كيف تنظر السعودية إلى العالم؟ | مركز سمت للدراسات

كيف تنظر السعودية إلى العالم؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 8 نوفمبر 2022

كارين إي يونغ

في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وافقت “منظمة البلدان المصدرة للبترول” (أوبك) والدول الـ10 الشريكة لها [أي مجموعة أوبك+] على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً. وجاء القرار متوقعاً وصادماً في آن معاً. بدا القرار متوقعاً، لأن “أوبك +” بقيادة السعودية، بعثت قبل ذلك برسائل سريعة عن خطط تهدف إلى خفض إنتاج النفط. في المقابل، جاء القرار صادماً لأن السعودية والولايات المتحدة شريكان أمنيان مقربان، وقد وجه كبار المسؤولين الأميركيين نداءات شخصية متكررة إلى السعوديين من أجل الإبقاء على مستويات الإنتاج عالية. وقد عقد كثير من أولئك المسؤولين الأمل على أن تبدي الحكومة السعودية تعاوناً، لا سيما في ضوء ارتفاع أسعار البنزين والضغوط التضخمية الأوسع نطاقاً. في الواقع، وفقاً لتقرير حديث نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، اعتقد كبار مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن أن واشنطن توصلت إلى اتفاق خاص تزيد السعودية الإمدادات بموجبه. وعوضاً عن ذلك، أصيب البيت الأبيض بصدمة كبيرة حينما اجتمع وزير الطاقة السعودي مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك الخاضع لعقوبات أميركية، ثم أعلنا خفض الإنتاج.

في المقابل، رد صناع السياسة والمحللون الأميركيون على القرار السعودي بتوجيه نقد إلى الرياض بسبب استقلاليتها المفاجئة، وكذلك انتقدوا بايدن بسبب محاولته غير اللبقة لعقد صفقة عن ذلك الشأن. خلال حملته الانتخابية الرئاسية، غالباً ما ندد بايدن بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لكن الرئيس الأميركي فاجأ الجميع وقابل ولي العهد في يوليو (تموز) 2022. بالنسبة إلى بعض المحللين الأميركيين، أتى قرار السعودية بخفض الإنتاج بعيد التحول المفاجئ في موقف الرئيس، دليلاً على أن الرياض لم تكن ستشكل شريكاً موثوقاً (أو مطيعاً) وزيارة بايدن للأمير محمد بن سلمان كانت خطأ سياسياً. على النقيض من ذلك، جادل محللون آخرون بأن تحرك الرياض كان في الواقع خطأ بايدن، وجاء كنتيجة ثانوية متوقعة لغطرسة الإدارة المتمثلة في مطالبة السعودية بوضع المصالح الأميركية قبل مصالحها.

في الواقع، إن المراقبين الأميركيين على حق في أن واشنطن اتخذت قرارات مزعجة بالنسبة إلى السعوديين. ولكن هناك أيضاً داخل واشنطن نقص في فهم طريقة صياغة السعودية سياستها الاقتصادية والخارجية. ببساطة، تستعد السعودية، تحت إشراف الأمير محمد بن سلمان، لاقتصاد سياسي عالمي يختلف بشكل ملحوظ عن ذلك الذي تتصوره إدارة بايدن. في تقرير “استراتيجية الأمن القومي” الذي نشر حديثاً، ركز البيت الأبيض على كيفية الفوز بمنافسة مدارة [بمعنى أنها تخضع لتوجهات مسبقة وليس لاعتبارات السوق] مع الصين. كذلك أوضح تفضيله تقسيم الشراكات الاقتصادية والسياسية إلى مسارين، أحدهما مع الديمقراطيات والآخر مع غير الديمقراطيات، يجري تنفيذهما في إطار عمل المؤسسات الدولية. نظراً إلى موقف الأميركيين الفاتر من الأطر الدولية، فمن المرجح أن يؤدي التزام المسار الثاني إلى خفض تصنيف الدول الاستبدادية.

وعلى رغم أن الديمقراطيين والجمهوريين أصبحوا أقل دعماً للشراكة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، إلا أن السياسة الخارجية الأميركية قد لا تكون السبب الرئيس في تصدع العلاقات. في الحقيقة، تصدعت تلك العلاقات نتيجة التغييرات في السياسة الداخلية والخارجية التي تعتمدها السعودية. إذ لا يفكر ولي العهد السعودي بتصور بلاده كلاعب من الدرجة الثانية في نظام عالمي منقسم يشبه النظام الذي ساد خلال “الحرب الباردة” [بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ووصولاً إلى تسعينيات القرن الـ20].

وكذلك يرى أن النظام الجيوسياسي العالمي الأخذ في الظهور، يتمتع بالمرونة، ويتألف من مجموعة من الأجزاء المتشابكة. بالتالي، يعتقد ولي العهد أن الرياض تملك الحق في العمل مع مجموعة متغيرة من الشركاء بغية تحريك الأسواق وصوغ المخرجات السياسية عالمياً. إضافة إلى ذلك، يعتقد الأمير محمد بن سلمان أن السعودية ستضطر إلى حماية اقتصادها بقوة في ظل التقلب في الطلب على الطاقة والنفط في العالم، لكنها إذا نجحت، فلن يتمكن أحد من منعها من شق طريق مستقل وريادة نوع مختلف من التنمية الاقتصادية. تشبه هذه الرؤية حلم “حركة عدم الانحياز” في سبعينيات القرن الماضي، بيد أن السمة المشتركة بينهما تتبدى في أن النفعية الوطنية [تشكل سمتها] حاضراً، وليس صحوة ما بعد الاستعمار.

وقد يكون ولي العهد على حق. إذ يدخل العالم فترة من انعدام الأمن في مجال الطاقة، وسيتزايد الطلب على الهيدروكربونات خلال السنوات الـ20 المقبلة على الأقل، وذلك وضع يمكن أن يمنح السعودية مزيداً من القوة. واستطراداً، تتزايد مرونة النظام الدولي، ويمكن لاقتصادات الأسواق الناشئة بشكل عام، والسعودية على وجه الخصوص، تطوير دور أكثر جوهرية في الشؤون العالمية.

العالم ملكك

من وجهة نظر الرياض، إن المستقبل ملك الأسواق الناشئة. بين عامي 2011 و2021، شكلت هذه الاقتصادات 67 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وباتت تمثل حاضراً 49 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي الشامل. على مدى السنوات الأربع المقبلة، من المتوقع أن تنمو الاقتصادات الناشئة بـ3.9 في المئة سنوياً، أي أسرع من الاقتصادات الموجودة في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وستشكل نسبة متزايدة من حجم التجارة العالمية.

وتنضوي السعودية ضمن تلك الكتلة من الدول. في الواقع، وفقاً لقادتها، تعتبر السعودية إحدى أهم الأسواق الناشئة في العالم. إذ يمثل ذلك البلد موطناً لاقتصاد كبير مع معدل مرتفع من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى أنه يصدر ما يكفي من النفط للتأثير في أسعار الطاقة العالمية. استضافت المملكة قمة لـ”مجموعة الـ20″ في عام 2020 (لكنها جرت بالتقنية الرقمية الافتراضية). وقبل أربع سنوات من ذلك الحدث، كشفت السعودية النقاب عن “رؤية 2030” التي تقدم مستقبلاً طموحاً تتوقف فيه الدولة عن الاعتماد على الوقود الكربوني، وتبني مدناً مستقبلية يمكنها أن تصمد في وجه أخطار المناخ كافة.

استطراداً، لقد ملأت تلك الرؤية المواطنين السعوديين والمسؤولين الحكوميين على حد سواء، بثقة جديدة. إذ باتت السعودية، وغيرها من دول الخليج، تنظر إلى نفسها الآن كنماذج للنمو والتطور، وتشعر بالحاجة إلى إعادة توجيه تحالفاتها من أجل الاستعداد للعمل ضمن نظام عالمي أقل استقراراً، وربما حتى لحقبة ما بعد أميركا. والجدير بالذكر أن قرار الرياض في عام 2016 بدفع منظمة “أوبك” إلى التنسيق مع الدول غير الأعضاء فيها، بالتالي تشكيل مجموعة “أوبك +”، يعبر بالضبط عن هذا النوع من التخطيط السياسي. ويرجع ذلك إلى أن مجموعة “أوبك +” ليست ملتزمة بأيديولوجية معينة أو معاهدة محددة، بل إنها تحالف من دول ترغب في التعامل مع بعضها بعضاً حينما يتناسب ذلك مع مصالحها المشتركة. وقد تكون تلك المجموعة على استعداد لتحدي الولايات المتحدة من أجل تحقيق أهدافها.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر