الحسابات الاستراتيجية وراء الاتفاق السعودي – الإيراني | مركز سمت للدراسات

الحسابات الاستراتيجية وراء الاتفاق السعودي – الإيراني

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 18 أبريل 2023

عبد الرسول ديفسالار – هشام الغنام

 

نشرت مجلة “ذا كايرو ريفيو أوف جلوبال آفيرز” مقالاً مطولاً للكاتبين عبد الرسول ديفسالار، وهشام الغنام، بشأن المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية، وخلصت إلى أنها تتيح فرصاً للتعاون وتفرض، بالمقابل، تحدياتٍ أمنية نابعة من تعارض الأهداف، ووجود مفسدين محليين وخارجيين.

في حين أن المصالحة تبدو وكأنها أداة تكتيكية لخفض التصعيد تخدم المصالح المتبادلة، فإنها ليست صفقة كبرى. فهي لا تغيّر الحسابات الاستراتيجية لأيٍّ من الجانبين بطريقةٍ جذرية، وبالتالي من غير المرجح أن تحوّل البيئة الأمنية الإقليمية بشكلٍ كبير على المدى القصير. في الواقع، سيكون هناك العديد من جوانب الاستمرارية، بدلاً من التغييرات في العلاقات السعودية الإيرانية.

ومع ذلك، فلا يمكن التقليل من أهمية الصفقة في بناء الثقة المتبادلة، وتمهيد الطريق للخطوات التالية نحو التكامل الإقليمي. الأسئلة الرئيسة الآن تتمحور حول الجهود المطلوبة التي ينبغي بذلها لاستدامة المناخ السياسي الإيجابي الحالي، وكيف يمكن تحصين الاتفاق ضد العقبات المقبلة.

للإجابة، ينبغي فهم دوافع طهران والرياض، والحدود التي يواجهها الاتفاق، والدور الذي يمكن أن يُقدم عليه المفسدون في هذه العملية.

ما هي حسابات الرياض وطهران؟

استراتيجية الرياض

من وجهة نظر المملكة العربية السعودية الاستراتيجية، الصفقة تحوّل التنافس إلى المجال الاقتصادي، وبعيداً عن المنافسة السياسية والأمنية، لأن الأخيرة مكلفة لكلا الجانبين. ويمكن تفسير الأسباب المباشرة التي دفعت السعودية لإبرام هذا الاتفاق فيما يلي:

أولاً: تصوّر المملكة العربية السعودية للأولويات المتغيّرة للولايات المتحدة في العقد الماضي غيّر بدوره الحسابات الأمنية للمملكة. يأتي هذا في ظل رغبة الولايات المتحدة في فكِّ الارتباط عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونقل مواردها العسكرية والدبلوماسية لخدمة منافستها مع الصين بشكلٍ أفضل.

ثانياً: ليس للسعودية مصلحة في نشوب أي حرب في منطقة الخليج. إن فشل سياسة الضغط الأقصى الأمريكية على إيران، وسياسة طهران المتمثلة في زيادة تخصيب اليورانيوم، وتهديدات إسرائيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية، قد وضعت المنطقة على حافة الحرب.

ثالثاً: عندما يتعلق الأمر بإيران، تهتم الأولويات الأمنية للسعودية بدعم إيران للجماعات الشيعية، لاسيّما في اليمن والعراق، بالإضافة إلى برنامجها الصاروخي التقليدي المتقدم. هاتان الأولويتان ليستا جزءاً من المحادثات بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين مع إيران. وبينما تدرك السعودية تماماً أن إيران لن تضع قيوداً على برنامجها الصاروخي، فإنها تعتقد أن تطبيع العلاقات هو مسارٌ بديل قد يساهم في استقرار المنطقة، خاصة في العراق واليمن.

رابعاً: تتمثل أولوية السعودية، خلال العقد المقبل على الأقل، في برنامج التحوّل الاجتماعي والاقتصادي كما هو موضح في رؤية 2030. تدرك المملكة أن نافذة الفرصة لتحقيق مثل هذا التحوّل مشروطة باستقرار المنطقة، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقامة علاقات طبيعية مع إيران.

خامساً: لدى المملكة مصالح اقتصادية وأمنية استراتيجية مع الصين. الاتفاق مع إيران، بوساطة الصين، يعزّز العلاقات بين البلدين. والأهم من ذلك، لأن الصين لديها نفوذ سياسي واقتصادي على إيران، فإنها تجعل الأخيرة أكثر ميلاً للوفاء بالتزاماتها في الاتفاق.

استراتيجية طهران

أولاً: تواجه إيران احتجاجاتٍ غير مسبوقة مناهضة للحكومة، بعد مقتل مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة. وقد ساهم ذلك في الشعور بالضعف والخوف على بقاء النظام. في غضون ذلك، فإن المؤسسة الأمنية الإيرانية مقتنعة بأن المملكة العربية السعودية تموّل حملة إعلامية يقودها “تلفزيون إيران الدولي” الناطق بالفارسية. وفي حين كانت طهران في السابق تثق في موقعها الأفضل بسبب نفوذها في اليمن، كشفت الاحتجاجات الأخيرة عن ضعفها أمام أدوات نفوذ الرياض. وقد وفّر نفوذ المملكة الجديد للرياض أداة مساومة قوية للتفاوض؛ فإيران تخفِّف من دعمها للحوثيين، والمملكة تخفِّف من دعمها للدعاية المعادية لإيران.

ثانياً: تنظر طهران إلى التوصل إلى اتفاق مع المملكة كوسيلة لمواصلة سياستها النووية بحرية أكبر. كمبدأ استراتيجي للسلوك في سياسة إيران الأمنية، ومن أجل منع مواجهة عجز في الموارد، تتجنب طهران دائماً مواجهة العديد من أزمات السياسة الخارجية في وقتٍ واحد. ومن خلال الاتفاق مع المملكة، تعتقد طهران أن بإمكانها تفادي مواجهة أزمة إقليمية كبيرة مع إدارة التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن القضية النووية.

ثالثاً: تنطوي الصفقة بالنسبة لطهران على قيمة استراتيجية في ردع التعاون الأمني السعودي-الإسرائيلي في المستقبل.

رابعاً: يساعد الاتفاق إيران على المحافظة على مكاسبها في سوريا والعراق ولبنان. وفي هذه النقاط الساخنة التي تكون فيها لإيران اليد العليا، يمكن أن يساعد تخفيف المنافسة مع الرياض طهران في الحفاظ على الوضع الراهن.

خامساً: تنظر طهران إلى التدخل الصيني في قضايا أمن الخليج على أنه مرحلة من مراحل نزع الطابع الأمريكي عن النظام الإقليمي. وتعتقد أن زيادة عدد الصيغ المتعددة الأطراف والمبادرات الدبلوماسية، التي تخلو من الوجود الغربي، ستسهم في نهاية المطاف في إضعاف الهيكل الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة.

التحديات المضمنة في الاتفاقية

التوترات الأمنية

على الجانب السعودي، ستواصل الرياض تحسين قدراتها الدفاعية الصاروخية والمضادة للطائرات المسيّرة، من خلال العمل مع الصين والولايات المتحدة، وشركاء آخرين. وسوف تسعى أيضاً إلى اكتساب المعرفة بالتكنولوجيا النووية، وإن كان ذلك للاستخدام المدني، وسوف تفعل ما تحتاج إليه لتعزيز صناعتها العسكرية المحلية، التي قد تعتبرها إيران تهديداً لأمنها.

وتنظر طهران إلى الجوانب العسكرية للتطورات المذكورة أعلاه على أنها تهديد للتوازن الهجومي-الدفاعي الإقليمي. ولذلك فمن المرجح أن تواصل جهودها للشروع في اتخاذ تدابير مضادة مناسبة. وعلى الرغم من أن طهران قد توافق على الحدِّ من تزويد الحوثيين بأنظمة أسلحة هجومية متطورة جديدة، فإنه من غير المرجح أن تتغيّر سياسة دعم “محور المقاومة” المدعوم من إيران كركيزة للردع في المنطقة طالما أن جيشها لديه بدائل تقليدية محدودة، وطالما أن التهديد الأمريكي الإسرائيلي لم يتغيّر.

على نفس المنوال، لا يمكن تفسير دعم إيران لمحادثات السلام السعودية في اليمن، من خلال الضغط على الحوثيين لتخفيف حدة الاستفزازات، على أنه استعداد طهران للتخلي عن أداة قوتها هناك. وهذا يعني أن التعقيدات في اليمن قد تستمر. ذلك أن طهران تنظر إلى اليمن على أنه ممر استراتيجي يضمن الوصول العملياتي إلى المناطق الداخلية للمملكة خلال أي صراع محتمل.

فيما يتعلق بالملف النووي، فإن الديناميات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهةٍ أخرى، ستبقى المتغيّر الحاسم في تحديد النتائج.

باختصار، سيبقى الردع والاحتواء سياسة أساسية لكلا الجانبين. ومن المؤكد أن التطبيع الدبلوماسي سيساعد على تهدئة التوترات، لكنه لن يكون كافياً لعكس هذه الاتجاهات.

المفسدين المحليين والخارجيين

بعيداً عن التعقيدات بين الحكومتين السعودية والإيرانية، فإن المصالحة بين البلدين عُرضة لمجموعةٍ من المفسدين المحليين والأجانب. على الجبهة الداخلية، استفادت الأصوات المتشددة في كلا البلدين إلى حدٍّ ما من شيطنة الآخر. وقد يرتفع أصوات هؤلاء، خاصة في إيران، حال وصولهم إلى السلطة بعد إبراهيم رئيسي.

هناك أيضاً مفسدون خارجيون للصفقة. فلقد أثار الاتفاق قلق إسرائيل، وأثار انتقاداتٍ حادة داخل مكتب رئيس الوزراء، وكذلك زعيم المعارضة يائير لابيد الذي وصفه بأنه “فشل تام وخطير للحكومة الإسرائيلية”. وفي الوقت نفسه، قد تبحث إسرائيل عن طرقٍ لتعطيل المصالحة العربية الإيرانية لتجنب المزيد من الضغوط الإقليمية.

الخلاصة

في حين أن الاتفاق لم يحل القضايا الأمنية بين إيران والمملكة، فإن الفرصة التاريخية الحالية قد فتحت الباب لتغيير البنية الأمنية لمنطقة الخليج بطريقةٍ تخدم الشرق الأوسط بأكمله. ولكي يحدث هذا، تحتاج الدولتان إلى التفاوض، وحل خلافاتهما حول اليمن والعراق ولبنان وسوريا.

تتمثل الخطوة الأولى لاستدامة الصفقة في اعتراف صناع السياسة من كلا الجانبين بالتحديات والمفسدين الذين يمكن أن يهددوا بإجهاض فوائد الاتفاقية. يحتاج الجانبان إلى مواصلة الحوار حول تصوراتهما الأساسية للتهديد، ومساعدة بعضهما بعضاً على فهم المخاوف الأمنية لكل جانب بشكلٍ أفضل. وأخيراً، في حين أن العقوبات الأمريكية ضد إيران تمنع التكامل الاقتصادي بين الدولتين المتنافستين، يمكن لطهران والرياض العمل معاً على جوانب بعيدة إلى حدٍّ ما عن العقوبات من التعاون الاقتصادي، أي في مجالاتٍ مثل الأمن البحري، وتغير المناخ، والطاقة المتجددة، والتنسيق بشكلٍ أفضل بشأن سياسة الطاقة الخاصة بهما.

المصدر: ترجمة كيو بوست – مقال ذا كايرو ريفيو أوف جلوبال آفيرز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر