الاحتيال المالي.. الآفة الدائمة | مركز سمت للدراسات

الاحتيال المالي.. الآفة الدائمة

التاريخ والوقت : الخميس, 5 أكتوبر 2023

سوفيكلس

على الرغم من الأدوات المتوافرة على الساحة العالمية للوقوف في وجه عمليات الاحتيال المالي، غير أن الثغرات التي ينفذ منها المحتالون سواء كانوا أفرادا أو عصابات تبقى هي أيضا متوافرة. هذا النوع من الاحتيال يبقى آفة تتعاظم عالميا، وتأخذ أشكالا جديدة، وأخرى متجددة، حتى إن الجهات المعنية بمكافحتها تعرف بين الحين والآخر بفشلها في هذا المضمار أو ذاك. والاحتيال عموما ليس جديدا في هذا العالم. فقد سجلت أول عملية احتيال منذ 300 عام قبل الميلاد، عندما حصل تاجر يوناني على بوليصة تأمين لسفينة تشحن الذرة. ماذا فعل، أفرغ شحنته وباعها بالفعل، وقام بإغراق السفينة للحصول على أموال التأمين. وهذا أيضا أسلوب لا يزال يتكرر حتى اليوم بأشكال مختلفة، وبوتيرة لا تتوقف.

التكنولوجيا الحديثة تتطور لتوفير الخدمات المالية السريعة والآمنة، إلا أن المحتالين طوروا هم أيضا مع الوقت أساليبهم للالتفاف عليها، ولتحقيق أكبر قدر من المكاسب، بصرف النظر عن أي اعتبارات. هناك من هؤلاء من يستهدف بالاحتيال ماليا حتى الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية، وحتى أولئك الذين لا يملكون بالفعل إلا قوت يومهم. الاحتيال المالي بلغ مستويات هائلة في حجمه وفي أدواته أيضا، حتى إنه من الصعب الوصول إلى الحجم الفعلي للخسائر الناجمة عن هذا الاحتيال، لأسباب عديدة، في مقدمتها أن نسبة كبيرة من الأفراد الذين يتعرضون لسرقة أموالهم، لا يقومون بالتبليغ عن ذلك، خصوصا عندما تكون المبالغ صغيرة، وأحيانا غير مرئية بالنسبة إلى أصحابها أنفسهم.

مع أن المؤسسات المالية وتلك التي تعتمد التكنولوجيا وقنوات الاتصال الحديثة، تقوم بصورة متواصلة بتوجيه الإرشادات اللازمة لعملائها، غير أن التجاوب معها، وفق دراسات نشرت بهذا الصدد، يبقى متواضعا. من هنا، فإن عمليات الاحتيال ترفع بوتيرة كبيرة، وتسبب الخسائر المتوالية، بالنسبة إلى الأفراد والمؤسسات على حد سواء. وتؤكد رابطة البنوك البريطانية، على أن المصارف لا يمكنها أن تصل إلى المستوى المرضي لدحر المحتالين، إلا بالتعاون مع بقية المؤسسات، واشتراك العملاء أنفسهم في عملية المتابعة. وفي تقرير لها، وصفت الاحتيال المالي بالوباء، وسط زيادة هائلة في حجم الخسائر الناجمة عنه. وتفاقم هذا النوع من الاحتيال في الواقع في أعقاب جائحة كورونا، التي وصفها بعض المختصين في المكافحة، بأنها بمنزلة عيد بالنسبة إلى المجرمين. فوفق هيئة الرقابة المالية في بريطانيا، فإن عدد إنذارات الاحتيال التي أصدرتها الهيئة في 2020 “عام الجائحة” كان ضعف المستوى الذي شوهد عليه في 2019.

هذا مفهوم جدا، بعد أن ارتفعت وتيرة الاعتماد على الإنترنت في التعاملات المالية، مع إغلاق المصارف والمؤسسات المالية المختلفة. في 2020 وحده فقد نحو نصف مليار جنيه استرليني من نحو 150 ألف ضحية. وهذا ليس غريبا مع توسع دائرة الاحتيال حول العالم. وبحسب وكالة “جونيبر” للأبحاث، فقد إجمالي الخسائر المقدرة خلال خمسة أعوام من جراء الاحتيال عبر الدفع الإلكتروني سيتجاوز 343 مليار دولار. وفي الولايات المتحدة وحدها بلغ حجم خسائر المستهلكين عموما في العام الماضي 8.8 مليار دولار، بارتفاع وصل إلى 44 في المائة عن المستوى الذي سجلته في 2021. وهذه أمثلة عابرة على مدى هذه الخسائر التي يتكبدها الضحايا على الرغم من كل الإجراءات المقيدة والمتطورة التي تتبعها المؤسسات.

ولأن الأمر كذلك، فقد تسبب الاحتيال المالي في إجمالي خسائر وصل إلى 5 في المائة من التجارة العالمية ككل. وانطلاقا من تقديرات مؤسسات دولية وغربية معنية بهذا الأمر، فإن الخسائر الناجمة عن الاحتيال في نطاق المدفوعات وصلت في 2020 إلى أكثر من 32 مليار دولار. وهذه مرة أخرى تقديرات بحدودها الدنيا، لأن كثيرا من عمليات الاحتيال لا تسجل. لكن في النهاية يمكن تقدير الخسائر الناجمة عن كل أنواع الاحتيال حول العالم بخمسة تريليونات دولار سنويا. وهذا يشمل بالطبع قطاعات مختلفة، بما في ذلك سرقة بيانات شخصية والاتجار بها. وهذه الأموال تمثل ما يقرب من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. بمعنى آخر، هناك ما يمكن وصفه بـ”اقتصاد الاحتيال” على الساحة الدولية.

المسألة تتعاظم أكثر عندما تتعلق باستهداف الأعمال، لأن كل دولار واحد يكلف المؤسسات أربعة دولارات عاما بعد عام. وعلى هذا الأساس، ليس هناك أي مؤشرات تدل على إمكانية التخلص من عمليات الاحتيال المالي في المستقبل القريب. فحتى المؤسسات التي تعد نفسها محصنة من هذه الجرائم، تعانيها. وليس هناك أمل سوى بالتعاون المؤسساتي أولا، وبمواصلة خطط “التثقيف” الأمني للعملاء الماليين وغيرهم، ودفعهم لأن يكونوا جزءا أصيلا ومباشرا في المواجهة ضد العصابات المنتشرة حول العالم، ولا سيما أنها تقوم بتطوير طرق احتيالية بصورة تفوق أحيانا تلك التي وضعت لضربها والحد منها. إنها عملية كر وفر. سينتصر من يستطيع التقدم بخطوة عن الآخر في نهاية المطاف.

المصدر: الاقتصادية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر