رسائل في رؤية محمد بن سلمان الاستثمارية | مركز سمت للدراسات

رسائل في رؤية محمد بن سلمان الاستثمارية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 25 أكتوبر 2017

محمود غريب

أظهر الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، جانبًا كبيرًا من مخططه المستقبلي لتحويل المملكة إلى أحد أكبر المنافسين الدوليين في تماس لمستويات السياسة والاقتصاد والاجتماع، حيث بدا واضحًا من بين السطور، تفاصيل تلك الخطط التنموية التي عكف خلال الفترة الماضية على صياغتها بشكل ينقل اقتصاد المملكة “الريعي” إلى خلق موارد أخرى أكثر استقرارًا للمملكة أمام تقلبات دولية وإقليمية، خاصة في ظل مشروع “نيوم” الطموح.

مؤشرات إيجابية

خطاب الأمير محمد بن سلمان خلال إطلاق “مبادرة مستقبل الاستثمار”، أظهر أن مخططه المستقبلي يحاول استغلال ثقة المستثمرين حول العالم بالسوق السعودية التي نجحت في تحقيق أكبر إصدار من السندات تشهده الدول الناشئة في العالم بقيمة 17.5 مليار دولار، بالإضافة إلى تحقيق أكبر إصدار من الصكوك تاريخيًا بقيمة 9 مليارات دولار.

الإشارات الجانبية على الطرقات التي تحدد كم يتبقى للوصول، تُعطي قائد السيارة رؤية أكثر وضوحًا، وتزيد من الإصرار على الاستكمال، هذا بالضبط ما بدا في حديث الأمير محمد بن سلمان للانطلاق في استكمال نجاحات حققتها خطته خلال الأشهر الأخيرة. ففضلاً عن ثقة المستثمرين، فإن مؤشرًا أكبر يعطي المملكة، القدرة على استكمال مشروعات بمليارات الدولارات، حيث شهدت السيولة مستويات عالية مقارنة بالسنوات الماضية، لا سيما بعد تراجع إجمالي القروض المقدمة للقطاع الخاص، مقارنة بودائع البنوك، الذي يعتبر مقياسًا لسيولتها إلى 88%، مقارنة بـ91% العام الماضي.

عالمية الرؤية

رؤية الأمير غير محلية أو حتى إقليمية بقدر عالميتها، وهو ما ظهر في قوله إن “المبادرة لا تعد مؤتمرًا ينعقد لعدة أيام فحسب؛ بل هي منصة دولية تهدف لبناء الشراكات ومناقشة الأفكار واستعراض الفرص المستقبلية”، ما يعني أن الهدف هو جذب استثمارات وشراكات دولية من شأنها تنويع مصادر اقتصاد المملكة.

و”مبادرة مستقبل الاستثمار”، هي الأولى من نوعها في العالم، ينظمها صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم؛ إذ تعد مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة، قفزة نوعية في مجال الاستثمار العالمي، خصوصًا أنها ستركز على استكشاف الاتجاهات والفرص والتحديات ومناقشة القطاعات الناشئة التي ستسهم في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد والاستثمار في العالم في العقود المقبلة.

الشباب كلمة السر

وبتحليل مضمون التصريحات التي أدلى بها الأمير الشاب خلال إطلاق المبادرة، فإن الشباب هو “كلمة السر” في الخطط المستقبلية، يظهر ذلك من خلال قوله إن “الشباب السعودي هو ركيزة مشروع “نيوم”، وإن 70% من الشعب تحت سن 30 عامًا”، فالأمير يعرف فوائد استغلال القدرة البشرية الهائلة والقدرة الإنتاجية التي يمكن لـ70% من القوة البشرية للمملكة إنتاجها حال تمَّ استغلالها بالشكل المطلوب.

تكرار جملة “الشعب السعودي” خلال افتتاح أضخم المشروعات الاقتصادية في المملكة، يعني أن الأمير يريد استغلال القدرات البشرية الهائلة للمملكة، وهو ما يعني أنّ ثمة خططًا مستقبلية لرفع كفاءة وتأهيل المواطنين وإشراكهم في خطط التنمية وتنفيذ المشروعات للحد من استقدام عناصر بشرية من الخارج، فضلاً عن اعتماد مسألة توطين الوظائف والمشروعات.

القدرات البشرية والتأهيل

“الشعب الذي يعيش في هذه الصحراء لديه الكثير من القيم والمبادئ والركائز”، هذه الجملة تشتمل على رسائل عديدة أراد الأمير من خلالها أن يقول إن الشعب الذي تحمَّل عناء هذه الصحراء الصعبة، كم يمتلك من المسؤولية التي تجعله يتحمَّل أي صعاب مستقبلية لتحقيق حلمه، وهو ما بدا واضحًا في الجملة التالية عندما قال “اليوم لدينا شعب مقتنع نعمل معه بشكل قوي للوصول بالسعودية ومشاريعها وبرامجها إلى آفاق جديدة في العالم”؛ ذلك يعني أن الأمير يعتمد، على رأس خططه، التوظيف الجيد للقدرات البشرية للمواطنين، كما يريد أن يقول إن الجميع متفق على تحقيق الحلم. هذا – باختصار – أفضل مراحل الانتقال إلى الريادة الاقتصادية، إذ إن أي دولة حققت مثل تلك الخطط العالية، اعتمدت مبدأ التعاضد الشعبي، والاتفاق على حلم لتحقيقه.

إزالة التخوفات

يدرك الأمير جيدًا، أن الانفتاح الاستثماري على العالم، يتطلب تقديم رسائل إيجابية، وإزالة أي تخوفات يمكن أن تحول دون الإقبال على السوق المحلية، ذلك أن السياسة العامة للدول، هي الوجه الآخر للاقتصاد. كما أن الأمن بمثابة الوقود المحرك لعجلة الاستثمار؛ وهو ما بدا واضحًا من قوله: “المشروع يهدف إلى التعايش مع العالم وسنقضي على بقايا التطرف، كما نعود للإسلام الوسطي المنفتح على العالم والأديان. ومشروع الصحوة لم ينتشر لدينا إلا بعد 1979”.

رسالتان بخصوص التطرف

جمل متراصة تتضمن عشرات الرسائل، تشير إلى أن الأمير يدرك جيدًا ما يدور في أذهان الآخرين، ويريد أن يقول إن السعودية الحديثة بلا تطرف، وأكثر انفتاحًا على العالم؛ ذلك أن حديثه يقرُّ رسالتين: الأولى أن السعودية خلال الثلاثين عامًا الماضية، لم تكن على الوجه المطلوب للتعامل مع الأفكار المتطرفة، والثانية أن المملكة الحديثة ستبدو وجهًا آخر، يمكن أن تعتبر جدة كباريس، أو المدينة كلندن، حال تمت المقارنة من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية والتنموية، ظهر ذلك من خلال قوله “ستتوفر سيارات ذاتية القيادة وطائرات بدون طيار ستكون إحدى وسائل النقل في مشروع “نيوم”، سنخطط للمدينة بأفكار المستقبل”.

من إزالة التخوفات الدينية إلى حلم الريادة الاقتصادية، تترسم ملامح مشروع “نيوم” الفريد من نوعه، إذ يعد موقعًا ومكانًا للحالمين بعالم آخر. كما يهدف إلى أن تكون الروبوتات أكثر من البشر، ويستهدف الأمير أن يجمع المبدعين والموهوبين من كل العالم، لحجز مقعد للمملكة في المستقبل وسط آلاف من الفرص الخيالية.

الاستثمار السياحي

التصريحات تكشف عن نوع آخر من السياحة التي يريدها الأمير لمستقبل المملكة، حيث قال “إن 10% من التجارة العالمية تمر بجوار الموقع من خلال البحر الأحمر، إلى جانب طبيعة خلابة من وديان وشعب وجزر وجبال”، مختصرًا تعريف المشروع في جملة واحدة قائلاً: “لأختم ما هو “نيوم” بشكل مختصر، مثل الفرق بين الهواتف القديمة والهواتف الذكية”؛ لذا يمكن استشراف المشروع على أنه مدينة الأحلام.

ويعتبر القطاع السياحي في دول الخليج بمثابة المؤشر على مدى نمو اقتصادات الدول أو عدمه، في ظل ظروف وتوترات لا تزال تحيط بأغلب دول الشرق الأوسط، فيما تبقى دول الخليج الأكثر تمتعًا بالأمان، وهو العنصر الأهم لضمان ارتفاع مؤشرات قطاع السياحة، وهو ما أدركته جيدًا المملكة، فبدأت في توفير بنية تحتية متطورة، ومشاريع تطوير وتحديث للقطاع، ورفع قدرته التشغيلية والمنافسة على المستوى العالمي. كما أن خطط التوسع في قطاع السياحة للمملكة، وفق البيانات المتداولة، تجعل القطاع بالسعودية قادرًا على توفير نحو 1.2 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020، فيما يتوقع أن تساهم الاستثمارات الحكومية في إحداث طفرة في القطاع السياحي على مستوى المملكة.

وبينما يساهم قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تتوقع تقارير أن تسجل السياحة الخليجية نسبة زيادة خلال السنوات المقبلة تتجاوز 8% سنويًا حتى عام 2026، هذا بالإضافة إلى أن العائدات المحققة – حاليًا – كفيلة برفع قيم الاستثمار في القطاع السياحي.

تنويع مصادر الطاقة

زاوية أخرى تبدو من حديث ولي العهد عن مشروع “نيوم”، تتمثل في التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة في محاولة لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية، التي تشير التقارير إلى وضعها في إطار زمني، حيث قال الأمير “إن مشروع “نيوم” يعد أفضل منطقة بالشرق الأوسط لاستغلال طاقة الرياح، ويتضمن شمسًا كافية لخلق أي طاقة من الشمس، منطقة “نيوم” العالمية ستكون لاستثمارات وموقعًا للحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم، ولا مكان فيها للاستثمارات التقليدية”.

لا إطارًا تخيليًا يمكن للمراقبين أن يضعوه للمشروع بعدما قال ولي العهد، إن بعض الشركاء “يريد أن يبني شيئًا أعظم من سور الصين العظيم، لكن على شكل ألواح ضوئية لتطوير الاستفادة من الطاقة الشمسية”، ففضلاً عن التطور التكنولوجي والتنموي المنشود، فإن التوجه الجديد لدولة تنتج ملايين من براميل النفط اليومي، يعني أن خططها المستقبلية أبعد من الأجيال الحالية بمراحل.

بشكل عام، تطغى على التصريحات والمؤشرات، نظرة إيجابية تدعمها رؤية تنموية طموح، أظهرت المؤشرات السابقة نجاحًا سريعًا تُنبئ بمزيد من التقدم نحو استراتيجية تحول المملكة إلى بلد اقتصادي متنوع تستقبل ميزانيتها موارد من قطاعات أكثر استدامة واستقرارًا.

باحث في الشأن السياسي العربي*

@eldaramy12

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر