عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الصحافة.. فإن الرئيس أردوغان هو أكبر منافق في العالم | مركز سمت للدراسات

عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الصحافة.. فإن الرئيس أردوغان هو أكبر منافق في العالم

التاريخ والوقت : السبت, 15 ديسمبر 2018

كان دوندار

 

يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لمصلحته الخاصة. فمن خلال إصراره على ملاحقة قتلة خاشقجي، فإن المرء يعتقد أن لديه قلقًا حقيقيًا بشأن حرية الصحافة، لكني لا أصدق أي كلمة منه.

كانت المرة الأولى التي قابلت فيها أردوغان في أواخر التسعينيات، حيث التقينا في معرض إسطنبول للكتاب، حين توقف ليصافحني. وفي ذلك الوقت كان أردوغان عمدة لمدينة إسطنبول، إذ كان ناشطًا إسلاميًا منذ أيام دراسته الجامعية. ورغم أننا كنا متناقضين أيديولوجيًا، فإنني احتججت نيابة عنه عندما حُكِمَ عليه بالسجن عام 1997 بسبب إلقائه قصيدة ذات صبغة دينية، فقد دافعت عنه إيمانًا مني بحرية التعبير، لكنه سجن عام 1999.

وفي أعقاب إخلاء سبيله بعد أربعة أشهر، بدا أردوغان في صورة البطل الشعبي. ونتيجة لهذا الوضع الجديد، قام بتأسيس حزبه السياسي عام 2001، وبدأ في الإعداد للوصول للسلطة. بدأ رحلته بالسفر للولايات المتحدة للقاء كبار المسؤولين الأميركيين. كما زار “فتح الله غولن”، الزعيم الديني الإسلامي، وكان أردوغان في ذلك الوقت حريصًا على التملق للجميع، فتبع ذلك اجتماع في “دافوس” مع “جورج سوروس” الذي طلب الدعم منه.

بعد انتخاب أردوغان رئيسًا للوزراء، التقينا للمرة الثانية في فيلم تسجيلي كنت أعده حيث تحدث إليَّ بفخر عن سنوات الفقر التي عاشها، وعن عمله كحارس في شركة للنقل العام بإسطنبول، وعن لعبه كرة القدم بفريق الشركة.

ومع تنامي قوة أردوغان، ازدادت غطرسته، فقد تحول عن حلفائه السابقين الواحد تلو الآخر، حيث اعتبر أن أي نقد له أنه تشهير. وردًا على عدد لا يحصى من الدعاوى القضائية، وصف أردوغان منتقديه بأنهم “خونة”.

وبالطبع، كنت واحدًا من هؤلاء “الخونة”، فقد أنتجت فيلمًا وثائقيًا عن حياة هذا الرجل؛ وكيف قضى شبابه فقيرًا، ثم أصبح غنيًا وموجودًا بالسلطة. بالإضافة إلى ذلك، قمت بنشر لقطات تُظهر جهاز المخابرات التركي يقدم أسلحة بشكل غير قانوني للجماعات الإسلامية. فلم يكن أردوغان قادرًا على تفنيد ما جاء بالفيلم الوثائقي، لكنه في اليوم التالي ظهر على شاشة التلفزيون معلنًا أن “الشخص الذي أبلغ عن ذلك سيدفع الثمن باهظًا”.

لقد تمَّ تقديمي إلى المحاكمة، وعوقبت بالسجن المؤبد، وأمضيت بالسجن مدة ثلاثة أشهر، وتعرضت للاعتداء يوم صدور قرار المحكمة. لقد أصاب المعتدي هدفه، لكنه عندما أطلق عليَّ النار صرخ مستخدمًا كلمة “خائن” وهي التي اعتاد أردوغان استخدامها.

من الجدير بالذكر أنه تمَّ إخلاء سبيل من أطلق النار عليَّ بدون عقاب، في حين أن زوجتي التي هجمت على المعتدي لحمايتي مُنعت من مغادرة البلاد، حتى إنني كنت بعيدًا عنها خلال مدة عامين ونصف الماضيين.

في خضم حالة القمع لحرية التعبير التي أعقبت محاولة انقلاب 2016، قررت مغادرة تركيا، ثم واصلت عملي كصحفي بألمانيا، إذ أصبحت الصحافة شبه مستحيلة في وطني. وعندما عقد أردوغان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” في سبتمبر الماضي، كنت أنوي طرح أسئلة لا يمكن طرحها في تركيا. وعندما علم أردوغان أنني أنوي التحدث، هدد بإلغاء المؤتمر قائلاً: إذا جاء فلن آتي”. لكني آثرت عدم حضور المؤتمر الصحفي تفاديًا لأزمة دبلوماسية.

ولم يهدأ سخط أردوغان، فعند عودته إلى تركيا تذكر واقعة قديمة منذ 5 سنوات، حين تجمع مجموعة من الشباب لمنع إقامة مركز تسوق في حديقة بقلب إسطنبول. وسرعان ما أصبحت حركتهم الاحتجاجية بحديقة “غازي” الأكبر من نوعها في تاريخ تركيا. وأدرك أردوغان أنه يستطيع أن يطلق أنصاره على المتظاهرين كأعداد جدد قبيل الانتخابات المرتقبة.

أولاً، استهدف “عثمان كافالا”، وهو رجل أعمال وناشط في مجال حقوق الإنسان، تمَّ احتجازه مدة عام في السجن دون أي تُهمٍ موجهة له، وأطلق عليه أنه “الرجل الذي موَّل الإرهابيين في غازي”، ثم قال إن “سوروس، ذلك اليهودي الذي ينفق أمواله في محاولات تقسيم الأمم هو من كان وراء كافالا”.

بالطبع، لم يدرك أردوغان أبدًا، أن الصورة التي التقطت له أثناء اجتماعه مع “سوروس” ستظهر يومًا ما، وهو ما حدث بالفعل. ولم يسمح للكثير من وسائل الإعلام بنشر هذه الصورة بأي حال، فالبعض كان يرتبط بأردوغان والبعض الآخر كان مهددًا بالعقاب. وفي اليوم التالي، أعلنت مؤسسة “المجتمع المفتوح” التي يملكها “سوروس” نفسه أنها بصدد إغلاق فرعها بتركيا.

لقد نشرت وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان، ادعاءات مفادها بأنني كنت قد حرضت على احتجاجات متنزه “غازي” بتوجيه من “كافالا”. وهو ما أعقبه إصدار أمر بالقبض عليَّ من قبل المدعى العام. لكن لحسن الحظ كنت في ألمانيا ورفض الألمان تسلمي لهم.

إن الفارق بيني وبين جمال خاشقجي، هو أن المهاجمين كانوا مستعدين استعدادًا أفضل، فلم يخطئوا هدفهم. أمَّا الآن، فكلما سمعت أن أردوغان يتعهد بمتابعة قضية مقتل خاشقجي حتى النهاية، لا يسعني إلا أن أضحك.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: واشنطن بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر