سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. محمد العسومي
بعد الرسوم الجمركية العالية التي يتوقع أن تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على الواردات من دول الاتحاد الأوروبي والصين، والتي تتراوح بين 25 و60%، جاء دور كل من كندا والمكسيك، جارتي الولايات المتحدة اللتين ترتبطان معها بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية، بما في ذلك اتفاقية “نافتا” للتجارة الحرة، إلا أن هذا لم يجنبهما سيفَ الرسوم الجمركية العالية الذي سيحدِث فرقاً كبيراً في العلاقات التجارية بين الطرفين، كما ستكون له آثار على المستوى الدولي.
وقد سبق أن تناولنا هنا مسألةَ تداعيات الرسوم الجمركية على الصين والاتحاد الأوروبي، إلا أن الرسوم على كل من المكسيك وكندا مختلفة تماماً، وسيكون لها تأثير مباشر على البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول الخليج العربية، فالبلدان الأميركيان (كندا والمكسيك) يعدان أكبر مصدّرين للنفط إلى الولايات المتحدة، وستشمل الرسومُ المقترحةُ واردات واشنطن من النفط ومنتجات الطاقة بنسبة 25%، وهي نفس النسبة التي ستطبق على بقية صادرات البلدين للولايات المتحدة. وشكّل ذلك تحولاً مزعجاً لهما، حيث ذكّرت كندا واشنطن بدورها الأساسي في تزويدها بالنفط ومصادر الطاقة، إلا أن ترامب أجابه عندما اجتمعا في فلوريدا: “يمكن لكندا أن تتحول إلى الولاية رقم 51 وسأعينك حاكماً لها، وبالتالي تحل المشكلة”، في حين أبدت المكسيك موافقتَها على التعاون مع إدارة ترمب للحد من الهجرة غير الشرعية، حيث تعَد المكسيك المعبرَ الرئيس للمهاجرين إلى الولايات المتحدة، وذلك في محاولة لإرضاء الرئيس المنتخب، ولثنيه عن تطبيق هذه الزيادات الجمركية أو تخفيضها على أقل تقدير.
لكن ما علاقة ذلك بالدول المصدرة للنفط؟ في حالة تطبيق الرسوم المقترحة، فإن صادرات النفط الكندية والمكسيكية، والتي تشكل أكثر من 50% من صادراتهما، ستعاني قيوداً تسويقية كبيرة سينجم عنها انخفاض هذه الصادرات إلى الولايات المتحدة، وبالتالي ضرورة البحث عن منافذ تصديرية جديدة، حيث تشكّل الأسواق الآسيوية الملجأ الرئيس لها، ما يعني دخولَ منافس جديد بإمكانات تصديرية كبيرة إلى هذه الأسواق التي تشهد حالياً منافسةً قويةً بين صادرات النفط من روسيا والشرق الأوسط، إضافة إلى الخصومات الكبيرة التي تمنحها بعض الدول التي تعاني من العقوبات الغربية لصادراتها النفطية.
وبما أنه يتوقع أن تشهد أسواق النفط بعضَ الضعف، خلال السنوات القادمة، بسبب الخلل المتوقع بين العرض والطلب، والناجم جزئياً عن خروقات حصص الإنتاج المعتمدة من مجموعة “أوبك+”، فإن دخول موردين جدد للأسواق الآسيوية سيساهم في احتدام المنافسة، وتقديم المزيد من الخصومات، والتي قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار، بما في ذلك صادرات بلدان الشرق الأوسط.
وهنا ستقع على عاتق “أوبك+” أعباء وضغوط إضافية، علاوة على الأعباء والضغوط الحالية والمتمثلة في زيادة المعروض وعدم التزام بعض الأعضاء بحصص الإنتاج، والذي ساهم مؤخراً في انخفاض الأسعار، وذلك رغم تعهد هذه الدول بالالتزام.
وبدورها ستحاول الولايات المتحد تعويض انخفاض وارداتها من كندا والمكسيك بزيادة إنتاج النفط الصخري، وكذلك الواردات من دول الكاريبي التي اكتُشف فيها النفط مؤخراً، ما يتطلب من دول “أوبك+” الاستعدادَ لهذا التحول من خلال بعض الإجراءات يأتي في مقدمتها إلزام كافة الأعضاء بحصص الإنتاج، وربما تقديم بعض الخصومات مع استغلال تكاليف النقل والتي تعد أرخص نسبياً من تلك الواردة من النصف الغربي للكرة الأرضية.
وفيما عدا ذلك، فقد تشهد أسعار النفط انخفاضات متتالية متأثرةً بالحرب التجارية القادمة بين الدول الكبرى، وبالأخص بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، والتي ستتأثر بها كافة دول العالم من ناحيتي الصادرات والواردات، وستعاني البلدان الفقيرة أكثر من غيرها، إما بسبب انخفاض قيم صادراتها من المواد الزراعية والأولية، أو لعدم قدراتها على استيراد العديد من السلع الضرورية بالمعدلات السابقة نفسها، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثر قطاعات مهمة فيها. ولذلك، فإن الاستعداد لمثل هذا التحوّل المرتقب في التجارة الدولية أمر مهم، وسيساهم في التقليل من التداعيات والخسائر المتوقعة.
المصدر: الاتحاد
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر