قطع العلاقات المصرية القطرية.. حسابات المكسب والخسارة | مركز سمت للدراسات

قطع العلاقات المصرية القطرية.. حسابات المكسب والخسارة

التاريخ والوقت : الإثنين, 5 يونيو 2017

محمود غريب

باتت مصر المستفيد الأكبر من التطورات التي تشهدها المنطقة العربية التي طرأت في أعقاب قطع عدد من الدول العربية  ومن بينها مصر علاقاتها مع قطر، وهي خطوة طالما تمنَّت القاهرة الوصول إليها منذ العام 2013، لأسباب تكررها في بيانات متواترة صادرة عن القيادة السياسية، وعلى رأسها دعم جماعة الإخوان المسلمين التي تصنّفها الحكومة المصرية تنظيمًا إرهابيًا.
تأمل القاهرة – وتراه مناسبًا في أعقاب الحصار العربي على الدوحة- في تغير الموقف القطري إزاء دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، يزيح من على كاهل القاهرة إزعاجًا سياسيًا مؤرقًا تعلنه الجماعة وحلفاؤها ضد مصر متخذين من الدوحة مقرًا لأعمالهم.
البيان الصادر عن الخارجية المصرية في وقت مبكر من اليوم الاثنين يظهر من بين ثناياه إجماعًا عربيًا على الخطوة السابقة، لاسيما عندما أرجعت القاهرة القرار إلى “ممارسات قطر في دعم التنظيمات الإرهابية وتعزيزها بذور الفتنة والنقسام داخل المجتمعات العربية”.
بيان الخارجية المصرية تطرق لأول مرة إلى اتهامات جديدة ومباشرة وصريحة لم تصدر من قبل عن القيادة السياسية أو الدبلوماسية للقاهرة، عندما تحدث عن “ترويج قطر لفكر تنظيم القاعدة وداعش ودعم العمليات الإرهابية في سيناء”، وذلك على خلاف التصريحات السابقة التي كانت تتسم بمساحة أوسع من حيث الاتهامات التي تندرج في أغلبها تحت مسمى “دعم الجماعات الإرهابية”.
البيان الرسمي ألمح بدوره إلى إمكانية اتخاذ خطوات إضافية تتعلق بمقاضاة الدوحة بسبب إيوائها “قيادات الإخوان الصادر بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية استهدفت أمن وسلامة مصر”، وهو سيناريو يتوقف على إمكانية امتلاك مصر من الأدلة الدامغة أمام القضاء الدولي ما يجعلها تغامر بفتح ملف ملاحقة الدوحة دوليًا.
ألمحت مصر كذلك إلى فشل مباحثات سابقة أجيرت مع قطر بهدف تغيير موقفها، عندما تطرق بيان الخارجية المصرية إلى “فشل كافة المحاولات لاثنائها (قطر) عن دعم التنظيمات الإرهابية”، وهو ما تريد القاهرة إيصاله بنفاد حلول الوساطة للتهدئة، وهو يبرير موقفها أمام المجتمعين المحلي والدولي.
الجزء الأخير من البيان المصري يمثل الخطورة الأكبر على قطر، بإعلان القاهرة فرض حصار جوي وبحري بـ”غلق أجوائها وموانئها البحرية أمام كافة وسائل النقل القطرية، وهو ما يعني أن الطائرات القطرية لن تستطيع عبور الأجواء المصرية أو الهبوط في المطارات المصرية، ما سيدفع الخطوط القطرية إلى تغيير مسارها.
هذه الخطوة ستلقي بضربتين موجعتين في قلب الاقتصاد القطري، أولها تكبد الخطوط الجوية خسائر بملايين الدولارات نتيجة زيادة زمن الرحلة وزيادة مدة التشغيل وتكاليف الوقود، أما الضربة الثانية والتي ستترتب تلقائيًا على الأولى تتمثل في انصراف الركاب عن الخطوط الجوية القطرية لصالح لشركات طيران أجنبية؛ بسبب غلاء تكاليف الرحلات وزيادة المدة الزمنية للرحلة ما سيكبد الخطوط القطرية خسائر إضافية، هذا بالنظر إلى خسائر أخرى ستتكبدها الخطوط القطرية نتجية قرار مماثل من السعودية والإمارات سيجبر طيران الدوحة على التوجه صوب تركيا أو إيران للعبور إلى أوروبا؛ ما يعني زيادة التكاليف وزمن الرحلة وخسائر إضافية للاقتصاد.
إما الضربة القاسمة للاقتصاد القطري أيضًا تتمثل في إغلاق المجال البحري أمام السفن القطرية، ما يعني أن الممر الوحيد الرابط بين البحرين الأحمر والمتوسط وهو قناة السويس لن يكون متاحًا أمام الملاحة القطرية، ما يعني مزيدًا من الأعباء على الاقتصاد القطري لبحثه عن مسارات إجبارية أخرى.
أما مستوى العلاقات الاقتصادية فإنها المعادلة الأصعب في قرار قطع العلاقات المصرية القطرية، لا سيما أن حجم الاستثمارات القطرية في مصر بلغ 18 مليار دولار، وفق تصريحات رئيس اتحاد المستثمرين العرب وأمين الشراكة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، السفير جمال بيومي.
وفي يونيو 2016، صدر تقرير عن البنك المركزي المصري، تحدث عن تنامي الاستثمارات القطرية لدى القاهرة، إذ احتلت الدوحة المركز الثاني محل السعودية بإجمالي استثمارات يقدر بنحو 104.8 مليون دولار في أوائل العام الماضي 2016.
يُضاف إلى ما سبق توسع سابق لشركات قطرية عملاقة في مصر، باتت مهددة أيضًا بمغادرة السوق المحلية، أمثال شركة الديار الرائدة في مجال الاستثمار العقاري والتنمية المستدامة، والتي وقعت عقودًا مع مجموعة اتحاد المقاولين المصرية بقيمة 543.8 مليون دولار، لتنفيذ مشروعات توفر نحو 6 آلاف فرصة عمل، حسب بيان للشركة.
الساعات الماضية كشفت عن نيَّة الجانب المصري فكّ الشراكة مع الشركات القطرية، لاسيما ما تناقلته مواقع إخبارية مصرية تشير إلى نيّة وزارة الزراعة المصرية مراجعة قرارات تخصيص أراض لشركات قطرية تعمل فى مجال الاستثمار الزراعي.
لكن الضربة السعودية الإماراتية لقطر تفوق أثر “اللكمة المصرية”، بالنظر إلى أن الإمارات والسعودية تسهمان بنحو 82% من التبادل التجاري بين قطر والدول الخليجية، وفق بيانات أصدرتها وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية مؤخرًا.
غير أن لجوء القاهرة لقرارٍ كهذا رغم ما يشهده اقتصادها المتداعي وهي تعلم أن هذه الاستثمارات في دائرة الخطر، يفيد بأنها تضحي بخسائر اقتصادية إن صح التعبير مقابل مكاسب سياسية، وهي اللافتة الهامة في التطورات الأخيرة، إذ إنّ موقفًا شبه جماعي للدول العربية لحصار قطر يمثل طموحًا مصريًا لطالما سعت للوصول إليه، للتخفيف من حدة الحملة الإعلامية التي تعلنها قطر ووسائل إعلامها تجاه مصر منذ الإطاحة بمحمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسملين المدعومة قطريًا منتصف 2013.
القرار المصري بإغلاق سفارة قطر في مصر وتجميد سفارتها في الدوحة يعني استحالة حصول القطريين على التأشير إلى مصر والعكس، وهو ما يشير إلى أن مستوى التأثير يُطال الطبقة الشعبية في البلدين سواء الطلبة الدارسين أو المستثمرين والسياحة، ومن قبلها العمالة المصرية في قطر.
وفيما لم يذكر تقرير رسمي في مصر حجم العمالة المصرية القطرية، فإن تقارير غير رسمية تحدثت عن وجود ما يقرب من مليون مصري في قطر، ويمكن اعتبار هذا العدد واقعيًا بالنظر إلى أن الفترة ما بعد 2013 شهدت نزوح أعداد كبيرة من المصريين إلى قطر بعقود عمل غير رسمية أو تحت بند اللجوء السياسي أو لأسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية.
ورغم أن قطر تحتل المركز الرابع من حيث عدد العمالة المصرية بها، بعد السعودية والكويت والإمارات، فإن العاملين المصريين المقيمون في قطر في المرتبة الأولى من حيث متوسط التحويلات البنكية من الخارج بنحو 463 دولارًا شهريًا، وفق إحصائية غير رسمية.
لفتة أخيرة تضمنها البيان الصادر عن الخارجية القطرية تعليقًا على قرارات قطع العلاقات تتمثل في تجاهل الإشارة إلى مصر، مكتفيًا بالقول “أعربت قطر عن أسفها لقرار السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة”، وهو ما يشير إلى مستوى تعقيد متأزم في موقف البلدين.
في السابق علّق مدير العمليات بهيئة قطر للأسواق المالية عيسى الكعبي على الخلاف السياسي مع القاهرة “السياسة لا تدخل في الاقتصاد”، ورد محرم هلال رئيس مجلس الأعمال المصري القطري “التبادل التجاري ليس له علاقة بالخلاف السياسي”، لكنّ التطورات الأخيرة تجعل تصريحات المسؤوليْن السابقين تراوح مكانها أمام “تحديات”، هذا ما كشفته الساعات الماضية.
الخلاصة أن الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي المفروض حاليًا على قطر يفوق حجم استيعابها للكمات التي تتولى ساعة تلو الأخرى من دول عديدة تقرر استقلال قطار الحصار، ما يعني أن الدوحة لن تصمد إزاء محاولات خنقها لا سيما أن العقاب هذه المرة وصل محطات اقتصادية.

باحث في الشأن السياسي العربي*

@eldaramy12

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر