سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مانوج كومار ميشرا
بصرف النظر عن الحرب التجارية الطويلة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تعكس الاختلافات في الملاحقات المادية، فإن عدم التوافق بين القوتين قد ظهر في عالم القيم. فالتدخل الأميركي في دعم قيم مثل الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان، يتعارض مع القواعد التي تسعى الصين إلى الدفاع عنها مثل السيادة وعدم التدخل.
أوقفت الصين، أخيرًا، زيارات السفن والطائرات التابعة للبحرية الأميركية إلى هونغ كونغ، بعد أن أقرَّت واشنطن تشريعات تدعم المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، وقامت بفرض عقوبات على عددٍ من جماعات حقوق الإنسان الأميركية. وينظر العلماء والقادة الصينيون على حدٍ سواء إلى حقوق الإنسان والديمقراطية الليبرالية على أنها قيم غربية وليست عالمية، كما أنهم ينظرون إلى مساعي أميركا لتعزيز هذه القيم في المقام الأول كوسيلةٍ للحفاظ على هيمنتها وإضعاف القوى المتنافسة. ويشير الصراع الجاري حول القيم إلى الاختلافات في التصورات والخوف من قوة الآخر ومصالحه ودوره في النظام الإقليمي والعالمي بدلاً من التوفيق بين مجموعتين من القيم الأبدية.
ثم إن التأكد من الوصول العالمي للقوة الأميركية مقابل الصين، يحدث من خلال ترسانةٍ غير متكافئةٍ من الأسلحةِ النوويةِ، وسلاحٍ جويٍ لا مثيل له، وميزانيات دفاعية كبيرة الحجم، بالإضافة إلى حلفاء لديهم قدرات عسكرية كبيرة في الجوار الصيني لتعطيل طموحات بكين في السلطة، بينما تفتقر الصين بوضوح إلى الوجود الاستراتيجي والقدرات التي تمكنها من التحقق من موقع القوة الأميركية في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، لوحظ تحولٌ في ميزان القوى العالمي في مجال الاقتصاد وتصورات التهديد عندما صمد الاقتصاد الصيني الموجه من الدولة أمام الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، في حين تراجعت الاقتصادات الغربية. تدريجيًا، ترافق صعود الصين مع إنشاء مؤسسات مالية بديلة اكتسبت زخمًا دون دعم أو وجود من الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يضم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 97 عضوًا، مقارنةً بأعضاء بنك التنمية الآسيوي الذي تقوده اليابان وبنك “مانيلا” البالغ عددهم 68 عضوًا. ويعدُّ بنك الاستثمار الدولي الذي يتخذ من بكين مقرًا له، أول بنك استثماري متعدد الأطراف لا تُمثَّل فيه قوتان اقتصاديتان هما اليابان والولايات المتحدة.
وبدأت الصين في الاعتماد بشكلٍ أكبر على مجموعة “بريكس” ومجموعة العشرين ومجموعة الـ77 ومنظمة شنغهاي للتعاون والترتيبات التجارية الإقليمية، التي قوضت هيمنة القوة الأميركية المؤسسية الموروثة داخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
في حين انسحبت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب من الترتيبات متعددة الأطراف، مثل: الاتفاق النووي الإيراني، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاق المناخ في باريس، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، حيث سعت الصين إلى تنشيط دورها في التعاون المتعدد الأطراف. فقد تحولت الصين، على سبيل المثال، إلى أكبر مساهم في قوات حفظ السلام بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وثاني أكبر ممول للأمم المتحدة. كما أن الصين تشارك بنشاط في آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية.
وبدأت الصين – أيضًا – في مساعي تعزيز نفوذها في منطقة غرب آسيا المضطربة، إذ بدا أن موقع القوة الأميركية يتراجع. فقد تعهد الرئيس “شي جين بينغ”، على سبيل المثال، بتقديم 20 مليار دولار كقروضٍ للتنمية الاقتصادية للدول العربية في يوليو 2018. وفي محاولة منها لتعزيز موطئ قدم دبلوماسي لها في المنطقة وحشد الدعم لسياساتها، فقد انتقدت الإجراءات الأميركية في الشرق الأوسط، مثل حرب العراق. وفي هذا السياق جاء الدعم الصيني لدولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ، ووجهت اللوم على واشنطن في تعطيل عملية السلام حينما اعترفت بالقدس المتنازع عليها كعاصمة لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، وبالاطلاع على المصادر والبيانات الرسمية التي أدلى بها الرئيس السابق لقيادة إفريقيا الأميركية، يمكن القول إن النفوذ الصيني في إفريقيا يُعدُّ تهديدًا كبيرًا للمصالح الأمنية الأميركية، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن 39 من 54 دولة إفريقية هي حاليًا أصحاب مصلحة “مبادرة الحزام والطريق”.
لقد تغلغل التأثير الاقتصادي للصين على شبكتها الدبلوماسية في الخارج؛ إذ تشير الإحصاءات الحالية إلى أن بكين تجاوزت واشنطن من حيث المناصب الدبلوماسية في الخارج. وعلى النقيض من 276 وظيفة دبلوماسية في الصين – بما في ذلك السفارات والقنصليات والبعثات الدائمة لدى المنظمات الدولية – لدى الولايات المتحدة 273. بجانب ذلك، نشير إلى حقيقة أن 96 قنصلية صينية (41 في آسيا، و28 في أوروبا)، تؤكد الصلة بين نفوذها الاقتصادي المعزز وما يصاحب ذلك من تعزيز الشبكة الدبلوماسية.
إضافة إلى ذلك، فإن الهدف الصيني المعلن لعزل الفضاء الإلكتروني من خلال إقامة نظامٍ قويٍ للدفاع الإلكتروني وضمان أمنه من التعدي على البيانات الأميركية، أدى إلى تصاعد التكهنات الخاصة بنوايا بكين. ففي حين تمَّ الإعراب عن القلق إزاء الاستراتيجية الصينية المتمثلة في حجب ومنع المراقبين الغربيين، تخضع سياساتها المحلية وسجلات حقوق الإنسان للتدقيق الأميركي المستمر، فضلاً عن تصورات التهديدات الأميركية حول الاستثمار الصيني في التكنولوجيا المتقدمة والبحث والتنمية التي يمكن أن تتحول إلى قوة عالمية في المستقبل القريب.
وتشير الإحصاءات إلى أن استثمارات الصين في البحث والتطوير، قد نمت بمعدل 20٪ سنويًا منذ عام 1999 وتمثل حاليًا 20٪ من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث والتطوير. ومن المعتقد أن التطورات في مجال التكنولوجيا ستمكّن الصين من تحويل ارتباطاتها الاقتصادية والدبلوماسية المتنامية إلى مكاسب استراتيجية من خلال السماح للسيطرة على المعلومات والخطاب والمعايير مع الحرمان من الفضاء للتأثير على الولايات المتحدة. وتتفاقم الشكوك الأميركية بسبب الخطة الصينية لإدراج طريق الحرير الرقمي كجزء لا يتجزأ من “مبادرة الحزام والطريق” الأكبر، التي من خلالها يمكن لشركات التكنولوجيا الصينية تصدير البنية التحتية للإنترنت، وكذلك تكنولوجيا المراقبة إلى دول في جميع أنحاء آسيا، في الخليج، وعبر إفريقيا.
ومع ذلك، فإن القوة الاقتصادية الصاعدة للصين مكَّنتها من ضخ الأموال في وسائل الإعلام مثل شبكة التلفزيون العالمية في الصين وشينخوا وغيرها من المنصات التي تديرها الدولة لنشر قواعد السيادة وعدم التدخل، والبيان المعلن للرئيس “شي” من أجل “مجتمع القَدَر المشترك للبشرية”. وقد لوحظ كيف وضعت الصين استراتيجية لتغيير الموقف من الاحتجاجات المستمرة لهونغ كونغ من خلال السيطرة على الخطاب السائد في وسائل الإعلام الأوروبية. كما لاحظ أحد الخبراء كيف تعاملت السفارات الصينية في وسط وشرق أوروبا مع وسائل الإعلام المحلية بعرض مقال منشور للسفير أو مقابلة مع رئيس السفارة للترويج لـ”الحساب الحقيقي” الرسمي للاحتجاجات.
في حين تشكل الصين حاليًا تحديًا في منطقة المحيط الهادئ الهندي بالصواريخ الباليستية الأرضية والطائرات والسفن التي يمكن أن تلحق الضرر بالقواعد الجوية الأميركية وحاملات الطائرات الأميركية، فهي أبعد ما تكون عن تحدي النفوذ الأميركي العالمي. ومع ذلك، فإن قدرة الصين على إنشاء مؤسسات مالية بديلة خالية من النفوذ الأميركي، والمشاركة المعززة في الأمم المتحدة وغيرها من المبادرات المتعددة الأطراف، والشبكة الدبلوماسية المتنامية والقدرة على تشكيل القواعد والخطاب في مناطق أوسع مصحوبة بانخفاض نسبي في القوة الأميركية، أثارت المزيد من التكهنات حول إمكانية الوصول والإمكانات العالمية للصين.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر