتنقل الكهربائي، كل ذلك يعدُّ من بعض الخطوات نحو جعل المدن دائرية وأكثر تنافسية. ومع ذلك، فبالنسبة لواضعي السياسات والمخططين الحضريين والاستثمار الأخضر، لا يزال التصميم الحالي للدائرة الحضرية يركز إلى حد كبير على المعايير المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتأثيرات البيئية والتقدم التقني مع تجاهل الإدماج الاجتماعي.

ويسكن المدن أشخاص ومجتمعات بشكل يخلق تجارب مشتركة من خلال العيش والعمل والالتقاء في الأماكن الحضرية. ويتم التعرف على المدن من خلال ثقافاتهم وأديانهم وأنماط حياتهم وتاريخهم وجنسهم وهياكل السلطة. لذلك، سوف يصبح من المتعين على المدن الدائرية الفعالة في المستقبل معالجة الاهتمامات المجتمعية، وكذلك الاهتمام بكيف يمكن أن تكون أكثر إنصافًا وتلبية للاحتياجات حتى الأقل حظًا في عملية التخطيط. فعلى سبيل المثال، فإن المساحات الخضراء المفتوحة تكون صعبة بالنسبة لفقراء الحضر. إذ تستمر المجموعات المهمشة وغير الرسمية في العمل في وظائف خطرة أو وضيعة تتعلق بجمع النفايات الحضرية، وتواجه وصمة عار اجتماعية وضعفًا في الأجور. وتدعو مثل هذه العوائق إلى تحول في المواقف في اكتساب دائرة حضرية. وتشتمل العوائق الأخرى على عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى إدارة غير فعالة للنفايات الصلبة الحضرية، وفشل الحوكمة الإلكترونية الحضرية، وانتشار الفجوة بين الجنسين، والتحديات التي تواجه التنقل الإلكتروني. وتؤدي هذه الأعباء إلى إبطاء الانتقال إلى الاستدارة كما تؤدي إلى عدم جدوى المبادرات الدائرية.

التدوير الحضري كنهج تعددي لأصحاب المصلحة

رغم هذه المشاكل، فإن المدن لم تقم بعد بإنشاء إطار لتقييم شامل على مستوى المدينة لتوجيه الدوران. ومع ذلك، فإن هناك القليل من الإرشادات التي تعالج التحديات المجتمعية للمدن الدائرية. فعلى سبيل المثال، يحاول دليل الأمم المتحدة لعام 2020 للمدن الدائرية، من خلال منهجية تتضمن أربع خطوات، دعم أصحاب المصلحة في تنفيذ الإجراءات الدورية مع معالجة الاهتمامات الاجتماعية للتنمية وتوفير طرق بديلة. وبالمثل، فإن الصفقة الأوروبية الخضراء، أو الاقتصاد الأخضر Green deal تعزز صنع السياسات الدائرية كممارسة تعاونية وخلاقة مشتركة تشير إلى الدور الحاسم للمواطنين والجهات الفاعلة الأخرى في إنشاء مدن مستدامة.

وباعتبارها أول نموذج حضري ناجح للانتقال إلى نظام دائري مستدام، تضمن مدينة أمستردام توفير الاحتياجات الأساسية للناس، مثل الغذاء والماء والإسكان والصحة والرعاية الاجتماعية. كذلك قدمت الخطة الدائرية للمدينة ضمانًا لنمو الوظائف وتقليل البطالة وزيادة الإنتاجية وتوفير مستوى معقول للمعيشة للجميع. ومن ناحية أخرى، تؤكد باريس على الابتكار الاجتماعي (أو التضامن) من خلال المشاركة التعاونية للجهات الفاعلة في المجتمع المدني العام والخاص في نموذجها الدائري.

ومن بين المدن الهندية، تلقت مدينة “سورات” الثناء على النموذج الاقتصاد الدائري الذي اعتمدته. فقد استطاعت المدينة أن تراعي ثقافة مواطنيها في تحقيق دائرتها. وتعمل مبادرة “بنك روتي” في مدينة مومباي مع جمعية داباوالا في المدينة للتخفيف من مشاكل الجوع. ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تتطلب سوى المزيد من التدخلات لتطبيق المداولات الاجتماعية. وتتمتع مهمة المدن الذكية في الهند بشعارات مثل صنع في الهند Make in India ، والهند الرقمية Digital India ، من خلال دعمها بإمكانيات كبيرة لدمج السياقات الاجتماعية والثقافية على مستوى القاعدة الشعبية في التحول إلى النظام الدائري.

علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بعض أفضل نماذج المدن الدائرية واجهت عواقب اجتماعية سلبية، لأنها لم تستطع تضمين العوامل الاجتماعية على الرغم من جهودها. فعلى سبيل المثال، نشير إلى أنه رغم أن مدينة ستوكهولم في السويد قد طبقت التفكير الدائري على التخطيط الحضري لعدة عقود، فإنها لا تزال تفتقر إلى وجهات نظر متعددة. إذ يجب تحسين المشاركة الاجتماعية في إحداث تغييرات في الممارسات الاجتماعية في ستوكهولم. وبالمثل، فقد واجهت حكومة “أوميو” المحلية، التي وقعت على إعلان المدن الدائرية الأوروبية لتطوير مجتمع دائري ومسؤول اجتماعي، مهمة دعم المشاركة الضعيفة والنقص في الوعي بين مواطنيها، وكذلك المجتمع المدني. وقد أدى هذا الاستبعاد إلى ظهور الحاجة للتشاور الشامل والمشاركة في التحول لضمان العدالة البيئية.

وضع الناس في قلب المدن الدائرية

تساعد استراتيجيات المدن الدائرية في تطوير أدوات وفرص تمويل جديدة، مع التأثير على أجندة الاقتصاد الدائري للدولة. لذلك، فقد بات من الواجب أن تحفز إصلاحات السياسات الخاصة بالتعميم الحضري المناهج متعددة القطاعات والأبعاد لتشمل مختلف أصحاب المصلحة.

يمكن لمخططي المدن وخبراء التكنولوجيا وصناع القرار تسهيل إنشاء شبكة دائرية تعاونية من الشركات والخدمات والبنية التحتية التي تستجيب بشكل جماعي لاحتياجات الاقتصادات المحلية. إذ لن تضمن تدابير السياسة هذه أعلى فائدة بالنسبة للمساحات الحضرية اليومية لجميع المواطنين فحسب، بل سوف تجعلها مستدامة وسهلة. ومن الأمثلة على ذلك محاولات “فيينا” لتقديم مساكن ميسورة التكلفة وإيجارات منخفضة من خلال تقديم مساكن مشتركة من خلال جلب الشباب للبقاء في مساكن كبار السن، والاهتمام باحتياجات كلتا المجموعتين.

وثمة حاجة مُلِحَّة لتوسيع نطاق التحالفات والإبداع المشترك على المستوى العالمي للجمع بين المجتمعات والأفكار الإقليمية المتنوعة من أجل التثقيف وخلق الوعي حول التدوير والبنية التحتية الخضراء. وتتمتع الهند بميزة إضافية تتمثل في التقاليد والفلسفات التي تُعَزِّز إعادة الاستخدام والإصلاح لعدة قرون. فمن خلال تطوير أنظمة المياه النظيفة والهواء والغذاء والتنقل والطاقة المحلية، يمكن للهند أن توفر فوائد اقتصادية مباشرة تكون مثالاً يحتذى به لتحديات الجنوب العالمي.

علاوة على ذلك، يمكن للإصلاحات الاجتماعية التي تجرى على مستوى المنطقة والتدخلات الجماعية أن تدعم القدرات والموارد المحدودة للهيئات المحلية الحضرية في التخفيف من المخاطر البيئية والصحية طويلة الأجل. ومن الأمثلة على ذلك مدينة “ألماتي” في كازاخستان التي أصبحت أول مدينة في آسيا الوسطى تحدد فرص الاقتصاد الدائري. فقد كفل اتحاد من أصحاب المصالح والحكومات المحلية والجهات الفاعلة في الصناعة، تنفيذ استراتيجيات دائرية تراعي العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.

إن العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية تؤثر في الاستدامة، وكذلك في المواقف والمعتقدات والخيارات اليومية كأفراد وكمجتمع ككل. فعلى سبيل المثال، تواجه المدن في الفلبين أزمة نفايات، مما يستدعي حدوث تحول ثقافي ومجتمعي في أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تؤكد ابتكارات السياسة الدائرية، دور العدالة والإنصاف من خلال الحث على توفير الاحتياجات الأساسية ومرافق الصرف الصحي، وسد الفجوة الرقمية، ومعالجة الشواغل الهامشية، وكذلك التعامل مع عدم وجود الأشخاص في الساحة الخلفية.

تعتمد خارطة الطريق للدائرية العالمية على مدى جودة أداء مناطقنا الجغرافية الحضرية في عملية الانتقال. فقد تستغرق البلدان النامية وقتًا أطول في تحديد بعض هذه الفرص ومواجهة تحديات التنفيذ. لكن النقاط المرجعية تدعو إلى النظر إلى ما هو أبعد من استخدام الموارد والحفاظ عليها لإعادة تصور المدن كنظم اجتماعية وثقافية نابضة بالحياة للأشخاص والمجتمعات. ما لم تتم معالجة العوائق الاجتماعية من خلال صنع السياسات القائمة على الأدلة، فإن ضمان الوصول إلى المدن المستدامة للجميع سيظل عملية محملة بالسلطة وبطيئة وغير فعالة من حيث التكلفة.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Observer Research Foundation

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر