الجفاف ظاهرة ثابتة علينا أن نتعايش معها | مركز سمت للدراسات

الجفاف ظاهرة ثابتة علينا أن نتعايش معها

التاريخ والوقت : الأحد, 1 سبتمبر 2024

علي قاسم

جولة صغيرة في أسواق مدينة من مدن شمال أفريقيا وحوض البحر لأبيض المتوسط تكفي لملاحظة أمرين: الأول ارتفاع مشط في أسعار الخضار والفاكهة واللحوم بكل أنواعها، والثاني شح في المعروض وتدنّ في النوعية.

ولا تستغرب أن تجد الناس في المناطق المتأثرة بالجفاف يوجهون اللوم إلى السياح، يقولون إنهم السبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وشح المعروض.

بالطبع، هذا تفسير مردود عليه؛ السياحة كانت قائمة قبل الأزمة التي تشهدها الأسواق، وليس هناك ما يشير إلى أي تزايد في أعداد السياح عن الفترة التي سبقت جائحة كورونا. رغم ذلك، قد يدفع قطاع السياحة الثمن إن لم تبحث الحكومات عن حلول مناسبة وفعالة.

لإيجاد الحل، يجب أولًا أن نتفق على سبب المشكلة، وهو كما أصبح واضحًا للجميع “الجفاف” الذي لم يعد ظاهرة عابرة مرتبطة بموسم واحد، بل هو اليوم حقيقة ثابتة علينا أن نتعلم كيف نتعايش معها.

للتأكد من حقيقة ما يجري، يكفي التحليق بطائرة صغيرة على ارتفاع منخفض. الصورة من الأعلى تختلف تمامًا عن الصورة من الأسفل؛ بحيرات موحلة، هذا إن لم تكن جافة بالكامل، وحقول لا ضرع ولا زرع فيها بسبب الحرارة الشديدة.

وإذا ما تابعنا التحليق فوق مناطق يقطنها الأثرياء، سنجد مشهدًا آخر: حدائق مزهرة خضراء ومسابح تملأ بمياه عذبة تستبدل يوميًا.

المزارعون توقفوا عن زراعة محاصيل عديدة بسبب نقص المياه، ومربو الماشية يواجهون قرارًا صعبًا؛ ما إذا كان يتعين عليهم ذبح حيواناتهم قبل أن تستمر هذه الحيوانات في هزالها وتنفق في النهاية.

في السنوات العشر الأخيرة، شهدت منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط موجات جفاف متكررة، مما أثّر بشكل كبير على الزراعة والمياه والبيئة.

واضح أن صلاة الاستسقاء لن تنفع لحل مشكلة الجفاف. هناك خطوات يجب أن تتخذ وبسرعة.

مقبول من عامة السكان أن يفكروا بالأزمة باعتبارها أزمة عابرة ستنقشع قريبًا، وأن الحل سيأتي آجلاً أو عاجلاً.. ولكن هذا التفكير لا يقبل من المسؤولين والنخب. الحديث عن المشكلة وحده لن يجد حلاً لها.

ماذا فعلت الحكومات إلى يومنا هذا سوى المشاركة بمنتديات ومؤتمرات تدعو لحماية البيئة، لم تحقق حتى هذه اللحظة أيّ فوائد ملموسة، بل يصعب في منظور 10 سنوات أن نتوقع منها تحقيق أيّ نتائج.

دول شمال أفريقيا تعيش مشكلة جفاف حقيقية، في طريقها لتتحول إلى أزمة غذاء خانقة بدأت المنطقة تشعر بتداعياتها، والمخرج الوحيد الذي يتم الحديث عنه هو اللجوء إلى تحلية مياه البحر. ولكن ليس من دون ثمن.

ما يتبقى من مخلفات عن عملية التحلية يُعاد إلى البحر، وهو ما سيؤدي إلى زيادة ملوحة المياه في المناطق المحيطة بمحطات التحلية، وسيؤثر سلبًا على الحياة البحرية، بما في ذلك الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية وأنواع معينة من الأسماك. بمرور الوقت، سيتحول البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة مالحة خالية من مظاهر الحياة.

وإن كان هذا الثمن مقبولًا، فهل تكون انبعاثات الكربون الناتجة عن استهلاك الطاقة الكبير في محطات التحلية مقبولة؟ وهل يكون التلوث الكيميائي هو الآخر مقبولًا؟ عملية التحلية تتطلب استخدام مواد كيميائية لتنظيف الأغشية والفلاتر، هذه المواد الكيميائية يمكن أن تتسرب إلى البيئة البحرية وتؤثر على الكائنات الحية.

هذه المخاطر ليست أسوأ الأضرار، هناك أضرار بعيدة المدى قد تكون أشد خطورة، وهي التغيرات التي ستؤثر على التيارات البحرية، ويمكن أن تؤثر حسب الخبراء على البيئة وجيولوجية المناطق المحيطة.

باختصار، الاعتماد بشكل كلي على تحلية المياه على المستوى البعيد هو استبدال خطر بخطر آخر، حتى وإن حاول صناع القرار إقناعنا بغير ذلك.

هناك حلول أخرى لتنويع المصادر؛ هناك مورد آخر اسمه مياه الصرف الصحي المعالجة يجب اللجوء إليه وتحسين نوعية مياه الصرف واعتمادها في ري المزروعات، وإن كانت كلفتها التي تقارب دولارا أميركيا للمتر المكعب الواحد، حاليًا، عائقًا بحد ذاته.

ومن بين الحلول المطروحة ما يعرف بحصاد مياه الأمطار في المنازل والمؤسسات الصناعية.

وقد تضطر الحكومات مستقبلاً أن تغير من سياساتها في القطاع السياحي، وتقلص من سياحة المنتجعات الشعبية، وتركز على جذب الأثرياء من السياح لتقليص عدد الوافدين للبلاد وفي نفس الوقت تحافظ على المردودية.

وبسبب ضعف التمويل، لا يتم ذكر الهدر المائي كثيرًا عند الحديث عن مشكلة الجفاف. نسبة الهدر في مياه الري ومياه الشرب تختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن يمكن أن تكون مرتفعة بسبب تقادم البنية التحتية والأساليب المتبعة.

ويتراوح الهدر المائي بين 27 و30 في المئة من الموارد المائية، في كل من مصر وتونس والجزائر والمغرب، هذا الهدر يشمل المياه المستخدمة في الري ومياه الشرب، ويعود جزء كبير منه إلى تقادم الشبكات وضعف الاستثمار في البنية التحتية وتحسين الشبكات المائية.

وتواجه ليبيا تحديات كبيرة في إدارة مواردها المائية بسبب ندرة المياه السطحية والاعتماد بشكل كبير على المياه الجوفية المهددة بالاستنزاف.

ولكن ستبقى كل هذه الحلول التي ذكرت ناقصة ومحدودة الفاعلية ما لم يتم الإسراع في تبني سياسة التوعية على المستوى البعيد والقريب وإشراك المواطن، بتحميله مسؤولية الاقتصاد في استعمال المياه.

عندما يحدث السيناريو الأسوأ، لن يجد سكان المناطق المنكوبة جهة يلجؤون إليها، سيكون الشمال قد سد كل منافذ العبور.. وهو قد شرع في ذلك فعليًا.

المصدر: العرب

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر