صراع القرن بين الإعلام والشبكات الاجتماعية | مركز سمت للدراسات

صراع القرن بين الإعلام والشبكات الاجتماعية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 30 أغسطس 2023

ROGER COCHETTI
ظهرت صراعات بين وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مرحلة مبكرة من ظهور شبكات الإنترنت مثل AOL و .Prodigyونشأت هذه الصراعات بسبب المنافسة بين وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحافة المطبوعة والإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك نتيجة للتنافس على استقطاب المعلنين. بالإضافة إلى ذلك، يعود الصراع أيضًا إلى حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر للمستخدمين إمكانية الوصول إلى المحتوى الإعلامي بسهولة من خلال النقر على الروابط.

وتصاعد هذا الصراع على مدار السنوات الماضية، ووصل إلى ذروته في الصراع الدائر بين “جوجل” و”ميتا” من جهة، ووسائل الإعلام الكندية من جهة أخرى.

وفي غضون العقد الماضي، توصل العديد من المعلنين تدريجيًا إلى أن الإعلان عبر منصات الإنترنت الكبيرة كان أكثر فاعلية من الإعلان مباشرة في وسائل الإعلام المحددة. ويرجع ذلك أساسًا إلى أن هذه المنصات يمكنها تحديد المستهلك وتوجيه الإعلانات إلى المستهلكين ذوي الإمكانات الأكبر. وحدث هذا التحول خلال الفترة التي تفوق فيها خدمات الإعلانات المبوبة عبر الإنترنت على خدمات الإعلانات المبوبة للصحافة المطبوعة؛ مما وضع ضغطًا ماليًا إضافيًا على وسائل الإعلام التي تعتمد على الإعلانات.

وكانت نتيجة تلك الصراعات اعتماد العديد من شركات الإعلام على إيرادات الاشتراكات بشكل أكبر، بالإضافة إلى اهتمام أكبر بالتحكم في النفقات وتوحيدها. وانتقلت بعض وسائل الإعلام إلى نماذج غير ربحية، وسعى بعضها للحصول على دعم حكومي.

من وجهة نظري، وسائل الإعلام تعمل على محتوى وقيمة بتكلفة كبيرة؛ وهذا المحتوى يلبي احتياجات المستهلكين ويعود عليهم بالفائدة. كما أن المجتمع يستفيد من المحتوى الذي تنتجه وسائل الإعلام. من جهة أخرى، تروج المنصات الرقمية وشبكات الإنترنت لهذا المحتوى وتوفر وسائل للوصول إليه، ولكنها لا تقوم بإنتاجه بنفسها، بل تعمل كقنوات لنشره.

ليس من المستغرب أن يكون بين العامة في وسائل الإعلام الشعور بأن منصات الإنترنت تدين بالكثير من نجاحها المالي إلى المحتوى الذي تنتجه وسائل الإعلام، وأنه من الإنصاف أن يتم تقاسم نجاح المنصات المالية.

تغيرت وجهة نظر الناس تجاه العلاقة بين منصات الإنترنت ووسائل الإعلام بشكل كبير. فالمستخدمون يعتمدون بشكل كبير على هذه المنصات للحصول على مجموعة واسعة جدًا من المحتوى. ويتضح أن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة وسائل الإعلام، هو جزء محدود منه.

وبالتالي، تقوم منصات الإنترنت بتكلفة كبيرة، بإنشاء وتشغيل مرافق معقدة، تُقدم في بعض الأحيان إلى مستهلكي المحتوى الإعلامي، الذين ربَّما لم يستخدموا محتوى هذه الوسيلة قطُّ. ويمكن لأي مستخدم يرغب في الاشتراك في محتوى وسائل الإعلام القيام بذلك. ويعتقد عدد قليل من المديرين التنفيذيين للمنصات أن المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة وسائل الإعلام عنصر أساسي لأعمالهم.

من المألوف أن يتعارض وجهتا نظر متنافستان حول العدالة والفوائد الاجتماعية عندما يسعى أحد الأطراف إلى الحصول على دعم حكومي. ولذلك، خلال السنوات الأخيرة، سعت منظمات الإعلام في مختلف أنحاء العالم إلى تأمين دعم حكومي للوصول إلى منصات الإنترنت ومشاركة نجاحاتها المالية. وبالإضافة إلى ذلك، خارج الولايات المتحدة، يدرك عدد قليل من المسؤولين حقيقة أن وسائل الإعلام تميل إلى أن تكون محلية في كل بلد، بينما تميل أكبر منصات الإنترنت إلى أن تكون ذات طابع أميركي.

ربَّما تم تنفيذ المبادرة الرئيسية الأولى في أوروبا، إذ أقر الاتحاد الأوروبي مجموعة من اللوائح في عام 2019، تتطلب من المنصات الإنترنت الكبرى الدخول في ترتيبات لمشاركة الإيرادات مع وسائل الإعلام التي تشير إليها تلك المنصات.
في عام 2021، أقرت أستراليا قانونها الخاص الذي يتطلب من منصات الإنترنت الكبيرة التفاوض بشأن ترتيبات مشاركة الإيرادات مع وسائل الإعلام الرئيسية في أستراليا التي تشير إليها المنصات. وأثناء تطوير الشروط النهائية لقانون أستراليا للتفاوض بشأن وسائل الإعلام، تم لفت الانتباه إلى معارضة Facebook الشديدة للشروط المقترحة، وحظر جميع روابط الصحافة على Facebook مؤقتًا من أستراليا.

من المهم أن يلاحظ الخبراء القانونيون أن كلاً من لوائح مشاركة الإيرادات في الاتحاد الأوروبي وأستراليا، تترك المرونة في اختيار كل من المنصات المؤهلة ووسائل الإعلام؛ وكلاهما يعتمد بشكل أساسي على المفاوضات الخاصة بين الأطراف لحل أي ترتيبات مالية. ونتيجة لذلك، تم التفاوض على ترتيبات مشاركة الإيرادات في العديد من البلدان الأوروبية وأستراليا، على الرغم من الكشف عن القليل من التفاصيل. ويجري النظر في قوانين مماثلة في العديد من البلدان الأخرى. وقد نشبت صراعات في فرنسا بشأن مشاركة أرباح المنصات من قبل Google، ومؤخرًا Twitter.

تشهد كندا حاليًا تداعيات قانون الأخبار عبر الإنترنت الذي تم إقراره في يونيو. ويتطلب هذا القانون من المنصات الإنترنت الكبيرة التوصل إلى اتفاقيات مشاركة الإيرادات مع وسائل الإعلام الكندية المؤهلة بحلول عام 2024، شريطة الحصول على الموافقة من السلطات التنظيمية الكندية. وقد أعرب كل من Google وMeta/Facebook عن رأيهما بأن القانون غير عادل ولا يمكن تطبيقه. وعلى إثر ذلك، أعلنت الشركتان أنهما ستتوقفان عن توفير الوصول إلى محتوى وسائل الإعلام الكندية.

ردًا على ذلك، أعلنت الحكومة الكندية أنها ستفرض القانون بالكامل وفقًا للموافقة التي تم الحصول عليها، وستتوقف عن الإعلان الخاص بها على Facebook/Meta (وربما Google في المستقبل). كما حث بعض السياسيين الكنديين على استخدام منصات الإنترنت الأخرى، ومقاطعة منصات الإنترنت المعارضة.

باستثناء الإجراءات القضائية التي تتم في إطار منظم، فإن هذا الصراع يشبه المواجهة المفتوحة التي شهدناها بين منصات الإنترنت الرئيسية والحكومات في البلدان الغربية. يترك هذا الصراع الجميع في حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. كلا الجانبين كانا علنيين للغاية، ويبدو أن كلاً منهما يعتقد أن الرهانات مرتفعة، وهذا يقلل من فرص التفاوض الهادئ.

إغلاق هذه الفجوة سيكون أمرًا صعبًا. يتعرض العديد من وسائل الإعلام، ولا سيما الصحف المحلية والمنظمات الإعلامية الصغيرة، لضغوط مالية كبيرة. ويعتبر البعض أن ترتيبات مشاركة الإيرادات الموثوق بها، التي لا يمكن التخلي عنها، تمثل شريان حياة محتمل لهذه المؤسسات.

وتعتبر البدائل مثل التمويل الحكومي على نطاق واسع، من الأمور التي قد تفتح الباب أمام السيطرة الحكومية، والتحول إلى نموذج غير ربحي الذي يطرح أسئلة دون إجابة. ويخشى الكثير من قادة منصات الإنترنت أن السيطرة الحكومية التفصيلية على مشاركة الإيرادات مع وسائل الإعلام ليست مجرد خطوة نحو تنظيم الأسعار، بل إنها ستفتح الباب على الفور أمام مجموعة واسعة من مقدمي المحتوى والبنية التحتية غير الإعلامية، الذين سيطالبون بنفس الطريقة بأن العدالة والفوائد الاجتماعية تتطلب مشاركة الإيرادات معهم. من المحتمل أن تكون المفاوضات الهادئة هي أفضل حل لكل الأطراف.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: The Hill

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر