المفاعلات النموذجية الصغيرة والفرص المتاحة للبلدان النامية | مركز سمت للدراسات

المفاعلات النموذجية الصغيرة والفرص المتاحة للبلدان النامية

التاريخ والوقت : الخميس, 21 سبتمبر 2023

صلاح زلط

تحظى المفاعلات النموذجية الصغيرة حاليًا باهتمام كبير في مختلف البلدان حول العالم؛ إذ تتمتع هذه المفاعلات بالقدرة على إنتاج طاقة نظيفة وآمنة ومستدامة لتغذية المناطق النائية، أو الدول – الجزر، أو البلدان التي لديها قاعدة طاقة إجمالية صغيرة، أو مشاريع صناعية محددة مثل استخراج الثروات الباطنية.

وهنا تبدو المزايا الأخرى المنبثقة عن القاعدة التكنولوجية لمحطات الطاقة النووية الصغيرة نفسها واضحة أيضًا، والحديث يدور قبل كل شيء عن مفاعلات نموذجية، أي القدرة على زيادة أو تقليل استطاعة محطة الطاقة النووية، وتقصير فترة بناء محطة الطاقة النووية، وتقليص تكاليف بدء التشغيل.

في هذا السياق سلط المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2021 في غلاسكو، الضوء على إمكانات المفاعلات النووية الصغيرة، مذكرًا بحقيقة أن العديد من البلدان المتقدمة والنامية تتطلع إلى توسيع نطاق مشاريعها؛ إذ أصبحت الطاقة النووية “الحل الراهن المطلوب”، فهي توفر ما يقرب من ثلث إنتاج العالم من الكهرباء المنخفضة الكربون، في تنويه إلى إن المفاعلات الصغيرة تشكل “خيارًا مستقبليًا آمنًا يجعل الطاقة النظيفة والمستدامة في متناول البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء”.

وبحسب تصنيف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن المفاعلات النموذجية الصغيرة هي مفاعلات محدثة تهدف إلى إنتاج الطاقة الكهربائية باستطاعة تصل إلى 300 ميجاواط، وقد تم تجهيز هذه المفاعلات بوسائل هندسية وتقنية متطورة، ويمكن استخدامها كجزء من محطات أحادية النموذجية أو متعددة النماذج، وهي مصممة ليتم توريدها جاهزة تمامًا من المصنع لشركات الطاقة للتركيب اللاحق حسب الحاجة؛ وبالتالي، فإن ميزتها هي أنه يمكن “تصنيعها” في مكان واحد وتسليمها كمجموعة واحدة إلى الموقع للتجميع والتركيب، ومن المزايا الإضافية أنه يمكن استخدام المفاعلات الصغيرة لتوليد الحرارة والكهرباء.

ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هناك ما يقرب من 50 مشروعًا ومفهومًا للمفاعلات الصغيرة في جميع أنحاء العالم، معظمها في مراحل مختلفة من التطوير، بحيث سيتم تنفيذ بعض المشاريع في المستقبل القريب، حاليًا هناك 4 مفاعلات صغيرة في مراحل متقدمة من البناء في الأرجنتين والصين، وتقوم العديد من البلدان الأخرى التي لديها محطات للطاقة النووية والبلدان التي شرعت في تطوير الطاقة النووية بإجراء عمليات بحث وتطوير على المفاعلات الصغيرة، وعلى خلفية ذلك تبرز روسيا، التي تمتلك بالفعل تكنولوجيا مرجعية للمفاعلات الصغيرة وتستخدمها بشكل مكثف.

فعلى سبيل المثال لا الحصر تقوم مجموعة الطاقة العائمة “الأكاديميك لومونوسوف” بتزويد مدينة بيفيك الساحلية في مقاطعة تشوكوتكا ليس فقط بالكهرباء، ولكن أيضًا بالحرارة لأكثر من ثلاث سنوات، بالإضافة إلى ذلك، يقوم الخبراء الروس بتنفيذ أول محطة طاقة نووية أرضية منخفضة الطاقة تعتمد على مفاعل RITM-200N في ياقوتيا؛ حيث حصلت شركة روساتوم الحكومية على ترخيص لنشرها في أبريل 2023 وتقوم بالفعل بالأعمال التحضيرية، ومن المخطط أن يتم ربط المحطة بالشبكة في عام 2028.

قلة قليلة من الناس اليوم يجادلون مع الطرح الذي يشير إلى الحاجة إلى الطاقة النووية، ومن الملاحظ أن هناك زيادة في الاهتمام بهذا النوع من توليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم على خلفية أزمة الطاقة المتفاقمة والاحتباس الحراري العالمي.

إن الضغط على البلدان -من وجهة نظر إنشاء مصفوفة طاقة مستدامة تعتمد على مصادر الطاقة النظيفة- يدفعها إلى التفكير بجدية في محطات الطاقة النووية لضمان حملها الأساسي – وهو الأساس لاستقرار توليد الطاقة الكهربائية للسكان ولقطاعي الصناعة والاقتصاد، ومع ذلك تتطلب محطات الطاقة النووية استثمارات مالية كبيرة، الأمر الذي يمكن أن يثبط عزيمة الدول التي ليس لديها موارد مالية كافية، كما أن الدول ذات احتياجات الطاقة الصغيرة لا تحتاج دائمًا إلى طاقة كبيرة.

لكن مع ظهور المفاعلات النموذجية الصغيرة وحتى المفاعلات الصغيرة جدًا، والتي يعد تصميمها أيضًا أحد الاتجاهات الهامة في تطوير الطاقة النووية، فإننا نرصد تغيرًا للمشهد العام لهذا القطاع. وفي هذا الصدد أشار “أليكسي ليخاتشوف” بمناسبة “يوم المحطات النووية الصغيرة” على هامش معرض إكسبو – 2020 الذي أقيم بتنظيم من شركة روساتوم الحكومية
في 20 يناير 2022 قائلًا:

“إن المحطات النووية الصغيرة هي مساهمة هامة في تحقيق تكافؤ فرص حصول الناس على الطاقة في جميع أنحاء العالم، ويبدو لي أن هدف منح الجميع إمكانية الحصول إلى الطاقة، خاصة في عالم لا يزال فيه ما يقرب من مليار نسمة لا يحصلون على الطاقة هو بحد ذاته هدف سامٍ في غاية الأهمية”.

توفر المفاعلات النموذجية الصغيرة والمفاعلات الصغيرة جدًا طاقة منخفضة الكربون مثل المفاعلات النووية الكبيرة، ولكنها أصغر حجمًا وأكثر مرونة وأقل تكلفة، لذا يمكن استخدامها في شبكات الطاقة الصغيرة.

وفي هذا الإطار ينوه السيد “فريدريك ريتسما” رئيس مجموعة تكنولوجيا المفاعلات النموذجية الصغيرة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قائلًا: “بفضل حجمها ومرونتها فإنه من الممكن نشرها حتى في المناطق النائية والتي يصعب الوصول إليها”.

بطبيعة الحال تتطلب المفاعلات النووية الكبيرة استثمارات رأسمالية ضخمة على المدى الطويل، ولكن بالنسبة للعديد من البلدان النامية تمثل المفاعلات الصغيرة الحجم نهجًا أكثر واقعية وبأسعار معقولة.

وفي بعض الحالات قد تكون حتى الحل الوحيد للحصول على “طاقة فعالة من حيث التكلفة”، وهذا يوسع نطاق استخدام الطاقة النووية ليشمل مجموعة واسعة من البلدان، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة في سوق الطاقة، خاصة مع مراعاة حقيقة أن المفاعلات النموذجية الصغيرة والمفاعلات الصغيرة جدًا يمكن أن تساعد في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتصبح لا غنى عنها في حال عدم وجود شبكات طاقة كبيرة، ويمكن دمج هذه المفاعلات بنجاح في المناطق النائية والمجتمعات الريفية الصغيرة.

الصين واحدة من بين الدول التي أبدت اهتمامًا كبيرًا بالموضوع، وقد تم التركيز هنا على تطوير مفاعل مبرد بالغاز يسمى المفاعل النموذجي عالي الحرارة (HTR-PM)، وهنا يشير معهد تكنولوجيا الطاقة النووية ومصادر الطاقة الجديدة في جامعة تسينغهوا الصينية إلى أن هذا المفاعل مصمم لتحسين كفاءة استخدام الطاقة؛ حيث يعتبر هيكلها النموذجي مثاليًا لإضافة استطاعة إضافية إلى الشبكات الكهربائية الموجودة، بالإضافة إلى إنتاج الحرارة والطاقة معًا.

وفي مقابلة لتقرير حول الخصائص النووية العالمية لعام 2022 الصادر عن الرابطة النووية العالمية، أوضح “لو هوا تشيوان” مدير معهد هوانينج للأبحاث النووية قائلًا:

“تتمتع مفاعلات HTR بأعلى درجات حرارة تشغيل مقارنة بأي نوع من المفاعلات الموجودة، وهي أيضًا المفاعلات الوحيدة التي يمكنها تحقيق درجات حرارة عملية عالية، وفي المستقبل القريب، يمكن استخدام مفاعلات HTR كجيل جديد من المفاعلات المتطورة واستكمال صناعة الطاقة النووية في الصين لمجموعات الطاقة النووية الصغيرة والمتوسطة الحجم”.

في هذا الصدد تعمل الأرجنتين على بناء أول مفاعل نموذجي صغير لها، يسمى CAREM 25، وقد قام المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل غروسي” بزيارة موقع البناء العام الماضي، واستعرض سير الأعمال في المشروع. وسيتم تجهيز CAREM 25 بأنظمة أمان مبتكرة، ولا سيما القدرة على الإغلاق التلقائي عند اكتشاف مشاكل في المفاعل، مما يضعه في طليعة السلامة النووية.

وهذه سوف تنتج 32 ميجاواط من الكهرباء، وسيكون ذلك أول مفاعل للطاقة النووية مصمم في الأرجنتين.

ويعد مشروع ياقوتيا للطاقة النووية في جمهورية ساخا الروسية، الذي يعتمد على مفاعلات من نوع RITM-200N، مثالًا على النهج المبتكر الذي تتبعه روسيا في تطوير واستخدام المفاعلات الصغيرة الحجم، ويعتمد الحل التكنولوجي للمحطة على مفاعلات سلسلة RITM-200، التي يتم تشغيلها في الظروف القاسية للقطب الشمالي باستخدام أحدث كاسحات الجليد الروسية، وتلبي جميع متطلبات السلامة لمشاريع محطات الطاقة النووية الحديثة، خاصة بعد حادثة فوكوشيما، وبالتالي، فإن هذه التكنولوجيا تستخدم بالفعل من قبل روسيا، مما يمنحها ميزة من حيث تكرار تصنيع المفاعلات وتوريدها إلى بلدان أخرى.

وتتميز المحطة بأنها ذات استطاعة صغيرة وشاملة ونموذجية وانخفاض معدلات البناء مقارنة بمحطات الطاقة النووية ذات الاستطاعة العالية، ومن المقرر أن يتم تشغيل أول محطة طاقة نووية أرضية منخفضة الاستطاعة في العالم في عام 2028.

الأكاديميك لومونوسوف وهي أول محطة طاقة نووية عائمة في العالم تعتمد أيضًا على تكنولوجيا المفاعلات منخفضة الاستطاعة؛ حيث تم تشغيلها في روسيا في مايو عام 2020، وتعتمد محطة الطاقة النووية العائمة الأكاديميك لومونوسوف على مفاعلين KLT-40S باستطاعة كهربائية إجمالية تبلغ 70 ميجاوات؛ حيث تزود محطة الطاقة النووية العائمة الطاقة الكهربائية لمنطقة تشوكوتكا، وينبغي أن تحل في المستقبل محل محطة “بيليبينو” للطاقة النووية التي عفا عليها الزمن من الناحية التكنولوجية (التي تم تشغيلها في عام 1974) ومحطة تشونسكايا للطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم (التي تم إطلاقها في عام 1944).

الطاقة الكهربائية للمحطة كافية لتزويد مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 100 ألف نسمة بالطاقة، وبالإضافة إلى الكهرباء، تنتج المحطة أيضًا الحرارة التي تستخدم لتلبية احتياجات المدينة الشمالية، وفي الوقت الحالي توفر محطة الطاقة النووية العائمة حوالي 20% من استهلاك الطاقة في المنطقة.

تقوم شركة روساتوم حاليًا بتنفيذ أول سلسلة من مشروع لإمداد مجموعة صناعية كبيرة بالطاقة الصديقة للبيئة، ويجري حاليًا بناء أربع مجموعات طاقة عائمة لمنطقة مناجم بايمسكايا؛ حيث تم التوقيع على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ في عام 2018 في يونيو 2023، على اتفاقية بين شركة روساتوم الحكومية و”مجموعة TSS” بشأن الشروط الرئيسية لإنشاء أسطول طاقة للأسواق الخارجية يعتمد على قاعدة مجموعات الطاقة العائمة مع مفاعلات RITM-200M، كما تعتبر مجموعة TSS أكبر مصمم ومصنع في روسيا للحلول المتكاملة لإكمال الآبار، فضلًا عن إمدادات الطاقة لقطاع النفط والغاز مع إستراتيجية تطوير يتم تنفيذها بشكل مكثف في منطقة الشرق الأوسط.

ويعمل الطرفان على إنشاء مؤسسة مشتركة تضمن إطلاق بناء سلسلة من مجموعات الطاقة العائمة باستطاعة لا تقل عن 100 ميجاوات وعمر خدمة محدد يصل إلى 60 عامًا للأسواق الخارجية ولاحقًا إمكانية بيع الكهرباء مجموعات الطاقة العائمة، ويدرس الشركاء بلدان الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وإفريقيا، التي أبدت بالفعل اهتمامًا كبيرًا بالمشروع، كأسواق واعدة، ومن المتوقع أن يتم تشغيل أسطول الطاقة بين عامي 2029 و2036.

وتشدد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن الشركات الصغيرة الحجم يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر ودعم البلدان النامية في تنمية مواردها، في إشارة على أنها أداة مهمة يمكن أن تساهم في معالجة عدد من التحديات التنموية الرئيسية وتوفر فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي على الصعيدين العالمي والإقليمي.

المصدر: بوابة الاهرام

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر