كيف نفهم جماعة بوكو حرام؟ | مركز سمت للدراسات

كيف نفهم جماعة بوكو حرام؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 20 يونيو 2018

 

تحليل/ مونكاي كاج

 

حظي صعود جماعةِ “بوكو حرام” الإسلامية المتطرفة شمالي نيجيريا باهتمام كبير من جانب صانعي السياسات الأميركيين خلال السنوات الأخيرة. وقد تضاعف هذا الاهتمام بعد قيام الجماعة بخطف 276 تلميذة في مدينة “شيبوك” النيجيرية عام 2014؛ وهو الحدث الذي آثار غضب الكثيرين، وفرض على المجتمع الدولي التعامل معه بقدر أكبر من الجدية. ومع تزايد الاهتمام بتلك الأزمة، ساد الغموض والتخبط حول أصول تلك الجماعة المتطرفة ودوافعها، وهل كانت لديها اتصالات مع غيرها من المنظمات الإسلامية المتطرفة حول العالم أم لا.

وتزخر الكثير من الكتبِ الجديدةِ باجتهادات متعددة في سبيل تصحيحِ المفاهيمِ المغلوطةِ حول جماعة “بوكو حرام”.

هنا نشير إلى ثلاثة من الكتب المهمة التي حاولت تقديم فهمٍ أفضل لتلك الحركة ومؤيديها ومنتقديها، وكذلك أبعاد رؤية أبناء الشمال النيجيري لأنفسهم كمسلمين. أمَّا الكتاب الأول، فهو من تأليف عالم السياسة “براندون كيندهامر”، والمتخصص في الدراسات الدينية “ألكسندر ثورستون”.

وفي كتابه الذي يحمل عنوان “المسلمون الذين يتحدثون في السياسة: تأطير الإسلام والديمقراطية والقانون في شمال نيجيريا”، يسعى “براندون كيندهامر” لشرح كيفية فهم مواطني شمال نيجيريا للعلاقة بين عقيدتهم والديمقراطية غير المستقرة في نيجيريا.

ويحلل “كيندهامر” الذي كان باحثًا ببرنامج “فولبرايت” بشمال نيجيريا، مجموعة من الخطابات التاريخية والحديثة المتصلة بخلافة “سوكوتو” بالقرن التاسع عشر خلال الحقبة الاستعمارية، حيث يجادل بأن معظم المسلمين النيجيريين يستمدون قيمهم الدينية من الشريعة الإسلامية.

والسؤال هنا: كيف توصل “كيندهامر” إلى هذا الاستنتاج؟ حيث يجادل بأن سقوط نيجيريا المتكرر في براثن الحكم الاستبدادي، وخاصة خلال تسعينيات القرن العشرين، قد أدى إلى تهيئة البيئة المناسبة لإعادة النظر في العلاقة بين الدين والدولة على نطاق واسع. فقد سادت خلال الفترة الانتقالية، حالة من انعدام اليقين؛ حيث ظهرت دعاوى تطبيق شكل معتدل من الشريعة. كما لجأت الدولة النيجيرية إلى دمج الدين في نظامها القانوني الرسمي بموجب النظام الفيدرالي الذي اتبعته نيجيريا، والذي وفّر درجة عالية من الاستقلال الذاتي لولاياتها. وقد لجأ المواطنون إلى استخدام الشريعة والتقاليد الإسلامية كوسيلة لإضفاء النظام خلال فترات الاضطهاد والفوضى. ومع ذلك، يشير “كيندهامر” إلى أن الغالبية العظمى من أبناء الشمال النيجيري لا يؤيدون – بشكل قاطع – التوجهات الأصولية الصارمة نحو إقامة دولة الخلافة. فالمسلمون النيجيريون يدعمون تطبيق الشريعة كطريقة لتعزيز الديمقراطية، وتجنب نموذج المجتمع الذي تدعو له جماعة “بوكو حرام” وغيرها من الجماعات المتطرفة.

كما يرى النيجيريون المعاصرون استخدام الشريعة في شمال نيجيريا كحارس للحريات والحقوق الدينية في ظل النظام الفيدرالي بنيجيريا، وكذلك كعامل لدعم الوحدة بينهم والحفاظ على الأعراف الإسلامية، وكوسيلة – أيضًا – لإخضاع النخب للمساءلة وحل المشكلات الاجتماعية ومشكلات التنمية. كما يجادل “كيندهامر” بأن “الشريعة تدور حول العدالة، فحينما يتم تطبيق الشريعة لديك، تتحقق التنمية”.

في حين أن الرؤية القائلة بأن العادات والقوانين الإسلامية قد وفرت الاستقرار المطلوب في ديمقراطية حديثة العهد، هي رؤية دقيقة بالتأكيد، والأهم من ذلك – كما يرى “كيندهامر” – أن المواطنين ربَّما لم يكونوا قد حصلوا على ما توقعوه من تلك العلاقة بين المسجد والدولة، حيث يقول:

“إذا كان ما يريده غالبيةُ المسلمين من الشريعة هو العدالة والحكم الجيد، فإن ما حصلوا عليه كان بمثابة شكلٍ مركزيٍ من بيروقراطية الشريعة الإسلامية يركز سلطات أكبر في يدِ أجهزةِ الدولة نفسها التي تفتقر إلى ثقة غالبية المواطنين”.

ومثل “كيندهامر”، يسعى “ألكساندر ثورستون” لفهم كيفية تقاطع الدين والقيم الاجتماعية؛ إذ يدرس القيم الدينية بنيجيريا الشمالية مع الغوص في أعماق التاريخ وتطور المراحل الزمنية للإسلام في شمال نيجيريا في كتاب بعنوان “السلفية في نيجيريا: الإسلام والوعظ والسياسة”، حيث انطلق الكتاب من البحث الميداني المكثَّف في شمال نيجيريا، فقد تعمق كتاب “ثورستون” في فهم الطرق التي توغلت من خلالها التيارات السلفية بالرؤية المحافظة في تلك المنطقة، وكيف أثرت في تطوير النصوص والأفكار الدينية على النحو الذي استقبل به المسلمون النيجيريون السلفية.

ويدرس “ثورستون” تعاليم الرواد الإسلاميين النيجيريين الذين درسوا على أيدي العلماء السلفيين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، في ثمانينيات القرن العشرين، ثم عادوا بتفسيراتهم وقراءتهم للقرآن والتعليم الإسلامي إلى نيجيريا؛ وهو ما يميز بين الفهم السلفي للإسلام واستخدامه للنصوص غير القرآنية وتفسيرات الحركات الأخرى داخل الإسلام، حيث يرفض بعضهم استخدام المصادر غير القرآنية لفهم التعاليم الإسلامية. ويقدّم كتاب “ثورستون” تفسيرًا مهمًا جدًا للطرق التي انتشر من خلالها الإسلام في نيجيريا، وكذلك تأثر النيجيريين بالحركة الاسلامية العالمية. ومن ثَمَّ، فإن هذا الكتاب يسعى لسد الفجوة القائمة بين دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإفريقية بطريقة تبرز التمييز الذي غالبًا ما يكون مصطنعًا بين هاتين المنطقتين، وهو ما يعزز التفاوت في الأدبيات العلمية.

يركّز كتاب “السلفية في نيجيريا” على قانون “الإسلام السلفي” الذي يقصد به “ثورستون” جميع النصوص والأفكار والتأويلات التي تقدمها شخصيات إسلامية تاريخية تزود المسلمين من ذوي التوجهات السلفية بفهم لهويتهم وقوانينهم وممارساتهم للإسلام. وبالتالي، فإن ذلك القانون يوفر وسيلة معيارية للتأويل بما يميزها عن غيرها من الحركات الأصولية الأخرى.

وهنا يثار تساؤل آخر: لماذا كل ذلك؟ فإذا أردنا فهمًا أفضل لأصول “بوكو حرام”، فمن الأهمية بمكان أن نعرف أن الحركة تشكلت تدريجيًا من خلال التفسيرات والرؤى السلفية؛ إذ يتتبع “ثورستون” تفصيلاً الطرق التي طورت من خلالها “بوكو حرام” منظومة معتقداتها على مر الوقت، بما يكشف عن أن الحركة انفصلت عن التيار السائد في الفكر السلفي شمالي نيجيريا منذ عام 2009.

ثم انتقلت الحركة في نهاية المطاف إلى حركة سياسية بالتوازي مع كونها دينية. لكن الأهم من ذلك، هو أن “بوكو حرام” باتت صوتًا منافسًا للمشايخ السلفيين في نيجيريا، الذين لم ينتموا إلى الأيديولوجيات العنيفة. وقد كان هؤلاء الدعاة، الذين يسميهم “ثورستون” (السلفيين الحاليين)، قادرين على استعادة الفكر السلفي وتقديم بديل عن المشروعات الدينية القائمة بين الشباب المسلم في المنطقة. وكما يلاحظ “ثورستون” فإنه “من خلال تعاليم الشريعة، فإن السلفيين الحاليين بنيجيريا يعملون على تزويد طلابهم بالمعارف والأفكار اللازمة لدحض أفكار بوكو حرام”. كذلك يستخدم هؤلاء الواعظون، التكنولوجيا لنشر رسالاتهم، وتعزيز مبادئهم، وتوحيد حركتهم في مواجهة المتطرفين.

كما تشير تحليلات “كيندهامر” و”ثورستون” إلى أن رؤية “بوكو حرام” لدور الإسلام في المجتمع، لا تحظى بدعم شعبي في نيجيريا؛ وهو ما يعني أن المخاوف التي يشعر بها صناع القرار في الولايات المتحدة بشأن التجنيد الجماعي للأعضاء المحتملين من خلال المساجد، أو وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، مبالغ فيها إلى حد بعيد، وأن بعض الأفكار التي تواجه التطرف والعنف هناك لا تحظى بالدراسة الكافية. كما أن التفسيرات غير القانونية وغير الديمقراطية للشريعة التي تتبناها “بوكو حرام”، بعيدة عمَّا يعتقده عامة المسلمين النيجيريين. وكذلك، فإن هناك جهودًا قوية – حاليًا – في المساجد والمدارس المحلية لضمان حصول الشباب في شمال نيجيريا على المعرفة الدينية والعقيدة الصحيحة التي تحصنهم من إغراءات “بوكو حرام”؛ فما زالت تلك الحركة تعتمد بشكل كبير على الخطف وتجنيد الأطفال عنوة، وإجبارهم على القيام بعمليات انتحارية؛ وهو ما سيفرض على صناع القرار الغربيين ضرورة بذل الكثير من الجهود المضنية وإنفاق الكثير من المال لمواجهة عمليات التجنيد، الأمر الذي يُعَقِّد ويُصَعِّب مهمة هزيمة “بوكو حرام”.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: washingtonpost

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر