قمة “بوتين” و”كيم” | مركز سمت للدراسات

قمة “بوتين” و”كيم”

التاريخ والوقت : الأربعاء, 1 مايو 2019

أندراني تالوكدار

 

التقى الزعيم الكوري الشمالي “كيم يونغ أون” بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 25 أبريل. وهو اللقاء الذي يعدُّ الأول بين الاثنين في روسيا. وقد تمَّ التعامل معه باعتباره حدثًا هامًا، وهو ما يرجع إلى أن موسكو و”بيونغ يانغ” تجمعهما علاقات تحالف من أيام الحرب الباردة. ويأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي تكثف فيه روسيا جهودها لزيادة نفوذها في المنطقة. وبينما جرى الاجتماع بين الرئيس “بوتين” والزعيم الكوري الشمالي “كيم”، تمَّ إجراء مناورات عسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مما أثار غضب “بيونغ يانغ”؛ إذ كان هذا التدريب العسكري بين أميركا و”سيول” محدودًا بالمقارنة مع التدريبات العسكرية المشتركة السابقة. فقد قرر الجانبان في مارس إلغاء هذه التدريبات الموسعة كجزء من خطوات لدعم الجهود الدبلوماسية لتحقيق نزع السلاح النووي الكامل في شبه الجزيرة الكورية.

وقد قوبل قرار كوريا الجنوبية بانتقادات حادة باعتباره انتهاكًا لإعلان “بانمونجوم”، وكذلك الإعلان المشترك الذي تلا ذلك في “بيونغ يانغ”، إذ التزمت الكوريتان المنقسمتان بالعمل على تجريد المنطقة من السلاح وإنهاء الأعمال القتالية وإعادة التوحيد في نهاية المطاف. وفي مارس الماضي، أجرت السلطات في كوريا الجنوبية مناورة عسكرية مشتركة تحت اسم “التحالف”.

لكن المفاوضات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة واجهت مأزقًا آخر؛ وذلك بفرض عقوبات جديدة عليها في مارس الماضي من قبل أميركا.

وتتهم واشنطن كوريا الشمالية بعدم الالتزام بالمفاوضات القائمة بشأن برنامج نزع السلاح النووي الذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع كافة العقوبات المفروضة على البلاد، بينما تقول “بيونغ يانغ” إنها مستعدة للتخلي عن الأسلحة النووية ولكن بناء على ضمانات أمنية وسيادية قوية، وكذلك رفع كافة العقوبات. وبالتالي تتبادل كلٌّ من أميركا و”بيونغ يانغ” الاتهامات بعرقلة المفاوضات.

وكانت روسيا، منذ عهد الاتحاد السوفييتي، حليفة لـ”بيونغ يانغ”، على الرغم من أن العلاقة قد شهدت صعودًا وهبوطًا بسبب العلاقات المتوازنة بين موسكو وكوريا الجنوبية.

ودعمت موسكو والصين نظام “بيونغ يانغ”، في الوقت الذي تدعم فيه موسكو سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. ومع ذلك، تدعم روسيا الحوار بدلاً من الإجراءات الأحادية مثل العقوبات واستخدام القوة للتفاوض. ففي العام الماضي، دعت موسكو إلى رفع تدريجي للعقوبات مقابل إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية.

وفي الوقت نفسه، كان جدول أعمال الاجتماع لمناقشة قضايا حل الوضع في شبه الجزيرة الكورية وتنمية العلاقات الثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية. وخلال مؤتمر صحفي عقب اجتماعهم، قال الرئيس “بوتين” إن الزعيم الكوري الشمالي مهتم بنزع السلاح النووي، لكنه أولاً وقبل كل شيء يريد ضمان المصلحة الوطنية للبلاد وضمان أمن “بيونغ يانغ”. وأضاف بأن السيد “كيم” يفهم أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان شركاء كوريا الشمالية – مثل الولايات المتحدة بشكل أساسي – على استعداد للدخول في حوار بناء.

وحث “بوتين” كوريا الجنوبية على أن تكون أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة في تعاملاتها مع كوريا الشمالية؛ إذ تعتقد روسيا أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، شهد الوضع حول شبه الجزيرة استقرارًا إلى حد ما بسبب جهود “بيونغ يانغ”، من خلال المحادثات مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والتواصل مع روسيا والصين، بالإضافة إلى مبادرات وقف تجارب الصواريخ وإغلاق موقع برنامجها النووي.

وتهتم واشنطن وسيول بمواقع اجراء الاختبارات النووية، ما يجعل التعامل مع ذلك الأمر بعناية وحساسية شديدة. ذلك أن كوريا الشمالية تعتقد أن المأزق في شبه الجزيرة يرجع إلى تصرفات وسياسات أميركا و”سيول”. وبعد لقائه بالرئيس “بوتين”، قال السيد “كيم” إن الوضع في شبه الجزيرة توقف تمامًا بعد التطورات الإيجابية منذ عام 2018 بسبب سياسات الولايات المتحدة. وقال إن السلام والأمن في شبه الجزيرة سيعتمدان كليًا على موقف واشنطن في المستقبل. وقال “بوتين” إن كوريا الشمالية من حقها أن تحمي نفسها من أي حدث قد يعرض أمنها للخطر. لكن الزعيمين لم يوقعا أية اتفاقيات بعد اجتماعاتهما. وكان “الكرملين” وصف المحادثات بين الزعيمين بأنها بناءة، وكذلك أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجهود الرئيس “بوتين”.

أمَّا بالنسبة لموسكو، فقد كان هذا الاجتماع مهمًا؛ لأنه يساعد في بناء صورتها كقوة براجماتية تتفهم واقع الجغرافيا السياسية المتورطة في هذا النوع من النزاعات. وكذلك يساعد في حماية المصالح الوطنية لموسكو بالمنطقة، إذ إن قرب “بيونغ يانغ” من أميركا ينطوي على تهديدات لروسيا، بما في ذلك إمكانية استعادة جزيرة “نوكوندو” وتثبيت نظام الدفاع الصاروخي الأميركي المسمى “ثاد”. ومن ناحية أخرى، ربَّما أرادت “بيونغ يانغ” الاستفادة من العلاقات المتوترة بين روسيا والولايات المتحدة من خلال محاولة الحصول على تنازلات من موسكو، وخاصة في القطاع الاقتصادي (رغم أنه لم يتم الإعلان عن أي شيء في هذا الجانب بعد الاجتماع). ثم إن التعاون مع روسيا يساعد “بيونغ يانغ” على تقليل اعتمادها على الصين.

وعمومًا، فقد كان اجتماع روسيا وكوريا الشمالية ناجحًا، إذ أرسل البلدان إشارات خاصة إلى المجتمع الدولي، وخاصةً إلى الولايات المتحدة والصين. ورغم المحاولات العديدة من جانب روسيا التي سعت لإعادة تأكيد قوتها، إلا أن “بيونغ يانغ” تمكَّنت من تخفيف العقوبات، وكذلك الوقوف ضد الإجراءات الأميركية الأحادية الجانب.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر:أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر