مكاسب مقاطعة قطر | مركز سمت للدراسات

مكاسب مقاطعة قطر

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 11 يوليو 2017

محمود غريب

 

منذ إعلان الدول العربية الأربع مصر والإمارات والسعودية والبحرين، مقاطعة قطر والتنديد بدعم الدوحة للإرهاب وتحريك الأزمة على المستوى الدولي وتضرر قطر اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وقد بدت نتائج إيجابية على صعيد مواجهة الإرهاب وقطع الإمدادات عن التنظيمات المتطرفة في مناطق الصراعات، حيث رددت القنوات الفضائية عبارة «التحرير» عدة مرات خلال الساعات الماضية، من ليبيا حيث «تحرير بنغازي» إلى العراق حيث «تحرير الموصل» ثمّ تقدم قوات الشرعية في اليمن، ظهر جليّا أن قطع إمدادات الإرهاب بات مقدمًا عن مواجهة حاملي السلاح.
دول عربية وحكومات غربية ومعها تقارير عدة، نشرت وثائق بشأن دعم قطر لجماعات مقاتلة في دول الصراع في الشرق الأوسط، سواء ليبيا أو اليمن أو سوريا، وهو ما وضع الدوحة أمام مُساءلات عديدة ودفع الدول العربية إلى مطالبة قطر بوقف دعم الإرهاب، وهو ما أربك حسابات الأخيرة بعدما تحوَّلت الاتهامات من مجرد تصريحات إلى نشر وثائق ودلائل، ربما دفعت قطر إلى اتخاذ خطوة للخلف وأخرى للأمام، وسط ارتباك في كيفية معالجة الأمور، وهو ما أثّر سلبًا على حلفائها من جماعات الإسلام السياسي في بلدان الصراع وأفقدهم مواقع يسيطرون عليها وخسائر جمعوها على مدار سنوات خلتْ.

ليبيا أبرز المكاسب
في الملف الليبي ظهرت جليًا انتصارات الجيش الوطني الليبي على حسابات الجماعات الإسلامية المتشددة في بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية ومناطق أخرى، أرجعها البعض إلى فقد هذه الجماعات دعمًا مباشرًا من قطر، حيث أعلن القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر عن تحرير مدينة بنغازي بالكامل والقضاء على آخر فلول الجماعات المتشددة التي لاذت بمنطقة الصابري.
الانتصار السابق تزامن مع نشر القوات المسلحة الليبية عدة فيدوهات ووثائق أثبتت عمليات إنزال للأسلحة والإمدادت العسكرية والمالية في وقت سابق للجماعات المتشددة في بنغازي ومناطق أخرى؛ حيث أظهر مقطع فيديو مدرعة عليها العلم القطري تحارب إلى جانب الميليشيات المسلحة عام 2014 ضد قوات الجيش الليبي، كما ظهر في أحد المقاطع تفريغ طائرة شحن تابعة للخطوط الجوية القطرية في مطار طرابلس وتحتوي على ذخائر، فضلا عن تلقي هذه المجموعات المناهضة للجيش الوطني دعما مباشرا من قطر عن طريق عمليات تدريب وإعداد، وهو ما يعني أنّ توقف هذه الإمدادات بشكل مُفاجئ بسبب التخبط القطري وخشيّة فضح العلاقة بشكل علني وسط حصار مفروض عليها لوقف إمدادها لتلك الجماعات، ساعد على تحرير عدة مناطق لصالح الجيش الوطني الليبي.
المفارقة في هذا الإطار، تمسُّك بلدان عربية بدعم الجيش الوطني الليبي لاستعادة السيطرة على مناطق تحت سيطرة المليشيات في وقت كانت الدوحة تفتح خطوط اتصال مباشرة مع هذه المجموعات، لذا كانت أول محطة لقائد الجيش خليفة حفتر عقب إعلان التحرير إلى أبو ظبي، وهي رسالة أراد من خلالها حفتر أن يزيد من حبال الثقة لدى أفراد الجيش الوطني، وعلى الجانب الآخر يلقي بحجر في مياه الجماعات المتشددة والدوحة في آن معا.
وبإعلان التحرير فإن الجيش الوطني الليبي قضى على أكبر خطر يهدد الدولة المجاورة مصر، حيث دحر وفكك المجموعة التي سمت نفسها «الجيش المصري الحر» والتي بدأت في التشكل وتلقي التدريبات في أغسطس 2013، على يد متشدد يدعى أبو فهد الرزازي وبدعم من قطر، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث وصل عدد عناصر المجموعة الأولى إلى 700 مسلح، ونشرت هذه المجموعة باسمها آنف الذكر بيانها الأول من الأراضي الليبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 15 أغسطس 2013، بعدما أجرت تدريبات في مناطق بمدينة بنغازي والصحراء الشرقية الليبية المحاذية للحدود مع مصر، وبذلك يكون حلم تكوين نواة لمواجهة الجيش المصري من الحدود الغربية قد سقطت نسبيًا أو تفككت بتحرير بنغازي، التي لولا الارتباك القطري لكانت تأخرت نسبيًا.

تحرير الموصل
من بنغازي إلى الموصل، خسر «داعش» محطة أخرى من أهم مناطق نفوذه، بعدما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من قلب المدينة تحريرها بالكامل من قبضة تنظيم داعش، وبغض النظر عن الدور القطري في الملف العراقي، لكنّ تأثُّر التنظيم الأم في عدة مناطق وتكبده خسائر متلاحقة وامتداد التأثيرات السلبية إلى مستويات في البنية الأساسية للتنظيم، أفقده على أقل تقدير توازنه، ما يعني أن تحرير الموصل يُمكن أن يلامس بطريقة أو بأخرى ملف المقاطعة العربية لقطر والارتباك الذي حدث داخل بيت الحكم بالدوحة.

نجاح تصحيح المسار في اليمن
بدا واضحًا خلال السنوات الأربع الماضية اختلالاً لموازين القوى الدولية والإقليمية لصالح أطراف دولية وقفت إلى جانب جماعات متشددة في مناطق النزاع، لكنّ اتفاقًا ومشاورات بين دول عربية وأطراف دولية، دفع في اتجاه تصحيح المسار، إذ بدا ذلك جليًا في اليمن التي شهدت تصحيحًا للمسار بخروج قطر من التحالف العربي لدعم الشرعية، بعدما ذكرت تقارير استخباراتية بأن وجودها في التحالف كان مضادًا لأهدافه لصالح إيران الممول لمليشيات الحوثي، كما نشرت وثائق حجم أموال قطرية بالملايين أنفقتها الدوحة على التنظيمات السنية الجهادية وعلى رأسها تنظيم «القاعدة».
ومنذ المقاطعة وما تلاها من خروج قطر من التحالف العربي وبدء رصّ الصفوف لصالح إعادة التوازن وتصحيح المسار، وقد خسرت الأطراف الموالية لقطر بعض النفوذ، فقد ‬أظهرت الأخبار القادمة من اليمن ‬نجاحات ‬عديدة للتحالف ‬العربي ‬لدعم ‬الشرعية، ‬وفي المقابل انحسارًا لميليشيات ‬الحوثي ‬وقوات على عبدالله ‬صالح، الذين باتوا يخسرون ‬المناطق ‬واحدةً ‬تلو ‬الأخرى، فضلاً عن خسائر معنوية كانت آخرها مقتل قيادات في تنظيمات جهادية من بينهم قيادي في القاعدة بمدينة عزان بمحافظة شبوة إثر غارات جوية، وفقًا لما ذكرته شبكة «سكاي نيوز».
الارتباك الذي أصاب حلفاء قطر في اليمن دفعهم لإصدار تصريحات متسرعة و«هوجائية»، على غرار اتهام علي عبد الله صالح، للتحالف العربي، بنشر مرض «الكوليرا» في اليمن، وهي التصريحات التي اعتبرها البعض تُظهر مدى التخبط الذي أصاب صفوف حلفه.
النجاحات التي حققتها قوات الشرعية دفعت المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاعتراف بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، كما أصدرت قيادة المجلس قرارا بحظر جماعة الإخوان المسلمين في الجنوب.
النتائج الإيجابية السابقة لم تكن بعيدة عن ذهن ‬الدول ‬الأربع ‬المقاطعة ‬لقطر، فهي تدرك جيدًا أنّ الارتباك جاء كرد فعل لخسائر على أصعدة مختلفة؛ وهو ما جعلها تتمسك يومًا بعد الآخر بمطالبها وأنها ‬تسير ‬في ‬طريق ‬لا ‬رجعة ‬عنه، ‬مدركة في الوقت نفسه أن حجم النتائج الإيجابية التي تكسبها الدول الأربعة باتت غير واضحة بالنظر إلى حرب ‬التشويش ‬التي ‬تُمارسه  ‬حلفاء ‬قطر.
مقارنة المكاسب العربية مع الخسائر القطرية على المستويات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية، يشير بوضوح إلى أنّ المقاطعة الرباعية لقطر أتت ثمارها وأنّ التعويل على دعم من حلفاء إقليميين أو دوليين لن يفيد الدوحة كثيرًا.
إجمالاً بات واضحًا تراجع جماعات الإسلام السياسي والمجموعات المسلحة والمتطرفة على عدة أصعدة سواء في مناطق النزاعات أو تلك التي تحاول الظهور إلى المشهد من جديد، ما يعني أن الدولة المقاطعة باتت أكثر تمسكًا بموقفها ومطالبها، وأنّ تصدير الدوحة لموقف الثبات الانفعالي يبدو مغايرًا للواقع تمامًا.

باحث في الشأن السياسي*
@eldaramy12

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر