سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Mark Gongloff
على مدى عقود، اعتبرت مشكلة الاحترار العالمي على نطاق واسع أزمة تخص المستقبل، ومن شأنها أن تثير القلق عند سيئي الحظ من أحفادنا.
ولكن مع تقلب درجات الحرارة القياسية بلا هوادة، يتضح الآن أننا وصلنا إلى هذا المستقبل فعلاً، وأصبحنا نحن أولئك الأحفاد البائسين. كما يتضح أيضاً أننا غير مستعدين لمواجهة هذه الحرارة.
كان يوم الاثنين 22 يوليو أشد الأيام حرارة في التاريخ المدون، فقد وصل متوسط درجة الحرارة عالمياً إلى 17.15 درجة مئوية (62.87 درجة فهرنهايت)، وفقاً لوكالة “كوبرنيكوس” لمراقبة تغير المناخ بالاتحاد الأوروبي، محطماً بذلك الرقم القياسي السابق الذي سُجل يوم الأحد (قبل يومين).
قبل يوم الأحد، سجلت الحرارة رقمها القياسي السابق في يوليو 2023. وفي الواقع، شهدت الأعوام العشرة الماضية أعلى 10 مستويات لدرجة الحرارة القصوى سنوياً في التاريخ، وفقاً لبيانات وكالة “كوبرنيكوس” التي يعود تاريخها إلى عام 1940.
انتقلت المستويات المرتفعة للحرارة في العامين الماضيين إلى عتبة جديدة، بأن تجاوزت 17 درجة مئوية لأول مرة.
في العام الماضي، كان باستطاعتنا أن نعزو جزءاً من ارتفاع درجة الحرارة إلى ظاهرة “إل نينيو” المناخية، التي تميل إلى رفع درجة الحرارة العالمية. إلا أن الظاهرة انتهت، وما زال مقياس الحرارة عالياً إلى درجة تثير القلق.
أعلى حرارة منذ 125 ألف سنة
كذلك، قد تكون درجات الحرارة تلك هي أعلى الدرجات المرتفعة منذ حوالي 125 ألف سنة، إذ لا يكل الذين ينكرون تغير المناخ من الإشارة إلى أن المناخ يشهد تغيراً على الدوام. فقد جاء عصر جليدي طويل بعد تلك الفترة الحارة منذ 5 آلاف جيل، عندما ارتفعت درجات الحرارة ربما إلى مستوى 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الصناعة، بما يضاهي تقريباً مستوى السنة الماضية التي كانت حارقة.
بعد ذلك، ارتفعت حرارة الكوكب بشكل طبيعي حتى بلغت مستويات الحرارة اللطيفة والملائمة لازدهار الحضارة البشرية لما يقرب من 240 جيلاً، وهو ما شكل عصراً ذهبياً للزراعة، وتكييف الهواء، وكؤوس ستانلي.
أما الخبر السيئ فهو أنه بفضل تلك الحضارة نفسها التي تحرق الوقود الأحفوري، وتنفث الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي، فإن درجات الحرارة اللطيفة تلك أصبحت شيئاً من الماضي.
نحن في طريقنا لتجاوز 1.5 درجة مئوية من الاحترار إلى ما يقرب من 3 درجات مئوية، مما يسرع من عملية تستغرق آلاف السنين بشكل طبيعي. قد تكون هذه السنوات هي الأشد حرارة في التاريخ المسجل، لكنها ستكون أيضاً من أكثر السنوات برودة التي سنعهدها على الإطلاق.
ارتفاع درجات الحرارة يشحن طقس كوكب الأرض، مما يؤدي إلى موجات حرارة أكثر تواتراً وشدة، وموجات جفاف وحرائق غابات وفيضانات وأعاصير وعواصف رعدية مدمرة بشكل متزايد.
ومع هذا الارتفاع، ستؤدي الحرارة في نهاية المطاف إلى ذوبان الصفائح الجليدية ورفع مستوى سطح البحار عالمياً، والقضاء على غابات الأمازون المطيرة، وذوبان الجليد الدائم في مناطق القطب الشمالي، وإطلاق غاز الميثان ومسببات الأمراض القديمة، وقتل الشعاب المرجانية، وإيقاف تيار المحيط الأطلسي الذي يتحكم في منظم حرارة أوروبا. كما ستؤدي إلى هجرات جماعية وحروب على الموارد.
الحرارة نفسها أكثر الأخطار فتكاً
لكن التأثير المباشر الأكثر فتكاً هو الحرارة نفسها. فهي تهاجم صحة الإنسان على كل المستويات، وتحصد بالفعل أرواحاً كل عام أكثر من كل الكوارث الطبيعية الأخرى مجتمعة.
هذه المشكلة كبيرة جداً ومراوغة لدرجة أننا لم ندرك بعد أبعادها الكاملة. وكانت الحرارة سبباً واضحاً فقط في أكثر من 2300 حالة وفاة مرتبطة بالحرارة في الولايات المتحدة العام الماضي.
أشارت دراسة أجراها باحثون في جامعات “براون” و”بوسطن” و”تورنتو” في عام 2020 إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكثر من ضعف هذا الرقم. وربما يقترب عدد الوفيات التي لم يتم إحصاؤها في العالم بسبب الحرارة من نصف مليون حالة سنوياً.
إن تحديد خطر الحرارة على الصحة أمر بالغ الأهمية ولكنه مجرد بداية. إذ يحتاج الناس أيضاً إلى التثقيف بشكل أفضل حول مخاطرها، حتى يتوقفوا عن تعريض أنفسهم للأذى.
ويشمل ذلك تغيير الموقف الثقافي تجاه الحرارة باعتبارها “شيئاً يجب قبوله عن طيب خاطر، أو تحمله بشجاعة، أو تجاهله بلا مبالاة، أو في حالة بعض المجتمعات المهمشة، شيئاً مستحقاً تماماً”، كما كتب مؤخراً كل من عمير عرفان وآجا رومانو من موقع “فوكس” (Vox).
بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، فإن الأشخاص الأكثر عرضة لمخاطر الحرارة هم كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض كامنة والأشخاص الذين يفتقرون إلى مكيفات الهواء.
كما أن لدى الأحياء التي كانت محرومة في السابق وتعاني من التمييز، عدداً قليلاً من الأشجار، وتعاني أكثر من غيرها من تأثيرات المناطق الحضرية الحارة. وجميعها تستحق حماية أفضل مما تتلقاه الآن.
اعتبار موجات الحر كوارث طبيعية
في الوقت نفسه، يفتقر ملايين الأميركيين الذين يعملون في الهواء الطلق إلى الراحة من الحرارة. وحظرت ولايتا فلوريدا وتكساس على الحكومات المحلية أن تشترط على الشركات منح الموظفين استراحات منتظمة للتمتع بالظل وشرب الماء، لأن عدم الموت من الحرارة متعلق بالوعي والحذر.
يمكن لإدارة السلامة والصحة المهنية التابعة للحكومة الفيدرالية أن تنقذ الأرواح من خلال فرض معايير على مستوى البلاد، لكنها بدأت للتو عملية وضع القواعد التي تستغرق سنوات.
وحتى اقتراح إدارة السلامة والصحة المهنية الذي أُعلن عنه الشهر الماضي، وأثار رد فعل سياسي عنيف من الجمهوريين، سيترك 7.9 مليون عامل في القطاع العام من دون حماية، حسبما ذكرت صحيفة “بوليتيكو إي آند إي نيوز” (Politico’s E&E News) يوم الأربعاء.
وذلك لأن القانون الذي أنشأ إدارة السلامة والصحة المهنية، لم يمنحها السلطة إلا على الشركات الخاصة، وعلى العاملين في القطاع العام أن يعتمدوا على الولايات للحصول على الحماية، و23 منها لم تكلف نفسها عناء ذلك.
وإلى جانب التردد الغريب للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ في اعتبار موجات الحر كوارث طبيعية، هذه هي الهفوات التي يجب على الكونغرس إصلاحها.
إذا احتوى الغلاف الجوي للأرض فجأة على غاز عديم اللون والرائحة لا يختفي أبداً ويقتل ويسبب المرض للملايين من الناس كل عام، فسنعتبر ذلك حالة طوارئ صحية عامة على نفس مستوى الوباء، وربما نكرس المجتمع كله لشن حرب على هذا الغاز عديم اللون والرائحة. علينا أن نتعامل مع الحالة الجديدة الدائمة من ارتفاع الحرارة عالمياً باهتمام وسرعة لا تقل عن تلك الحالة الطارئة.
المصدر: الشرق Bloomberg
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر