مالك الروقي
هذه الورقة نستكمل فيها ما كتبنا في مطلع عام 2022
عام الجمود وصعود الجموح
نغادر اليوم عام 2022 الذي قلنا عنه في الورقة السابقة التي كتبت في مثل هذا اليوم من العام الفائت، إنه عام الأمر الواقع، العام الذي دخلت فيه ملفات مختلفة منعطفات حادة غير مسبوقة .
فقد قلنا إن السيد “بوتين” سيضع العالم أمام الأمر الواقع بغزوه أوكرانيا، رغم أن أصوات الكتاب وتوقعات كبريات الصحف العالمية ومنها الفايننشال تايمز في توقعاتها للعام الجديد –آنذاك – تتعالى بالتخفيف من خطورة المشهد، وأن الروس لن يقدموا على الغزو، وأن العالم لن يسمح لهم بذلك !
حدث الغزو ووضع العالم أمام الأمر الواقع !
ما الذي سيحدث في العالم العام المقبل؟
دعونا نتجول في ملفات السياسة العالمية بغية تحليلها ووضعها في مسارها الزمني الاستراتيجي والتكتيكي !
الملف الأوكراني :
ستدخل الأزمة الأوكرانية مرحلة خطيرة كان يخشى منها الغرب، وهي المرحلة التي يستطيع النظام الروسي بقيادة “بوتين” التكيف مع ضغوط الحرب وتبعاتها والقدرة على تجاوز عنق الزجاجة في الأزمة من خلال جعل نظامه الاقتصادي يتكيف مع الحرب والعقوبات، وهذا ما نلاحظه اليوم في عدم قدرة العقوبات الاقتصادية على إيقاف الحرب أو الإضرار بها بشكل استراتيجي.
في هذا العام سنشاهد طرح عدد كبير من المبادرات العالمية لتخفيف الأزمة، إذ سنشاهد تحركات عالمية لعزل بعض الملفات عن الحرب مثل ملفات الغذاء والطاقة، وذلك من خلال اتفاقيات ستضمن استمرار تدفق القمح الروسي والأوكراني، وتدفق الغاز والنفط وغيرها من مصالح مرتبطة بالعالم، وجعلها معزولة عن تبعات الحرب وعقوباتها. هذه المبادرات ستخفف الهوة بين روسيا وبعض الدول الغربية وتجعل دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا أكثر تمايزًا في موقفها عن بقية الدول، وسيخلق دورًا قويًا لتركيا والسعودية وربما قطر! هذا العام سيجد الغرب أنه سيواجه أزمة طاقة أكبر في الشتاء المقبل الأكثر صعوبة من الشتاء الذي سيعيشه مطلع العام الجديد، الذي من المتوقع أن يعاني فيه من انقطاعات الكهرباء وصعوبة توفير الطاقة، لكن الشتاء الذي سيليه سيكون أصعب، وهذا سيجعل أوروبا تقدم تنازلات وحلحلة في موقفها !
بالنسبة للوضع الميداني لن يحقق الروس تقدمًا أكبر مما حصلوا عليه! وسيستمر صمود أوكرانيا الذي كان غير متوقع بالنسبة لكثير من المحللين. فالغرب والولايات المتحدة الأميركية بدرجة أولى ستستمران في دعم الأوكران من أجل الصمود! وستدخل الحرب مرحلة خطير لا يتقدم فيها أحد، وتستمر معها المناوشات وحروب الخنادق .
اليمين في أوروبا؟
هذا العام سيشهد صعودًا كبيرًا لنبرة اليمين الأوروبي، وستكون إيطاليا مهد هذا الإشعاع والمثال الأكبر الذي سيؤثر على ألمانيا ودول شرق أوروبا وكذلك في فرنسا !
هذا التغيير سيسبب أزمة للعلاقة الأميركية الأوروبية من خلال الأصوات الداعية لإيقاف الاستغلال الأميركي على حساب المصالح الوطنية الأوروبية! وسيعزز من علاقة القارة بالصين !
ومن غير المتوقع أن ترتفع هذا العام النبرة الألمانية ضد روسيا أو دول الخليج، وستقوم بتنحية ملف الحرب الأوكرانية وملف حقوق الإنسان جانبًا أمام مصالحها الوطنية، وسيرتفع صوت اليمين في البرلمان الألماني .
كيف سيكون الوضع في الولايات المتحدة الأميركية؟
هذا العام هو الإنذار الأخير لليسار الأميركي للإطاحة بالرئيس السابق “ترمب”، سنجد أن جهود الإطاحة به ومنعه من الترشح تصل لمراحل جنونية، وسيخوض اليسار مع “ترمب” صراعات قانونية في المحاكم وفي الإعلام وفي الأوساط الشعبية! وفي المقابل سيعمل الحزب الديموقراطي على حملة كبرى لدعم استمرار الرئيس “بايدن” الذي لن يجد أمامه إلا خيار الترشح والمشاركة في الانتخابات المقبلة، فهو الوحيد القادر على جمع اليسار والديموقراطيين أمام هذا المنعطف التاريخي !
سيعاني البيت الأبيض هذا العام من علاقته بالأوربيين، وربما نجد برودًا في العلاقة بين القارة وواشنطن !
الملف الإيراني؟
هذا العام سيكون مختلفًا لطهران، إذ ستضطر إلى قبول كثير من التنازلات وسيشعر النظام الإيراني أن الخيارات أمامه أقل جدًا مما كانت لديه لسنوات طويلة !
ستستمر المظاهرات في الشارع الإيراني بأشكال متقطعة، وستتخذ أسبابًا مختلفة، فقضية “مهسا آميني” ليست السبب الحقيقي لما حدث العام الفائت، بل هي الشرارة!
سيواجه النظام أزمة اقتصادية ستجعله يعيد تصرفاته في الداخل، وستخلق هذه المظاهرات في الشوارع الإيرانية جناحًا داخل النظام يطالب بالتهدئة في الداخل والخارج، وسيحاول هذا الجناح أن ينقل كثيرًا من المطالب من الشارع لداخل النظام .
سيجد النظام أنه بشكل غير مسبوق أقل قدرة على إلحاق الضرر بالسعودية الغريم الأهم الذي يواجه مشروعه في الشرق الأوسط، وأنه أقل خيارات في مواجهة الرياض. فالرياض اليوم ليست رياض الأمس، فعلاقاتها بالصين وروسيا، وقبل ذلك بالولايات المتحدة، تجعل من الرياض أكثر قدرة على الصمود وأكثر قدرة على إيقاف الانفلات الإيراني.. ومصالح الدول الثلاث تجعل من النظام الإيراني يفكر مليًا قبل الدخول مع الرياض في معارك غير محسوبة العواقب !
أمَّا ما يتعلق بالملف النووي، فسيبقى الملف معطلاً، ولن تصل طهران والغرب لاتفاق بشأنه لصعوبة ذلك على المدى القصير .