السيد صدقي عابدين
عقب وقوع زلزال شبه جزيرة نوتو بمحافظة إيشيكاوا في الأول من يناير من العام 2024 وما تلاه من تحذيرات بخصوص احتمالات وجود موجات مد مائي عاتية “تسونامي”، كانت التعليمات الصادرة من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا واضحة ومحددة في ثلاث نقاط: أولها يرتبط بالمعلومات التي يجب أن تكون متاحة. وثانيها يتصل بعملية التقييم التي يجب أن تتم. وثالثها يتعلق بطبيعة العمل الذي يجب أن ينجز والمبادئ التي يجب أن يقوم عليها للتعامل مع الكارثة.
اليابان كثيراً ما تتعرض للكوارث الطبيعية وخاصة الزلازل التي باتت حدثاً شبه يومي. هذه الزلازل بعضها يكون قوته كبيرة. وقد يتسبب في موجات مدى بحري كما حدث في الزلزال الأخير، وكما حدث في زلزال توهوكو الكبير في الحادي عشر من مارس 2011.
هذه الكثافة في الزلازل وتلك الشدة في بعضها وهذا العنف في موجات المد البحري خلقت في المجتمع الياباني ما يمكن تسميته بثقافة التعامل مع الكوارث الطبيعية، خاصة وأن الأمر لا يقف عند هذه النوعية من الكوارث، حيث توجد كوارث أخرى مرتبطة بالمناخ أيضاً. وقد أدى ذلك إلى أهمية التخطيط المسبق للتعامل مع هذه الكوارث من أجل تخفيض آثارها السلبية سواء على الناس أو على البنية الأساسية والمنشآت بما فيها المنشآت ذات الخطورة العالية وعلى رأسها المفاعلات النووية. لا شك أن هذه التجارب اليابانية المتراكمة كان لها صداها على الصعيد الدولي أيضاً.
خصوصيات الحالة اليابانية
إذا كان زلزال الأول من يناير 2024 قد بلغ 7,6 درجة على مقياس ريختر، فإن زلزال الحادي عشر من مارس 2011 تجاوزت شدته تسع درجات، وهو واحد من أشد الزلازل في العالم، وربما أشدها في اليابان منذ البدء في تسجيل ورصد الزلازل وتحديد درجات قوتها. وفي نفس يوم وقوع الزلزال الأحدث فقد سجلت هيئة الأرصاد الجوية في اليابان 125 زلزال، حيث استهل اليوم بزلزال بقوة 3.5 درجة ثم 5.7 درجة ثم 6.1 درجة ثم 7.6 درجة على مقياس ريختر. وقد أعقب الزلزال الأخير حوالي 600 هزة أرضية في نفس المنطقة حتى صباح اليوم الرابع من وقوع الزلزال. وما زالت هناك تحذيرات من إمكانية حدوث زلازل قوية فيها قد تصل إلى نفس درجة زلزال الأول من يناير. وحتى يوم السابع من يناير وصل عدد القتلى إلى 126 كما أن هناك ما يزيد على 200 شخص مفقود، ونزح حوالي 30 ألف شخص. وهناك دراسات تقول بأن الزلزال قد أدى إلى تمدد خط الساحل باتجاه البحر بمقدار 175 متراً.
معظم الضحايا في العام 2011 ذهبوا جراء موجات المد البحري، وليس بسبب الانهيارات التي خلفها الزلزال. كما أن عمليات الإجلاء في معظمها كانت راجعة إلى الشق النووي للكارثة، عندما تأثرت محطة فوكوشيما النووية، ومرة أخرى كان ذلك جراء المد البحري وليس الزلزال. أي أن محطات الطاقة النووية مصممة لكي تتحمل هذه الزلازل القوية، خاصة وأن اليابان واحدة من أكثر دول العالم توجد بها مفاعلات نووية. الأمر لا يرتبط فقط بتلك المنشآت ذات الخطورة العالية من حيث الاشتراطات والمعايير الصارمة حتى تكون قادرة على تحمل الزلازل والهزات الأرضية وإنما ينسحب على كل المنشآت بما فيها السكنية. وهذا مما يساعد كثيراً في تقليل الخسائر البشرية، وكذلك المادية أيضاً. وقد تطورت معايير البناء المتوائمة مع الزلازل عبر عقود في اليابان إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
المسألة ليست في قواعد واشتراطات على الورق، وإنما التزام بها عند التنفيذ، وتعقب لمن يخالف ابتداء وليس بعد وقوع الكارثة. الأمر ليس فقط عند مقاولي البناء ومكاتب التصميم ومهندسي البلديات والأحياء، وإنما باتت هناك في المجتمع ممارسات وتدريبات. فالأطفال الصغار في الحضانات، والتلاميذ في المدارس، والطلبة في الجامعات يتدربون على كيفية التصرف في حال وقوع زلازل وهزات. وفي المناهج الدراسية يتعلمون تلك الثقافة التي تمتد لكل القطاعات ذات الصلة، والتي لا تكف عن التدريب والتوعية، وصولاً إلى المستوى الحكومي العام، حيث يتم إجراء تدريب خاص بإدارة الكارثة يشارك فيه كل أعضاء مجلس الوزراء، بما في ذلك رئيس الوزراء. ومن التدريبات التي أجريت على هذا المستوى ذلك التدريب الذي أجري في الأول من سبتمبر من العام 2022 بمشاركة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا. إذ تم التدريب على سيناريو وقوع زلزال بقوة 9,1 على مقياس ريختر. إذ توجه رئيس الوزراء إلى مكتبه وعقد اجتماعاً طارئاً، وبعدها عقد مؤتمراً صحفياً لشرح الموقف العام للزلزال المفترض، وكيفية استجابة الحكومة، ووجه كلمة للشعب. وعبر طائرة هيلوكوبتر شاهد عمليات الإنقاذ المفترضة، وبداية وصول المساعدات، وتابع أنشطة المتطوعين، وكذلك إنشاء مراكز الإيواء، وتدريبات رجال الإطفاء وغيرها من الأمور. إذن فالمحاكاة كاملة وتتضمن ليس فقط الوزراء، وإنما الخبراء المعنيين، والحكومات المحلية في المنطقة المفترض أن الزلزال قد ضربها.
وفي الحالة الأخيرة كان البند الثالث من البنود التي وجه بها رئيس الوزراء واضحاً من حيث التنسيق العالي بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وأن تعمل الحكومة ككيان واحد وليس بطريقة الجزر المعزولة كما يحدث في بعض الحالات. والأولوية في مثل هذا العمل المتناغم هي المحافظة على حياة الناس، وإنقاذ الضحايا. على أن لا يتم توفير أي جهد في عملية الاستجابة الطارئة للكارثة.
قد يقال إن الحالة اليابانية لها خصوصيات ليس فقط من حيث كثافة الكوارث وشدتها، وإنما من حيث توفر الموارد المالية، والقدرات التنظيمية اللازمة للتعامل مع هكذا كوارث، ناهيك عن حالة الانضباط العامة في المجتمع. كل هذا صحيح بطبيعة الحال. لكنه ليس منحة وهبت لليابان، وإنما هو عمل ودأب وتراكم، وهو ما جعل اليابان تنهض مع نهايات القرن التاسع عشر، ثم تنهض مرة أخرى بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية، وهو ما جعلها تنهض بعد كل كارثة زلزالية كانت أو غير زلزالية تحل بها.
استنتاجات من الخبرة اليابانية
أول الاستنتاجات التي تنبع من الحالة اليابانية في التعامل مع الكوارث الطبيعية تتمثل في التعلم من التجارب. وقد كان ذلك واضحاً في التعامل مع زلزال توهوكو الكبير في العام 2011 قياساً بالتعامل مع زلزال كوبي في العام 1995. وقد انعكس ذلك في أكثر من ناحية.
من أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة التعامل الياباني مع زلزال توهوكو الكبير ما يتعلق بالمعلومات المتعلقة بما يحدث على أرض الواقع، وكيفية إدارة الأبعاد المختلفة للموقف، والأدوار التي تقوم بها الجهات المنخرطة في التعامل مع الكارثة سواء أكانت جهات رسمية أو غير رسمية. ومن ثم فقد كان المبدأ التوجيهي الأول لرئيس الوزراء الياباني في حالة زلزال الأول من يناير 2024 وما تبعه من تسونامي يتمثل في “توفير معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب للجمهور فيما يتعلق بالتسونامي والإخلاء وما إلى ذلك، واتخاذ تدابير شاملة لمنع الأضرار، مثل إجلاء السكان”.
بالنسبة للمعلومات في حالة زلزال توهوكو الكبير كان هناك حرص على توفير المعلومات أولاً بأول، ولم يقف الحرص عند مجرد الإتاحة، وإنما كذلك دقة تلك المعلومات، وتعديل ما قد يكون قدم بصورة غير صحيحة أو غير دقيقة. وعلى الرغم من كل ذلك كانت هناك انتقادات وجهت إلى الحكومة اليابانية على هذا الصعيد، خاصة ما يتعلق بالشق النووي في الكارثة، لا سيما في الأيام الأولى. وربما كان ذلك راجعاً إلى عدم اتضاح الصورة بالكامل، ولتوزع الجهات المعنية بهذا الشق من الكارثة.
وإذا كانت وسائل التواصل باتت تلعب أدواراً مهمة في الكوارث الطبيعية، سواء من حيث الإبلاغ عن المفقودين أو جمع التبرعات أو بث المعلومات الدقيقة المراد إيصالها للمستخدمين، إلا أنها قد تحتوي على معلومات مغلوطة مما يقتضي جهداً إضافياً لتصحيحها. وبالنسبة للظرف الراهن فقد اتضح أن هناك معلومات وصفت بالكاذبة والمضللة قد انتشرت على تلك الوسائط فيما يتعلق بالزلزال وتسونامي ومن بينها مقاطع فيديو تتضمن الأضرار التي حدثت وكذلك مقاطع تتضمن استغاثات من أناس قد علقوا وسط ركام المباني المنهارة. لكن اتضح لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أن بعضاً مما نشر قديم ويتعلق بتسونامي العام 2011. كما أن الاستغاثات التي تضمنتها مقاطع أخرى قد تضمنت عناوين لا وجود لها. وبطبيعة الحال فإن خطورة مثل هذه المقاطع في مثل هذه الظروف أنها تنتشر بسرعة مما قد يثير الهلع. وعلى سبيل المثال فإن أحد هذه المقاطع قد حاز على أكثر من مليون مشاهدة خلال ساعات. ولم يقف الأمر عند ذلك، وإنما كانت هناك معلومات غير دقيقة بخصوص أسباب الزلزال وحتى الساعة الخامسة والنصف مساء اليوم التالي لوقوع الزلزال تم إحصاء حوالي 250 ألف منشور متعلق بكون الزلزال اصطناعياً، بما في ذلك المنشورات التي ترفض هذه الفكرة. وقد حاز واحد من تلك المنشورات على 8.5 مليون مشاهدة. ويشار هنا إلى أن فرضية الزلازل المصطنعة تلك قد راجت أيضاً عند وقوع زلازل تركيا المدمرة في فبراير 2023. كما كان لتأثيرات الزلزال على المنشآت النووية نصيب أيضاً من تلك النوعية من المنشورات. ولليابان مع الموضوع الأخير بالذات قصة طويلة مازالت آثارها ممتدة منذ العام 2011 في محطة فوكوشيما النووية. ومن المفارقات أيضاً أن صاحب أحد الحسابات ذكر أنه قد أصابه ضرر من الكارثة ومن ثم فإنه يطلب الحصول على تبرعات لكن بالعملات الإلكترونية. وقد وصل الحال إلى نشر مقطع فيديو لمؤتمر صحفي عقدته هيئة الأرصاد الجوية عند إجراء كوريا الشمالية لتجربة نووية في الماضي على أنه يتعلق بالظروف الراهنة عقب الزلزال.
لا يقف أمر المعلومات ودقتها وإتاحتها في الوقت المناسب عند المواطنيين اليابانيين، وإنما للمواطنيين الأجانب أيضاً، وخاصة أولئك الذين لهم أقارب في المناطق المنكوبة، سواء من أجل السياحة أو العمل. وفي الزلزال الأخير تم الإعلان عن توفر موقع رسمي خاص يتضمن الاستعلام من قبل الأجانب وكذلك اليابانيين. وحتى اليوم الثاني للزلزال كانت اللغات التي يمكن استخدامها للاستعلام عبر الموقع تتمثل في الإنجليزية والصينية والفيتنامية والإندونيسية والتايلندية والبورمية إلى جانب اليابانية.
المعلومات الصحيحة والدقيقة تهتم السلطات اليابانية بتوفيرها حتى بعد انتهاء الفترة الحرجة للكارثة. وقد كانت حريصة على ذلك بعد كارثة 2011 وخاصة فيما يتعلق بمعدلات الإشعاع. ومازالت حتى الآن فيما يتعلق بتصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما، حيث أنه على الرغم من حصول خطتها على موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقبتها لعمليات التصريف، إلا أن هناك معارضة شديدة لتلك العملية من قبل دول على رأسها الصين وروسيا. كما أن هناك تظاهرات خرجت في كوريا الجنوبية ضد عمليات التصريف تلك. والأمر لا يقتصر على مجرد المعلومة والثقة فيها وإنما ما يترتب عليها من إجراءات تتعلق باستيراد المنتجات البحرية من المناطق القريبة من المحطة. وحتى إذا لم تكن هناك إجراءات حكومية فقد تكون قرارات الأفراد الفردية بالامتناع عن شراء هذه المنتجات لها تأثير أيضاً، خاصة إذا كانت هناك تيارات سياسية تسير عكس الموقف الرسمي كما هو الحال في كوريا الجنوبية أيضاً بخصوص خطة التصريف اليابانية.
قبل الحصول على الثقة من الخارج واعتماد خطط التعامل من قبل وكالات دولية في حال تطلب الأمر ذلك كما هو الحال بالنسبة لخطة تصريف المياه، فإن الأهمية القصوى هي لثقة المواطن الياباني ذاته. هذه الثقة لن تكون إلا إذا كانت إجراءات التعامل مع الكارثة تؤتي ثمارها. وهذه الثمار لن تكون إلا إذا كانت الخطط محكمة، ومتوائمة مع الظروف. فها هو رئيس الوزراء فوميو كيشيدا يحاول طمأنة الناس بالقول إن حكومته ستبذل قصارى جهدها، مع إعطاء الألوية لإنقاذ المحاصرين في المباني التي تضررت كلياً أو جزئياً. كما أوضح أن تعليماته للجهات المعنية في الحكومة كانت بتلبية مطالب البلديات خاصة وأنها قد طلبت المزيد من الإمدادات، إضافة إلى المسارعة بفتح الطرق إلى المناطق التي بات من المتعذر الوصول إليها، وتوفير المزيد من كلاب الإنقاذ. وقبل ساعات من الزلزال كان كيشيدا يتعهد بالعمل على استعادة ثقة الشعب التي اهتزت كثيراً بعد الفضيحة التي طالت تياراً في الحزب الليبرالي الحاكم واضطرت رئيس الوزراء إلى الإقدام على تغيير عدد من وزراء حكومته.
كما تقرر زيادة أعداد قوات الدفاع الذاتي (الجيش) في المناطق التي ضربها الزلزال. وقد لعبت تلك القوات دوراً كبيراً في كارثة العام 2011. وقد كانت المسارعة بالاستعانة بتلك القوات من الدروس التي تم استخلاصها من كارثة العام 1995. ففي العام 2011 وفي اليوم الثاني للكارثة كان هناك حوالي 50 ألف عنصر من قوات الدفاع الذاتي، و190 طائرة، و25 قطعة بحرية تم نشرها في المناطق المنكوبة وبالقرب منها. وبعد ثمانية أيام فقط من وقوع الزلزال الضخم وما تلاه من تسونامي ومع تكشفه جوانب البعد الثالث للكارثة ممثلاً في الشق النووي في فوكوشيما وصل عدد القوات المنتشرة إلى 106 ألف.
وقد كان لافتاً في كارثة 2024 وقوع حادث تصادم بين إحدى طائرات خفر السواحل الياباني وطائرة مدنية على مدرج مطار هانيدا بالعاصمة طوكيو، حيث كانت الطائرة العسكرية في طريقها لنقل إمدادات إلى مناطق منكوبة في محافظة نيجاتا. وقد حرص رئيس الوزراء على تحييد تأثير الحادث على عمليات نقل الإمدادات. وبطبيعة الحال فإن الحادث مؤلم خاصة وأن كل طاقم طائرة خفر السواحل باستثناء الطيار قد لقوا حتفهم، كما أن الطيار في حالة خطيرة. فضلاً عن أن 14 من ركاب الطائرة المدنية قد أصيبوا علماً بأنها كانت تحمل على متنها 379 راكباً. ناهيك عن تأثير الحادث على عمليات الإقلاع والهبوط داخل المطار سواء للرحلات المحلية أو الدولية. والحادث يضيف بعداً جديداً لإدارة الأزمة، حيث قد تظهر أزمات فرعية عندما يتعلق الأمر بإدارة أزمة كبرى رئيسية. وهنا يتوقف الأمر على مدى المرونة والثقة وكذلك توفر البدائل حتى لو كانت جزئية. وفي هذه الحالة فقد تم الإعلان عن زيادة رحلات القطارات فائقة السرعة بعدما تم إلغاء العشرات من رحلات الطيران الداخلية.
ومرة أخرى يلاحظ أن اليابان تتوفر لديها البدائل والموارد والإدارة التي راكمت خبرات طويلة مما قد يجعلها حالة نموذجية في التعامل مع الكوارث الطبيعية على الرغم من وجود انتقادات كثيرة في كل كارثة من الكوارث، حيث يظل الهدف هو الوصول إلى أعلى مستوى من الكفاءة في التعامل مع تلك الكوارث. وهنا تطرح أسئلة كثيرة حول مدى قدرة الكثير من دول العالم على التعامل مع ما تتعرض له من كوارث آخذة في التزايد والتعقد في ذات الوقت في ظل إمكانيات قد تكون متواضعة جداً أو حتى معدومة إذا ما قورنت بالحالة اليابانية؟. كما تطرح أسئلة أخرى حول كيفية الالتزام بالمبادئ الرئيسية المقرة عالمياً للتعامل مع الكوارث الطبيعية، والتي أقر أحدثها في مدينة سينداي اليابانية في العام 2015. وإذا كان العام الماضي 2023 قد شهد إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً سياسياً بشأن تجديد الالتزام بتنفيذ إطار سينداي، فإن الأمر يحتاج لما هو أكثر من مجرد الإعلانات والمناشدات. الأمر بات في حاجة إلى التزامات دولية ضخمة وتحرك سريع في الحالات التي تعجز فيها إمكانيات الدول فرادى عن التعامل مع الكوارث. ففي الكثير من الحالات لم يعد الأمر يحتمل انتظار مد يد العون من هذه الدولة أو تلك على أهمية تلك المساعدات بطبيعة الحال، والتي قد تكون رمزية في حالة دولة مثل اليابان التي قبلت مثل هذه المساعدات في كارثة العام 2011.
الالتزامات الدولية تلك ينبغي أن لا تكون طارئة ومرتبطة بفترة ذروة الكارثة، حيث أن تداعيات بعض الكوارث تمتد لسنوات وربما لعقود، وخسائرها تقدر بالمليارات، كما أن التعامل مع تداعياتها يحتاج لمليارات أخرى. ومرة أخرى وبالعودة إلى النموذج الياباني فقد وصلت بعض تقديرات خسائر كارثة العام 2011 وحدها إلى حوالي 300 مليار دولار. كما أن اليابان قد اعتمدت عبر ميزانيات إضافية متوالية مبالغ طائلة للتعامل مع تداعيات الكارثة. وفي الكارثة الحالية فإن الحكومة اليابانية تخطط لتصنيف الزلزال على أنه كارثة شديدة مما سيسمح بزيادة المساعدات الحكومية خاصة في المناطق الأكثر تضرراً. ومثل هذا التصنيف سيجعل الأسرة التي تدمر منزلها كلياً تحصل على حوالي 20 ألف دولار. وبطبيعة الحال سترصد الميزانيات لإصلاح الطرق وتعويض المزارعين وغير ذلك من جوانب الصرف.