دلالات التصعيد الأميركي ضد إيران وانعكاساته على توازنات الإقليم | مركز سمت للدراسات

دلالات التصعيد الأميركي ضد إيران وانعكاساته على توازنات الإقليم

التاريخ والوقت : الأحد, 17 ديسمبر 2017

ثمة نزاع متجدد ما بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك منذ وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للبيت الأبيض، فدائمًا ما يتم التلويح من جانب ترمب بـ”ورقة” خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) – تلك التي شكلت الإنجاز الأهم والأكثر إثارة للجدل لسياسة إدارة أوباما الخارجية – بهدف تقويض التمدد الإيراني بالإقليم العربي. وذلك في ظل حالة من الانقسام في ردود الأفعال المؤسساتية لواشنطن؛ فضلاً عن التصعيد الإيراني بحدة التصريحات إلى التهديد بالخروج من الاتفاقية، بما يدفع نحو العديد من التساؤلات وفي مقدمتها ما يتعلق بالداخل الأميركي وتوازنات القوى ما بين مؤسسات الداخل، وكذلك دلالات ذلك التصعيد ودوافعه؛ فضلاً عن مآلاته وانعكاسه على إدارة ملفات الإقليم المتشابكة والمتداخلة مع فواعل الداخل الشرق أوسطي والخارج الأوروبي.

تقنين الصراع

أصبغت الولايات المتحدة الأميركية الصبغة القانونية على أجندة الصراع السياسي مع الجمهورية الإيرانية، وذلك وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي صدَّق على الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى (5+1) في يوليو 2015.  حيث ينص القرار على استمرار منع إيران من امتلاك تقنية الصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات، ومنع استيراد الأسلحة التقليدية لمدة 5 سنوات، ولا يسمح بامتلاكهما أثناء هذه الفترة إلا بقرار من مجلس الأمن.

ونظرًا لعدم التزام إيران بـ”روح القرار الدولي” والاستمرار في تطوير صواريخها الباليستية، فقد صوت مجلس النواب الأميركي، بالإجماع على فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني لتضييق الخناق على طهران دون تقويض أو إلغاء الاتفاق النووي، وذلك بواقع 423 صوتًا مقابل صوتين لمصلحة إقرار “قانون الصواريخ الباليستية الإيرانية وإنفاذ العقوبات الدولية”، فضلاً عن ذلك، فقد سبق هذه الخطوة، فرض عقوبات على نحو 18 شخصية ومؤسسة إيرانية ضالعة في دعم برنامج الصواريخ الباليستية، أو ممن يعملون ضمن قوات الحرس الثوري الإيراني. ومن ثَمَّ، فإن مجمل التصعيدات تتعلق فقط بالصواريخ الباليستية، وليس بمسألة مخالفة طهران للاتفاق النووي والعودة إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية.

تجدر الإشارة إلى أن التصعيد “الترمبي” ضد إيران وبرنامجها النووي، قد حظي بالعديد من الانقسامات داخل إدارة ترمب، فهناك اتجاه يرى ضرورة التزام الرئيس بتعهداته الانتخابية بنسف هذا الاتفاق، الذي يراه “الأسوأ” في تاريخ أميركا، بينما يرى اتجاه آخر ضرورة الإبقاء عليه احترامًا لدولة القانون والمؤسسات التي كان الاتفاق تحت رعايتها وبموافقتها في عهد باراك أوباما، فضلاً عن تجنب الصدام مع الدول الأوروبية الموقعة عليه، خاصة بعدما أعلنت عدم نيتها إعادة النظر في بنود الاتفاق مرة أخرى.

 

 

كذلك، فالانقسام ما بين ترمب ومؤسسات الدولة ليس وليد الموقف، فمنذ اليوم الأول لتنصيبه باتت ملامح الصدام تتكشف بصورة واضحة في ظل ما ينتهجه ترمب من أفكار وسياسات ربَّما تتعارض بشكل كبير مع توجهات المؤسسة الخارجية الأميركية وفق تقديراتها السياسية والأمنية، التي منها:

  • الصدام الأول مع القضاء في أزمتين متتاليتين: الأولى في 3 فبراير2017، والثانية في التاسع من نفس الشهر، وذلك حين رفض القضاء القرار الذي أصدره الرئيس في 27 يناير 2017 بشأن حظر دخول مواطني عدد من الدول لأميركا بدعوى حماية أمنها من الإرهاب. ورغم حكم المحكمة العليا، مؤخرًا، بتطبيق حظر جزئي على مواطني هذه الدول، فإن ملامح الصدام بين الرئيس والقضاء لم تنتهِ بعد.
  • الصدام الثاني، تمثل في شبه الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على أن بعض ممارسات ترمب ربَّما تمثل تهديدًا للأمن القومي الأميركي، وهو ما انعكس برد فعل الحزبين على مناقشة الرئيس بعض القضايا الأمنية، والمتعلقة بتجربة الصاروخ الباليستي الذي أطلقته كوريا الشمالية في 13 فبراير 2017، خلال تناوله العشاء مع رئيس الوزراء الياباني “شيزو آبي” بمنتجع “ماو آلا غو”.
  • الصدام الثالث، تمثل في التباين في مُدركات بعض الملفات الإقليمية والدولية، كعلاقة الرئيس ترمب مع روسيا، وانتقاداته الحادة لبعض الدول الأوروبية وحلف الناتو، كذلك الموقف من العراق والأزمة الأوكرانية، وغير ذلك في كثير من القضايا.

دلالات التصعيد   

تعكس الدلالات الزمنية للتصعيد الأميركي ضد طهران جُملة من الأهداف السياسية، منها:

  1. الرغبة الأميركية في استعادة دورها والانخراط بأحداث المنطقة، وإن كان ينقصها غياب أجندة سياسية متفق عليها في ظل الانقسام الواضح ما بين مسؤولي إدارة ترمب على طريقة التناول بملفات الإقليم.

وبالمقابل، تمتلك طهران الأجندة الواضحة التي تُعرف بـ”الاستراتيجية الإيرانية العشرينية (إيران 2025)”. وهي تعتبر “أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني”، تنص على الخصوصية الدولية لطهران وسعيها للتحول من قوة صاعدة لقوة دولية بما ينعكس على إقليم 2025، إذ استغلت انكفاء أوباما لتعزيز خريطتها في كل من العراق وسوريا، كما استفادت من تفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، والغرب عامة، بتبنيها ما بات يُعرف بنهج الحروب بالوكالة في المنطقة، من خلال إنشاء وتسليح ميليشيات (كميلشيات الحشد الشعبي) تشاركها الأجندة السياسية.

  1. طبيعة المرحلة السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط بعد ما يعرف بثورات الربيع العربي، والخلل البنيوي الذي أصاب ثوابت الدولة الوطنية وتنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية “داعش” في عدد من الدول الهشة بالمنطقة، فضلاً عن حصارها بالعراق، بما يوحي أن طبيعة الصراع القادم ستتمثل في “مواجهة إيران وحلفائها”.
  1. إعلان استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من العاصمة السعودية الرياض، وعبر قناة العربية، حيث جغرافيتها والوعاء الإعلامي الذي أذاعها؛ تبعث بدلالات ورسائل قوية جدًا، أهمها أن إيران هي الجهة المعنية الأولى بالأمر، قبل لبنان.
  1. ردود الأفعال التي أبدتها السعودية على مختلف الصعد الإقليمية والدولية، جراء إطلاق الحوثيين الصاروخ الباليستي على الرياض والتنديد الأميركي بذلك؛ تؤكد أن هناك جملة من الأهداف تتعدى مجرد “رد الفعل” جراء إطلاق “صاروخ باليستي” لم يصل إلى الهدف، وفجرته المضادات السعودية في الجو.
  1. التصعيد ضد إيران يشكل نقطة التقاء للمصالح الشخصية الثنائي “ترمب – نتنياهو”، خاصة في ظل ما يعانيه كلاهما من أوضاع داخلية مستعصية في بلدانهم؛ تستدعي تصدير الأزمات للخارج، وصرف أنظار الداخل عنها. فملف علاقة الحملة الانتخابية لترمب بروسيا، وصل إلى مرحلة حساسة للغاية، كما أن ملفات فساد رئيس الوزراء الإسرائيلي أصبحت تهدد مستقبله السياسي وبقاءه في السلطة.

 

 

موازنة التحولات بالإقليم

هناك عدد من التحولات تفرض نفسها على الخريطة العربية، بما يستدعى التدخل الأميركي لدعم الحلفاء بالشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمتلك منظومة صواريخ قادرة على تدمير الصواريخ الباليستية في مرحلتها الأولى، وهو ما أكد عليه الجيش الأميركي مايو الماضي، فإن المتغيرات التي قد تطرأ على المنطقة والتي قد تظهر في ظل تطوير إيران لبرامجها الباليستية بالحد الذي قد تشكل فيه تهديدًا لأمن “حلفاء” ترمب بالإقليم في ظل دعمها لكيانات تخضع “للتصنيف الإرهابي” وفقًا للأجندة الأميركية، وهي على النحو التالي:

أولاً: الحوثيون

نظرًا لامتلاك الحوثيين ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، وتقوم بإطلاقها صوب المملكة، وعلى الرغم من التصدي لها في كل الأحوال، فإن التخوف الرئيسي يتمثل في حال لو امتلكت صواريخ متطورة، حيث قد تصبح قادرة على إيقاع خسائر كبيرة في المملكة خلال الفترة المقبلة، هذا في حال إذا ما قررت إيران تزويد الحوثيين بأسلحة متطورة. وبالتالي، فإن إيران تمثل تهديدًا مباشرًا على السعودية من الجنوب عبر دعم الحوثيين. كما أن طهران من الممكن أن تستخدم مختلف وسائل الضغط لإشراك الحوثيين في العملية السياسية، حتى يكون لها ذراع قوي في اليمن جنوب المملكة، وتمثل تهديدًا دائمًا لها.

ثانيًا: حزب الله

ثمة علاقة قوية بين حزب الله وإيران، قد تجعلها تمد الحزب بأسلحة متطورة، وتحديدًا الصواريخ المتطورة وبخاصة متوسطة المدى، التي يمكنها إصابة أهداف في الأراضي المحتلة، وهو بالفعل ما حدث خلال حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان مما زاد من قدراتها الدفاعية؛ وبالتالي فإن وصول أي صواريخ متطورة وبعيدة المدى وذات دقة عالية لأيدي حزب الله، فإن هذا يهدد إسرائيل تمامًا، خاصة أن “القبة الحديدية” لم تكن على القدر المتوقع لها.

 

 

خيارات دولية   

فرض التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ضغوطًا قوية على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية التي وجدت نفسها أمام خيارات صعبة. فمن ناحية، تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة “5+1” (ومنها ثلاث دول أوروبية هي: فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) في 14 يوليو 2015، بينما من ناحية أخرى، تبدي قلقًا واضحًا تجاه الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية، بالإضافة إلى منظومة صواريخها الباليستية، ولذا أصبحت أمام خيارين تمثلا في:

  • الخيار الأول: ممارسة ضغوط جديدة على إيران، يتمثل أهمها في عدم السعي إلى عرقلة أي توجه أميركي نحو فرض عقوبات جديدة على إيران، وهو ما سيزيد من مستوى الضغوط التي تتعرض لها إيران على هذا الصعيد. فضلاً عن إمكانية التماهي مع الموقف الأميركي مستقبلاً في حالة إذا ما توقف العمل بالاتفاق وعاد الملف النووي إلى مجلس الأمن من جديد، حيث يتوقع أن يُعاد فرض العقوبات الدولية على إيران مرة أخرى، بشكل ربَّما يكون أكثر قوة، خاصة أن إيران في هذه الحالة سوف تتجه إلى إعادة تطوير برنامجها النووي من جديد لاستعادة قدراتها النووية السابقة.
  • الخيار الثاني: هو تقليص حجم التعاملات الاقتصادية والمالية مع إيران في حالة إذا ما استمرت في تبني السياسة المتشددة نفسها على المستويين النووي والإقليمي. وبمعنى أكثر دقة، عدم التدخل لدى الشركات والمصارف الغربية من أجل إبرام مزيد من الصفقات الاقتصادية مع جهات داخل إيران، ويمثل هذا الخيار “الاتجاه الأنسب” خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الشركات لديها بالأساس عدد من الدوافع تجعلها تتردد في الدخول إلى السوق الإيرانية من جديد، خشية التورط في تعاملات مالية مع جهات تابعة للحرس الثوري، أو أية جهات متهمة بدعم الإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية، بشكل قد يعرضها لعقوبات من قبل الولايات المتحدة الأميركية، على غرار العقوبات التي فرضت على بنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي، في يونيو 2014.

 

 

تأسيسًا على ما سبق:

يمكن القول إن رهان “التصعيد” الأميركي، دائمًا “متجدد” في ظل تبلور الاستراتيجية الأميركية نحو محاصرة التمدد الإيراني بغرض حماية مصالحها وموازنة مصالح حلفائها بالإقليم، وذلك في ظل التخبط بالموقف الأوروبي والدولي ما جعله “قاب قوسين” نحو الاقتراب من الموقف الإيراني فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وآخر على مقربة من الموقف الأميركي فيما يتصل بالدور الإقليمي الإيراني وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وهو ما دفع بترمب نحو التصعيد على خلفية امتلاك طهران لبرنامجين عسكريين تسعى إلى تطويرهما بشكل دائم: أولهما، خاص بالصواريخ الباليستية، والثاني يتعلق بالزوارق البحرية السريعة، وذلك استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم “2231” في 14 يوليو 2015، الذي يحظر على إيران تنفيذ تجارب للصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات.

 

وحدة الدراسات السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر