سقوط البشير.. إخوان مصر يفقدون ملاذًا آمنًا | مركز سمت للدراسات

سقوط البشير.. إخوان مصر يفقدون ملاذًا آمنًا

التاريخ والوقت : الأربعاء, 22 مايو 2019

في أعقاب تغيرات عصفت بالمشهد السياسي العربي، وبعد أن أمضى ثلاثة عقود في كرسي الرئاسة، تمت الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير وصار التغيير المستحيل محتملاً، وبات مصير السودان بعد الاحتجاجات الشعبية “غامضًا”، فالبشير كان واحدًا من أقدم القيادات الحاكمة في إفريقيا والعالم العربي، إذ تولى الحكم في انقلاب عام 1989 وذلك في ظل عزلة فرضت عليه من الغرب، وأحداث متتابعة متوالية من حروب أهلية، وانفصال جنوب البلاد، وقائمة اتهامات وجهت له من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

إلا أنه يبدو أن أزمة اقتصادية مستفحلة فجرت احتجاجات في ديسمبر الماضي، كانت القشة التي قصمت ظهر البشير، والتي سرعان ما انتشرت في مختلف أنحاء البلاد مطالبة إياه بالرحيل.ولعل يوم السادس من أبريل كان بمثابة الفصل الأخير حيث صعَّد المحتجون الضغط باعتصام خارج مقر وزارة الدفاع. وحاولت قوات الأمن إخلاء منطقة الاعتصام، لكن الجيش حمى المعتصمين قبل أن يعلن الإطاحة بالبشير في 11 أبريل.(1)

الإخوان في السودان

من الواضح أن التغيير في السودان قد جاء متأخرًا كثيرًا. ثلاثون عامًا مضت، قبل أن يستيقظ السودان على جماعة الإخوان التي قد تغلغلت في مفاصل حكم البشير، واندست في ثنايا الدولة. إذ شهد عام 1949 ظهور أول فرع لجماعة الإخوان، بعد زيارة قام بها وفد إخواني بقيادة جمال الدين السنهوري، نتج عنه نشاط ملحوظ لمجموعات الإخوان في الجامعات خلال الأربعينيات.(2)

ليس ذلك وحسب، ففي عام 1986 شكل حسن الترابي، الجبهة الإسلامية القومية، التي اعتادت اختراق أجهزة الدولة، فما عاد الشعب السوداني البسيط يميز بين تلك الجبهة وإخوان البنا، إلى أن تمكن عمر حسن البشير، قائد الجبهة الإسلامية، من السيطرة على السلطة في السودان، فيما عُرف باسم “ثورة الإنقاذ”(3).

ممارسات غير مقبولة

لعل ممارسات جماعة الإخوان خلال الأعوام الماضية التي استفحلت داخل الدولة السودانية، يمكننا وصفها بالممارسات غير المقبولة. فمن الناحية الأخلاقية كان الفشل أكبر بكثير من النواحي السياسية والاقتصادية، فمشروع الإخوان المسلمين يطرح موضوع القيم كأساس لجميع شعاراته، ومع ذلك يشهد السودانيون كيف صار الفساد ونهب مال الدولة فعلاً عاديًا ويوميًا، فضلاً عن الانتشار الواسع للمخدرات وغسيل الأموال والفساد والنهب، وهي مؤشرات واقعية نستنتج منها فشل شعارات الإخوان المسلمين(4).

تجربة الإخوان المسلمين الممتدة منذ ثلاثة عقود في السودان أثبتت بجلاء أن الدين لم يكن إلا “مطية” ركبتها الجماعة من أجل الوصول للسلطة، إذ استشرى الفساد في أجهزة الدولة وتدهورت الأخلاق العامة، بالإضافة إلى أن نمطًا من التدين الشكلي قد ساد بالبلاد، وهو ما نستدل عليه من اعترافات “الترابي” نفسه التي جاءت في برنامج “شاهد على العصر”عندما قال إن الفساد انتشر في مفاصل الدولة “تحت سمعي وبصري.. وعجزي”.

ويبدو أن الأمر لم يقف عند هذا الحد .. فالجماعة قد زجت بالمئات من الشباب في أتون الحرب التي خاضتها في جنوب السودان تحت شعار “الجهاد”، فضلاً عن إزهاق أرواح الآلاف من المسالمين في دارفور وجبال النوبة(5).

إخوان مصر وفقدان الملاذ الآمن

منذ النصف الثاني من عام 2013 وسقوط الإخوان في مصر، شكّل السودان “ملاذًا آمنًا” لعناصر الإخوان الهاربين، إذ استقبلتهم واستوعبتهمخلفية عمر البشير الإسلامية وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين في السودان، وهو ما أثر بشدة في دعمه للإخوان المصريين بعد هروبهم من بلدهم.

ومن المعروف أن الإخوان لهم تاريخ كبير من العلاقات مع السودان منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما خلق حالة من الوئام، وبالتالي كان من السهل أن يفتح السودان أبوابه أمام الهاربين منهم.(6)

إلا أن حالة من الهلع يبدو أنها أصابت إخوان مصر عقب سقوط البشير. فلا شك أن الإطاحة بالبشير عقب ما حدث بالسودان، بالطبع سيؤثر على أوضاع العناصر الإخوانية الفارة إلى السودان، ولكن المشهد لم يتضح بعد، خاصة في ظل تواتر وتضارب أخبار القائمين على الأمر هناك.

فبالتزامن مع أحداث السودان كانت هناك اجتماعات ومناقشات داخل أروقة التنظيم الدولي للإخوان، وقيادات الجماعة في تركيا وقطر وبريطانيا من أجل البحث عن مخرج لعناصر الجماعة الفارين من مصر والمقيمين في السودان – الذين تسللوا عبر الحدود بين البلدين – والذين يبلغ عددهم نحو400 إخواني، يتزعمهم محمد عبدالمالك الحلوجي.

ومن الواضح أن العناصر المصرية الفارة للسودان قد استفادوا من “اتفاقية الحقوق الأربعة” الموقعة بين مصر والسودان، وهي العمل والإقامة والتنقل والتمليك. وكعادتهم في الاستغلال، فإنهم قد استغلوا ذلك في تدشين استثمارات عدة تنوعت ما بين مزارع وشركات استيراد وتصدير ومصانع أدوية وشركات عقارية وشركات تعدين.

ويبدو أن مصيرًا غامضًا يحيط بعناصر الجماعة المحتجزين في السجون السودانية، بسبب وشايات من قيادات الجماعة ضدهم، واتهامهم بالتورط في أعمال عنف وإرهاب في مصر، ومن المتوقع أن مصير هؤلاء سيكون في يد الحكومة القادمة في السودان.(7)

ويمكننا القول إن الضربة التي تلقاها الإخوان بسقوط البشير لم تكن الأولى، فعدة ضربات أيضًا قد ألمت بهم. ففي تركيا كشف تراجع أردوغان في الانتخابات عن مأزق أضحى يؤرق قيادات التنظيم والعناصر الفارة من مصر، فضلاً عن الضربات التي تلقوها في ليبيا.

فمن الجلي أن شباب الإخوان باتوا يعانون آثار صدمة في ممارسات قادتهم في الخارج، التي كشفت لهم مدى التضحية التي قدموها من أجل أهداف تبين لهم فيما بعد أنها زائفة، فما من يوم يمر إلا ويتناحر قيادات الإخوان.. فيبدو مما سبق أن مشروع “الإسلام السياسي يواجه “انتكاسة”، وهو ما دفع شباب الإخوان الهاربين، بل والمسجونين في مصر إلى إعادة النظر فيما اعتبروه قضية مصير(8).

نقاط هامة وتوقعات مستقبلية

يبدو أن المشهد الغامض في السودان قد ألقى بظلاله على مصير جماعة الإخوان، وخاصة العناصر الهاربة منهم إلى السودان. بيد أن هناك نقاطًا هامة يجب وضعها في الاعتبار:

–  الوقت حاليًا غير مناسب لكي تطلب السلطات المصرية من نظيرتها السودانية تسليم عناصر الإخوان المطلوبين أمنيًا، فمن المعروف أن الأولويات الآن بالنسبة لمصر هو استقرار الأوضاع في السودان.

 -لا شك أن توجهات القيادات الجديدة في السودان ستلقي بظلالها على مصير الإخوان. فإن كان توجه عربي، فإن هذه الفوضى ستنتهي وسيتم تسليم الإرهابيين الهاربين من كافة الاتجاهات والانتماءات، وإن كان توجه إقليمي غير عربي، فمن الوارد أن تستمر نفس السياسات.

-النظام السابق في السودان كان في العام الأخير متعاونًا مع السلطات المصرية، وكانت هناك تفاهمات حول ضبط الحدود، وتسليم المطلوبين أمنيًا، ومن المحتمل أن هذه التفاهمات باعتبار ذلك من مقتضيات الأمن القومي في البلدين.

-من غير المستبعد أن يلجأ عناصر وقيادات من جماعة الإخوان المصريين الموجودين في السودان للهروب خارج البلاد، بعد أن أصبحت الظروف غير مواتية لوجودهم.فالموقف قد أصبح معقدًا جدًا بالنسبة للإخوان المصريين في السودان، حيث يعيشون حاليًا حالة فزع ورعب كبيرة.

 -من المحتمل أن تطور الأمور في السودان ودخول الأحوال في سيناريوهات مبهمة، وكذلك مستقبل الحركة الإسلامية (المكون الرئيسي للحزب الحاكم في السودان) غير واضح ولا يزال غامضًا.

 -ربَّما يكون الأمر متوقفًا أيضًا على رد فعل أعضاء الجماعة تجاه الوضع السياسي الراهن، لأنه في حالة الاتجاه للتصعيد سيكون مصيرهم كإخوان مصر، أمَّا في حال استمرارهم في التحرك الناعم الذي بدؤوا به منذ الإطاحة بالبشير حتى الآن، فإنهم سيسعون للحصول على المزيد من المكاسب السياسية.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع 

1- نظرة فاحصة – السودان إلى أين بعد سقوط البشير؟ رويترز.

https://bit.ly/2EgyqJN

2- أبرز محطات تنظيم “الإخوان” في السودان، مصراوي.

https://bit.ly/2WMCEA4

3- لوريات الإخوان في السودان، البيان.

https://bit.ly/2vb5MVE

4- أخلاقية الممارسة السياسية لدى الإخوان المسلمين: فساد التجربة السودانية، حفريات.

https://bit.ly/2UujqCb

5- الإخوان المسلمون يبدلون شعاراتهم، الحرة.

https://arbne.ws/2WOYbZ5

6- قلق بعد عزل البشير… ماذا ينتظر إخوان مصر في السودان؟ رصيف22.

https://bit.ly/2VN39c6

7- من هم إخوان مصر الفارون للسودان وما مصيرهم؟ العربية.

https://bit.ly/2We5jkz

8- ما مصير الإخوان بعد تنحي البشير؟.. باحثون يُجيبون، أمان.

https://bit.ly/2w5gA8b

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر