سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. عاطف عبدالله
على مدى أكثر من ثمانية عقود، ظل صندوق النقد الدولي بمثابة ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي العالمي.
تبلورت فكرة إنشاء الصندوق أثناء مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في بريتون وودز في يوليو 1944 بولاية نيو هامبشاير الأمريكية.
وكانت البلدان الأربعة والأربعين الحاضرة في المؤتمر تسعى إلى بناء إطار للتعاون الاقتصادي الدولي، يتجنب تكرار التخفيضات التنافسية لأسعار العملات التي أسهمت في حدوث الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.
الآن تحول الصندوق إلى مؤسسة لتمويل التنمية تضم في عضويتها 190 دولة، وتبلغ محفظة الصندوق الحالية 112 مليار دولار موزعة على 90 دولة.
ويستهدف الصندوق دعم السياسات الاقتصادية التي تعزز الاستقرار المالي والتعاون النقدي، وهي أمور ضرورية لزيادة الإنتاجية، وخلق فرص العمل، والرفاهية الاقتصادية.
تغيرات متسارعة
لكن العالم تغير بشكل ملحوظ منذ تأسيس الصندوق قبل 80 عامًا، فهناك العديد من التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجه الاقتصاد العالمي، من الصراعات الجيوسياسية، وظاهرة الاحتباس الحراري إلى التحولات الديموغرافية والتكنولوجية والديون وتفاقم معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
وفي العدد الأخير لمجلة التمويل والتنمية الصادرة عن الصندوق، دارت نقاشات مثمرة وبناءة حول ما ينبغي للصندوق القيام به للتكيف مع الواقع الجديد، والاحتياجات المتغيرة لأعضائه.
وركزت بعض الآراء الواردة على ضرورة إصلاح أنظمة الصندوق الخاصة بأدوات الإقراض، وإصدار حقوق السحب الخاصة، ومعالجة ضائقة الديون، ونظم الحوكمة.
حقوق السحب الخاصة
يظل إصدار حقوق السحب الخاصة في الصندوق أداة حيوية لإدارة الأزمات. ومع ذلك، فإن المخصصات الأخيرة تسلط الضوء على الحاجة إلى الإصلاح، حيث تحصل البلدان منخفضة الدخل، التي هي في أمس الحاجة إلى شبكة أمان مالي، على نسبة ضئيلة تبلغ 2.4% من مخصصات عام 2021. ولم تحصل القارة الإفريقية بأكملها إلا على 5.2 %. وفي المقابل، حصلت الاقتصادات المتقدمة، التي لا تحتاج إلى دعم مالي، على 64%.
وتعهدت الدول الأكثر ثراءً بإعادة توجيه 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لدعم البلدان النامية والفقيرة. وفي حين أدت هذه التعهدات إلى زيادة قدرة صندوق النقد الدولي وتوفير التمويل الأولي لقوات الدعم السريع، فإن بطء نشر هذه الأموال يسلط الضوء على أوجه القصور في الممارسات الحالية.
أزمة الديون
يواجه العالم النامي أزمة ديون تذكرنا بالظروف التي أدت إلى مبادرة صندوق النقد والبنك الدوليين بشأن البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في منتصف التسعينيات. ويؤكد أحدث تقرير عن الديون العالمية أصدره البنك الدولي هذه التكهنات، حيث أفاد بأن حالات التخلف عن سداد الديون السيادية في عشر دول في الأعوام الثلاثة الماضية تجاوزت إجماليها على مدى العقدين السابقين.
علاوة على ذلك، ارتفع عدد الاقتصادات الناشئة التي تعاني من فروق عوائد السندات في منطقة الضائقة (1000 نقطة أساس أو أكثر مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية المماثلة) بمقدار عشرة أضعاف، من 2 إلى 20 منذ عام 2020. ومع تفاقم تحديات خدمة الديون المرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، هناك تحديات أخرى. وبالتالي فإن الحاجة ملحة إلى برامج شاملة لإعادة تمويل الديون، على غرار استجابة خطة برادي لأزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات، لتوفير الإغاثة ودعم التنمية المستدامة.
أنظمة الحصص
تتطلب التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلدان حاليًا، مثل الكوارث والأوبئة الناجمة عن المناخ، إعادة معايرة الأدوات المالية من أجل معالجة هذه الأزمات بشكل أكثر مرونة.
ويشكل هذا تحديًا أمام البلدان المعرضة للمخاطر المناخية والتي تتمتع بإدارة اقتصادية سليمة والتي قد ترغب في الوصول إلى المرفق لبناء القدرة على الصمود.
وبالتالي فإن هناك ضرورة لفصل الإقراض عن أنظمة الحصص داخل الصندوق، فسياسة الوصول الاستثنائي الحالية ليست مقيدة فحسب، بل تفرض أيضًا رسومًا إضافية.
إصلاحات الحوكمة
تخلفت الحوكمة الاقتصادية العالمية عن الصعود الاقتصادي للجنوب العالمي والتحولات الجيوسياسية الأخرى. إن حقوق التصويت الحالية في المؤسسات المالية الدولية لا تعكس الحقائق الاقتصادية والديموغرافية حاليًا، خاصة المساهمات الكبيرة التي يقدمها الجنوب العالمي، الذي يمثل بالفعل نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي و80% من سكان العالم. تشير مبادئ حوكمة الشركات إلى الحاجة إلى تمثيل أكثر إنصافًا واستقلالية في عمليات صنع القرار.
فرص ومخاطر
بطبيعة الحال، يختلف الاقتصاد العالمي تمام الاختلاف عن اقتصاد عام 1944. وهذا يفرض مخاطر وفرصًا مختلفة تمامًا على مدى السنوات الثمانين المقبلة. وتعتمد أهمية صندوق النقد الدولي في المستقبل على قدرته على التكيف مع هذه التحديات الناشئة والإصغاء إلى احتياجات أعضائه على مستوى العالم. إن الطريق إلى الأمام ينطوي على إصلاحات كبيرة، وبتنفيذها سيظل الصندوق حجر الزاوية في الاستقرار العالمي لأجيال قادمة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الأمر يحتاج إلى قدر أكبر من التعاون الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية، بدلًا من التشرذم، والصراع، والحمائية والحروب الاقتصادية، التي غالبًا ما تكون محصلتها صفرًا، وتترك العالم أكثر فقرًا وأقل أمنًا.
المصدر: بوابة الأهرام
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر