ليس كل ما نسميه الذكاء الاصطناعي هو في الواقع “ذكاء اصطناعي” | مركز سمت للدراسات

ليس كل ما نسميه الذكاء الاصطناعي هو في الواقع “ذكاء اصطناعي”

التاريخ والوقت : الأحد, 15 يناير 2023

جورج سايمينز

في أغسطس 1955، تقدم مجموعة من العلماء بطلب تمويل بمبلغ 13500 دولار لاستضافة ورشة عمل صيفية في كلية دورتموث، بولاية نيو هامبشاير.

وقد كان المجال الذي اقترحوا استكشافه ودراسته هو الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence. وفي حين أن طلب التمويل المذكور كان متواضعًا، إلا أن توجُّه الباحثين، لم يكن هو المتضمن في عبارة “إن كل جانبٍ من جوانب التعلم أو أي سِمَةٍ أخرى من سمات الذكاء يمكن وصفها من حيث المبدأ، بأنه أشبه بآلةٍ تُصنع لمحاكاتها”. فمنذ هذه البداية المتواضعة، قامت الأعمال السينمائية ووسائل الإعلام بإضفاء الطابع الرومانسي على الذكاء الاصطناعي أو وضعه في خانة الشر. ومع ذلك، وبالنسبة لمعظم الناس، ظل الذكاء الاصطناعي إحدى النقاط الخلافية، وليس مجرد جزء من تجربة معيشية واعية.

لقد تحرر الذكاء الاصطناعي أخيرًا، ووصل إلى هيئة روبوت “جي بي تي” ChatGPT ، من تكهنات الخيال العلمي، ومختبرات الأبحاث، وعلى أجهزة الكمبيوتر المكتبية والهواتف الجوالة لعامة الناس. وهو ما يُعرف باسم “الذكاء الاصطناعي التوليدي”، الذي يمكنه صياغة مقال أو تجميع قائمة التسويق، أو إنشاء قصيدة بأسلوب “إلفيس بريسلي” Elvis Presley. في حين أن روبوت “جي بي تي” ChatGPT كان أكثر المشاركين إثارة في عام من النجاح التوليدي للذكاء الاصطناعي، فقد أظهرت أنظمة مماثلة إمكانات أكبر لإنشاء محتوى جديد، وذلك من خلال المطالبة بتحويل النص إلى صورة بغرض إنشاء صورٍ نابضةٍ بالحياة فازت حتى بالمسابقات الفنية.

لذلك، ربَّما لا يمثل الذكاء الاصطناعي عملية إدراكية حية أو نظرية عقلية شائعة في أفلام وروايات الخيال العلمي، لكنه يقترب على الأقل من تجاوز معتقداتنا تجاه أنظمة الذكاء الاصطناعي، وما يمكن أن تفعله. وقد أصيب الباحثون الذين يعملون عن كثب مع هذه الأنظمة بالصدمة نتيجة لاحتمالية الإحساس، فيما يتقارب مع نموذج اللغة الكبيرة من جانب جوجل Google، وهو نموذج تم تطويره لمعالجة اللغة الطبيعية وتوليدها. 

لقد أنتج الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضًا مخاوف بشأن ممارسات النصب والانتحال، واستغلال المحتوى الأصلي المستخدم في إنشاء النماذج، وأخلاقيات التلاعب بالمعلومات وإساءة استخدام الثقة، وحتى “نهاية البرمجة”. وفي قلب هذا السؤال الذي يزداد إلحاحًا منذ انعقاد ورشة العمل الصيفية في دورتموث (المذكورة سابقًا)، تبرز أسئلة أخرى مثل: هل يختلف الذكاء الاصطناعي عن الذكاء البشري؟

ماذا يعنيالذكاء الاصطناعيفي الواقع؟

لمواكبة الذكاء الاصطناعي، يتعين بداية أن يظهر النظام العام مستوى معينًا من التعلم والتكيف. ولهذا السبب، فإن أنظمة صنع القرار والأتمتة والإحصاءات لا تعدُّ ذكاء اصطناعيًا. فالذكاء الاصطناعي يتم تعريفه على نطاق واسع في فئتين هما: الذكاء الاصطناعي الضيق Artificial narrow intelligence (ANI)، والذكاء العام الاصطناعيArtificial general intelligence (AGI)، وحتى الآن فإن الفئة الأخيرة لا تزال غير موجودة. ويتمثل التحدي الرئيسي لإنشاء ذكاء اصطناعي عام في تصميم نموذج مناسب للعالم بكامل المعرفة من خلال طريقة متسقة ومفيدة، وهو ما يعدُّ عملاً ضخمًا على أقل تقدير.

إن معظم ما نعرفه اليوم باسم “الذكاء الاصطناعي” ينضوي تحت الفئة الأولى (ضيق)، إذ يعالج نظام معين مشكلةً معينةً. وبخلاف الذكاء البشري، فإن هذا الإطار الضيق للذكاء الاصطناعي لا يكون فعالاً إلا في المجال الذي تم تدريبه فيه؛ فعلى سبيل المثال نشير إلى الكشف عن الاحتيال، أو التعرف على الوجه، أو التوصيات الاجتماعية. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي العام سوف يعمل كما يفعل البشر. وفي الوقت الحالي، فإن أبرز مثال على محاولة تحقيق ذلك يتمثل في استخدام الشبكات العصبية و”التعلم العميق” المدربين على كميات هائلة من البيانات، حيث تكون الشبكات العصبية مستوحاة من طريقة عمل العقول البشرية. وبخلاف معظم نماذج التعلم الآلي التي تدير العمليات الحسابية على أساس بيانات التدريب، تعمل الشبكات العصبية عن طريق تغذية كل نقطة بيانات واحدة تلو الأخرى من خلال شبكة مترابطة، في كل مرة يتم فيها ضبط المعلمات. ومع ضخ المزيد من البيانات عبر الشبكة، فإن النتيجة النهائية تتمثل في الشبكة العصبية “المدربة”، التي يمكنها بعد ذلك إنتاج المخرجات المنشودة على البيانات الجديدة مثل التعرف على ما إذا كانت الصورة تحتوي على قطة أو كلب. وبالتالي، فإن القفزة الكبيرة في الذكاء الاصطناعي حاليًا تبدو مدفوعة بالتحسينات التكنولوجية في الطريقة التي يمكننا بها تدريب الشبكات العصبية الكبيرة، وإعادة تعديل أعداد كبيرة من الرموز في كل عملية تشغيل بفضل قدرات البنى التحتية الكبيرة للحوسبة السحابية. وعلى سبيل المثال نجد أن نظام التشغيلGPT-3 للذكاء الاصطناعي الذي يشغل روبوت “جي بي تي” ChatGPT، يتكون من شبكة عصبية كبيرة بها 175 مليار رمز.

ما الذي يحتاجه الذكاء الاصطناعي للعمل؟

يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أشياء ليكون ناجحًا.

أولاً: يحتاج إلى بيانات عالية الجودة وغير متحيزة، وغيرها من الأمور الأخرى. فالباحثون الذين يبنون شبكات عصبية يستخدمون مجموعات البيانات الكبيرة التي ظهرت مع التحول الرقمي للمجتمع. ولزيادة عدد المبرمجين البشريين، فإن روبوت “جيت هاب كووبايلت” GitHub Copilot، يستمد بياناته مليارات الأسطر للتعليمات البرمجية المشتركة على روبوت “جيت هاب كووبايلت”؛ إذ تستخدم الروبوت “جي بي تي”، وغيرها من النماذج الكبيرة للغات الأخرى المليارات من مواقع الويب والمستندات النصية المخزنة على الإنترنت. 

إن أدوات تحويل النص إلى صورة، مثل: نموذج التعلم المتعمقStable Diffusion، ونظام التعلم DALLE-2، ومعمل “ميد جورني” Midjourney، تستخدم مزيجًا من النص والصورة من خلال مجموعات البيانات مثل قاعدة بيانات LAION-5B . وتستمر نماذج الذكاء الاصطناعي في التطور من حيث التطور والتأثير مع المزيد من التحول الرقمي في حياتنا، والتزود بالبيانات البديلة، مثل بيانات المحاكاة أو البيانات الخاصة بإعدادات اللعبة مثل لعبة “ماينكرافت” Minecraft . ويحتاج الذكاء الاصطناعي إلى بنية تحتية حسابية للتدريب الفعال. ونظرًا لأن أجهزة الكمبيوتر أصبحت أكثر قوة، فربَّما يتم التعامل مع النماذج التي تتطلب الآن جهودًا مكثفة وحوسبة واسعة النطاق محليًا في المستقبل القريب. فالانتشار المستقر، على سبيل المثال، يمكن تشغيله بالفعل على أجهزة الكمبيوتر المحلية بدلاً من البيئات السحابية. بينما تتمثل الحاجة الثالثة للذكاء الاصطناعي في النماذج والخوارزميات المحسنة. إذ تستمر الأنظمة التي تعتمد على البيانات في إحراز تقدم سريع في مجال بعد مجال كان يُعتقد أنه مجال الإدراك البشري.

ومع ذلك، ومع تغير العالم من حولنا باستمرار، تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تدريبها باستمرار باستخدام بيانات جديدة. وبدون هذه الخطوة الحاسمة، من المتوقع أن تنتج أنظمة الذكاء الاصطناعي إجابات غير صحيحة من الناحية الواقعية، أو لا تأخذ في اعتبارها المعلومات الجديدة التي ظهرت منذ أن تم تدريبها. 

إن الشبكات العصبية ليست الطريقة الوحيدة للذكاء الاصطناعي؛ إذ هناك توجه آخر من أبحاث الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي الرمزي symbolic AI، الذي يعتمد على قواعد ومعرفة مشابهة للعملية البشرية لتشكيل تمثيلات رمزية داخلية لظواهر معينة، بدلاً من استيعاب مجموعات البيانات الضخمة. لكن ميزان القوى يميل بشدة حاليًا نحو المناهج المبنية على البيانات على مدى العقد الماضي، حيث حصل “الآباء المؤسسون” للتعلم العميق مؤخرًا على جائزة تورينج، التي تعادل جائزة نوبل في علوم الكمبيوتر. فبينما تشكل البيانات والحسابات والخوارزميات أساس مستقبل الذكاء الاصطناعي، نجد أن كافة المؤشرات تشير إلى أنه سوف يتم إحراز تقدم سريع في كافة فئات الذكاء الاصطناعي الثلاث في المستقبل المنظور.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: The conversation

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر