هل ينبغي للولايات المتحدة أن تعوق تقدم التكنولوجيا الصينية؟ | مركز سمت للدراسات

هل ينبغي للولايات المتحدة أن تعوق تقدم التكنولوجيا الصينية؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 17 يوليو 2018

جورج كوو

 

يرى عدد من المعلقين والمراقبين، ومنهم “بيبي إسكوبار” الكاتب بمجلة “آسيا تايمز”، أن الحرب التجارية التي بدأتها الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب، لا تقتصر على سرقة الملكية الفكرية أو التجارة غير العادلة، بل إنها تتعلق بوضع السباق التكنولوجي مع الصين الذي تتقدم فيه الأخيرة.

ويرى “إسكوبار” أن ترمب يستشعر التهديد تجاه الأهداف الصينية المعلنة والصريحة بأن تصبح رائدة العالم في 10 مجالات تكنولوجية بحلول عام 2025، وهو ما تتفق معه بعض الوكالات الإعلامية، مثل CNBCالتي تراقب ذلك المضمار التنافسي في سباق “تكنولوجيا الجيل الخامس”.

وفي هذا السياق، تقوم بكين بإيفاد الطلاب الصينيين لمتابعة الدراسات العليا في الولايات المتحدة. ولأن رحلة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) بالولايات المتحدة تستغرق ما بين أربع وخمس سنوات، فإن بكين تجدد تأشيرة الدخول كل عام، ويخضع ذلك لرفض تعسفي من شأنه أن يُثني البعض عن تقديم الطلبات إلى الجامعات الأميركية، إذ مرَّت الإجراءات المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول في القنصلية الأميركية بالصين بتطورات غامضة في الآونة الأخيرة. ويكتشف باحثو الدكتوراه الذين يسعون لعرض نتائج أبحاثهم في المؤتمرات العملية المتخصصة الوطنية بالولايات المتحدة، أن عملية الموافقة على التأشيرات قد تأخرت بدون تفسير، ليجد الباحثون أنفسهم وقد ضاع الوقت، وتضيع عليهم فرصة المشاركة في المؤتمر.

كما يسخر البعض من هذه التصرفات، مثل: مدير التحقيقات الفيدرالية الأميركي “كريستوفر وراي”، والسيناتور “ماركو روبيو”، الذي يرى أن في ذلك ميزة تتمثل في مواجهة عمليات جمع المعلومات الاستخبارية “غير التقليدية”، لكن هذا الأمر لا يخلو من الضرر، حيث تتأثر المصلحة الوطنية الأميركية على المدى الطويل، فالجامعات الأميركية تحتاج نحو ثلث الطلاب الصينيين في هذا المجال، وبخاصة في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حيث توجد حاجة ماسة للخريجين في هذه التخصصات حتى تحافظ الولايات المتحدة على ريادتها في مجال التكنولوجيا، وهي التخصصات ذاتها التي يجد الطلاب الأميركان فيها صعوبة، وبالتالي يتجنبون التخصص فيها فيما بعد؛ ولأجل ذلك تعتمد كليات الدراسات العليا في الجامعات الكبرى على الطلاب الوافدين من الصين لتوظيفهم في إطار برامج بحثية للحفاظ على جودة العمل بها، وبدون هؤلاء الطلاب، فإن العديد من مؤسسات التعليم العالي ستواجه مشكلة تتعلق ببقائها.

إن الادعاء بأن عشرات الآلاف من الطلاب الصينيين الذين يتم إيفادهم للولايات المتحدة يقومون بأعمال تجسس، غير صحيح، بل إنه يتعلق بحالات الفزع من الأجانب. ذلك أن بحوث الدراسات العليا تقدم مجالاً واسعًا من المعارف الإنسانية. فلا يشارك المتخصصون في مثل هذا النوع من الدراسات، إلا الباحثين المؤهلين للحصول على مستويات معينة.

وهذا ما كان يتم تجاهله في الماضي، حيث اعتاد الكثير من الطلاب الصينيين على البقاء بالولايات المتحدة بعد إنهاء دراستهم، وهو ما يجعل المعاهد والمؤسسات العلمية مُوَرِّدا للكفاءات والعمالة للشركات الكبرى، مثل: أبل Appleوسيكو Ciscoوجوجل Googleوإنتل Intelوميكروسوفت Microsoftوغيرها.

وقبل نحو 10 سنوات، قال “دون برسبيلا”، وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالية والمسؤول عن شركة وادي السيليكون في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، إن التحدي الهائل الذي يواجهه هو صعوبة تتبع نحو مئة ألف صيني يعملون في خليج سان فرانسيسكو، وإن المنطقة كلها مكتظة بالجواسيس المحتملين لصالح الصين. واستجابة لذلك يبحث الرئيس ترمب – حاليًا – عن أي طريقة لإثناء الصينيين عن الولايات المتحدة وإبقائهم في الصين، وإضافة المزايا التكنولوجية لصالح الولايات المتحدة.

 

التحيز العنصري يؤذي الأميركيين من أصل آسيوي

لا يقتصر التمييز العنصري تجاه الطلاب في الولايات المتحدة على ذوي الأصول الصينية، بل على المنحدرين من العرق الآسيوي بين المواطنين الأميركيين أيضًا. وكما كشفت دراسة حديثة، فإن الأميركيين من أصل صيني معرضون بشكل خاص للاعتقال، والاتهام بالتجسس، والسجن.

ولسوء الحظ، فإن الأميركيين من أصل صيني، الذين وقعوا ضحية لمثل هذه الحوادث، لم يحصلوا على أي تعويضات عن الضرر الذي لحق بسمعتهم ومستقبلهم الوظيفي، فهم لم يحصلوا على العدالة الكافية.

وهنا نشير إلى “شيري تشن” التي تمثل أحدث الأمثلة على سوء تطبيق العدالة، فقد أُلقيَ القبضُ عليها، ووُضعت في السجن واتهمت بالتجسس لصالح الصين. وقبل إلقاء القبض عليها، كانت باحثة مهمة، ومرشحة لنيل جائزة في مجال الأرصاد الجوية، وبعد إسقاط التهم عنها، لم تسمح وزارة التجارة بعودتها للعمل.

وبدعم من مجتمع “الأميركيين من أصول آسيوية” رفعت “تشن” قضية أمام هيئة حماية أنظمة الاستحقاق، وهي الهيئة القضائية التي تتعامل مع الشكاوى من الموظفين الفيدراليين. وقد كتب القاضي المسؤول عن تلك القضية رأيه في مذكرة بلغت 135 صفحة قضت بأغلبية ساحقة لصالحها، وكان من المفترض أن تكون تلك هي النهاية السعيدة لتشن، إلا أن واقع الأمر لم يكن كذلك. ورغم خطاب من مجموعة من أعضاء الكونجرس، بالإضافة إلى أكثر من 130 منظمة آسيوية أميركية، لوزير التجارة “ويلبر روس” للمطالبة بتصحيح أوضاع تشن، فإنه بتاريخ 18 يونيو أعلن المتحدث باسم وزارة التجارة عن القرار الصادر بحق تشن، لكن إعلانه هذا لم يقدم أي جديد لتبرئة ساحتها في مرحلة الاستئناف.

وقد جاء في قرار “هيئة حماية أنظمة الاستحقاق” أنه “ليس لديها ما يكفي من القضاة لتشكيل النصاب القانوني للبت في الاستئناف المقدّم من تشن”، وهو ما يعني أن تلك القضية قد تستغرق سنوات للبت فيها. وحتى يحدث ذلك، لن تحصل “شيري” على وظيفتها، بل حرمت من راتبها. ورغم أن موقف “شيري تشن” سليم، فإنها لم تحصل على العدالة المناسبة لكونها أميركية من أصل صيني، وهذا هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة.

 

الأطفال الأميركيون من أصل صيني يتحملون فوق طاقتهم

ومع ذلك، إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في الحفاظ على تفوقها التكنولوجي على الصين خلال السنوات المقبلة، فإن الكونغرس والحكومة الفيدرالية بحاجة إلى مواجهة حقيقية غير مريحة. حيث يشكل الأميركيون من أصول آسيوية أقل من 6% من السكان، لكنهم يحصلون على أكثر من 25% من جميع الدرجات العلمية التي تمنح في الولايات المتحدة كل عام.

وقد ورد في مقال بصحيفة “نيويوركر” أن الطلاب الآسيويين يشكلون 16% من طلاب المدارس العامة، لكنهم يشكلون 62% من عدد الملتحقين بمدارس المتفوقين بمدينة نيويورك؛ حيث يعتمد القبول في تلك المدارس على درجات تنافسية في الاختبارات. وبالتالي، فبدلاً من أن يتدخلوا في قضايا شخصية بالنسبة لأطفال الآسيويين، يحتاج الأميركيون البيض إلى تطوير أنفسهم وعدم معاقبة هؤلاء بحرمانهم من فرص التعليم العالي المتميز.

إننا نعيش – حاليًا – في عالم يتطور بشكل متسارع، ويتغير باستمرار في كافة المجالات وخاصة التكنولوجيا. وعلى ذلك، فقد حان الوقت لأن يتوقف التيار المهيمن بالبيت الأبيض عن التحيز العنصري ضد الأميركيين من أصول آسيوية على مدار النصف الثاني من القرن الماضي، وأن يتصالحوا مع الواقع القائل بأن مستقبل الولايات المتحدة سيحتاج إلى كل واحد من هؤلاء الأطفال الأميركيين الآسيويين لتوظيف طاقاته كاملاً.

 

 إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*

 

المصدر: موقع آسيا تايمز

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر