ماضي إفريقيا ليس مستقبلها.. كيف يمكن للقارة أن ترسم مسارها؟ | مركز سمت للدراسات

ماضي إفريقيا ليس مستقبلها.. كيف يمكن للقارة أن ترسم مسارها؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 7 ديسمبر 2022

قال رائد الأعمال السوداني محمد إبراهيم، إن إفريقيا قارة شاسعة وغزيرة الموارد؛ فمساحتها تعادل ما يقرب من عشرة أضعاف حجم الهند وثلاثة أضعاف حجم الصين، وهي موطن لما يقرب من 18٪ من سكان العالم، ولديها نحو 30٪ من موارده المعدنية.

وأضاف إبراهيم أن الحكم الاستعماري قد ألحق أضراراً دائمة بإفريقيا؛ حيث رسمت القوى الأوروبية حدوداً غير رسمية وعشوائية، متجاهلةً على الأغلب الحقائق العرقية والجغرافية والتاريخية. وأصبحت هناك دول؛ مثل جامبيا وليسوتو، في معظمها أو بشكل كامل تقع داخل حدود دول أخرى. بينما انتهى الأمر بالعديد من الدول الأخرى لتصبح حبيسة، وبالتالي تعتمد على جيرانها للوصول إلى البحر.

وأشار الكاتب إلى أن معظم البلدان الهشة في منطقة الساحل الإفريقي تنتمي إلى هذه الفئة؛ وهي: بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي والنيجر. وكل منها بعيد كل البعد عن إمبراطورية مالي العظيمة، التي حكمت من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر أراضي تمتد عبر 9 دول إفريقية في الوقت الحاضر.

وبقرار ينم عن الحكمة، وافقت البلدان الإفريقية عند الاستقلال على تجميد هذه الحدود المصطنعة لتجنب الصراع؛ ولكن بذور عدم الاستقرار كانت قد زُرعت بالفعل. ففي القطاع الزراعي مثلاً، قامت القوى الاستعمارية ببناء اقتصادات لخدمة احتياجاتها الخاصة، مع التركيز على تصدير الموارد؛ سواء الخشب أو القطن أو الكاكاو أو الشاي أو القهوة.

وهي أولويات تُسهم في تفسير الصعوبات التي ما زالت تواجهها العديد من الدول الإفريقية في ضمان أمنها الغذائي؛ حيث لا تزال دول مثل غانا وكينيا والسنغال تزرع محاصيل التصدير على أكثر من نصف أراضيها الصالحة للزراعة، في حين تستورد الغذاء لإطعام شعوبها. وقد سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء فجأة على حقيقة أن أغلب البلدان الإفريقية تستورد احتياجاتها من القمح بشكل كامل، وأن روسيا وأوكرانيا هما أكبر مزودَين للقمح.

الاستعمار ليس المسؤول الوحيد

ولا يمكن إلقاء اللوم في إخفاقات إفريقيا على القوى الخارجية وحدها؛ حيث كان الحكم مجالاً آخر أهملته القوى الاستعمارية. فبدلاً من بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة، عملت على تعزيز المؤسسات الهرمية الهشة. ولا يزال الحكم الدستوري والمدني هشاً في معظم أنحاء القارة اليوم.

فقد شهدت منطقة غرب إفريقيا خصوصاً، عودةَ الانقلابات العسكرية على مدى السنوات الخمس الماضية، وتآكل سيادة القانون. وفي أجزاء أخرى من إفريقيا، يبدو أن الاعتماد المفرط على التعاون العسكري مع القوى الأجنبية مثل فرنسا وروسيا والولايات المتحدة قد شجع قوات الأمن الوطنية على توجيه أسلحتها نحو مواطنيها للاستيلاء على السلطة بدلاً من حماية الشعب والحدود ومحاربة الإرهابيين.

وعلى الرغم من أن البنك الدولي ضخَّ الأموال نحو حلفاء الولايات المتحدة في القارة؛ فإن قِلة من هذه البلدان حققت الكثير على طريق التنمية. وأصبحت المساعدات الخارجية المشروطة قوة دافعة في السياسة الاقتصادية الإفريقية؛ مما عزز الاعتماد الاقتصادي على الغرب بدلاً من التكامل القاري الذي تشتد الحاجة إليه، وفقاً لرائد الأعمال السوداني.

فقبل اكتشاف النفط وتطويره في نيجيريا، على سبيل المثال، كان لدى البلاد قطاع زراعي ناجح؛ حيث كانت تنتج ما يكفي من الغذاء لإطعام سكانها حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1967. والآن، تعد نيجيريا مستورداً رئيسياً للغذاء.

وفي دولة مثل الكونغو، وبفضل ثرواتها الهائلة من النحاس والكوبالت والنفط، ينبغي أن تكون واحدة من أغنى البلدان في العالم. لكن بدلاً من ذلك، فهي دولة فقيرة وهشة وموطن لواحدة من كبرى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي أصبحت الآن سمة دائمة على الساحة هناك.

وأشار إبراهيم إلى أنه على النقيض من تلك الدول، تبرز بوتسوانا باعتبارها نموذجاً يحتذى به في القارة؛ بفضل ديمقراطيتها السليمة وحوكمتها القوية، فهي تملك العديد من الموارد -الألماس بشكل أساسي- ولديها أيضاً قادة عظماء كالرئيس كيتو ماسيري، الذي قاد البلاد من عام 1980 إلى عام 1998، والرئيس فستوس موغاي، الذي خلف ماسيري وتنحى عام 2008، بعد فترة ولايته الثانية التي دامت 5 سنوات.

وعلى صعيد آخر، فإن مجموعتَي الدول السبع والدول العشرين ذات الاقتصادات الكبرى تخذلان إفريقيا أيضاً. ومن المفهوم أنه لا توجد دولة إفريقية من الدول الأعضاء في المجموعة الأولى، وأن هناك دولة واحدة فقط، وهي جنوب إفريقيا، مدرجة في المجموعة الثانية.

لكن على عكس الاتحاد الأوروبي، لا يحصل الاتحاد الإفريقي على مقعد على أي من الطاولتَين؛ حيث تتم دعوته من وقت لآخر إلى حفلات العشاء، ولكن لا يُدعى أبداً إلى قاعة الاجتماعات.

يرى الكاتب أن هذه المعاملة لها عواقب وخيمة على إفريقيا، التي ليس لها رأي يُذكر في وضع المعايير الدولية؛ بدءاً من مكافحة الفساد إلى تمويل التنمية إلى التخفيف من آثار تغير المناخ، مؤكداً أن المناقشات والقرارات بشأن هذه القضايا سوف تكون أكثر عدلاً وكفاءة إذا لم تملِ مجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين القرارات على إفريقيا فحسب؛ بل أن تعاملاها باعتبارها شريكاً متساوياً.

ووفقاً لأحد تقديرات الأمم المتحدة، فإن التدفقات المالية غير المشروعة من إفريقيا، سواء تسعير الصادرات والواردات، أو تحويل الأرباح داخل الشركات متعددة الجنسيات، تكلف البلدان الإفريقية أكثر من 88 مليار دولار كل عام. وهذا يتجاوز الـ52 مليار دولار التي تلقتها القارة في شكل مساعدات دولية سنوية خلال عامَي 2017 و2018 على التوالي؛ ما يثير التساؤل حول مَن كان يمول مَن؟!

لذلك يتعين على الدول الغربية أن تتحرك بسرعة لسد الثغرات الضريبية والمصرفية التي تنزف موارد القارة الإفريقية. كما يتعين عليها أن تتعامل مع احتياجات إفريقيا من التمويل بقدر أكبر من الجدية؛ حيث تكافح البلدان الإفريقية للاقتراض في الأسواق المالية الدولية لتمويل احتياجاتها الإنمائية أو التعامل مع أزمات مثل جائحة كورونا، وتغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي.

وأضاف إبراهيم أنه يجب على الدول الغربية أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن مساهمتها في أزمة المناخ، وأن تتوقف عن مطالبة الدول الإفريقية بالتضحية بأهدافها الإنمائية لإصلاح مشكلة لم تتسبب في خلقها. فلا تزال أمريكا الشمالية تولد 14 طناً من انبعاثات الكربون للفرد الواحد كل عام، في حين يولد الأوروبيون والصينيون 7 أطنان. وفي المقابل، لا يولد الأفارقة سوى 1.1 طن.

إفريقيا مُوحدة

هذا هو السبيل الوحيد لتنمية اقتصاد القارة واجتذاب رأس المال الأجنبي، حسب الكاتب؛ حيث يتعين على البلدان الإفريقية أن توحد جهودها لإنشاء بورصة لعموم إفريقيا، الأمر الذي من شأنه أن يشجع الاستثمار ويحسن فرص حصول الشركات الإفريقية على التمويل. ومن شأن زيادة التكامل وحجم السوق أن يحفزا تنمية الصناعات الإفريقية، بما في ذلك الصناعات المنتجة للمستحضرات الصيدلانية واللقاحات.

فالدروس المستفادة من جائحة (كوفيد-19) واضحة. وفي حالات الطوارئ، تعيد الدول اكتشاف النزعة القومية، وتقيم الحواجز التجارية، وتسعى إلى وضع شعوبها في المقام الأول. ولا تزال البلدان الإفريقية تستورد ما يقرب من 95٪ من السلع الطبية والصيدلانية التي تستهلكها، و99٪ من اللقاحات الروتينية.

وفي أوقات الأزمات العالمية، لا يجوز لهم أن يعتمدوا على عطف الآخرين لضمان بقاء شعوبهم بصحة جيدة وآمنين. وبهذا المعنى، كان الوباء مفيداً على حد قول الكاتب؛ ففي أبريل 2021، وضع الاتحاد الإفريقي والمركز الإفريقي لمكافحة الأمراض هدفاً لإنتاج 60٪ من اللقاحات التي ستحتاج إليها القارة بحلول عام 2040.

وبمساعدة الاتحاد الأوروبي، تعمل إفريقيا الآن على إنشاء أو تعزيز ستة مراكز تصنيع في القارة؛ في مصر وغانا والمغرب ورواندا والسنغال وجنوب إفريقيا. وإذا افترضنا أن الحكومات الإفريقية مستعدة للقيام بالاستثمارات اللازمة؛ بما في ذلك في مجال الصحة العامة، فإن هذه المبادرات ستحسن الأمن الصحي للقارة وربما تخلق فرص عمل.

وأشار إبراهيم إلى أنه لفترة طويلة، تجاهلت إفريقيا قطاعها الزراعي؛ وهو ما أدى إلى انخفاض غلة محاصيلها إلى ما دون المتوسط العالمي. وهذا خبر سار من بعض النواحي، على حد قوله؛ لأنه يعني أن هناك إمكانات هائلة للتحسن، فلا تزال إفريقيا تمتلك أراضي صالحة للزراعة أكثر من بقية العالم مجتمعة.

ولكن يتعين على القارة أن تعيد النظر في نموذجها الزراعي، الذي ما زال قائماً في معظمه على زراعة الكفاف. كما يجب على الحكومات أن تعطي الأولوية لأنظمة الإنتاج التي تعود بالفائدة على شعوبها أولاً. وبطبيعة الحال، لا بد أن تستمر الصادرات؛ ولكن على نحو لا يعرض الأمن الغذائي للخطر.

وختم إبراهيم مقالته قائلاً إنه يجب على الدول الإفريقية أن تعمل على رفع سلسلة القيمة في الزراعة والصناعات الأخرى؛ مثل التعدين، وإلا فإنها ستستمر في جني رسوم منخفضة نسبياً على المواد الخام، في حين تجني بلدان أخرى فوائد أكبر بكثير من تصدير المنتجات النهائية التي تُباع بأسعار لا يستطيع كثير من الأفارقة تحملها.

 يقول: “من غير المقبول أن يحصل مزارع إفريقي على بضعة سنتات مقابل الكاكاو المستخدم في صناعة لوح شوكولاتة يُباع بأربعة دولارات في الغرب”، مشيراً إلى ضرورة أن تعمل الدول الغربية أيضاً على تحسين إدارتها، وأن تكون أكثر صدقاً وشمولاً في تعاملها مع إفريقيا، وأن تقدر عمق عدم الثقة الذي خلفه سوء سلوكها في الماضي ونفاقها الحالي.

وهناك دلائل واعدة على أن كلا الجانبَين بدأ يتحدث مع الآخر بدلاً من أن يتجاوزه؛ حيث التزم كل من القادة الأفارقة والأوروبيين بالشراكة المتساوية وتحسين الحكم. “فدعونا نأمل أن ينفذ كلا الجانبين هذه الالتزامات؛ حتى نتمكن يوماً ماً من التطلع إلى بداية جديدة”.

 

المصدر: ترجمة كيو بوست لمقال فورين أفيرز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر