العمل عن بُعد.. هل هو اتجاه مؤقت أم مستقبل سوق العمل؟ | مركز سمت للدراسات

العمل عن بُعد.. هل هو اتجاه مؤقت أم مستقبل سوق العمل؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 24 فبراير 2025

خليفة المهيري

يشهد سوق العمل العالمي تحولات جذرية منذ بداية الألفية الثالثة، ولكن وتيرة هذه التحولات تسارعت بشكل لافت مع ظهور جائحة “كوفيد 19″، فقد فرضت التحديات الصحية والقيود الوقائية على المؤسسات إعادة النظر في أساليب إدارة الموارد البشرية وتقديم الخدمات، ما أدى إلى انتشار مفهوم العمل عن بُعد على نطاق غير مسبوق.

ورغم عودة بعض الموظفين إلى المكاتب بعد انحسار الجائحة ما زال الجدل قائماً حول ما إذا كان العمل عن بُعد مجرد خيار مؤقت أو أنه سيصبح النمط السائد في سوق العمل المستقبلي.

من المنظور الاقتصادي تبرز عدة مزايا للعمل عن بعد، فعلى صعيد تكاليف التشغيل يقلل هذا النمط من نفقات الإيجارات، وفواتير الخدمات والمستلزمات المكتبية، كما يتيح للشركات جذب المواهب من مختلف المناطق دون الحاجة لانتقال الموظف أو تكبد صاحب العمل تكاليف الاستقدام والسكن في المدن الكبرى.

ومن جهته يستفيد الموظف من إمكانية العمل في بيئة أكثر مرونة وملائمة لحياته الشخصية، فيوفر وقت التنقل ومصاريفه، ما قد يؤدي إلى رفع مستويات الإنتاجية، وقد رصدت بعض الشركات الرائدة تحقيق زيادة ملموسة في مؤشرات الأداء كنتيجة مباشرة للمرونة، التي يمنحها العمل عن بعد لموظفيها.

ورغم هذه الإيجابيات لا يخلو العمل عن بعد من تحديات اقتصادية وبشرية، حيث يتطلب الأمر بنية تحتية رقمية قوية، لضمان سرعة الاتصال بالإنترنت، إضافة إلى سياسات واضحة لحماية البيانات وأمن المعلومات، كذلك قد يشعر بعض الموظفين بالعزلة أو الفجوة في التواصل مع زملائهم ومديريهم، ما قد يؤثر على روح الفريق والترابط المهني.

علاوة على ذلك تتطلب بعض القطاعات – مثل التصنيع أو الرعاية الصحية – وجوداً ميدانياً لا يمكن الاستعاضة عنه بشكل كامل بالعمل عن بعد، لذا فإن تبني هذا النموذج بشكل شامل يعتمد على طبيعة النشاط الاقتصادي ومدى ملاءمة الخدمات المقدمة للعمل الإلكتروني.

من جهة أخرى، أصبح العمل عن بُعد عنصراً جذاباً للكثير من الكفاءات، خصوصاً تلك التي تبحث عن توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية.

هذا التوجه حفز المنافسة بين الشركات على مستوى العالم، ما فتح المجال لتوظيف الخبرات من أسواق مختلفة بخلاف العمل التقليدي المقيد بموقع جغرافي محدد.

وفي ظل هذا التنافس بدأت الشركات في إدراك الأثر الإيجابي لتقديم مزايا مرنة في موقع العمل أو نظام الدوام، لضمان الاحتفاظ بالموهوبين وتحفيزهم.

من المرجح أن يستمر العمل عن بعد في التطور، لا سيما مع النضج التقني وازدياد ثقة المؤسسات بكفاءة المنصات الرقمية، لكن من المتوقع أيضاً أن يتخذ شكلاً هجيناً، حيث تدمج الشركات بين الحضور الجزئي للمكتب والعمل عن بُعد، لتستفيد من نقاط القوة في كلا النموذجين.

وفي المحصلة يمكن القول إن العمل عن بعد ليس مجرد بديل طارئ فحسب، بل هو توجه طويل الأمد يعكس حاجة الاقتصادات المعاصرة إلى المرونة والابتكار. وفي عالم يسوده التنافس المحموم قد يصبح نمط العمل الجديد إحدى الركائز الأساسية لمستقبل أسواق العمل العالمية، شريطة توفير البنية التحتية التقنية، وابتكار الأطر الإدارية المناسبة، لضمان التوازن بين مصالح الشركات ومتطلبات الموظفين.

المصدر: البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر