ملامح القوة الناعمة السعودية في ظل رؤية 2030 | مركز سمت للدراسات

ملامح القوة الناعمة السعودية في ظل رؤية 2030

التاريخ والوقت : الخميس, 15 يوليو 2021

نايف بن سعد الحميدين

 

النموذج الاقتصادي الناجح قوة جذب كبرى للاستثمارات والعلاقات الدولية

في ظل سعي المملكة لتحقيق رؤية 2030 بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تشمل مستهدفات في شتى المجالات الحياتية المختلفة؛ يبرز مفهوم القوة الناعمة لارتباطه فيها بشكل أساسي، كونها قوة جاذبة تمثّل رصيداً لرأسمال سياسي ثميناً يعزز نفوذ الدولة على الصعيد الدولي بعيداً عن القوة الصلبة بالاعتماد على موارد قوامها؛ قيم سياسية وثقافة شعب جذّابة.

المملكة العربية السعودية بقيمها السياسية الداعية إلى إرساء دعائم السلام، وبشعب وصفه الأمير محمد بن سلمان بـ»العظيم» و»يمتلك همة لن تنكسر»، وبقيادة ملك عازم على تحقيق الرفاه والأمن لشعبه، وولي عهد يمثّل نموذج القيادة بالقدوة على أكمل وجه؛ هي بلا شك دولة قادرة بما تملكه من موارد للقوة الناعمة على جذب الآخرين طواعية ليكونوا شركاء لها في شتى المجالات السياسة، الاقتصادية، الاستثمارية، التعليمية، وغيرها.

الانفتاح على العالم.. السياحة.. السينما.. أدوات مهمة لمواجهة محاولات التنميط والتشويه

في هذه الدراسة نسلط الضوء على مفهوم القوة الناعمة وأهميتها، ثم مصادرها وأدواتها، وعلاقتها بالدبلوماسية العامة، لنتناول باستفاضة بعد ذلك ملامح القوة الناعمة السعودية وما تم العمل عليه لتعظيمها حتى الآن.

أولاً: المفهوم:

ظهر مفهوم القوة الناعمة للمرة الأولى عام 1990 في مقال يعود إلى (جوزيف ناي) أستاذ العلوم السياسية الأمريكي؛ حيث قامت الفكرة الأساسية لديه على تأكيد وجود وجه آخر غير مادي للقوة – أي الصلبة أو العسكرية – قوامه الجاذبية المستمدة من ثقافة الدولة وقيمها ومصداقيتها المتولدة عن ممارساتها المتسقة مع هذه القيم.

يمكن التعبير عن القوة الناعمة من خلال مصطلحين مفسّرين لها، يتعلق الأول بالمبادرة، والآخر متعلق بالنتيجة؛ (القوة الجذّابة)، و(قوة التعاون الطوعي). وعليه يمكن القول: إنها تعني بمفهومها البسيط؛ اجتذاب الآخرين والتأثير فيهم من خلال القيم والمصالح المشتركة. حيث يرى (ناي) أنها القدرة على التوصل إلى الغاية المطلوبة من خلال جذب الآخرين بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال، بحيث إنه – على حد تعبيره – “إذا تمكنت من إقناع الآخرين بأن يريدوا ما تريد، فلن تضطر إلى إنفاق الكثير بتطبيق مبدأ العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي يحقق مصالحك”. من الأمثلة على ذلك في حالة العلاقات بين الأشخاص؛ أن هناك من يتمتع بجاذبية (كاريزما) تجده قادراً على إقناع الآخرين لتبني أو رفض قناعات أو سلوكيات معينة؛ ليس من خلال الإجبار أو القوة القسرية؛ بل من خلال العمل، الرؤية، المعرفة، المصداقية، التواصل الفعّال، الاهتمام بالآخرين، الانفتاح عليهم، وغيرها من السمات التي تجعل من هذا الشخص مالكاً لعقول وقلوب الآخرين.

جدير بالذكر هنا ما لفت إليه (علي جلال معوّض) في كتابه (مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية)؛ أن مفهوم القوة الناعمة يتشابه في بعض جوانبه مع مفاهيم أخرى تأتي في ذات السياق، مثل؛ مفهوم جرامشي عن (الهيمنة)، ومفهوم بورديو عن (القوة الرمزية)، و(القوة التنظيمية) لدى فوكو، و(القوة الاتصالية) لدى هابرماس، وقوة (تحديد جدول الأعمال (Control agenda setting وفقاً لباشراش وباراتز، والصور المختلفة للقوة غير الإكراهية والإثابية التي طرحها عالما النفس الاجتماعي جون فرنش وبرترام رافين؛ مثل: (قوة المرجعية، قوة الشرعية، المعلوماتية، وقوة الخبرة أو التخصص، وغيرها من مفاهيم القوة).

هناك العديد من التعريفات لمفهوم القوة الناعمة، ومن التعريفات التي لها وجاهتها حيث اختزال أبرز السمات الخاصة بهذا المصطلح؛ تعريف أورده د. يوسف العثيمين في مقالة له في (الرياض) بعنوان (القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية) حيث وصفها بأنها: “ممارسة تقوم بها دول معينة تتمثل في التأثير على سياسات ومصالح دول أخرى، وعلى توجّهات نخبها وشعوبها، عبر أدوات ثقافية ودينية وأيديولوجية، وغيرها من الأدوات التي تشكّل في مجموعها منظومة مؤثرة بطرق (ناعمة)، بعيداً عن وسائل القوّة الصلبة والضغط”.

ثانياً: لماذا القوة الناعمة؟

مما تقدم في عرضنا لمفهوم القوة الناعمة؛ يتبيّن أنها على النقيض من القوة الصلبة وتحديداً العسكرية التي تخلّف وراءها خسائر بشرية وماديّة قد تعيد بلداناً عقوداً من الزمان إلى الوراء؛ حيث تجتث طموحات وآمال بشر ينشدون حياة كريمة في مجتمع مستقر آمن يسعى إلى النمو والازدهار. بعد الحربين العالميتين في القرن الماضي تكبّد العالم خسائر مهولة؛ حيث سببت الحرب العالمية الأولى خسائر بشرية تقدّر بثمانية ملايين غير الجرحى والمفقودين، وأما الحرب الثانية فقد أشار موقع (دويتشه فيله الإخباري DW) في تقرير بعنوان (ظل الحرب العالمية الثانية.. حجم الكارثة في أرقام) إلى أن غالبية المؤرخين اليوم يتحدثون عن 55 مليون ضحية في أوروبا وآسيا كما يوجد أيضاً خبراء يذهبون إلى 85 مليون قتيل! على الجانب الاقتصادي يؤكد أستاذ الاقتصاد السويدي (كارل غونارسيلفر ستولبه) أن الخسائر المادية لجميع البلدان المشاركة في الحرب تتراوح بين 100 مليار و200 مليار دولار!

ومع الدمار الذي شهدته اليابان بضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية؛ أدرك كثير من علماء السياسة وصناع القرّار السياسي في العالم أن استخدام الأسلحة النووية لتحقيق المصالح وتوسيع النفوذ على النطاق العالمي أصبح شبه مستحيل.

وعليه يمكن القول: إن القوة الناعمة تتمثّل أهميتها في تجنيب الدول والعالم ويلات الحروب والخسائر البشرية والمادية بفعل القوة الصلبة، بالتالي ينصب اهتمام العالم والدول على تحقيق التنمية والازدهار واحترام حقوق الإنسان.

أشار (د. خضر الأورفلي) أستاذ قسم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية بجامعة حلب إلى نقاط دالّة على أهمية القوة الناعمة؛ نذكر منها:

تزايد التداخل والتعقيد الاجتماعي والاقتصادي الذي نتج عن العولمة وزاد من أهمية الاعتماد المتبادل في النظام الدولي، وبالتالي وجدت حوافز للفاعلين الدوليين لتوسيع رأسمالهم السياسي.

إن إجراءات مثل: احترام السيادة الوطنية، الإعجاب، التعاون، الإقناع؛ هي أعمال زادت منفعتها مقارنة مع المنفعة المتعلقة بالإجبار والقسر، ولتحقيق أمن دائم على المدى البعيد لا بد من استعمال وسائل وأدوات القوة الناعمة.

بروز ثقافة “المجتمع الناجح”، بحيث إن جميع التحولات الاجتماعية والسياسية جعلت سكان العالم أكثر حساسية لأوضاعهم الاقتصادية، والقوة الناعمة تجعل من القاعدة الاقتصادية أولوية بالنسبة إلى الجميع.

هذا الأمر بكل تأكيد لا يلغي أهمية القوة الصلبة، ولكن القوة الناعمة تعتبر مكمّلة لها ولها نجاعتها؛ لا سيما في ظل القضايا المرتبطة بالعولمة التي تضاعف المشاكل العابرة للحدود الوطنية ولا يمكن مجابهتها سوى بالتعاون العالمي؛ كالإرهاب، الاتجار بالمخدرات، الأوبئة، والاحتباس الحراري….).

ثالثاً: موارد وأدوات القوة الناعمة:

يرى جوزيف ناي في كتابه (القوة الناعمة.. وسيلة نجاح في السياسة الدولية) أن القوة الناعمة لبلد ما ترتكز على ثلاثة موارد، هي: (ثقافته، قيَمَه السياسية، وسياساته الخارجية؛ خصوصاً عندما يراها الآخرون مشروعةً وذات سلطة معنوية وأخلاقية).

في شأن الثقافة؛ هي مجموعة القيم والممارسات التي تخلق معنىً للمجتمع، وميّز (ناي) بين الثقافة العليا، مثل: الأدب، الفن، التعليم، والثقافة الشعبية التي تركّز على إمتاع الجماهير بشكل عام.

أما بخصوص السياسات الخارجية والداخلية لحكومة ما؛ فهي تعزز قوتها الناعمة إذا كانت صادقة وساعية إلى إرساء قيم العدالة، وتشجيع السلام وحقوق الإنسان والانتصار لذلك من خلال سلوكياتها.

وفقاً لدراسة أعدها منتدى العاصمة للدراسات السياسية والمجتمعية، فإن هناك مستويات لمساحات التأثير وأنواع الأفعال والممارسات التي تمثّل أدوات للقوة الناعمة لدولة ما، وهي وفقاً للمستويات التالية:

المستوى الأول:

برامج المساعدات.

المنظمات الحكومية وغير الحكومية؛ مثل: الهلال الأحمر والصليب الأحمر.

المستوى الثاني؛ يعتمد على مقومات الدولة والمجتمع، بحيث يتمثل في:

اللغة.

النظام التعليمي.

النظام الصحي.

المهارات الحرفية التي تمتلكها القوى العاملة.

حجم التجارة.

المستوى الثالث؛ يتمثل في شراكة ومشاريع ضمن إطار عملي تنفيذي، ويندرج تحت ذلك:

نظام التأشيرات بين الدول.

الاتفاقيات السياحية.

الاتفاقيات التجارية.

برامج التبادل الثقافي لتعزيز التفاهم والوعي بالقيم الثقافية المشتركة.

الإعلام كمورد أساسي للقوة الناعمة:

الدعاية والنشاط الإعلامي لهما دور فاعل وأساسي في تسويق دولة ما لسياساتها وقيمها، وفي نموذج القوة الناعمة الأمريكية التي يبرز الإعلام عنصراً رئيساً لها نسترجع مقولة هربرت براونيل التي أشار لها الكاتب (طارق خواجي) عبر هذه الصحيفة في عددها رقم (17014)؛ “بينما برز فرانكلين روزفلت كأول رؤساء الدهاء الإعلامي، كان دوايت أيزنهاور أول بطل لوقت الذروة في التلفزيون، لكن جون كينيدي يعتبر بحق أول الرؤساء النجوم والمشاهير”. جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت حدد موضوعات يجب أن تتمتع بأولوية خاصة في دليل موجهٍ إلى هوليوود كانت قد أصدرته الحكومة الأمريكية كان قد أشار إليه (ناي) في كتابه المذكور أعلاه، نذكر منها: تحفيز المجتمع على العمل والإنتاج، رفع المعنويات داخلياً، وتقديم الشعوب وتصويرها بشكل مناسب.

الإعلام وفقاً لهذا السياق تبرز أهميته كونه مصدراً للمعلومات، وقدرته أيضاً على إيجاد الانسجام بين أفراد المجتمع ومن ثم المساهمة في تشكيل رؤيتهم للواقع؛ بحيث إن المضامين الإعلامية تلعب دوراً في رسم صوة معينة له؛ متأثرة في المقام الأول بقيَم القائمين عليها ومعتقداتهم الثقافية، كما أن الإعلام يعتبر بلا شك مصدراً رئيساً للمعرفة عند القادة السياسيين والدبلوماسيين وكل من لهم صلة بالعملية السياسية في المجتمع.

كما أنه يعتبر أداة مهمة لتنفيذ السياسة الخارجية؛ حيث يلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام أو تشكيله، بالإضافة إلى أنه يعتبر وسيلة اتصال مع الدول الأخرى وأداة للتفاوض معها بالدرجة الأولى لا سيما في مراحل الأزمات. فقد أشار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون في واشنطن (إدموند غريب) عبر مجلة المستقبل العربي في العدد 206 شهر أكتوبر من عام 2000م؛ إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية تشارك في صنع الأخبار على مستوى دولي؛ بالتالي تمكنت من تحديد الأجندة للدوائر المختلفة في مجال العلاقات الدولية، الأمر الذي جعل من الإعلام المجال الرئيس للمفاوضات الدولية وتوجيه السياسة الخارجية بمساعدة الرأي العام بتقديمها لتغطيات إعلامية مكثّفة حول الكثير من القضايا الخارجية من خلال أذرعها الإعلامية الضخمة.

من أهم الشواهد على أن الإعلام يعدّ عنصراً فاعلاً في مفردات القوة الناعمة؛ وسائل الإعلام الأمريكية التي تعتبر نموذجاً تحاول باقي الدول محاكاته، كونها تبرز كعامل مهم يتجاوز الحدود القومية بفضل منصات إعلامية عالمية مثل: الفضائيات الإخبارية على غرار CNN و Fox news وقنوات MTV وراديو سوا، وقناة الحرة الموجهة للمشاهد العربي. إلى جانب وكالتين إخباريتين مهيمنتين على المستوى الدولي؛ ولا تكاد تخلو من أخبارهما وسيلة إعلامية في أي دولة حول العالم: يونايتد بريس إنترناشيونال United Press International، وأسوشييتد بريس Associated Press.

القوة الناعمة والدبلوماسية العامة:

الدبلوماسية العامة تعمد إلى التعامل مع الآثار المترتبة من المواقف العامة حول السياسة الخارجية وتنفيذها، كما أنها تسعى إلى خلق رأي عام في الدول الأخرى حول أبعاد العلاقات الدولية وآثارها خارج نطاق عمل الدبلوماسية التقليدية – الرسميّة – والتفاعل مع الجماعات غير الرسمية خارج إطار الدولة، والتفاعل مع تقارير السياسات الخارجية وتأثرها، والاتصالات التجارية والاقتصادية خارج الأطر الرسمية، فضلاً عن عملية التواصل بين الثقافات والشعوب.

حيث تعرّفها دائرة المعارف البريطانية بأنها: “كافة أشكال الأنشطة الحكومية التي تسعى إلى التواصل المباشر مع شعوب الدول الأخرى بغرض التأثير الإيجابي عليهم بشكل يجعلهم يتقبلون ويدعمون الأهداف الاستراتيجية لتلك الحكومات”.

يرى باحثون في مجال العلاقات الدولية أن القوة الناعمة تعتبر من المبادئ الرئيسة للدبلوماسية العامة الجديدة، بحيث إن أنشطة الدبلوماسية العامة قد لا تكون متوفرة إذا لم تتوفر عناصر وأدوات القوة الناعمة في دولة ما، وبالتالي فإن القوة الناعمة مهمة لخلق دبلوماسية عامة فاعلة ونشطة.

في حالة المملكة العربية السعودية؛ ذكر (د. سعود كاتب) في كتابه (الدبلوماسية العامة.. القوة الناعمة السعودية في عصر ثورة المعلومات) أن إنشاء وكالة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث تتضمن استراتيجيتها الإشارة إلى عدد من الحلقات التي يعتبر وجودها وتكاملها وتناغمها أمراً أساسياً لبناء دبلوماسية عامة سعودية تقوم على أسس قوية وعمل مؤسسي سليم، وهي كالآتي:

اللجنة الوطنية للدبلوماسية العامة.

الجهات الحكومية المختلفة.

الجامعات ومراكز الدراسات والفكر.

المنظمات غير الحكومية/ مسك والقطاع الخاص.

وكالة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية.

رابعاً: ملامح القوة الناعمة السعودية:

“أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط.. لا أريد أن أفارق الحياة إلا وأرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم.. لدى السعوديين همّة مثل (جبل طويق) لن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض” يعتبر هذا الاقتباس لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من حديثه في (مبادرة مستقبل الاستثمار أكتوبر 2018) مؤشراً على ما يمتلكه سموه من إيمان وثقة برؤية تنموية شاملة لا تقتصر على المملكة وشعبها فقط؛ بل تمتد إلى دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط، ويصل أثرها الإيجابي لدول العالم برمّته؛ نظراً لما تتميز به المنطقة من ثروات طبيعية، وموقع جغرافي استراتيجي مميز يمثّل حلقة وصل بين الشرق والغرب.

المتتبع لما يُكتب حول القوة الناعمة السعودية خلال الخمس سنوات الماضية؛ يلاحظ أنها مرتبطة بشكل عضوي مع رؤية المملكة 2030 التي أطلقها ولي العهد في أبريل 2016م؛ هذا الأمر معاده إلى أن برامج الرؤية ومستهدفاتها تعتمد على عدة عوامل؛ من أهمها التغيير الثقافي للمجتمع السعودي الذي ظل طيلة 4 عقود ماضية بعيداً عن موارد قوته الناعمة، ولم تكن حتمية الانفتاح والتعايش مع الآخر قضية ذات بال لديه. الأمر الذي تجلّى في حديث الأمير في لقائه مع برنامج 60 دقيقة الأمريكي؛ عندما أكّد أن أصعب التحديات التي يواجهها لتنفيذ رؤية 2030 هي: “أن يؤمن الناس بما نقوم به”.

جاء برنامج جودة الحياة الذي تم إطلاقه في 2018 ضمن برامج تحقيق الرؤية، ليمتد أثره على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين بشكل مباشر، وبلا شك على بقية المجالات الاقتصادية، السياسية، والثقافية.

أشير في موقع رؤية المملكة 2030 الرسمي على الإنترنت إلى أن (جودة الحياة) برنامج يُعنى بتحسين جودة حياة الفرد والأسرة من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية والأنماط الأخرى الملائمة التي تساهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة، توليد الوظائف، تنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية.

لا شك أن هذا الحراك نقلة نوعية على مستوى المجتمع السعودي، ومن جهة أخرى فإنه يمثّل نقطة انطلاق لقوة سعودية ناعمة جاذبة، تثير فضول واهتمام الآخر الذي دأب على تنميط صورة المملكة بفعل مضامين وصور رسمها عنا الآخرون فيما مضى، اليوم نحن من نرسم واقعنا ونقدمه للآخرين في حلّة بهيّة تليق بنا.

موارد وأدوات القوة الناعمة السعودية:

1- رمزية إسلامية:

حبا الله هذه البلاد بمزيّة عظيمة؛ حيث الحرمان الشريفان وإشعاع نور الإسلام من مكة التي بعث فيها نبيّه محمداً – صلى الله عليه وسلم – رحمةً للعالمين. يولّي وجهه قِبَلَها نحو المليار ونصف المليار مسلم خمس مرات يومياً لأداء الصلوات، فهي بذلك تحتلّ مكانة جليلة في قلوب المسلمين قاطبة.

حكومة المملكة وفقها الله ويسّر لها أن تستضيف المعتمرين طيلة أيام السنة والحجاج كل عام، حيث قال الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – في زيارته لبيت الله الحرام يوم السبت 28 ذي القعدة 1436هـ: “إن هذه الدولة في خدمة البيتين الحرمين الشريفين، ويشرّف ملكها أنه خادم الحرمين الشريفين، وهذا منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى اليوم…”.

أعلنت الهيئة العامة السعودية للإحصاء أن إجمالي عدد حجاج عام 2019م بلغ حوالي 2.4 مليون حاج، منهم 1.855 مليون حاج من خارج المملكة، فيما بلغ عدد حجاج الداخل 634379 حاجاً يمثّل غير السعوديين منهم ما نسبته 67 %. كما أشارت الهيئة إلى أن أعداد القوى العاملة للجهات التي قدمت خدماتها لضيوف الرحمن كان أكثر من 350.830 شخصاً يمثّلون أكثر من 47 جهة حكومية وخاصة.

في ظروف استثنائية واحترازية خاصة لمواجهة جائحة كورونا؛ أقيم حج العام الماضي 1441هـ 2020م، وكانت حكومة المملكة على قدر التحدي، حيث تمّ بحمد الله دون تسجيل أي إصابات بالفيروس. وذلك كان بفضل من الله ثم بقرار المملكة اتخاذ إجراءات واحترازات مشددة للمحافظة على أمن وسلامة الأرواح بإيقاف العمرة، واقتصار الحج على 10 آلاف حاج حيث تحددت نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة 70 % وما نسبته 30 % للسعوديين.

في الموسم الحالي لحج 1442هـ أصدرت وزارة الحج والعمرة قراراً بقصر أداء المناسك على المواطنين والمقيمين داخل المملكة بإجمالي 60 ألف حاج، وقد أجمع ما يزيد على 278 من العلماء والمفتين ورؤساء الجامعات والجمعيات الإسلامية والمراكز الدينية من 50 دولة على تأييدهم قرار المملكة، لحرصها على أمن واستقرار المشاعر الدينية وكل ما تتخذه من إجراءات لضمان ذلك، وسعيها للحفاظ على أرواح ضيوف الرحمن.

أما بالنسبة للعمرة عام 2019 فإنه وفقاً للهيئة العامة للإحصاء فإن إجمالي عدد المعتمرين بلغ 19.158.031 منهم 7.457.663 معتمراً قدموا من خارج المملكة. وفي ظل جائحة كورونا تمكّنت المملكة من استقبال أكثر من 15.5 مليون مصلٍ بينهم 5.1 ملايين معتمر خلال شهر رمضان الماضي، ولم يتم تسجيل أي حالات اشتباه للإصابة بفيروس كورونا.

لا شك أن ما حققته المملكة في هذا المجال يعدّ من الشواهد على أن الحرمين الشريفين يمثّلان مورداً أساسياً لقوة المملكة الناعمة لما لها من رمزية عند المسلمين حول العالم، وكان لهذا المورد داعياً للقيادة أن تضع نصب عينيها إرساء دعائم السلام، ونشر قيم التسامح والتعايش في العالم، بإقامة اتفاقيات ومبادرات ساعية إلى رأب الصدع بين جهات متناحرة في العالم الإسلامي والمنطقة، نذكر منها: (اتفاقية الطائف، اتفاقية المصالحة بين أريتريا وجيبوتي، الاتفاق بين فتح وحماس بمكة المكرمة 2007، وثيقة مكة المكرمة لحقن دماء المسلمين في العراق 2006، وأخيراً قبل عدة أيام استضافة رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة مؤتمر إعلان السلام في أفغانستان).

بالإضافة إلى مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات “كايسيد” الذي أسس عام 2012 في فيينا من قبل المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا إلى جانب الفاتيكان بصفته عضواً مؤسساً مراقباً، ويسعى المركز لدفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، والعمل على تعزيز ثقافة احترام التنوع، وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب. إلى جانب إنشاء (مركز اعتدال) لمكافحة الفكر المتطرف، ونشر مبادئ التسامح والاعتدال والتأكيد على فرص السلام العالمي، وهذا الأمر بلا شك يعكس جوهر الإسلام حيث الوسطية والبعد عن الغلو وفيه أيضاً نشر لهذه القيم وتقديم صورة حقيقية عن الدين الإسلامي.

2- المساعدات الإنسانية:

دأبت قيادة المملكة العربية السعودية على تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية إلى مختلف دول العالم التي تعاني من أزمات إنسانية أو كوارث طبيعية، وفقا لمنصة المساعدات السعودية الرسمية؛ فإن المملكة قدّمت نحو 33.15 مليار دولار أميركي من 15 جهة مانحة لـ156 دولة.

وبحسب مركز الملك سلمان للإغاثة فإنه حتى 31 مايو الماضي؛ تم تنفيذ 1616 مشروعا إنسانيا بقيمة إجمالية بلغت 5.26 مليارات دولار، شملت الصحة، التعليم، الغذاء، الإيواء وغيرها. كان 597 مشروعا منها تم تنفيذها في اليمن.

كما ثمنت قبل عدة أيام الأمم المتحدة المساعدات الإنسانية والتنموية التي تقدمها المملكة لليمن، حيث قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية (مارك لوكوك) في جلسة لمجلس الأمن: «نشكر المملكة العربية السعودية على عمليات الإغاثة الإنسانية في اليمن»، حيث تجاوزت مساعداتها ودعمها لليمن أكثر من 17 مليار دولار.

لا شك أن هذه المساعدات الإنسانية تعتبر موردا مهما للمملكة على مستوى قوتها الناعمة؛ بحيث أنها تساهم في تعزيز صورتها الإيجابية عالميا، تقدّم صورة حقيقية عن القيم السعودية المبنية على الدين الإسلامي الذي يحثّ على إغاثة الملهوف وإعانة المحتاجين، كما أنها تساهم في تعزيز العمل على إرساء دعائم السلام والاستقرار في المنطقة، وكل ذلك في مجمله يشكّل دافعاً عند الآخرين نحو التعاون مع المملكة في شتى القضايا الدولية المختلفة.

3- القوة الاقتصادية:

منّ الله على المملكة بقيادة وشعب قادرين على إنشاء اقتصاد متين؛ يحقق الرفاه الاقتصادي ويمكّنها من الاستثمار الخارجي، والمساهمة في حجم الإنتاج السوق العالمي، مما يدعم سياساتها الداخلية والخارجية بشكل إيجابي ويحجز مكانتها الاعتبارية والمؤثرة بين الدول.

أشارت صحيفة الاقتصادية في افتتاحيتها 11 إبريل 2020 إلى إن وكالات التصنيف العالمية أكدت قوة ومرونة الاقتصاد السعودي؛ على الرغم من الأزمة الاستثنائية التي يشهدها العالم حاليا بتفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19»، حيث أعلنت وكالة «فيتش» التصنيف الائتماني طويل الأجل للسعودية عند A مع نظرة مستقبلية مستقرة، على الرغم من أن المملكة أعلنت حزما من الدعم الاقتصادي تجاوزت 120 مليارا، وأكدّت وكالة «فيتش» العالمية أن السعودية تمتلك أحد أكبر الأصول السيادية الأمر الذي يجعلها تستحق نظرة مستقبلية مستقرة، كما أن «موديز» أيضا وضعت المملكة عند تصنيف A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، على أساس أن التجربة الأخيرة لتراجع أسعار النفط وعدم تأثر الاقتصاد السعودي بشكل واسع، يؤكد قدرة المملكة على تحمل هذه المستويات، ما يعني أنها تمتلك ميزة تنافسية كبيرة أمام المنتجين الآخرين، ما يؤكد النظرة المستقرة للاقتصاد السعودي، وفي المسار نفسه وكالة «إس آند بي جلوبال»، تصنيفها للديون السيادية للسعودية عند «A-2 /A-» مع نظرة مستقبلية مستقرة، مؤكدة أن السعودية تمتلك من الأصول ما يجعلها قادرة على مواجهة الأزمات مع قدرتها على دعم اقتصادها ومقابلة خدمات الدين.

كما أن المملكة عضو في مجموعة العشرين G20، وهي أهم منتدى اقتصادي دولي يبحث القضايا المؤثرة على الاقتصاد العالمي، وتشكّل دول مجموعة الـ20 ثلثي سكان العالم، وتضم 85 % من حجم الاقتصاد العالمي، و75 % من التجارة العالمية.

المملكة العربية السعودية استضافت الدورة الخامسة عشرة لاجتماعات قمة قادة المجموعة في نوفمبر 2020م، أكّد في ختامها خادم الحرمين الشريفين نجاح المجموعة في تقديم رسالة تبعث بالاطمئنان والأمل للمواطنين وجميع الشعوب حول العالم من خلال بيان القادة الختامي للقمة».

حيث أقرّ البيان الختامي للقمة مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، والتي سيستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المَدِينَة. كما تعهّد قادة مجموعة العشرين ببذل كل الجهود لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا المستجد إلى الجميع بطريقة عادلة و»بتكلفة ميسورة»، وتلبية «الاحتياجات التمويلية المتبقية» بشأن هذه اللقاحات.

لا شك أن النموذج الاقتصادي الناجح يمثّل قوة ناعمة تجذب الآخرين للتعاون طواعية وللاستثمار في البلد على مستويات متعددة، كما أنه يمثّل فرصاً للآخرين للعمل داخل البلد وليكونوا بالتالي سفراء لدى بلدانهم ينقلون صورة حقيقية عن واقع المملكة بعيداً عن التنميط والتشويه. وعلى الصعيد الخارجي يرى د. يوسف العثيمين بمقالة منشورة في الزميلة عكاظ بعنوان (القوة الناعمة للمملكة في ظل رؤية 2030) أن المملكة بقدراتها الاقتصادية قادرة على ربط مصالح دول مع مصالح المملكة بشكل دائم، من خلال برامج إنمائية وإغاثية واقتصادية واستثمارية، يحسّ بها مواطنو تلك الدول، ويشعرون بأثرها المباشر في حياتهم اليومية باستمرار، ومن ذلك -على سبيل المثال- توجيه الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الحيوية إلى الدول الناشئة، التي ترى الدولة فيها هدفا استراتيجيا يخدم مصالحها على المدى البعيد.

4- نموذج مكافحة الفساد:

«لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد كائنا من كان» تصريح ولي العهد الشهير الذي أطلقه قبل نحو 4 سنوات؛ ثبت مع مرور الأيام عزمه وخادم الحرمين الشريفين اجتثاث الفساد في المملكة وتحقيق مبدأ العدالة والشفافية في ظل سيادة القانون لأن لا يقف هذا الداء حجر عثرة أمام المسيرة التنموية لهذه البلاد. منذ تأسيس اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة الأمير محمد بن سلمان في 4 نوفمبر 2017 ذاع صيت سموه في المنطقة العربية والعالم بأنه أرسى نموذجا وأرسى مبادئ الشفافية والنزاهة، ويضرب بيد من حديد أي شخص تورط في قضية فساد؛ وزيرا كان أو أميراً، حيث أعلن الديوان الملكي في 2019 أنه تم استرداد 400 مليار للخزينة العامة للدولة من قضايا الفساد العامة.

نموذج مكافحة الفساد في المملكة كقوة ناعمة يعظّم مبدأي الشفافية والعدالة التي ينشدها أي إنسان في مجتمعه الذي ينتمي إليه، بالتالي فإنه يعزز سمعة المملكة لدى الآخرين بلا شك، ويقدّم أيضا ضمانا ووجهة استثمارية مشرقة للمستثمرين الأجانب في مشاريع جاذبة؛ منها ما يعتبر الأكبر من نوعه على مستوى العالم مثل: نيوم، القدية، البحر الأحمر للتطوير، متنزه الملك سلمان وغيرها.

5- التعليم:

التعليم كقوة ناعمة يتمثّل في برامج التبادل التعليمي والثقافي، ومن خلال المدارس والمعاهد والجامعات الدولية، حيث إنه بذلك تحاول دول الترويج لقيمها وثقافتها، وترك أثرا إيجابيا عند الآخرين.

يعتبر التعليم في المملكة العربية السعودية قوة ناعمة من خلال اتجاهين اثنين؛ يتمثل الأول في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والثاني يتمثل في استقطاب الطلاب من الدول الأخرى من خلال المنح التعليمية.

حيث كانت من أهم أهداف برنامج الابتعاث الخارجي في مرحلته الأولى تعزيز الصورة الذهنية للمملكة في الخارج، في نشرة شهر فبراير من العام 2019 لشؤون الابتعاث الصادرة عن وزارة التعليم بلغ عدد المبتعثين لإكمال دراستهم في الخارج 92997 طالبا وطالبة، ما نسبته 51.9 % منهم يدرسون في الولايات المتحدة الأميركية. إلى جانب تلبية متطلبات سوق العمل بكفاءات سعودية أكملت دراساتها في جامعات مميزة حول العالم، فإن هؤلاء الطلاب من دون شك سفراء للمملكة خلال إقامتهم في الخارج، بتقديمهم صورة إيجابية عن وطنهم لدى الشعوب الأخرى.

أما بالنسبة إلى برامج المنح في الجامعات السعودية فقد استقطبت المملكة من خلالها العديد من الطلاب في بلدان أخرى لإكمال دراساتهم في مختلف الجامعات السعودية، وهؤلاء من تقلد منهم مناصب حكومية في بلدانهم فأصبحوا بمثابة القوة الناعمة للمملكة كما أن آخرين منهم بلا شك يعودون إلى بلدانهم لينقلوا صورة ذهنية إيجابية عنها.

يتفق الباحثون في موضوع القوة الناعمة على أن سمعة الجامعات تمثل موردا أساسيا في هذا الجانب، وهذا ما يعد من المستهدفات الأساسية على مستوى التعليم في رؤية المملكة 2030، حيث صرّح مؤخرا سمو ولي العهد في لقائه التلفزيوني عبر قناة روتانا خليجية مع الإعلامي عبدالله المديفر؛ هناك طموح لأن تكون جامعة الملك سعود ضمن أفضل 10 جامعات حول العالم، وإدراكا لأهمية هذا الجانب من قبل القيادة الرشيدة؛ تتصدر قائمة الجامعات الأفضل عالمياً 4 جامعات سعودية لعامين على التوالي 2019 و2020، وذلك حسب تصنيف أشهر مراكز التصنيفات العالمية (شانغهاي).

6- السياحة:

تعتبر السياحة من موارد القوة الناعمة الأساسية لأي بلد، كونها تتيح للآخر التعرف على البلد عن قرب ومعايشة مجتمعه والتعرف على ثقافته؛ بعيدا عن الصور المشوهة التي قد ينقلها الإعلام إلى الشعوب الأخرى.

تحت شعار «أهلا بالعالم» تم الإعلان في سبتمبر 2019 عن إطلاق العمل بالتأشيرة السياحية لمواطني 49 دولة، ولا شك أن المملكة جديرة بأن تكون وجهة سياحية عالمية لما تتمتع به من تنوع بيئي وثقافي وتراثي يمثّل لغزا لكثير من السيّاح، حيث المناطق الساحلية، والجبلية ذات المناخ المعتدل، والتعدد الثقافي الذي يثير فضول كثيرين بعادات وتقاليد أصيلة تختلف باختلاف المناطق على امتداد رقعة جغرافية كبيرة تعادل، واللباس، والأطباق الشعبية وغيرها، وقبل ذلك ثقافة المجتمع السعودي ككل التي تحثّ على الكرم وحسن الضيافة؛ الأمر الذي اتضح جلياً في حديث سياح قدموا من أوروبا وأميركا أجمعوا على ترحيب السعوديين وحسن ضيافتهم لهم.

قيادة المملكة ضمن رؤية 2030 اهتمت في القطاع السياحي بالعمل على تطوير بنية تحتية متطورة ومرافق تلبي متطلبات السيّاح، إلى جانب الارتقاء بمستوى الخدمات في النقل والقطاع الفندقي، وإقامة الفعاليات والمهرجانات العالمية التي تلعب دورا مهمّا في استقطاب السيّاح الأجانب؛ الذين يلعبون بكل تأكيد دورا فاعلاً في نقل صورة إيجابية عن المملكة.

7- استقطاب البطولات الرياضية العالمية:

أشار (جوزيف ناي) في كتابه (القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية) إلى أن الرياضة يمكن أن تلعب دوراً في نقل القيم وإيصالها، فمباريات كرة السلة تذاع في 750 مليون منزلا في 212 بلداً، وباثنتين وأربعين لغة، كما أن عدد مشاهدي البرامج الرياضية ينافس الـ7300 مليون شخص الذي ذهبوا لمشاهدة الأفلام الأميركية في جميع أنحاء العالم العام 2002م.

في دراسة لجريكس وهوليهان بعنوان (Sports Mega-Events as Part of a Nation’s Soft Power Strategy الأحداث الرياضية الضخمة كجزء من الإستراتيجية الناعمة للأمّة) أشار الباحثان إلى أن بريطانيا قد بدأت منذ العام 2008 التعاون مع المجلس الثقافي البريطاني ومنظمة اليونيسيف لتوفير الأنشطة الرياضية للشباب في عشرين دولة نامية (مثل: الهند، والبرازيل، وإندونيسيا)، وعقد معسكرات لتدريب شباب الجامعات، وقد وضعت بريطانيا 4 أهداف لتحقيقها من خلال استضافة دورة الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعوقين:

1- ثقافة التعايش: توظيف الألعاب الأولمبية لترسيخ قيم الانفتاح والتسامح وقبول الآخر في الثقافة البريطانية في الداخل، والترويج لبريطانيا خارجيًّا كمجتمع منفتح ومتحضر يقبل التعددية.

2- المكاسب الاقتصادية: دعم الاقتصاد البريطاني، وزيادة الفرص التجارية لرجال الأعمال البريطانيين في الدول المختلفة، وتأمين قيمة عالية للاستثمار الداخلي.

3- الوقاية الأمنية: الإسهام في تعزيز الأمن داخل المجتمع البريطاني من خلال دفع الشباب للمشاركة في الأنشطة الرياضية، والابتعاد عن التطرف والعنف، وترسيخ قيم المنافسة والتسامح وقبول الآخر.

4- السمعة العالمية (State Brand): الترويج للنموذج البريطاني عالميًّا باعتباره يمثل المدنية والتحضر والتقدم التكنولوجي والاقتصادي، وهو ما يرسخ الصورة الإيجابية عن بريطانيا في الوعي الجماهيري العالمي.

كما أشار الباحثان إلى نموذج ألمانيا واستضافتها لكأس العالم 2006؛ حيث تحقق لها استمرار السياحة لمدة 6 سنوات بعد استضافة البطولة، بجانب الاستفادة المالية الضخمة لشركات الطيران ووسائل الإعلام، ووفود أكثر من 2 مليون سائح أجنبي إلى ألمانيا في العام 2006 وحدها. كما احتلت ألمانيا المركز الأول في هذا المؤشر للمرة الأولى العام 2007 بعدما كانت تحتل المركز 17 في العام 2004.

كما أكدا على أن هناك عدة عوامل أدت إلى نجاح ألمانيا في استغلال الرياضة لدعم قوتها الناعمة، منها: الحملات المنسقة لرفع الوعي الألماني، بالإضافة إلى استراتيجية استضافة كأس العالم التي خططت لها ألمانيا بعناية لتحسين صورتها من خلال تنظيم حملات دولية ممولة بشكل رئيس من قبل الحكومة الاتحادية بالتعاون مع رجال الأعمال تحت شعار «مرحبا بك في ألمانيا: بلد الأفكار».

إدراكا من قيادة المملكة لما للرياضة من أهمية في تعزيز قوة البلد الناعمة؛ حرصت هيئة الرياضة على هذا الجانب من خلال العمل على تعزيز التنافسية على مستوى الرياضة المحلية بدعم الأندية وجلب اللاعبين المميزين في دوري الأمير محمد بن سلمان، وعلى المستوى الدولي فقد قفزت قفزات نوعية في هذا المجال من خلال استضافتها لبطولات رياضية عالمية؛ نذكر منها:

رالي داكار 2020.

كأس السوبر الإسباني 2020 في جدة.

الجولة الأولى الافتتاحية لبطولة العالم لفورمولا 1 للزوارق السريعة 2019 بالدمام.

عرض كراون جول للمصارعة 2019.

مواجهة سوبر كلاسيكو 2018 بالرياض وجدة.

عرض رويال رمبل للمصارعة 2018.

بطولة العالم في الملاكمة للوزن الثقيل التي جمعت بين (آندي رويز وأنتوني جوشوا) في الدرعية 2019 التي استقطبت عددا من المشاهير في الفن والرياضة وتوجهت لها أنظار المتابعين من مختلف الدول حول العالم.

استضافة الرياض لكأس السعودية العالمية لسباق الخيل. حيث شمل قيمة فوز مالية هي الأعلى في العالم، وكان الحضور من جنسيات متعددة وحي بتغطية إعلامية كبيرة، وظهر فيه ارتداء السعوديين للباسهم الوطني الممثّل لمناطق المملكة المختلفة.

اختيار الجمعية العمومية للمجلس الأولمبي الآسيوي الرياض لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الثانية والعشرون في 2034م.

يضيف د. سعود كاتب عددا من المصادر التي تعزز القوة الناعمة للمملكة؛ نذكر منها:

الجوائز العالمية السعودية، حيث ذكر جائزة الملك فيصل العالمية وأن عددا كبيرا من الفائزين بها حصلوا بعد حصولهم عليها على جوائز مرموقة أخرى؛ مثل جائزة نوبل.

العمالة الأجنبية، حيث أشار إلى أن السعودية تأتي في المركز الثالث عالميا من حيث عدد الأجانب المقيمين فيها نسبة إلى عدد السكان، وذلك حسب تقرير نشرة المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ بلغ عددهم 10 ملايين و800 ألف شخص. هؤلاء يمثلون قوة ناعمة ذات تأثير إيجابي ملموس بالنسبة للمملكة فخلال فترة إقامتهم يتواصلون مع المجتمع السعودي عن قرب، ويعود كثير منهم إلى أوطانهم بعد تحقيقهم لجزء كبير من أحلامهم وتطلعاتهم.

السينما، ذكر أنه ينبغي دعم وتوجيه المبدعين السعوديين في صناعة الأفلام ليكونوا «نافذة مشرقة لنا على العالم بدلا من بناء الجدران العازلة» وأنه مع بدء قطاع السينما نشاطه في المملكة فإن التوقعات عالية بشأن هذا القطاع الحيوي ومع رؤية وزارة الثقافة بهذا الخصوص.

خاتمة

قطعت حكومة المملكة أشواطا كبيرة في تعزيز قوتها الناعمة وخصوصا في ظل رؤية المملكة 2030، وهذا ما تمت الإشارة إليه ضمن ثنايا هذا الموضوع، وما قد يكون له أيضا دور في المساهمة بهذا الجانب:

1- تعظيم موارد القوة الناعمة في المملكة من خلال الإعلام السعودي وإيصاله للشعوب المختلفة حول العالم. هناك جهود جديرة بالإعجاب من قبل ناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن لا بد من العمل المؤسسي وبعمل إعلامي مهني واحترافي قائم على استراتيجية واضحة قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة.

2- بعضوية عدد من الجهات ذات العلاقة بالقوة الناعمة؛ مثل: وزارة الخارجية، الإعلام، الثقافة، السياحة، الترفيه، وغيرها يتم إنشاء مجلس القوة الناعمة لوضع استراتيجية للعمل والتنسيق المشترك فيما بين هذه الجهات لتعزيز القوة الناعمة للمملكة.

3- التوسّع في برامج المنح للطلاب من العالم الإسلامي وأيضا من مختلف دول العالم، وتفعيل برامج خاصة بالتبادل الثقافي للطلاب، والأهم في ذلك إِشراك هؤلاء الطلاب في فعاليات ومناسبات ثقافية بغرض تعريفهم بثقافة المجتمع السعودي وللتفاعل مع أفراده؛ فمنهم من يصبحون قيادات في بلادهم بالمستقبل.

4- التأكيد على أهمية دور سفراء المملكة في عملية التواصل الثقافي مع الشعوب الأخرى؛ عبر قنوات التواصل المفتوحة وبطرق مبتكرة لا تخلو من العفوية لغرض التسويق للقوة الناعمة السعودية، والتأثير بشكل إيجابي في الشعوب بتلك الدول.

5- صناعة أفلام سينمائية تمثّل بطولات الرموز في المملكة العربية السعودية ومن لهم دور في تأسيسها ونموها وازدهارها على مر التاريخ، وتمثّل أحداثا وقضايا مفصلية في تاريخ المملكة، ويقدّم من خلالها ثقافة المجتمع وعلاقته الأبوية مع حكّامه.

6- إلى جانب استضافة البطولات الرياضية العالمية، استقطاب اللاعبين الأجانب ذوي الأسماء الكبيرة في بلدانهم لجذب الأنظار إلى دوري الأمير محمد بن سلمان والمملكة وشعبها بشكل أكبر.

 

المصدر: صحيفة الرياض

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر