هل سيختلط الحابل بالنابل في الإبداع، جرّاء اجتياح الذكاء الاصطناعي كلَّ خاص وكلَّ عامّ؟ من نكد الدنيا ألا يكون الإبداع في مأمن. إنما الخوف على النشء الجديد، فالتيّار جارف، وهو غير عارف بعواقب المغريات.
المنطلق السليم هو أن الإبداع بغير علم ومعرفة وخبرة في التجربة والمراس، عبثٌ وضياعٌ وتهلكة. عبثٌ لأنه من غير الممكن إنجاز عمل إبداعي من دون مقوّمات علمية وجماليّة، نظريةٍ وتطبيقية. المفكر الفرنسي أندريه مالرو يقول: “الفن هو ما يجعل من الشكل أسلوباً”. يستطيع أيّ كان أن يجمع فعلاً إلى فاعل إلى مفعول، أمّا أن تتألق تلك الجملة في متحف مجوهرات الأدب العالمي، فتلك مسألة أخرى. ضياعٌ، لأن إبداع رائعة تاريخية مثل السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، يحتاج إلى خريطة طريق، فالعملية الإبداعية تتطلب طُبّوغرافيا خاصة، علم رسم التضاريس والمعالم الجغرافية. تهلكةٌ، لأن الشخص الذي لا دراية له بالهندسة العِماريّة، يمكن أن يقتل المئات من الأبرياء، إذا بنى لهم برجاً لا يتقيّد فيه بضوابط فيزياء البناء وجماليات فنّ العمارة. العالم العربي إلى اليوم لا يعي الانهيارات التي تحدثها الفنون الهابطة.
الآن، ما الذي نخشاه على الجيل الصاعد؟ هذه قضية مقلقة يجب بحثها ودراستها في محيطي الأسرة والمناهج. الذكاء الاصطناعي ذو حدّين متناقضين، أحدهما إيجابي جدّاً، والآخر سلبيّ بلا حدود. لقد صار يقدّم خدمات قيّمةً لا تحصى محاسنها، وهنا الأخطار المحدقة. يلخّص الكتب والمقالات، يترجم من وإلى أكثر من مئة لغة، يحرّر لك ما شئت في كل فروع العلوم والمعارف، وللناس فيه مآرب أخرى عدد النحم والحصى والتراب. سيقول الطالب في نفسه: ما الذي يُحوجني إلى سيبويه والفرّاء والزجّاجي، إذا كانت بهيمة الآلات تريحني من ثرثرة أخوات كان وإنّ؟ وما أغناني عن الأساليب الصعبة الكأداء، من المعري والحريري إلى الرافعي والمسعدي، والسهلة الممتنعة، من عبدالحميد الكاتب إلى أحمد أمين. ولماذا أتعلم الرسم إذا كان يرسم لي بستة عشر مليون لون، ثم يحوّل الرسوم إلى أشرطة فيديو إن شئت، بمؤثرات صوتية كما أهوى؟ ولماذا أدرس الموسيقى إذا كان يؤلف لي كلمات ويلحّنها؟ في نهاية المطاف، لن تكون أسوأ من جلّ ما تبتلينا به شركات الإنتاج؟ هل ستسلّم الأجيال مفاتيح الإبداع والإحساس بالجمال للذكاء الاصطناعي؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: هل ستأخذ هذا الأمر الجلل على أنه مجرّد دردشة إعلامية؟
المصدر: الخليج