عزمي بشارة.. أدوار مشبوهة وشعارات خادعة | مركز سمت للدراسات

عزمي بشارة.. أدوار مشبوهة وشعارات خادعة

التاريخ والوقت : الإثنين, 3 يوليو 2017

محمود غريب

منذ سقوط القضية الفلسطينية من حساباته عام 2007، وقد تحوّلت النظرة تجاه من يُفترض أن يجعل حياته وقفًا على قضية وطنه، إلى موُزِّع تنظيره على قضايا الكرة الأرضية، جعلت من عزمي بشارة واحدًا من أهم العرّابين لمشاريع تخطت في طموحها المحيط الإقليمي.
كغيري ممن يُفتنون أحيانًا بأفكار مُرتَّبة، أو أطروحات تبدو في أولها مدافعة عن مشروعات قومية، أو هكذا يُراد لنا أن نُصدق، وقعتُ – وأعترف أن نظرتي كانت قاصرة – في شباك الخديعة بمن يزعم أنه أكثر العرب تفكيرًا وتنظيرًا، أو هكذا يحب أن يناديه البعض بـ«المفكر العربي»، إذ كان بالنسبة لي، في بداية سنوات البحث والدراسة، واحدًا من أهم المراجع التي اعتمدت عليها في استقاء المعلومات والتحليلات، قبل أن أكتشف كمًّا هائلًا من التناقضات السياسية والفكرية والسلوكية، ذاتها معلومات ساقها لي أصدقاء مقربون منه، حوّلت بدورها بوصلة تفكيري إلى التفتيش عن: لحساب من يعمل عزمي بشارة؟..
وكعادتي، لا أتسرعُ في الحكم على شخصيات يلُفها الغموض، فبدأتُ في تجميع المعلومات والتفتيش في مواقف ورصّ الأحداث بجوار بعضها البعض، لتتكشف معالم «مهندس الصفقات» الذي ترك بصمة في كثير من الملفات التي سقى فيها متخذي القرار رؤيته.
عضو الكنيست السابق الذي ألقى قسمه عام 1996 قائلاً: «أتعهد أن يكون ولائي لدولة إسرائيل، وأن أخدم بأمانة مهام ولايتي في الكنيست»، قضى 11 عامًا من التعهد بالولاية لـ«دولة» إسرائيل التي تبدو في فكر عزمي بشارة دولة «لا تحترم المواطنة»، ويطالبها بأن تكون «دولة ديمقراطية» تجمع كافة الأطراف ويهاجم «فقط» صهيونية الدولة، حتى منذ شارك في قيادة الحركة الطلابية في الجامعات الإسرائيلية لعدة سنوات.
ومنذ أن انتقل إلى الدوحة في 2007، سقطت القضية الفلسطينية من حسابات عزمي بشارة؛ وكشفت أيضًا عن زيف شعارات رفعها مدافعًا عن القومية العربية، وأظهرت التسريبات والمعلومات التي أثق تمامًا في روايتها من شخصيات ثقة في الدوحة قريبين أغلب الوقت من «عرَّاب القصر».
واحدة من الروايات التي كشفت عن دور عزمي بشارة، ذلك النزاع الذي وقع بينه وبين وضاح خنفر، بحضور اثنين من العاملين في قناة الجزيرة – صاحب الرواية واحد منهما – عندما رفض وضاح تدخلات بشارة في إدارة القناة عندما أراد توجيه العاملين بتعليمات لم تَرُق لوضاح، وهو ما دفع الأخير إلى الوقوع في ذلة لسان أربكت حسابات عزمي عندما قال له: «أنا باعرف أنك يا عزمي تمثل الموساد في قطر، وأن انتقالك إلى قطر جاء نتيجة اتفاق بين الأمير حمد ورئيس الوزراء الإسرائيلي لتنفذ دورًا ما..!».
وما زلت أتذكر مشهدًا تليفزيونيًا لعزمي بشارة عام 2011 عندما همس لمذيع الجزيرة علي الظفيري قائلاً: «بدون الأردن.. سمعتني..؟ بدون الأردن..»، ورغم إعطاء منتج البرنامج إشارة بوقف الحوار من أجل بث فقرة إعلانية، إلا أنّ خطأً تقنيًا ما وقع، أبقى الحديث الهامس والمتوجس أمام ملايين المشاهدين، ليسمعوا استكمال الحوار حين تساءل بشارة إن كان الجمهور قد سمع جملته قائلاً: «ليكون انسمعت لما حكينا بدون الأردن».. فيرد عليه الظفيري: «لا لا احنا من اللحظة ذيك ما كنا على الهوا».
منذ تلك اللحظة، وقد بدت ملامح أدوار العرّاب تتكشف لدى الكثير من المتابعين والباحثين، بخاصة مع ربط الحوار السابق بعلاقة عزمي القوية بالجهات السيادية في الأردن، وهو ما يشكك في رؤاه وتحليلاته، فضلاً عن السياسيات والاستشارات التي يقدمها بشارة برمتها، وتؤكد دور الشخص النافذ والعقل الإعلامي والسياسي المدبر.
»بشارة» الذي نسي أن ملايين من الفلسطينيين في أمس الحاجة لمتبرع، بل يتسولون المساعدات من تراب الأرض، يقيم حاليًا في قصر أهداه له «حمد بن خليفة» عندما كان في سدة الحكم، كما يقوم فريق أمني بحمايته، ذلك أنّ «إعلام الظل» يستحق رعاية تفوق تلك الرفاهية التي أنسته قضية وطنه، ليقوم بدورين: الأول قيادة ذراع إعلامي بديل يجمع عددًا من المواقع الإخبارية ومشاركًا في تأسيس فضائيات، والثاني مهندس الصفقات السياسية للأمراء.
على المستوى الإعلامي، فشلت كافة وسائل الإعلام التي أدارها عزمي بشارة في إقناع غير جمهورها من أبناء التيار الإسلامي الذين يبدون مستعدين لتصديق ما يُقال، قبل أن يعرض على موقع إلكتروني، أو قناة فضائية، بل إنَّ خلافات مالية ومهنيَّة تكررت عشرات المرات داخل تلك المؤسسات، سواء موقع «العربي الجديد»، أو قناة الشرق، أو غيرهما، شاهدة على بصمة سياسة الفشل التي أوحل فيها بشارة أصحابها.
وعلى المستوى السياسي، أوحل العرَّاب أيضًا «أهل الحل والعقد» بمشورة زادت الطين بِلة، سواء ما يتعلق بملفات إقليمية، أو محلية، أو مشروعات تتعلق بالنفوذ في الشرق الأوسط. إلا أنَّ الغريب في الأمر كيف يمكن لشخصية تحسب نفسها على التيار العلماني، وذات ديانة مسيحية أن يكون من أكثر المدافعين عن «المشروع الإسلامي» لتيارات الإسلام السياسي الداعية لإقامة الخلافة، هنا يمكن أن نقول «سبحان مجري الأموال في بحار »العرَّابين»!!

باحث في الشأن السياسي*
@eldaramy12

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر