حلول تعتمد على الفضاء للاقتصاد الأزرق | مركز سمت للدراسات

حلول تعتمد على الفضاء للاقتصاد الأزرق

التاريخ والوقت : الخميس, 23 مارس 2023

تغطي المحيطات 71% من سطح الأرض، وتوفر العديد من الفوائد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. إنها تنظم مناخ الأرض، وهي مصدر حيوي للغذاء، كما أنها جزءٌ أساسي من الاقتصادات الوطنية. ووفقًا لأحدث تقرير حول الاقتصاد الأزرق، فإن القطاعات التقليدية للاقتصاد الأزرق توفر 4.5 مليون فرصة عمل مباشرة وتولد أكثر من 650 مليار يورو من العائدات. وتتمتع المحيطات بمجموعة واسعة من التأثيرات الإيجابية على البيئة، مثل توليد الأكسجين وامتصاص الغازات الدفيئة.

ومع ذلك، فقد هدد النشاط البشري قدرة المحيطات على مواصلة تقديم هذه المزايا. إذ تتعرض البيئات البحرية للخطر بسبب أنشطة مثل: التنقيب عن النفط والتعدين في أعماق البحار، وطاقة الرياح البحرية، والجسور، والشحن، والصيد الجائر، وتغير المناخ. كما تسهم مدخلات الهواء من المغذيات والمواد الثابتة في تحمض المحيطات.

وتدرك المفوضية الأوروبية هذه التحديات، إذ أدرجت حماية المحيطات كأولوية رئيسية في “الاتفاق الأخضر” Green deal، وهي حزمة سياسات تهدف إلى تحويل اقتصاد الكتلة إلى اقتصاد حديث وفعال من حيث الموارد، وتنافسي وخالٍ من الكربون. وتؤدي بيانات وخدمات الهيئات الفضائية دورًا حاسمًا في مراقبة النظم البيئية البحرية، وإخبار صانعي السياسات، ودعم تطوير الاقتصاد الأزرق المستدام في الاتحاد الأوروبي.

دور الاقتصاد الأزرق في التحول الأخضر

ارتفعت درجات الحرارة العالمية بنحو 1.1 درجة مئوية فيما بين عام 1901 وعام 2020. فقد بدأ إدراك هذه الزيادة في درجة الحرارة كمؤشر واضح على تسارع تغير المناخ. وفي محاولة للتخفيف من هذه الآثار، فقد اجتمع المجتمع الدولي في باريس في عام 2015 وصاغ معاهدة للحفاظ على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بأقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة. وللمتابعة، فقد تم اعتماد “الاتفاق الأخضر” لاحقًا.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى الحفاظ على المحيط واستخدامه المستدام على أنهما ضروريان لتحقيق أهداف الصفقة الخضراء، لأنها تمثل موردًا رئيسيًا يمكن أن يساهم في الوقت نفسه في الاقتصاد ومكافحة تغير المناخ. لذلك، فقد طور الاتحاد الأوروبي استراتيجية لاقتصاد أزرق مستدام في أوروبا. تركز هذه الاستراتيجية على العمل المناخي والاستخدام المستدام لموارد المحيطات من ناحية، والنمو الأزرق والاقتصاد الدائري من ناحية أخرى. وتوضح أن الاستدامة والنمو يمكن أن يكونا متوافقين.

ووفقًا لـ”فرانس تيمرمانز”، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فإن “المحيطات الصحية شرط مسبق لاقتصاد أزرق مزدهر. فالتلوث والصيد الجائر بجانب آثار أزمة المناخ، كلها تهدد التنوع البيولوجي البحري الغني الذي يعتمد عليه الاقتصاد الأزرق. لذا، يتعين تغيير المسار وتطوير الاقتصاد الأزرق المستدام بحيث تسير حماية البيئة والأنشطة الاقتصادية جنبًا إلى جنب”. وتدعو مثل هذه البيانات إلى اتباع نهج متكامل، مع مراعاة الطبيعة المعقدة للمحيطات وموارده واستخداماته، فضلاً عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للاقتصاد الأزرق.

كيف يمكن أن يصبح الاقتصاد الأزرق أكثر خضرة؟

يتطلب الانتقال إلى الاقتصاد الأزرق المستدام الاستثمار في التقنيات المبتكرة. ففي حين أن الأدوات المتقدمة ضرورية لدعم نهج “التدريب العملي” لإدارة وتخفيف تأثير تغير المناخ على محيطات العالم، فإنه بالإمكان استخدام تكنولوجيات الاستشعار عن بعد لرصد حالة المحيطات، والاستخدام المستدام لمواردها، ومعالجة آثار تغير المناخ. فقد تم بالفعل الاستفادة من بيانات وصور الأقمار الصناعية التي تم الحصول عليها لرصد المعايير الرئيسية المحددة في استراتيجية الاقتصاد الأزرق المستدام.

لقد تمت الاستعانة بأجهزة استشعار مختلفة يمكنها قياس جوانب مختلفة من المحيط، مثل: درجة حرارة سطح البحر، ومستوى سطح البحر، ولون المحيط، والجليد البحري. وبعد ذلك تتم معالجة البيانات وتحليلها بواسطة هيئة الخدمات البحرية “كوبرنيكوس” لإنشاء مجموعة متنوعة من المنتجات المتعلقة بالمحيطات، مثل: درجة حرارة سطح البحر، أو الخرائط، والتنبؤات الحالية، وخرائط مستوى سطح البحر، وألوان المحيطات. وبالإضافة إلى بيانات الأقمار الصناعية، فإن “كوبرنيكوس” تستوعب البيانات الخاصة بالعوامات والسفن وأنظمة المراقبة الأخرى، التي يتم استيعابها في النماذج الحسابية، بجانب بيانات الأقمار الصناعية، للحصول على التنبؤات وإعادة التحليل، من أجل فهم أشمل للمحيطات.

كوبرنيكوستراقب الدوافع الأساسية للاقتصاد الأزرق (الاقتصاد الدائري ومنع النفايات)

كل عام، يتم إلقاء حوالي 27 ألف طن من البلاستيك الكلي (معظمها من البلاستيك أحادي الاستخدام، ومعدات الصيد المفقودة أو المهملة، والنفايات التي تفرغها السفن) في البحار الأوروبية. ولا يشكل التلوث الناجم عن التخلص من البلاستيك خطرًا على صحة الإنسان والنظم الإيكولوجية البحرية فحسب، بل يتسبب في تداعيات آثار اقتصادية ضارة على المجتمعات الساحلية. إذ يعتمد الاقتصاد الأزرق المستدام على التعهد بمكافحة التلوث وتعزيز حلول إعادة التدوير. وتساهم مثل هذه الجهود في تقليل الفاقد والحفاظ على الموارد في الاقتصاد الدائري، والذي بدوره يمكن أن يقلل من البصمة البيئية للاتحاد الأوروبي.

وتساعد خدمة “كوبرنيكوس” البحرية في مراقبة النفايات البلاستيكية من خلال توفير مجموعة واسعة من البيانات والمعلومات حول توزيع وحركة المخلفات والقمامة البحرية، وخاصة النفايات البلاستيكية، في المحيط. فعلى سبيل المثال، يتم دمج بيانات القمر الصناعي الخاصة مع الملاحظات الميدانية للتنبؤ بالمخلفات البحرية وتتبعها مثل الحطام البلاستيكي. كما يتم استخدام هذه المعلومات لتصميم الخرائط والتنبؤ بالمنتجات التي يمكن استخدامها لتحديد المناطق التي تتركز فيها القمامة البحرية. ذلك أن أداة تحليل وتوقع الفيزياء الخاصة بالبحر الأبيض المتوسط، وهي النماذج الخاصة بالموجات الهيدروديناميكية لسطح البحر التي وفرها نموذج “كوبرنيكوس” للخدمات البحرية في البحر الأبيض المتوسط خلال 2013-2017؛ تمكنت من تحديد السواحل ذات التدفقات البلاستيكية التي تشمل حوض “قيليقية الفرعي” (تركيا)، والبحر الكتالوني (إسبانيا)، ومنطقة دلتا نهر بو (إيطاليا).

علاوة على ذلك، يمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد مصادر الحطام البحري، وفهم آثاره على المحيط، ودعم تطوير خطط إدارة الحطام البحري. إذ يمكن أن تتضمن هذه الخطط استراتيجيات لتقليل كمية الحطام البحري الذي يدخل المحيط، مثل تقليل استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وزيادة جمع وإعادة تدوير الحطام البحري.

التنوع البيولوجي والاستثمار في الطبيعة

يعتبر الحفاظ على التنوع البيولوجي وحمايته في غاية الأهمية بالنسبة للنشاط الاقتصادي البحري، فهما حيويان لمصايد الأسماك والسياحة. ووفقًا للقائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي للحفظ على الطبيعة(IUCN) ، فإن نحو 33% من الشعاب المرجانية وأكثر من ثلث الثدييات البحرية مهددة بالانقراض. وفي محاولة لمواجهة ذلك، فقد نشر الاتحاد الأوروبي استراتيجيته للتنوع البيولوجي لعام 2030، والتي توسع الحماية لتشمل 30% من منطقة البحر في الاتحاد وذلك بهدف تقليل فقدان التنوع البيولوجي، والمساهمة في التخفيف من حدة المناخ (عزل الكربون) والقدرة على الصمود، وفي نفس الوقت تنطوي على فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة.

وتكمن إحدى الطرق التي تساعد على التنوع البيولوجي في توفير معلومات عن المناطق البحرية المحمية. إذ يمكن استخدام بيانات ومعلومات الخدمة لدعم إدارة المحميات البحرية من خلال توفير معلومات حول التوزيع والصحة ووفرة الأنواع البحرية، فضلاً عن تأثيرات الأنشطة البشرية على هذه المناطق. ويوفر النموذج التنبئي نقطة الوصول إلى البيانات الخاصة بقاع البحر للجهات الفاعلة التي تقيم حالة النظم وأحواض البحر في البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، وبحر البلطيق، ومناطق شمال شرق المحيط الأطلسي الممتدة من جزر الكناري في الجنوب إلى النرويج في الشمال.

ويمكن لخدمات “كوبرنيكوس” توفير معلومات عن التيارات البحرية، والمد والجزر، ودرجة حرارة المياه، والمعايير الجيوفيزيائية الحيوية (مثل العوالق والكلوروفيل وتكاثر الطحالب غيرها)، لدعم الحفاظ على الأنواع البحرية، مثل السلاحف البحرية والثدييات البحرية، من خلال فهم اتجاهات وأنماط هجرتها. ثم يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتحديد الاحتياجات الرئيسية لهذه الأنواع وتطوير استراتيجيات الحفاظ عليها. كما يمكن الاستفادة من هذه المنتجات من قبل الدول الأعضاء المطلوبة لتطوير استراتيجيات لمياهها البحرية للتركيز على حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها واستعادتها بموجب الاستراتيجية البحرية.

المرونة الساحلية

يعيش أكثر من 200 مليون مواطن في المناطق الساحلية أو في إحدى جزر أوروبا العديدة. وتشهد هذه المجتمعات بالفعل عواقب ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ارتفاع درجة حرارة المناخ. وقد قُدِّر الإنفاق العام للاتحاد الأوروبي على حماية السواحل من مخاطر التعرية والفيضانات بأكثر من 5 مليارات يورو سنويًا للفترة 1990-2020. وستساعد مراقبة المناطق الساحلية في التخفيف من آثار تغير المناخ وتحفيز الاقتصاد الأزرق.

ويمكن لخدمة “كوبرنيكوس البحرية” أن تدعم قطاع السياحة من خلال توفير مجموعة واسعة من البيانات والمعلومات عن المحيطات والمناطق الساحلية. ويمكن استخدام منتجات البيانات والمعلومات الخاصة بالخدمة لقياس مختلف المعلمات ذات الصلة بالمحيطات والمناطق الساحلية، مثل: التيارات: ومستوى سطح البحر، ولون المحيط، ودرجة حرارة السطح. إذ تعمل على حل شامل لمراقبة المنطقة الساحلية بما يعالج المواقف المعقدة والديناميكية الموجودة في البيئات البحرية الساحلية. ففي عام 2019، أطلقت خدمة مراقبة الأراضي في “كوبرنيكوس” (CLMS) “عملية النقاط الساخنة” لمراقبة ديناميكيات المناظر الطبيعية في المناطق الساحلية. وتشمل التحديات والقضايا البيئية التي تم تخطيطها، عناصر مثل: المنحدرات الساحلية، والمستنقعات الداخلية، والمياه الساحلية. وكما هو الحال بالنسبة لمنتجات النقاط الفعالة، توفر آلية “المناطق الساحلية” معلومات عن التغيير والحالة كل ست سنوات.

نظم الغذاء المسؤولة عن دعم قطاع الصيد وتربية الأحياء المائية

إن الاستخدام الأكثر كفاءة للموارد البحرية سيسهم في مكافحة تغير المناخ وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية لإنتاج الغذاء. إذ تعتبر صناعة صيد الأسماك من القطاعات الرئيسية المسؤولة عن انبعاثات الكربون والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي. ونظرًا لإدراكه التام للمشكلات الحالية، فقد نشر الاتحاد الأوروبي استراتيجيته “من المزرعة إلى الشوكة”، والتي يتحرك نهجها من خلال العديد من جوانب الاقتصاد الأزرق.

ويمكن استخدام البيانات والمعلومات التي تقدمها “خدمة كوبرنيكوس البحرية” لتقييم حالة الأرصدة السمكية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للإدارة المسؤولة. ومن خلال توفير المعلومات حول توزيع ووفرة التجمعات السمكية، يمكن لهذه الخدمة المساعدة في ضمان استدامة الصيد وعدم الإفراط في استغلال الأرصدة السمكية. فعلى سبيل المثال، من الممكن مراقبة أنظمة توزيع الأسماك ومساعدة الصيادين في تحديد موقع أقرب مناطق الصيد القانونية من خلال الاستفادة من البيانات “الأوقيانوغرافية” (أي علم المحيطات)، بما في ذلك نماذج المحيطات الخاصة بـ”خدمة كوبرنيكوس البحرية”. علاوة على ذلك، فإن الجمع بين بيانات الأقمار الصناعية من “كوبرنيكوس” والبيانات متعددة المهام مع البيانات الخاصة بتحديد مواقع السفن والبيانات التنظيمية وبيانات الصيد الفعلية؛ يساعد على تحديد أنشطة الصيد غير القانونية وغير المنظمة بشكل كبير.

ويمكن استخدام بيانات ومعلومات الخدمة لرسم خرائط لتوزيع وخصائص الموائل البحرية، التي تعتبر مهمة لمجموعات الأسماك والأنواع البحرية الأخرى. ثم يمكن بعد ذلك الاستفادة من هذه المعلومات لتحديد المناطق ذات الأهمية الخاصة لحفظ التنوع البيولوجي ووضع استراتيجيات لحمايتها. أخيرًا، يمكن تقييم مدى ملاءمة مواقع الاستزراع المائي باستخدام البيانات التي توفرها الخدمة حول درجة حرارة المياه وجودتها، وكذلك التيارات البحرية.

العمل مع الطبيعة لحماية كوكبنا وصحتنا وسبل عيشنا

تعد البحار والمحيطات والبيئة مصدرًا للثروة الطبيعية والاقتصادية لأوروبا، وبالتالي يجب الحفاظ عليها وحمايتها لضمان استمرارها في دعمنا في المستقبل. وبفضل البيانات المناسبة والمجانية والمفتوحة، يمكن مراقبة حالة البيئة البحرية والتغيرات فيها. فمن منع النفايات إلى حماية التنوع البيولوجي، وضمان المرونة الساحلية والمساعدة في تنفيذ أنظمة غذائية مسؤولة؛ تدعم “خدمة كوبرنيكوس” الانتقال نحو اقتصاد دائري في القطاعين البحري والبحري ويعزز الاقتصاد الأزرق، بما يتوافق مع طموحات الاتفاق الأخضر للاتحاد الأوروبي.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Copernicus

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر