التأثير الحالي والمستقبلي لتلوث الهواء وتغير المناخ | مركز سمت للدراسات

التأثير الحالي والمستقبلي لتلوث الهواء وتغير المناخ

التاريخ والوقت : الأربعاء, 15 فبراير 2023

Terra Pass

في حين أن القلق المرتبط بتلوث الهواء قد يبدو جديدًا نسبيًا بالنسبة للبعض، إلا أنه ينطوي على تهديدٍ لصحة الإنسان منذ عام 400 قبل الميلاد تقريبًا. لكن مع انتشار الصناعة حول العالم، ارتفعت مستويات التلوث، مما أدى إلى العديد من المشكلات الصحية للإنسان والحيوان والنبات.

وفي العقود الأخيرة، أصبح البشر أكثر وعيًا بتلوث الهواء وتغير المناخ وحاولوا إبطاء كليهما. ومع أننا قطعنا خطوات واسعة في هذه الجهود، لا نزال بحاجة للمزيد من العمل للمساعدة في الحفاظ على عالمنا. وفيما يلي سنلقي نظرة على تلوث الهواء وتغير المناخ لمعرفة مدى ارتباطهما، وكذلك تأثير التلوث على البشر والنباتات والحيوانات.

كيف يؤثر تلوث الهواء في مناخنا؟

لملوثات الهواء تأثير واسع النطاق على المناخ، لكنها ليست دائمًا بنفس التأثير. فيمكن للبعض أن يجعل المناخ أكثر دفئًا، بينما يمكن للآخرين جعله أكثر برودة، وذلك وفقًا لهيئة حماية البيئة؛ إذ يؤدي ذلك إلى بعض الارتباك. لكن دعونا نراجع كيف تؤثر الملوثات المختلفة في المناخ، والتأثير الواسع النطاق الذي يمكن أن يحدث على العالم.

الملوثات يمكن أن تسبب ارتفاع درجة حرارة المناخ

يسمع معظم الناس عن كيف يمكن لملوثات الهواء أن تسبب الاحتباس الحراري، وهو ما يعني أنها تسبب ارتفاع درجة الحرارة العالمية، مما يؤدي إلى مناخات أكثر دفئًا في جميع أنحاء العالم. وتعتبر غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون أو أكسيد النيتروجين، من بين الملوثات المسؤولة عن تأثير الاحترار. وتحدث الغازات الدفيئة بشكل طبيعي في الغلاف الجوي للأرض، إذ تساعد في تنظيم درجة الحرارة حتى يصبح كوكبنا صالحًا للسكن. ومع ذلك، فمنذ أوائل القرن العشرين، ارتفعت مستويات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بشكل مطرد نتيجة لاحتراق الوقود الأحفوري في السيارات والمصانع ومحطات الطاقة والزراعة وغير ذلك. ويساهم دخان حرائق الغابات في مستويات انبعاثات الغازات الدفيئة.

وتسبب الغازات الدفيئة ارتفاعًا في درجات الحرارة في مناطق القطب الشمالي، بما يسهم في ذوبان الجليد والثلوج هناك خلال فصلي الربيع والصيف. إن ذلك لا يغير فقط النظم البيئية في مناطق القطب الشمالي بشكل جذري، ولكن يمكن أن يغير سطح الأرض بشكل كبير ويؤدي إلى مزيد من الاحترار. كما يؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى إطلاق جسيمات دقيقة في الغلاف الجوي، وهو ما يعرف باسم “الهباء الجوي” Aerosols. وبينما يعمل الهباء الجوي بشكل مختلف وبتأثيرات متفاوتة على المناخ العالمي، فإن أحد أشكال تلوث الجسيمات المعروفة باسم الكربون الأسود أو “السخام” يمتص حرارة الشمس ويسخن الغلاف الجوي.

الملوثات يمكن أن تتسبب في تبريد المناخ

كما ذكرنا سابقًا، لا يعمل الهباء الجوي بنفس الطريقة، حيث يؤدي بعضه إلى تبريد سطح الأرض عن طريق انعكاس أشعة الشمس. كما أنها تساعد في إنتاج السحب، لذا فكلما زاد الهباء الجوي في الغلاف الجوي، زادت احتمالية ظهور السماء المُلَبَّدة بالغيوم التي تحجب أشعة الشمس، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تأثير تبريد شامل. ويحدث هذا الهباء بشكل طبيعي في الغلاف الجوي بسبب الانفجارات البركانية ورذاذ البحر والأحداث الأخرى، لكنها تأتي أيضًا من انبعاثات الوقود الأحفوري. ومن السهل أن نفترض أن تأثير التبريد للهباء الجوي يمكن أن يوازن تأثير الاحتباس الحراري لغازات الدفيئة. والحقيقة هي أن الغازات الدفيئة يمكن أن تبقى في الغلاف الجوي لفترة أطول بكثير مما يمكن للهباء الجوي، ما يعني أن تأثير الاحترار الخاص بها يدوم لفترة أطول، بما يؤدي إلى زيادة صافية في درجات الحرارة العالمية. وتظهر نماذج المحاكاة أن هذه الجسيمات الدقيقة تسبب حوالي نصف مقدار التبريد الذي تسببه غازات الدفيئة في الاحترار.

هل يؤدي تلوث الهواء إلى تفاقم تغير المناخ؟

نعم، تؤدي مستويات تلوث الهواء المرتفعة إلى تفاقم تغير المناخ، وعلى وجه التحديد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المفرطة في الغلاف الجوي من الأنشطة البشرية، مثل: السيارات والمصانع ومحطات الطاقة وغيرها. وتظل هذه الغازات الدفيئة في تركيزات عالية في الغلاف الجوي لعقود أو حتى قرون، مما يزيد من كمية الحرارة المحتجزة على سطح الأرض باطراد. ومع استمرار انبعاث غازات الدفيئة، يمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية وذوبان المزيد من الثلوج والجليد في مناطق القطب الشمالي؛ وهو ما يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشكلات العالمية.

ما هي الآثار الرئيسية لتلوث الهواء على البشر؟

تلوث الهواء على رأس تأثيرات تغير المناخ التي نشهدها جميعًا اليوم. لكن دعونا نراجع الآثار الرئيسية لملوثات الهواء على البشر.

التأثير على الصحة

لتلوث الهواء الخارجي، مثل الضباب الدخاني أو الأوزون الأرضي، تأثيرات صحية سلبية مختلفة طويلة وقصيرة المدى على البشر. فالمجموعات الحساسة، مثل الأطفال وكبار السن والأشخاص المصابين بأمراض موجودة، معرضون بشكل خاص لهذه المخاطر الصحية. ويمكن أن يؤدي التعرض قصير المدى لنوعية الهواء الرديئة، وخاصة في المدن المزدحمة مثل نيويورك أو سان فرانسيسكو، إلى أعراض خفيفة، مثل: 

  • السعال. 
  • الصفير.
  • تهيج العين والأنف والحنجرة.
  • الصداع.
  • الدوار.
  • إعياء.

وفي حين أن هذه الأعراض يمكن أن تختفي من تلقاء نفسها عن طريق الدخول إلى منطقة بها هواء نظيف، فإن التأثيرات طويلة المدى تكون أكثر خطورة. وتشمل هذه الآثار طويلة المدى على الصحة العامة ما يلي:

  • أمراض الجهاز التنفسي مثل: الربو، أو مرض الانسداد الرئوي المزمن.
  • أمراض القلب والأوعية الدموية.
  • أزمة قلبية.
  • الإضرار بالكبد والطحال والدم.
  • الإضرار بالجهاز العصبي.
  • سرطان الرئة وأنواع سرطانية أخرى. 
  • تشوهات خلقية.
  • الموت المبكر.

التأثير على إنتاج الغذاء

ويمكن أن يؤثر تلوث الهواء على إنتاج الغذاء بما يؤدي إلى ندرة بعض الأطعمة الأساسية. فمن بين المحاصيل الأكثر حساسية للأوزون، فول الصويا والقمح والبطاطس والأرز والذرة. إذ أظهرت دراسة أن الأوزون قد تسبب في انخفاض يقدر بنحو 6% إلى 16% في فول الصويا، وانخفاض بنسبة 7% إلى 12% في القمح، وانخفاض بنسبة 3% إلى 5% في الذرة.

وبشكل واسع يمكن أن يؤدي هذا في النهاية إلى نقص الغذاء وترك العديد من الناس حول العالم يكافحون للعثور على ما يكفي من الغذاء. ومع انعدام الأمن الغذائي الحاد الذي يؤثر في 135 مليونًا إلى 345 مليون شخص في جميع أنحاء العالم و49 مليون شخص على وشك المجاعة، فإن ذلك يعد شيئًا لا يمكن للعالم أن يتجاهله.

ما هي الآثار الرئيسية لتلوث الهواء على البيئة؟

يعد تلوث الهواء والتأثير المحتمل لتغير المناخ على البشر مقلقًا جدًا، ولكن هناك أيضًا مخاطر بيئية كبيرة مرتبطة بتلوث الهواء، حيث تتراوح بين الضرر الذي يلحق بالحياة البرية والظروف الجوية القاسية، مثل الفيضانات والأعاصير القوية. لذا دعونا نستكشف هذه المخاطر البيئية.

إنه يضر بالحيوانات والنباتات

فمثل البشر، يمكن أن تتعرض النباتات والحيوانات لأضرار جسيمة من تلوث الهواء وتغير المناخ. ويمكن أن تعاني الحيوانات من نفس الأمراض الجسدية التي يعاني منها البشر عند تعرضهم لتلوث الهواء الضار مثل: الضباب الدخاني، والسخام وغيرها. وبالمثل، فعند التعرض قصير المدى، يمكن أن تشمل الأعراض ما يلي:

  • الصفير.
  • تهيج العين والأنف والحنجرة.
  • الصداع.
  • الدوار.
  • الإعياء.

ويمكن أن يتسبب التعرض طويل الأمد في أمراض الرئة، وتليف القلب والأوعية الدموية، وأضرار بالأعضاء الداخلية، والسرطان، تمامًا كما يحدث عند البشر. كما تعاني النباتات من تلوث الهواء المفرط، إذ يمكن أن يؤدي التعرض الطويل الأمد للسموم المحملة جوًا إلى انخفاض النمو. ويتسبب تلوث الأوزون في إتلاف مسامات النباتات، التي تسمح بشكل أساسي باستنشاق الهواء من حولها. ويمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى تقليل ضوء الشمس بالضباب الدخاني وتغطية السحب الكثيفة، مما يمنع النباتات من عملية التمثيل الضوئي ويقلل من قدرتها على النمو. ويمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى ظهور سموم في التربة، مثل ثاني أكسيد النيتروجين والأمونيا والرصاص، مما يؤدي إلى حرمان النباتات من العناصر الغذائية التي تحتاجها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتسرب كل هذه السموم الموجودة في التربة إلى البحيرات والجداول وغيرها من المسطحات المائية بما يؤثر بشكل خطير في الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى. علاوة على كل هذا، يمكن أن يؤثر تلوث الهواء سلبًا في مجموعات النباتات والحيوانات مما يحدُّ من الإمدادات الغذائية الطبيعية في السلسلة الغذائية. ويمكن أن يتسبب هذا في نقص الغذاء في جميع أنحاء العالم للحيوانات، مما يؤدي إلى انخفاض عدد السكان عبر السلسلة الغذائية كلها.

يخلق أمطارًا حمضية

عند حرق الوقود الأحفوري، ينبعث ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي. فعندما يختلط هذان العنصران مع قطرات الماء في الهواء، فيمكنهما تكوين طقس شديد يعرف باسم المطر الحمضي، وهو مزيج من حمض الكبريتيك والنتريك. ويمكن للريح بعد ذلك أن تحمل هذه السحب المليئة بالأمطار الحمضية على بعد آلاف الأميال وتلقيها على الأرض بالأسفل. ويؤثر المطر الحمضي على الغطاء النباتي من خلال إتلافه كليًا وزيادة الحموضة في المياه والتربة في المنطقة. وعلاوة على الحياة النباتية المدمرة، يرتبط المطر الحمضي أيضًا بأكثر من خمسمئة حالة وفاة سنويًا، ويمكن أن يذيب المباني والهياكل الأخرى، مما يتسبب في أضرار تصل إلى خمسة مليارات دولار سنويًا.

يضر بطبقة الأوزون

في حين أن الثقب الموجود في طبقة الأوزون تظهر عليه علامات الانكماش، فإنه يظل أحد الأعراض الرئيسية لتلوث الهواء، وخاصة المبردات، مثل مركبات الكربون الكلورية الفلورية. وتحتوي مركبات الكربون الكلورية الفلورية على ذرات كلور يمكنها تدمير ذرات الأوزون. وفي الواقع، يمكن لذرة كلور واحدة أن تدمر آلاف جزيئات الأوزون. كما تحجب طبقة الأوزون أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة، حيث يؤدي وجود ثقب في هذه الطبقة إلى تعريض الحياة على الأرض للخطر من خلال زيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد لدى البشر والحيوانات، وتقييد نمو النباتات، وإبطاء نمو الأسماك والبرمائيات.

يخلق ظروفًا مناخية قاسية

يمكن أن يؤدي الثقب الموجود في طبقة الأوزون وانبعاثات غازات الدفيئة التي تحتفظ بمزيد من الحرارة على سطح الأرض إلى ظروف مناخية قاسية. ويمكن أن يشمل ذلك الجفاف، والعواصف الكارثية، والحرارة الشديدة، والبرودة الشديدة. إذ يمكن أن تؤدي كل هذه الظروف إلى العديد من المشكلات المتصلة بها، مثل: حرائق الغابات، وندرة المياه، وارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات، وغيرها.

أين سنكون بعد عشرين أو ثلاثين عامًا؟

إذا تمكنا من الاستمرار في خفض انبعاثات الكربون، يتوقع الخبراء أن ترتفع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية بحلول عام 2050. ويبدو ذلك منخفضًا؛ يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذا هو المتوسط. ففي مناطق القطب الشمالي الحساسة، سترتفع درجة الحرارة بما يقدر بنحو 5.5 إلى 8 درجات مئوية، وهو أمر أكثر درامية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ذوبان الجليد والثلج المتسارع. وفي المقابل، سوف يؤدي ذلك إلى زيادة امتصاص الإشعاع الشمسي، بالإضافة إلى ظروف المحيط القاسية وزيادة موجات الحرارة بنسبة 37%. لكن حتى لو نجحنا في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من تلوث الهواء، فسوف تستمر الأمور في التدهور حتى عام 2050، وهي حقيقة محزنة. غير أننا سوف نستمر في رؤية المزيد من موجات الجفاف وحرائق الغابات، والمزيد من الفيضانات والطقس القاسي، وذوبان الغطاء الجليدي، وارتفاع مستويات مياه سطح البحر. وفي حين أن ذلك قد يبدو وكأنه مستقبل قاتم، إلا أن القوة لا تزال في أيدينا لإبطاء هذا التغيير وبدء طريق العودة إلى التعافي.

تلوث الهواء وتغير المناخ يسيران جنبًا إلى جنب

بشكل عام، يشمل تلوث الهواء العديد من انبعاثات غازات الدفيئة والهباء الجوي التي يمكن أن تؤثر في طبقة الأوزون وقدرة الغلاف الجوي على تنظيم درجة الحرارة العالمية. ويؤدي ذلك مباشرة إلى تغير المناخ، مما يعني أن تلوث الهواء وتغير المناخ مرتبطان بعضهما ببعض. فإذا ركزنا على التخفيف من تلوث الهواء، يمكننا المساعدة في مكافحة تغير المناخ والحفاظ على كوكبنا صالحًا للسكنى لأجيال. كما يمكن للجميع القيام بدورهم، من التحول إلى سيارات تعمل بالوقود البديل أو وسائل النقل العام، والتركيز على الطاقة المتجددة التي تبعدنا عن الوقود الأحفوري. ويمكننا أيضًا تقديم المزيد من المساعدة من خلال تمويل المبادرات التي تساعد على خفض انبعاثات غازات الدفيئة من خلال تعويضات الكربون. إذ يسهم تمويل أرصدة الكربون في تقليل الكربون أو عزل الكربون بما يركز على امتصاص الكربون، مثل برامج زراعة الأشجار وتعويض البصمة الكربونية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Terra Pass

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر