العلاقات الإيرانية الأوربية | مركز سمت للدراسات

مستقبل غير مستقر للعلاقات الإيرانية الأوروبية

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 12 فبراير 2019

شيما بوزورجي

 

ما إن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015، والمعروف رسميًا باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة”، حتى سارعت أوروبا لمحاولة إنقاذ إيران.

فقد أعلن القادة الأوروبيون عن إنشاء آلية أوروبية ذات أغراض خاصة (SPV) بهدف تسهيل تصدير النفط الإيراني إلى دول أخرى أوروبية بالأساس. ومع ذلك، فإنه من الواضح أن مصلحة أوروبا تكمن في وقف كافة أشكال التمويل والدعم للحكومة الإيرانية على الفور.

ففي المقام الأول، لا تستطيع أوروبا تنفيذ تلك الآلية المزعومة، إذ لا تواجه الدول الأوروبية عقوبات من جانب واحد تفرضها الولايات المتحدة فحسب، بل بات من المتعين عليها أن تتعامل مع الجناح المتشدد في طهران. وبعد أقل من شهر، وحتى يمكن عمل تلك الآلية، لم يوافق البرلمان الإيراني إلى الآن على فقرتين أساسيتين لمكافحة غسيل الأموال، من خلال “مكافحة تمويل الإرهاب” (CFT). كما يتعلق الأمر باتفاقية “باليرمو” للأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. بجانب ذلك، فإن مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وهو هيئة إيرانية تعمل على ضمان توافق مشروعات القوانين مع مبادئ الشريعة الإسلامية، لم يصدق بعد على اتفاقية “باليرمو”.

وعلى الجانب الآخر، فإن النظام الإيراني سوف يسعى لاستخدام تلك الآلية كوسيلة للحصول على التمويل الذي يستخدمه لدعم الإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولذلك، فإن تلك الآلية متعددة الأبعاد لن تضفي شرعية على مدفوعات النفط لإيران؛ إذ يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على صناعة النفط، التي استولت عليها بالكامل الكثير من الكيانات الحكومية والعسكرية مثل “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC). ومن ثَمَّ، يمكن القول إن هناك القليل من الموارد التي يمكن أن تذهب نحو خصخصة الاقتصاد أو تحديثه. فقد أسهم “فيلق القدس” بدور تخريبي تجاه البنية التحتية في إيران؛ إذ أنفقت طهران مبالغ طائلة من المال في سوريا واليمن ولبنان (حزب الله) وغزة (حماس). وعلاوة على ذلك، فمن خلال تلك الآلية الأوروبية تمَّ تجميد عملية اختبارات الصواريخ الإيرانية، فقد كان من الممكن أن يتم استخدام تلك الآلية كوسيلة للضغط من أجل تحفيز العمل على تجميد الصواريخ الإيرانية.

ثم إن هذه الآلية ربَّما تقدم دعمًا فعالاً، لكنَّ ذلك الدعم سيكون قصير الأمد بالنسبة للاقتصاد الإيراني المعقد الذي يعاني من الفساد؛ فإذا قررت الحكومة الإيرانية المضي في مخططاتها، في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بفرض المزيد من العقوبات على إيران، فسوف تعاني العملة الإيرانية كثيرًا من التقلبات التي باتت واضحة خلال الآونة الأخيرة. ثم إن انخفاض قيمة العملة تسبب في خلق حالة من الاضطراب بالسوق المحلي، بل وفي كافة قطاعات المجتمع. وهو ما يكشف عن اتجاه العديد من البنوك والصناديق الاقتصادية نحو الإفلاس في ظاهرة يتزايد نطاقها بشكل مستمر وملحوظ؛ إذ باتت غير قادرة على تزويد عملائها بالوصول إلى مدخراتهم وقتما شاؤوا. ونتيجة لذلك، شهد إيران احتجاجات منتظمة وإضرابات في كافة أنحاء البلاد.

ومن الممكن أن تبدو تلك الآلية متعددة الأطراف وسيلة لدعم طلب أوروبا على النفط، إذ نجد أنها في الواقع أشبه بوسيلة لتزويد التنظيمات الدينية الأصولية داخل إيران، التي شهدت زيادة ملحوظة في ضوء الميزانية الإيرانية للعام المالي 2018. وعلى ذلك، فإن هذه الكيانات لا تكمن في تسهيل الإنتاج الاجتماعي والاقتصادي في إيران بقدر ما تكمن في التركيز على خلق ونشر الدعاية التي تدين القيم الأوروبية.

ويمكن الإشارة إلى أن الأوروبيين يبدون مخطئين إذا ما كانوا يأملون في أن توقف إيران أنشطتها التخريبية والخبيثة من خلال برنامج الآلية الأوروبية متعددة الأطراف. وفي عام 2018، أرسلت الحكومة الإيرانية نشطاء إلى أوروبا وذلك في محاولة لاغتيال أعضاء في جماعات المعارضة الإيرانية. إذ إن هذه الأنشطة بجانب الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية، ينبغي ألا تكون هناك مفاجآت بالنسبة لأوروبا؛ فمنذ أقل من عشرين عامًا أي خلال التسعينيات، حاولت إيران تنفيذ عمليات اغتيال في أوروبا. لكن النظام الإيراني لم يتوقف عن ذلك السلوك إلا بعد الإفراج عن المعتقلين الموالين له في المحاكم الأوروبية.

فكثيرًا ما غَضَّ الأوروبيون أبصارهم عن انتهاكات الحكومة الإيرانية الجسيمة والمستمرة لحقوق الإنسان. ذلك أنه بات من المتعين على أوروبا أن تتخذ موقفًا قويًا ضد السجن غير القانوني للعمال النقابيين، وكذلك التعذيب أو الاختفاء القسري، والموت الغامض في السجن، وشؤون أطفالهم وحقوق المرأة والحرية الدينية في إيران.

وخلال الآونة الأخيرة، اتخذت أوروبا بعض الخطوات اللازمة للتغلب على حالة القبول الضمني للإجراءات الداخلية والخارجية في إيران؛ فقد منعت ألمانيا رحلات شركة طيران “ماهان” في أوائل عام 2019، كذلك تضمنت العقوبات الفرنسية رسالة ضد اختبارات الصواريخ التي تقوم بها طهران. بجانب ذلك، فإن بولندا تستضيف اجتماعًا في فبراير الجاري حول مستقبل الشرق الأوسط، وتستثني الحكومة الإيرانية من المشاركة فيه. ومن ثَمَّ يمكن لأوروبا أن تلقي الضوء على معاناة الشعب الإيراني عن طريق وقف كل الدعم والتمويل للنظام في طهران، ويجب على أوروبا عدم إضفاء الشرعية على النظام الإيراني العدائي الذي يتصف بالشمولية والأصولية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جلوبال سيكيورتي ريفيو  Global Security Review

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر