الدبلوماسية الإلكترونية: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقود إلى عصر جديد من السلام العالمي | مركز سمت للدراسات

الدبلوماسية الإلكترونية: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقود إلى عصر جديد من السلام العالمي

التاريخ والوقت : الأحد, 1 أكتوبر 2023

Ola Mohajer

يواجه العالم أكبر زيادة في النزاعات العنيفة منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لتقرير تحضيري للأمم المتحدة، فإن ربع السكان العالميين يتأثرون الآن بالنزاعات، وهي أكثر تعقيدًا مما كانت عليه من قبل.

تتطلب هذه المرحلة الجديدة من ارتفاع معدلات النزاع إعادة النظر الموضوعي في طريقة عملنا. ومن الضروري بالنسبة للعاملين في مجالي السلام والدفاع، الاعتراف بأن النهج التقليدية قد فشلت في خدمة ربع البشرية. لذا من الضروري إيجاد ابتكارات عاجلة، ويجب أن يكون السلام المستند إلى الذكاء الاصطناعي هو المرشد لنا.

للسلام المدعوم بالذكاء الاصطناعي إمكانية ثورية لتغيير مفاهيم السلام والأمن الدوليين. إذ سوف يمكّن العاملين وصانعي القرارات من القضاء على الوقت والموارد المطلوبة لجمع البيانات وتحليلها ووضع الخيارات، ويحرر تلك الموارد للتركيز على الأمور الصعبة مثل: الحوار والتفاوض وبناء الثقة وصنع القرارات الاستراتيجية.

كما يمكن لتقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي التوليدي أن تتعلم من البيانات، وتكتشف الأنماط، وتتنبأ بالنتائج، وتولد معارف وحلولاً جديدة.

قام الباحثون بتطوير ذكاء اصطناعي قادر على الكشف عن السرطان في مراحله المبكرة بصورة أسرع من قدرة الأطباء حاليًا. وهذا التقدم يجعل معالجة المراحل المبكرة أكثر احتمالًا؛ مما سيقلل في النهاية من وفيات السرطان. وبالمثل، فيما يخص السلطات الحكومية والمنظمات الدولية والتحديات الكبيرة التي تواجهها، فسوف لا يقتصر الذكاء الاصطناعي على تنظيم المعلومات في ثوانٍ، بل سيخلق مجموعة من الأفكار والاستراتيجيات التي لم تكتشف بعد. وباتخاذ القرارات الصحيحة حول الذكاء الاصطناعي الآن، يمكن أن نكون على بعد خطوات من تحقيق سلام عالمي في عصرنا.

يحمل السلام المدعوم بالذكاء الاصطناعي وعودًا عظيمة، وأظهر فاعلية ملموسة في تطبيقات مختلفة. لكن التقنية لا تزال غير متطورة وغير مستخدمة بشكل كافٍ. ففي ليبيا على سبيل المثال، ساعد الحوار الرقمي على نطاق واسع في تقدم عملية السلام عبر تسهيل الحوار لـ1000 ليبي في مراحل رئيسية من تنفيذه؛ مما ساعد على خلق إجماع مكن من إقامة حكومة انتقالية في أربعة أشهر فقط.

بالمقابل، تستغرق الحوارات التقليدية عادة سنوات للانتهاء منها، وبشكل خاص في البلدان الأكثر عنفًا التي يصعب الوصول إليها.

طبقت الحوارات الرقمية نموذجًا للتعلم الآلي مع قدرات معالجة اللغة الطبيعية، يمكنه ترجمة وتجميع المصالح الناشئة في الوقت الفعلي. اليوم، تقدمت ليبيا لتحتل المرتبة 137 عالميًا من أصل 163 دولة في تصنيف السلام العالمي، مما يدل على تحسن كبير مقارنة بالمرتبة 156 التي كانت عليها في عام 2020. وعلى الرغم من التحديات الصعبة، حققت ليبيا أيضًا أكبر تحسن شامل في مستوى السلم في العالم للعام الثاني.

هناك مناجم ذهب غير مستغلة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكن استغلالها في سياق السلام. يمكن أن تكون هذه المناجم مفيدة في زمن النزاعات المستمرة. وتوجد فرصة لتطوير تحليلات النزاعات ودعم الوساطة والتفاوض، وحفظ السلام، ومراقبة وإبلاغ هدنات وقف القتال، وغيرها من الجوانب المرتبطة. يمكن استخدام معالجة اللغة الطبيعية في عمليات السلام لتيسير آلاف الردود من المواطنين بلغاتهم المحلية على أسئلة مفتوحة حول قطاع الأمن والحكم والدستور وترتيبات العدالة الانتقالية وغيرها.

تكامل هذه التكنولوجيا يمكن أن يحدث ثورة في مشاركة المواطنين في بناء دولهم، حيث يمكن أن تصبح عمليات السلام أسرع وأكثر شمولًا واستجابةً، وأقل عنفًا، وتتجاوز حواجز التواصل بين اللغات. ويتطلب ذلك إجراء المزيد من البحث والتطوير في مجال التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية، وذلك للتعامل مع اللغات ذات الاستخدام الأقل، وتعزيز معدلات معرفة القراءة والكتابة، وتخطي القيود التكنولوجية وتحقيق إمكانية الوصول إلى الإنترنت بشكل عام.

تشكل تحليل المشاعر تطبيقًا آخر للذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم بشكل لا يمكن تقديره في تعزيز السلام. وقد شهد هذا الجانب من معالجة اللغة الطبيعية ابتكارات مبكرة في القطاع الخاص، إذ تستخدم الشركات تحليل المشاعر لاستخلاص اللهجة العاطفية المحيطة بموضوع معين، سواء أكانت إيجابية أم سلبية أم محايدة.

وتعتبر هذه القدرة قيمة استثنائية، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار الأهمية القصوى التي توليها الحكومة الأميركية لفهم وجهات نظر سكان مناطق النزاع. ويمكن تطبيق تحليل المشاعر في أي مكان يتوفر فيه معالجة اللغة الطبيعية. كما أنه يضيف فائدة فهم ردود الفعل على التدخلات المقترحة أو الأحداث الجارية لتوجيه عملية صنع القرار.

يمكن لتطبيقات التعلم الآلي بالذكاء الاصطناعي أن تسلط الضوء على طموحات الأمم وأكثر أهدافها غموضًا بأسرع مما كان ممكنًا من قبل مع توفير الأرواح. مثلاً، في حين أن أشكال الحكم المرغوبة غالبًا ما تظهر على مستوى صنع القرار الاستراتيجي في مفاوضات السلام، فإن صقل التفاصيل الدقيقة للوصول إلى اتفاق نهائي ثم تطبيقه يمكن أن يكون عملية مستفيضة ومكلفة. وفي المقابل، يمكن للعنف أن يسود كوسيلة وحيدة لتحديد من يحتفظ بالسلطة والحكم. في حين يمكن للتعلم الآلي المطبق خلال عملية السلام تسريع التوافق حول ترتيبات الحكم في غضون أسابيع، مما ينقذ أرواحًا ويمنع تدهورًا إضافيًا في الصحة والحصول على الغذاء والاقتصادات.

للنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) التي أصبحت مشهورة بفضل نموذج Chat GPT التابع لشركة أوبن إيه آي، تطبيقات واسعة جدًا في مجال السلام والأمن. فتحليل النزاعات والاستراتيجيات مثلاً، أداة أساسية وحيوية في هذا المجال تستند إليها جميع القرارات والتوصيات، ويجب أن يكون قويًا، ولهذا ينبغي أن يعتمد على نطاق واسع من المصادر والبيانات، وأن يعكس بدقة مصالح وآراء المواطنين وأصحاب المصلحة الحاليين.

في بعض الأحيان، يضطر صُناع القرار إلى الاستجابة بسرعة للطوارئ على الرغم من الفجوات المتبقية في التحليل. وبدلاً من الاعتماد على الأساليب التحليلية التقليدية الطويلة وقبول نقاط ضعفها، يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة أن تجمع بين النصوص الحالية – البحوث والتقارير ووسائل التواصل الاجتماعي والاستفسارات الجديدة – وإكمال مثل هذه التحليلات في غضون دقائق. وبالتالي يمكن أن يضع استخدام النماذج اللغوية الكبيرة عمليتي التحليل وصنع القرار في طليعة الابتكار.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يطبق الرؤية الآلية والتعرف على الصور لتحويل عمليات حفظ السلام ومراقبة وإبلاغ الهدنات. وقد تمت معالجة هذه التقنيات بالفعل في قطاعي الدفاع والقطاع الخاص من خلال التعرف على الصور والمركبات الجوية ذاتية التحكم، والسيارات ذاتية القيادة على سبيل المثال. كما يمكن لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وآليات مراقبة الهدنات، مراقبة الحوادث والإبلاغ عنها دون المساس بالأرواح البشرية. علاوة على ذلك، فإن المراقبة والإبلاغ الذاتي يمكن أن يخففا من نقص التمويل المزمن الذي تواجهه هذه المؤسسات.

حان الوقت لتطوير القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي والاستفادة منها من أجل السلام. لكن في الوقت الراهن لا توجد تمويلات مخصصة لذلك. فقد خصصت وزارة الدفاع الأميركية 1.8 مليار دولار للذكاء الاصطناعي في ميزانية عام 2024. فكيف لو تم إعادة توجيه جزء من هذا المبلغ نحو السلام بدفع الذكاء الاصطناعي؟ من الضروري بالنسبة إلى الولايات المتحدة المضي قدما في فتح قنوات استثمار وأبحاث وتطوير لهذا الغرض عبر القطاعات الحكومية وغير الربحية والخاصة.

وبفضل امتلاكها أكثر اقتصادات الذكاء الاصطناعي تقدمًا في العالم، فإن لدى الولايات المتحدة فرصة فريدة لقيادة هذا المجال. ويمكن لثورة صناعة السلام وتحقيق عالم خالٍ من النزاعات العنيفة في عصرنا، أن تكون أمرًا حقيقيًا. فاعتناق الذكاء الاصطناعي من أجل السلام ليس مجرد خيار، وإنما ضرورة ملحة، وقد حان وقت العمل الآن.

المصدر: The hill

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر